حرف الراء / الرأي

           

الرأي: مصدر: رأى رأيًا، وجمعها: آراء. قال ابن فارس: «الراء والهمزة والياء أصلٌ يدلُّ على نظرٍ وإبصارٍ بعينٍ أو بصيرة»[1]. وقال الليث: «الرَّأيُ: رأي القلب». ويقال: ما أضَلّ آرَاءهم، وما أَضلَّ رَأْيَهم. ويقال من (رأي) القلب: ارتأيت.
قال الشاعر:
ألا أيّها المُرْتَئِي في الأُمُورِ
سَيَجْلو العَمَى عَنْك تِبْيانُها[2].
ويقال للقضية المستنتجة من الرأي: رأيٌ، ولعل هذا هو الغالب في الاستعمال.
كما قد يقال لكل قضية فرضها فارض رأي أيضًا[3].


[1] مقاييس اللغة (2/472) [دار الجيل، ط2].
[2] انظر: تهذيب اللغة (15/227) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[3] انظر: إعلام الموقعين (1/66) [دار الجيل، 1973م]، الكليات للكفوي (480) [مؤسسة الرسالة، 1419هـ].


بيَّن ابن القيِّم أن الرأي هو: «ما يراه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأمارات. فلا يقال لمن رأى بقلبه أمرًا غائبًا عنه مما يحس به: إنه رأيه، ولا يقال أيضًا للأمر المعقول الذي لا تختلف فيه العقول ولا تتعارض فيه الأمارات: إنه رأى، وإن احتاج إلى فكر وتأمل؛ كدقائق الحساب ونحوها»[1].


[1] إعلام الموقعين (1/66).


العلاقة بينهما بيِّنة؛ بل ربما كانت متطابقة، فكلاهما بمعنى نظر البصيرة، والتفكر في الأمور.



كان إطلاق (الرأي) على القضية المستنتجة من الرأي من باب استعمال المصدر في المفعول، وذلك من باب استعمال المصدر في المفعول؛ كالهوى في الأصل مصدر: هويه يهواه هوى، ثم استعمل في الشيء الذي يهوى، فيقال: هذا هوى فلان[1].


[1] انظر: المصدر السابق (1/66).


حكم الرأي واعتماده في معرفة الحقيقة إنما يتبين بذكر أقسام الرأي. (انظر فقرة: الأقسام).



الرأي يتناول جميع ما يكون في فكر الإنسان مما يستدعي التأمل والنظر للوصول إلى حكم في قضية من القضايا، وعليه فيكون الرأي شاملاً للاجتهاد في تفهم معنى النص الشرعي، وتفسيره، والتحقق من انطباقه على الواقعة المعينة[1]، كما يشمل إعمال الذهن في الأقيسة الشرعية، التي تستدعي النظر في علل الأحكام ومناطاتها وتعديتها إلى نظائرها[2]، ويتناول كذلك: إعمال الفكر للنظر في مآلات الأفعال وعواقبها[3]، والموازنة بين المصالح الفردية والجماعية[4].


[1] انظر: إرشاد الفحول للشوكاني (671) [دار ابن كثير، ط1، 1421هـ].
[2] انظر: المبسوط للسرخسي (2/90) [دار المعرفة، ط2].
[3] انظر: العدة لأبي يعلى (1/184) [مؤسسة الرسالة، 1410هـ]، الواضح لابن عقيل (1/205) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
[4] انظر: المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي لفتحي الدريني (36، 39) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1418هـ]، والرأي وأثره في مدرسة المدينة، لأبي بكر إسماعيل (40) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1405هـ]، والتعبير عن الرأي لخالد الشمراني (1/22 ـ 25) [أطروحة دكتوراه في جامعة أم القرى، قسم الشريعة].


الرأي ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الرأي الصحيح، وهذا قد استعمله السلف ـ من الصحابة رضي الله عنهم، فمن بعدهم من أئمة المسلمين ـ حيث عملوا به، وأفتوا به وسوغوا القول به.
ومن ذلك؛ أن أبا بكر رضي الله عنه قال في الكلالة: «أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله»[1].
القسم الثاني: الرأي الباطل، وهذا قد نهى عنه السلف، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله.
وفيما يلي تفصيل القسمين:
القسم الأول: الرأي المحمود:
وله عدة أنواع:
النوع الأول: رأي الصحابة رضوان الله عليهم.
وهم أفقه هذه الأمة، وأَعلَمها بمعاني نصوص الشرع، وأكثرهم تقى، وأصفاهم فهمًا وفطرة، وأبعدهم عن التكلف، وأعمقهم فهما لمقاصد الشرع، فرأيهم في أحكام الشريعة أعلى أنواع الرأي بلا ريب[2].
النوع الثاني: الرأي الذي يفسر النصوص، ويبيِّن وجه الدلالة منها.
قال عبدان: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: «ليكن الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث»[3].
النوع الثالث: الذي أجمعت عليه الأمة، فهذا لا يكون إلا صوابًا، إذ الأمة معصومة من الإجماع على الخطأ[4].
النوع الرابع: الرأي الحاصل ممن كان أهلاً للاجتهاد من أهل العلم بالشرع، إذا نظر في المسألة ولم يجد فيها نصًّا ثابتًا، ولا أثرًا لصحابي، فيجتهد برأيه، في بيان معنى النص، واستنباط الحكم منه على ما تقتضيه لغة العرب، أو الاعتبار به والقياس عليه، فينظر في ذلك ما كان أقرب إلى موافقة كتاب الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وأقضية أصحابه، فهذا هو الرأي الذي سوَّغه الصحابة واستعملوه حيث لم يجدوا في المسألة نصًّا، وأقر بعضهم بعضًا عليه، وهو رأي لا بد منه، لئلا تتعطل أحكام الشرع[5].
القسم الثاني: الرأي الباطل:
وله عدة أنواع:
النوع الأول: الرأي المخالف للنص أو الإجماع؛ كالقياس والاستحسان العقلي المعارضين للنصوص الثابتة، ولما أجمع عليه المسلمون.
النوع الثاني: إعمال الرأي في تفسير كلام الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم على غير ما تقتضيه اللغة العربية، وعلى خلاف ما جرت عليه النصوص الشرعية، وإنما بمحض الرأي والظن والهوى[6].
النوع الثالث: الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية ومن ضاهاهم.
النوع الرابع: الرأي الذي يرجع إلى الابتداع في الدين، وتغيير السنن وهجرها[7].


[1] أخرجه الدارمي في سننه (كتاب الفرائض، رقم 3015)، والطبري في تفسيره (8/54) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] انظر: إعلام الموقعين (1/79 ـ 81).
[3] أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (202)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (8/165)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/346)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/34) [دار الكتب العلمية]، والهروي في ذم الكلام وأهله (2/186).
[4] انظر: إعلام الموقعين (1/83 ـ 84).
[5] انظر: إعلام الموقعين لابن القيم (1/85)، والموافقات للشاطبي (3/421) [دار المعرفة].
[6] انظر: جامع بيان العلم (2/1039)
[7] انظر: جامع بيان العلم (2/1052 ـ 1053) [دار ابن الجوزي، ط1]، والاعتصام (1/99) [دار المعرفة، 1402هـ]، والفقيه والمتفقه (1/502) (2/141) [دار ابن الجوزي، ط2، 1421هـ]، روضة الناظر284) [جامعة الإمام، ط2، 1399هـ]، والفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/229 ـ 230) [دار المعرفة]، وفتح الباري لابن حجر (13/287 ـ 288)، الموافقات للشاطبي (3/421) [دار المعرفة]، الإبهاج شرح المنهاج للسبكي (3/17) [دار الكتب العلمية، ط1، 1404هـ]، والبحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (4/23) [دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ]، والبرهان في علوم القرآن (2/162) [دار المعرفة، 1391هـ].


لقد تواترت النقول عن السلف الصالح ـ من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ـ في ذم الرأي الباطل، فمن ذلك ما يلي:
قال أبو بكر رضي الله عنه: «أيّ أرض تقلني وأيّ سماء تظلُّني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم»[1].
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «السُّنَّة ما سَنَّه الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، لا تجعلوا خطأ الرأي سُنَّة للأمة»[2].
وقال أحمد بن حنبل: «لا تكاد ترى أحدًا نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل»[3].
قال ابن القيِّم بعدما نقل هذه الأقوال وغيرها عن السلف: «والمقصود: أن السلف جميعهم على ذم الرأي والقياس المخالف للكتاب والسُّنَّة، وأنه لا يحل العمل به، لا فتيا، ولا قضاء، وأن الرأي الذي لا يعلم مخالفته للكتاب والسُّنَّة ولا موافقته فغايته أن يسوغ العمل به عند الحاجة إليه، من غير إلزام ولا إنكار على من خالفه»[4].


[1] أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1/168) [دار الصميعي، ط1]، وابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب فضائل القرآن، رقم 30107) [مكتبة الرشد، ط1]، والطبري في تفسيره (1/78) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وهو حسن بمجموع طرقه.
[2] أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/1047) [دار ابن الجوزي، ط1].
[3] انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/942، 1054) وحسّن سنده المحقق، والإحكام لابن حزم (6/221)، وتحريم النظر في كتب الكلام لابن قدامة (41) [دار عالم الكتب، ط1، 1410هـ]، والاعتصام (2/333)، وإعلام الموقعين (1/76).
[4] إعلام الموقعين (1/77).


عقد البخاري في «صحيحه» بابًا سمَّاه: «باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، {وَلاَ تَقْفُ} لا تقل: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ».
ثم ساق فيه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال، يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون»[1].
وساق فيه قول سهل بن حنيف رضي الله عنه: ««يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليه لرددته، وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر يفظعنا، إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه، غير هذا الأمر»[2].
ثم ساق البخاري بابًا قال فيه: «باب ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي، فيقول: «لا أدري» ، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا بقياس لقوله تعالى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] »[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، رقم 7307)، وأخرجه مسلم (كتاب العلم، رقم 2673).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، رقم 7308)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، رقم 1785).
[3] صحيح البخاري (9/100) [دار طوق النجاة، ط1].


ـ أهل الرأي، وذم السلف لهم:
لقد شاع استعمال مصطلح (أهل الرأي) أو (أصحاب) عند السلف.
وقد جاء ذكر هذا المصطلح عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث قال: «أصحاب الرأي ـ وفي رواية: أهل الرأي ـ أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا: لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم»[1].
ولقد اختلف المراد بمصطلح (أهل الرأي) باختلاف العلم الذي يورد فيه، حيث اشتهر إطلاقه في علمي: العقيدة، والفقه.
فأما في إطلاقه في علم الاعتقاد، فإن المراد بمصطلح (أهل الرأي): أهل الكلام المبتدع، ممن قدم عقله ورأيه على نصوص الشرع، فنفى من العقائد ما لم يثبت برأيه وعقله، وإن كان ثابتًا في الشرع، وأثبت منها ما دلَّ عليه عقله ورأيه، ولو لم يثبته النص، فيدخل فيه المعتزلة والأشاعرة ونحوهم.
وسبب الذم لهم ههنا بيِّن؛ فإن باب الاعتقاد مقول بالتوقيف، ومصدره النص، وإعمال الرأي فيه إثباتًا ونفيًا بلا نور من الوحي زيغ وضلال، وهل ضل أعداء الرسل إلا لما أعملوا آراءهم في مثل هذه الأبواب والأصول؟[2].
قال أبو بكر بن أبي داود: «أهل الرأي هم أهل البدع»[3].
وأما إطلاقه في علوم الفقه من العبادات والمعاملات وغيرها، فهو الإطلاق الأشهر والأكثر، حيث أطلق مصطلح (أهل الرأي) و(أصحاب الرأي) على أتباع المذهب الحنفي، ممن توسع في باب القياس والحيل، حيث قدموا آرائهم على بعض النصوص الثابتة، وهم بالمقابل يحتجون على آرائهم بالواهي من النصوص، كما كثر في فقههم الجدال وتوليد المسائل قبل وقوعها[4]، وهؤلاء قد وجد في كلام جمع من السلف شيء من الذم لمخالفتهم تلك.
روى ابن بطه بإسناده عن أبي داود السجستاني قال: سمعت أبا عبد الله [أحمد بن حنبل] ـ وذكر الحيل عن أصحاب الرأي ـ، فقال: «يحتالون لنقض سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»[5].
قال ابن القيِّم: «كان [الإمام أحمد] يدل على أهل المدينة، ويدل على الشافعي، ويدل على إسحاق، ولا خلاف عنه في استفتاء هؤلاء، ولا خلاف عنه في أنه لا يستفتى أهل الرأي المخالفون لسُنَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»[6].
إلا أن الذم لهم دون الذم لسابقيهم من أهل الرأي في العقائد، لكون أبواب الفقه العملي يسوغ فيها من النظر والرأي والقياس ما لا يسوغ في العقائد المبنية على النص والتوقيف.


[1] أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/1041 ـ 1042) [دار ابن الجوزي، ط1]، من طرق متعددة، وذكرها ابن القيم في إعلام الموقعين (1/44) [دار الكتب العلمية، ط1]، وقال بعدها: «وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة».
[2] حول استعمال مصطلح (أهل الرأي) في علم العقائد، انظر: التبصير في الدين للاسفراييني (114)، وشرح العقيدة الأصبهانية لابن تيمية (143) [مكتبة الرشد]، ومجموع الفتاوى (2/55) مدارج السالكين (3/438)، وانظر: لوامع الأنوار البهية (1/8)
[3] الاعتصام للشاطبي (1/135)
[4] حول استعمال مصطلح (أهل الرأي) في علم الفقه، انظر: سنن الترمذي (3/240، 420) [البابي الحلبي، ط2، 1395هـ]، والطهور للقاسم بن سلام (200) [مكتبة الصحابة، ط1، 1404هـ] واستعماله في هذا المعنى شائع جدًّا.
[5] إبطال الحيل لابن بطة (54) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ]، وانظر تفصيل ذلك في: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (61، 102) وما بعدها [المكتب الإسلامي، ط2، 1419هـ]، ومجموع الفتاوى (11/341)، وجامع العلوم والحكم (1/248) [مؤسسة الرسالة، ط7].
[6] إعلام الموقعين (4/207).


بما تقدم من تقسيم يعلم الفرق بين الرأي المحمود والرأي المذموم، وبه يعلم الجمع بين ما نقل عن بعض السلف من ذم للرأي، وما أثر عن بعضهم من استعماله، وذلك أن الرأي نوعان:
أحدهما: رأي مجرد لا دليل عليه؛ بل هو خرص وتخمين، فهذا الذي ذمه السلف.
والثاني: رأي مستند إلى استدلال واستنباط من النص وحده، أو من نص آخر معه، فهذا من ألطف فهم النصوص وأدقه[1].


[1] انظر: المرجع السابق (1/83).


لقد خلَّف الرأي الفاسد والقياس الباطل في تاريخ الأمة آثارًا سيئة، ما زالت الأمة تعاني من ويلاتها، ومن ذلك:
1 ـ رد نصوص الكتاب والسُّنَّة، الصريحة والصحيحة، لمجرد شبه فاسدة، وخيالات وأوهام، فردوا الشرع الذي ضمنت لنا عصمته، وأمرنا الله بالرجوع إليه، واعتاضوا عنه بالرأي الذي لم تضمن لنا عصمته.
2 ـ وتبعًا لذلك فقد أدخلوا بالرأي الفاسد كثيرًا من البدع والخرافات والشبه الباطلات، والتي أفسدت على المسلمين عقائدهم وعباداتهم. 3 ـ إدخال الشكوك على عموم الأمة بدينها، فإذا ما فتح باب الرأي في مواجهة الشرع، لم يمكن أن يغلق ذلك الباب، فكلٌّ له رأيه، وكلٌّ معجب بعقله.
4 ـ أنهم قد فتحوا الباب لغلاة الزنادقة والملحدين والفلاسفة ليتسلطوا على نصوص الشرع بالتأويل والإبطال بالرأي المجرد، والتلاعب بالنصوص والنبوات بدعوى الرجوع للرأي.
وغير ذلك من الآثار التي يطول تتبعها[1].


[1] انظر: إعلام الموقعين (1/68).


لقد كان منشأ الضلال عند عامة الفرق الضالة هو انحرافهم في الموقف من الرأي، حيث أعملوا الرأي المنحرف والقياس الفاسد، وجعلوا ذلك حاكمًا على نصوص الوحيين، ولا غرو، فإمامهم في ذلك إبليس، الذي عارض أمر الله بقياسه الفاسد، حين لم يمتثل لأمر الله له بالسجود؛ لأنه رأى أنه خير من آدم، حيث خلق آدم من طين، وخلق هو من النار، والنار ـ في رأيه الفاسد ـ أشرف من الطين، وعلى هذا سار أهل الضلال من أعداء الرسل على مر الأزمان.
قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله بعدما قرر مذهب السلف من عدم المصير إلى الرأي إلا بعد الرجوع للسنن والآثار:
«وأما المتعصبون فإنهم عكسوا القضية ونظروا في السُّنَّة، فما وافق أقوالهم منها قبلوه، وما خالفها تحيلوا في رده أو رد دلالته، وإذا جاء نظير ذلك أو أضعف منه سندًا ودلالة وكان يوافق قولهم قبلوه ولم يستجيزوا رده، واعترضوا به على منازعيهم وأشاحوا وقرروا الاحتجاج بذلك السند ودلالته، فإذا جاء ذلك السند بعينه أو أقوى منه ودلالته؛ كدلالة ذلك أو أقوى منه في خلاف قولهم دفعوه ولم يقبلوه»[1].


[1] المرجع السابق (1/76).


1 ـ «الاجتهاد بالرأي في عصر الخلافة الراشدة»، لعبد الرحمن سنوسي.
2 ـ «إعلام الموقعين»، لابن القيِّم.
3 ـ «التعبير عن الرأي: ضوابطه ومجالاته في الشريعة الإسلامية»، لخالد الشمراني.
4 ـ «جامع بيان العلم وفضله»، لابن عبد البر.
5 ـ «حرية الرأي: ضوابطها ومجالاتها في الإسلام»، لعلي السحيباني.
6 ـ «ذم الكلام وأهله»، للهروي.
7 ـ «الرأي وأثره في الفقه الإسلامي»، لإدريس جمعة.
8 ـ «الرأي وأثره في مدرسة المدينة»، لأبي بكر إسماعيل.
9 ـ «المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي»، لفتحي الدريني.
10 ـ «الموافقات في أصول الفقه»، للشاطبي.