حرف الراء / الرافع الخافض

           

الرافع: اسم فاعل من رَفَعَ، قال ابن فارس: «الراء والفاء والعين أصل واحد يدل على خلاف الوضع، تقول: رفعت الشيء رفعًا، وهو خلاف الخَفْض»[1]. والخافض: اسم فاعل من الخفض، وهو نقيض الرفع، وقيل: هو الانحطاط بعد الرفع[2]. قال القرطبي: «الخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة، والعز والإهانة، وربما ترتب أحدهما على الآخر بزيادة الدرجات في المكان بحسب الزيادة في المكانة»[3].


[1] مقاييس اللغة (415) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] تهذيب اللغة (7/113) [الدار المصرية للتأليف]، والصحاح (3/1074) [دار العلم للملايين، ط4].
[3] الأسنى (1/365) [دار الصحابة بطنطا، ط1].


الخافض الرافع: هو الذي يرفع من يستحق الرفع من أوليائه، القائمين بالعلم والإيمان، ويخفض من استحق الخفض من أعدائه، وهو سبحانه المعز لأهل طاعته، والمذل لأهل معصيته، كما أنه سبحانه فضَّل بعض خلقه على بعض[1].


[1] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (8/94)، وتفسير ابن كثير (3/384)، الحق الواضح المبين للسعدي (89)، وراجع: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (40) [دار الثقافة العربية].


إن المعنى اللغوي للخفض والرفع ثابت لله عزّ وجل على الإطلاق، وإن كان غيره يرفع ويخفض، لكن لله من هذين المعنيين الحظ الأكمل والأوفر.



يجب إثبات هذين الاسمين لله عزّ وجل على وجه الاقتران، ويجب الإيمان بأن الله هو الرافع الخافض؛ لأن الرافع الخافض: اسمان من أسماء الله المقترنة المتقابلة، فلا يطلقان على الله إلا مقترنين معًا، فهما بمنزلة الاسم الواحد؛ لأن الكمال في اقتران كل منهما بما يقابله[1]، وإذا أفرد أحدهما أوهم نقصًا[2].


[1] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (212، و327) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ]، وانظر: شرح القصيدة النونية للهراس (2/113) [دار الكتب العلمية، ط2، 1424هـ].
[2] انظر: أعلام السُّنَّة المشهورة (29) [دار الزاحم، ط1، 1426هـ].


تطلق جميع أسماء الله عزّ وجل عليه حقيقة، وحقيقة كون الله تعالى خافضًا رافعًا، يبيِّنها الأدلة الآتية في قسم الأدلة، فالله تعالى «يخفض من استحق الخفض من أعدائه، ويرفع من استحق الرفع من أوليائه وكل ذلك حكمة منه وصواب»[1]. وهو سبحانه «يخفض القسط، ويرفعه، أو يخفض الكفار بالخِزي، والصَّغار، ويرفع المؤمنين بالنصر والإعزار، أو يخفض أعداءه بالإبعاد، ويرفع أولياءه بالتقريب والإسعاد، أو يخفض أهل الشقاء بالطبع والإضلال، ويرفع ذوي السَّعادة بالتوفيق والإرشاد»[2].


[1] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (40).
[2] قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/902).


من أدلة هذين الاسمين قول الله سبحانه وتعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}[1]، وقوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ، وقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يد الله ملأى، لا يغيضها نفقةٌ سحّاءُ الليل والنهار. وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده. وقال: عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع» [2]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله عزّ وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه» [3]، وفي رواية: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يرفع القسط ويخفضه» [4]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «والميزان بيد الرحمن يرفع أقوامًا، ويخفِض آخرين إلى يوم القيامة» [5]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ *} [الرحمن] قال: «من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويخفِض آخرين» [6]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين»[7].
ونقل القرطبي إجماع الأمة على إطلاق هذين الاسمين على الله عزّ وجل[8].


[1] هذه الجملة جزء من الآية (83) في سورة الأنعام، و(76) في سورة يوسف.
[2] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7411، 7419)، ومسلم (كتاب الزكاة، رقم 993).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 179).
[4] المصدر السابق.
[5] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 199)، وأحمد (29/178) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب الرقاق، رقم 943)، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم 1926) وصحَّحه، وصحَّحه البوصيري في مصباح الزجاجة (1/17)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 5747).
[6] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 202)، وابن حبان (كتاب الرقاق، رقم 689)، وحسَّن إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1/28) [دار العربية، ط2]. وصوَّب الدارقطني وقفَه على أبي الدرداء رضي الله عنه. العلل (6/229).
[7] أخرجه مسلم (كتاب صلاة المسافرين، رقم 817).
[8] الأسنى (1/365).


قال ابن تيمية: «أسماء الله المقترنة؛ كالمعطي المانع، والضار النافع، المعز والمذل، الخافض الرافع، فلا يفرد الاسم المانع عن قرينه، ولا الضار عن قرينه؛ لأن اقترانها يدل على العموم»[1].
وقال ابن القيِّم: «من أسمائه: الغفور، الرحيم، العفو، الحليم، الخافض الرافع، المعز المذل، المحيي المميت، الوارث، الصبور، ولا بد من ظهور آثار هذه الأسماء، فاقتضت حكمته سبحانه أن ينزل آدم وذريته دارًا يظهر عليهم فيها أثر أسمائه تعالى؛ فيغفر فيها لمن يشاء ويرحم من يشاء، ويخفض من يشاء ويرفع من يشاء»[2].
وقال السعدي: «القابض الباسط، الخافض الرافع، المعز المذل، المانع المعطي، الضار النافع، هذه الأسماء الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا ينبغي أن يُثنى على الله بها إلا كل واحد مع الآخر؛ لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، والباسط للأرزاق، والرحمة، والقلوب، وهو الرافع للأقوام القائمين بالعلم والإيمان الخافض لأعدائه»[3].
وقال حافظ الحكمي: «إن من أسماء الله عزّ وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنًا بمقابله، فإذا أطلق وحده أوهم نقصًا تعالى الله عن ذلك، فمنها: المعطي المانع، والضار النافع، والقابض الباسط، والمعز المذل، والخافض الرافع، فلا يطلق على الله عزّ وجل المانع الضار القابض المذل الخافض؛ كلًّا على انفراده؛ بل لا بد من ازدواجها بمقابلاتها؛ إذ لم تطلق في الوحي إلا كذلك»[4].


[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (8/94).
[2] مفتاح دار السعادة (1/3) [دار الكتب العلمية].
[3] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (171) [مجلة الجامعة الإسلامية، العدد 33، عام 1421هـ].
[4] معارج القبول (117) [دار ابن القيم، ط1، 1410هـ].


يشترط في إطلاق هذين الاسمين على الله عزّ وجل أن يكونا مقترنين؛ لأن الكمال في اقتران كلٍّ منهما بما يقابله[1]، وإذا أفرد أَوْهم نقصًا فلا يجوز إطلاق اسم: الضار، أو الخافض، أو المانع، أو المذل منفردًا بل يذكر مع مقابله، ولم يطلق قط شيء منها في الوحي كذلك، لا في الكتاب ولا في السُّنَّة[2]، وقال البيهقي: «لا ينبغي أن يفرد الخافض عن الرافع في الدعاء»[3].


[1] معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (212، و327).
[2] أنظر: أعلام السُّنَّة المشهورة (29)، وانظر: أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة (130).
[3] الأسماء والصفات للبيهقي (192).


اختلف أقوال أهل العلم في إطلاق هذين الاسمين على الله عزّ وجل، فمجموعة من العلماء أثبتوا الرافع دون الخافض[1]، ولم يذكرهما آخرون ضمن أسماء الله الحسنى[2]، وذكرهما بعض العلماء وأثبتوهما لله سبحانه وتعالى[3]، ومنهم من ذكرهما ولكن اشترطوا لإطلاق هذين الاسمين على الله أن يذكرا معًا ولا يفرد أحدهما عن الآخر[4]، قال البيهقي: «لا ينبغي أن يفرد الخافض عن الرافع في الدعاء»[5]. ولعل قول من أثبتهما بشرط أن يذكرا معًا، هو الراجح، والله أعلم.


[1] انظر: كتاب التوحيد لابن منده (2/128) [الجامعة الإسلامية، ط1، 1409هـ]، وابن الوزير في إيثار الحق (160) [دار الكتب العلمية، ط2، 1407هـ].
[2] حيث ذكروا الأسماء الثابتة لله تعالى ـ عندهم ـ ولم يذكروا هذين الاسمين، انظر: فتح الباري (11/262) [دار السلام، ط1، 1421هـ]، والمحلى (8/31) [المنيرية بمصر 1352هـ]، واشتقاق أسماء الله (23) وما بعدها [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، والقواعد المثلى لابن عثيمين ضمن مجموع فتاويه (3/277) [دار الثريا، ط2، 1423هـ]، وشرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة (113، و130).
[3] أحكام القرآن (2/349) [دار الكتب العلمية، ط2، 1403هـ]، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (137).
[4] شأن الدعاء (58)، والأسماء والصفات (1/192)، الحجة في بيان المحجة (1/152)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (8/94) [مجمع الملك فهد، 1425هـ]، وبيان تلبيس الجهمية (3/300 ـ 301) [مجمع الملك فهد، ط1، 1426هـ]، والجوائز والصلات (79) [الفاروقية، الهند، 1297هـ]، وأعلام السُّنَّة المشهورة (29) [دار الزاحم، ط1، 1426هـ].
[5] الأسماء والصفات للبيهقي (192).


1 ـ «أحكام القرآن»، لابن العربي.
2 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
3 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج1)، للقرطبي.
4 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
5 ـ «إيثار الحق»، لابن الوزير.
6 ـ «بدائع الفوائد»، لابن القيِّم.
7 ـ «بيان تلبيس الجهمية»، لابن تيمية.
8 ـ «الجوائز والصلات»، لنور الحسن.
9 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، لقوام السُّنَّة.
10 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر.