حرف الراء / الرؤوف

           

الرؤوف: صيغة مبالغة من اسم الفاعل: الرائف، يقال: رؤُف يرْأُفُ رأْفَةً، ورآفة، ومن ليّن الهمزة قال: رَوُف، فجعلها واوًا[1]، قال ابن فارس: «الراء والهمزة والفاء كلمة واحدة تدل على رقّةٍ ورحمة»[2]. قال تعالى: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأَفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] قال الزجاج: «لا ترحموهما فتسقطوا عنهما ما أمر الله به من الحد»[3].


[1] انظر: مقاييس اللغة (2/471) [دار الجيل]، وتهذيب اللغة (15/172) [دار إحياء التراث العربي، ط1].
[2] مقاييس اللغة (2/471).
[3] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/28).


الرؤوف: بالغ الكمال في الرحمة واللطف[1].


[1] انظر: تفسير السعدي (946) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1423هـ]، وصفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة لعلوي السقاف (119) [دار الهجرة، ط1، 1414هـ].


من خلال ما تقدم من التعريف اللغوي والشرعي يتبين بأن الرؤوف في كلٍّ منهما يدل على الرحمة والرقة، غير أن التعريف الشرعي يختص بكون الرؤوف اسمًا من أسماء الله تعالى، وهذا يقتضي حمله على غاية الكمال والجمال في حقه سبحانه.



الرحمان، اللطيف.



يجب إثبات اسمه تعالى الرؤوف، والإيمان بما تضمنه من صفة الرأفة والرحمة واللطف كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه من غير تحريف ولا تأويل ومن غير تكييف ولا تمثيل.



اسمه تعالى الرؤوف يدل على العلمية والوصفية، فيوصف الله عزّ وجل بالرأفة والرحمة والتعطف على عباده المؤمنين بحفظهم في سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم، وإن جاز تسمية غير الله بهذا الاسم كما في وصف الله لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم بذلك في قوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [التوبة] ، إلا أن لله ما يختص به، وللبشر ما يختص به، فالاتفاق في الاسم لا يلزم منه تماثل المسمى.



ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في آيات كثيرة؛ منها: قوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [النور] ، وقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [الحشر] ، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [الحج] .



1 ـ قال ابن جرير الطبري: «إن الله بجميع عباده ذو رأفة، والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة»[1].
2 ـ قال ابن منده: «ومن أسماء الله عزّ وجل: الرؤوف الرحيم»[2].
3 ـ قال أبو القاسم الأصبهاني: «ومن أسمائه: الرؤوف، وهو (فعول) من الرأفة»[3].


[1] تفسير الطبري (3/170 ـ 171) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
[2] كتاب التوحيد لابن منده (361) [دار الفضيلة، ط1].
[3] الحجة في بيان المحجة (1/174) [دار الراية].


يشتق من اسمه تعالى (الرؤوف) صفة الرأفة، وهي صفة خبرية فعلية ثابتة لله عزّ وجل، والرأفة: هي أشد الرحمة وأبلغها، يقال: فلان رحيم، فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف[1].


[1] انظر: الصحاح (5/48) [دار العلم، ط4]، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (62) [دار الثقافة العربية].


الفرق بين الرأفة والرحمة:
نظرًا لاقتران صفة الرأفة بالرحمة في جميع الآيات التي وردت فيها صفة الرأفة، فقد تعددت أقوال العلماء في بيان الفرق بينهما:
1 ـ قيل: إن الرأفة والرحمة بمعنى واحد لا فرق بينهما[1].
2 ـ وقيل: إن الرأفة أشد من الرحمة، وأنها منتهى الرحمة وأبلغها[2].
3 ـ وقيل: إن الرأفة أعم من الرحمة؛ إذ الرحمة قد تكون بشيء مكروه أو عقيب البلاء، والرأفة خير من كل وجه[3].
والخلاصة: أن الرأفة هي غاية شدة الرحمة وأبلغها، وتعم الخير، وتختص به، بخلاف الرحمة فإنها تعم الخير والشر الذي عاقبته خير.


[1] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (62).
[2] انظر: شأن الدعاء للخطابي (91).
[3] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/173).


من آثار اسمه تعالى الرؤوف على العباد ما يلي[1]:
1 ـ تمام نعمته وفضله عليهم.
2 ـ توفيقهم للقيام بحقوقه وحقوق عباده.
3 ـ تسهيل الطاعات لهم وعدم تحميلهم ما لا يطيقون.
4 ـ تحذيرهم من نفسه وعقابه.
5 ـ قبوله لأعمالهم وإثابتهم عليها.
6 ـ قبوله توبة التائبين منهم.
7 ـ تسخيره لما في السماوات وما في الأرض لمصلحتهم.


[1] انظر معظمها في: فقه الأسماء الحسنى للبدر (231 ـ 232) [ط1، 1429هـ].


أنكر عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة أن يوصف الله عزّ وجل بالرأفة والرحمة كما يليق بجلاله، فصرفوها عن ظواهرها وعطلوها عن حقائقها، وقالوا: إن الرأفة والرحمة هي رقة تعتري القلب، وهي من الكيفيات النفسية والله منزه عنها، ثم أوّلوا رأفته ورحمته بمعنى إرادة إنعامه وإحسانه ولطفه على عباده[1].
وهذا الذي قالوه باطل لمخالفته للنصوص الصريحة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والعقل الدَّالة على إثبات صفة الرأفة لله عزّ وجل كما يليق بجلاله. وأنه يلزمهم إن نفوا الرأفة والرحمة أن ينفوا كذلك ما أثبتوه من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها؛ لأن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.


[1] انظر: الكشاف للزمخشري (1/45) [دار إحياء التراث]، والإنصاف للباقلاني (39) [المكتبة الأزهرية، ط2، 1321هـ]، وتفسير للرازي (14/286) [دار التراث العربي]، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (10/471) [مكتبة الرشد، ط2، 1423هـ].


1 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
4 ـ «أسماء الله الحسنى»، لابن القيِّم.
5 ـ «أسماء الله الحسنى جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لماهر مقدم.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
9 ـ «المنهاج لشعب الإيمان»، للحليمي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.