يطلق الربّ في اللغة على معان منها: المالك، قال الله تعالى: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: 41] ، والمصلح؛ ربَّ الشيءَ؛ أي: أصلحه[1]، قال ابن الأثير: «الربّ يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم، والمنعم»[2]. ومن المعاني: الخالق والصاحب، قال ابن فارس: «فالرب: المالك، والخالق، والصاحب»[3].
[1] تهذيب اللغة (15/177) [دار الكاتب العربي، 1976م].
[2] النهاية في غريب الحديث (1/621) [دار المعرفة، ط2، 1427هـ].
[3] مقاييس اللغة (2/381) [دار الفكر، 1399هـ].
الربّ: هو المربي جميع عباده بالتدبير، وأصناف النِّعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه، بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم، وأخلاقهم»[1].
قال ابن جرير الطبري في تعريف الربّ: «ربّنا جلّ ثناؤه: السيد الذي لا شِبْه لهُ، ولا مثل في سُؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر»[2].
وقال ابن تيمية: «الربّ: هو المربي، الخالق الرازق الناصر الهادي»[3].
وقال السعدي: «الربّ: هو المربي جميع عباده بالتدبير، وأصناف النعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه، بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم، وأخلاقهم»[4].
[1] تفسير السعدي (1/1) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] جامع البيان (1/142) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[3] مجموع فتاوى ابن تيمية (14/13).
[4] تفسير السعدي (1/1).
تطلق جميع أسماء الله عزّ وجل عليه حقيقة، كما أن بعض معاني تلك الأسماء تطلق على المخلوق حقيقة، لكن الحقيقة تختلف بين الخالق والمخلوق، فكلٌّ له حقيقة تناسبه، واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما، وللربِّ تعالى منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به، ويتضمن اسم الرب من المعاني كمال المالكية، والسؤدد، والتدبير، والربوبية، والقيومية، والخالقية، فالله عزّ وجل هو على الحقيقة مدبر لخلقه، ومربيهم وجابرهم، القائم بأمورهم، قيوم الدنيا والآخرة، كل شيء خلقه، وكل مذكور سواه عبده، وهو ـ سبحانه ـ ربه، لا يصلح إلا بتدبيره، ولا يقوم إلا بأمره، ولا يربه سواه[1].
[1] الأسنى (1/395).
ورد هذا الاسم مضافًا في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة، منها في بداية القرآن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الفاتحة] ، ومنها في ختم القرآن: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *} [الناس] ، ومنها قوله تعالى عن عيسى صلّى الله عليه وسلّم: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} [آل عمران: 51] ، وهذا في القرآن الكريم كثير جدًّا، وورد غير مضاف في قوله تعالى: {سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ *} [يس] ، وفي قوله تعالى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبُّ غَفُورٌ *} [سبأ] ، وورد مضافًا وغير مضاف في قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164] ، وورد في السُّنَّة مضافًا في حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح» [1]، وورد محلى بأل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فأما الركوع فعظموا فيه الرب» [2]، غير مضاف ولا محلى بأل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسـولاً» [3]، ونقل القرطبي إجماع الأمة على إطلاق الربّ على الله عزّ وجل[4].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 487).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 479).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 34).
[4] الأسنى (1/391).
قال ابن منده: «ومن أسماء الله عزّ وجل: الربّ، ربّ كل شيء ومليكه وهو من الأسماء المستعارة لعبده إذا ملك قيل ربه»[1]، ونقل القرطبي إجماع الأمة على إثبات اسم الرب لله تعالى، حتى قال: «عجبًا لمن سرد الأسماء في حديث أبي هريرة حيث أغفل عن هذا الاسم العظيم القدر وقد قيل: إنه اسم الله الأعظم»[2].
وقال ابن تيمية: «وجميع ما يفعل الله بعبده من الخير من مقتضى اسمه الرب ولهذا يقال في الدعاء: يا ربِّ يا ربِّ كما قال آدم: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [الأعراف] وكذلك سائر الأنبياء»[3].
[1] التوحيد لابن منده (2/57) [مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1423هـ].
[2] الأسنى (1/391).
[3] مجموع فتاوى ابن تيمية (1/207).
المسألة الأولى: حكم إطلاق الرب على غير الله تعالى:
لا يقال الرب في غير الله إلا بالإضافة؛ فلا يقال (الربّ) معرّفًا بالألف واللام مطلقًا إلا لله عزّ وجل لأنه مالك كل شيء[1]، وإذا أطلق على غيره أضيف كربّ الإبل وربّ الدار.
المسألة الثانية: الفرق بين الربّ والإله:
الربّ لغة: تقدم معناه، والإله في اللغة: هو المعبود، ويطلق الرب على الإله لا العكس، فلا يطلق الإله على معنى الرب، ومن أدلة إطلاق الرب على الإله، قول القائل:
«أربًا واحدًا أم ألف رب
أدين إذا تقسّمت الأمور
تركت اللات والعزى جميعًا
كذلك يفعل الرجل البصير»[2].
وقول القائل:
«أرب يبول الثعلبان برأسه
لقد ذل من بالت عليه الثعالب»[3]
ففي البيتين معنى الرب هو الإله المعبود، كما يدل عليه السياق، إذ لم يكن مشركو مكة يقرون بربوبية اللات والعزى بمعناه الخالق المالك المصلح، وإنما كانوا يعبدونها ويألهونها، كما يدل على ذلك قول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] .
وقد جاء الربّ بمعنى الإله المعبود في حديث سؤال الملكين في القبر: «من ربك؟» [4]؛ أي: من إلهك الذي كنت تعبده؟ وليس السؤال عن الخالق المالك المدبر؛ إذ لا يوجد من ينكر ذلك؛ بل جميع الأمم متفقون على ربوبية الله عزّ وجل، وإنما الخلاف في إلهيته ومعبوديته.
المسألة الثالثة: ربوبيته عزّ وجل عامة وخاصة:
قال السعدي: «وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة. فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا. والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر. ولعل هذا هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة»[5].
المسألة الرابعة: هل الرب هو اسم الله الأعظم؟
قال القرطبي بعد أن نقل إجماع الأمة على إثبات اسم الرب لله تعالى: «قيل: إنه اسم الله الأعظم»[6] ولم أقف على أحد من أهل العلم المحققين ممن عدّه اسم الله الأعظم، ولم أقف على مستند لمن عدَّه من اسم الله الأعظم، قد ورد في بعض الأحاديث اسم الله الأعظم كحديث: «اللَّهُمَّ إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد» ، قال: فقال صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» [7]، وكذلك في حديث: «اللَّهُمَّ إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم» ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد دعا الله باسمه العظيم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» [8]؛ ففي هذين الحديثين يوجد اسم الله الأعظم بنص صريح من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا يوجد فيه اسم (الربّ) فدل على أن اسم الله الأعظم هو غير اسمه (الربّ) سبحانه وتعالى.
[1] اشتقاق أسماء الله للزجاجي (32) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، وأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة (2/125) [دار الرضوان، ط1، 1425هـ].
[2] الملل والنحل للشهرستاني (2/244) [مؤسسة الحلبي].
[3] الخصائص الكبرى للسيوطي (2/194) (باب ما وقع في قدوم راشد بن عبد ربه) والبيت لراشد.
[4] أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1369)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها، رقم 2871) واللفظ له.
[5] تفسير السعدي (39) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وانظر: شرح العقيدة لابن عثيمين (285) [دار ابن الجوزي، الرياض، ط5، 1419هـ]، وشرح رياض الصالحين له (2/259) [دار الوطن، ط1، 1426هـ].
[6] الأسنى (1/391).
[7] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1493)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3475) وحسَّنه، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3857)، وأحمد (38/45) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (5/229) [مؤسسة غراس، ط1].
[8] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1495)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3544)، والنسائي (كتاب السهو، رقم 1300)، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3858)، وابن حبان (كتاب الرقائق، رقم 893)، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم 1856) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (5/233) [مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، ط1، 1423هـ].
من ثمرات هذا الاسم المبارك: كثرة دعاء الداعي بهذا الاسم؛ لأنه من التربية كما تقدم، فيدعوه الداعي بهذا الاسم ليصلح حاله إلى أحسن الأحوال، ولذا كثرت الأدعية به في القرآن الكريم، وفي الحديث: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربّ! يا ربّ!»[1] ، وإذا علم العبد وآمن بأن الله هو ربه؛ أي: مالكه ومعبوده، وسيده المطاع، ومدبر أمره كله، ومربيه من النطفة إلى أكمل الخلق ثم من الصغر إلى ما هو فيه، والمنعم عليه على الحقيقة، فلا يلتجئ في شيء من الأشياء لغير ربه، فيخلص له العبادة، بأخص أخصها وهو الدعاء.
[1] أخرجه مسلم (كتاب الزكاة، رقم 1015).