يقول ابن فارس: «الراء والباء يدل على أصول. فالأول إصلاح الشيء والقيام عليه. فالرّب: المالك، والخالق، والصاحب. والرّب: المصلح للشيء. يقال: ربَّ فلانٌ ضَيعَته؛ إذا قام على إصلاحها... والله جلّ ثناؤه الرب؛ لأنه مصلح أحوال خلقه»[1].
وقال الجوهري: «ربُّ كل شيء مالكه، والرّب اسم من أسماء الله عزّ وجل ولا يقال في غيره إلا بالإضافة... ورَببت القوم سستهم؛ أي: كنت فوقهم... ورَبَّ الضيعة؛ أي: أصلحها وأتمها. ورَبَّ فلان ولده يربه ربًّا، ورببه، وترببه، بمعنىً؛ أي: رباه»[2].
وقال ابن الأثير: «الرّب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم والمنعم»[3]. فالربوبية تجمع الملك والسيادة والإصلاح والإنعام.
[1] مقاييس اللغة (2/381 ـ 382) [دار الجيل، ط1]، وانظر: الصحاح (1/130 ـ 132) [دار العلم للملايين، ط3]، ولسان العرب (1/401 ـ 403) [دار صادر].
[2] الصحاح (1/130 ـ 132)، وانظر: العين (8/257) [دار مكتبة الهلال].
[3] النهاية في غريب الحديث (2/179) [المكتبة الإسلامية]، وانظر: اللسان (1/401).
الربوبية صفة ذاتية لله عزّ وجل، وهي بمعنى: السيد والمالك والمتصرف والمنعم والمربي والمصلح. يقول الإمام الطبري في معنى الربّ أنه: «السيد الذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر»[1].
قال ابن تيمية: «والرب هو الذي يربي عبده، فيعطيه خلقه، ثم يهديه إلى جميع أحواله، من العبادة وغيرها»[2]. وقال ابن القيِّم: «والرب هو السيد، والمالك، والمنعم، والمربي، والمصلح»[3].
وقال السعدي: «الرب هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه؛ بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم، وأخلاقهم»[4].
[1] جامع البيان (1/62) [دار الفكر، 1408هـ].
[2] مجموع الفتاوى (1/22) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ]، وانظر: (10/284) من المصدر نفسه.
[3] بدائع الفوائد (4/132) [مكتبة الرياض الحديثة]، وانظر: مجموع الفتاوى (1/92)، تفسير ابن كثير (1/25) [دار الكتب العلمية، ط1]، ومدارج السالكين (1/34 ـ 35) [دار الكتاب العربي، 1392هـ]، ومن كتب المتكلمين: أصول الدين للبغدادي (125) [دار الكتب العلمية، ط3، 1401هـ]، والمطالب العالية (9/291) [دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ].
[4] تفسير السعدي (1/21) [مؤسسة الرسالة، ط1].
حقيقة الربوبية وخصائصها هي ما يختص الرب به من الصفات التي لا يوصف بها غيره، والكمال المطلق الذي يمتنع وجوده في غيره. فالصفات التي يختص بها كالخلق والإحياء والإماتة والملك والأمر والرزق والأولية والآخرية والغنى والقيومية، والعظمة والكبرياء، وأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير. واختصاصه بالكمال المطلق في جميع الصفات. يقول شيخ الإسلام: «والمخلوق لا يمكن أن يكون قديمًا واجبًا بنفسه، ربًّا غنيًّا عما سواه، إلى غير ذلك من خصائص الرب، فهذا الكمال اختص به الرب، كما اختص الرب تبارك وتعالى من الكمال الذي يوصف العبد بما يتفق فيه الاسم؛ كالحياة والعلم والقدرة، بما لا يماثله فيه المخلوق، فالرب مختص إما بنوع لا يوصف به غيره مثل كونه رب العالمين، ونحو ذلك، وإما بما لا يماثله فيه غيره كالحياة والعلم»[1].
[1] الصفدية (2/39) [دار الكتب الإسلامية].
الأدلة على انفراد الله بالربوبية كثيرة، منها: قوله عزّ وجل: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَِنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *} [الرعد] .
وقال : {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ *رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ *} [الصافات] .
وقال تبارك وتعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *} [فصلت] .
والفطرة من أدلة الربوبية.
الفرق بين الربوبية والألوهية:
1 ـ أن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية؛ لأن الذي يفرد الله بالعبادة فهو حتمًا يقر بربوبيته. لكن ليس كل من أقر بالربوبية أفرده بالعبادة، مثل مشركي العرب فقد أقروا بربوبيته، ولم يوحدوه بالعبادة، لكن يلزم من أقر بالربِّ الخالق أن يفرده بالعبادة فإقراره بالربوبية حجة عليه[1].
2 ـ أن توحيد الألوهية توحيد عملي، فهو توحيد الله بأفعال العباد، فهو يعتمد على العبادات التي يؤديها العبد لله عزّ وجل، أما توحيد الربوبية فهو توحيد الله بأفعاله وأسمائه وصفاته، فهو توحيد قولي اعتقادي.
3 ـ أن بتوحيد الألوهية يكون العبد مسلمًا مؤمنًا، أما توحيد الربوبية فقد أقر به المشركون ولم يدخلهم ذلك في الإسلام[2].
4 ـ أن التوحيد المطلوب الذي أرسلت به الرسل، وأنزلت به الكتب، هو توحيد الألوهية الذي يتضمن توحيد الربوبية[3].
[1] انظر: بيان تلبيس الجهمية (2/454)، وشرح الأصبهـانية (102، 132) [دار المنهاج، ط1، 1430هـ]، وشرح الطحاوية (1/28 ـ 29).
[2] التدمرية (180)، وشرح الأصبهانية (123).
[3] انظر: شرح الأصبهانية (102)، وشرح العقيدة الطحاوية (1/28 ـ 29، 32، 53).
المخالفون أصناف:
1 ـ الملاحدة من الدهرية والطبائعيين، ومن القائلين بوحدة الوجود، وقِدَم العالم، ونحوهم، من الذين حقيقة قولهم أو صريحه إنكار وجود الرب[1].
2 ـ المشركون في الربوبية؛ كالنصارى، والقائلون بالتثنية.
3 ـ المخالفون في بعض صفات الربوبية؛ كنفاة القدر من المعتزلة[2].
وقولهم ظاهر البطلان، ومخالف للفطرة، والعقل.
[1] انظر: بغية المرتاد (238 ـ 244، 357، 394 ـ 396).
[2] انظر: التدمرية (175 ـ 176، 181)، وشرح العقيدة الطحاوية (1/26 ـ 27).
1 ـ «الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية»، لآمال العمرو [رسالة دكتوراه].
2 ـ «بدائع الفوائد» (ج4)، لابن القيِّم.
3 ـ «حقيقة التوحيد»، لعلي العلياني.
4 ـ «شرح الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز الحنفي.
5 ـ «الصفدية» (ج2)، لابن تيمية.
6 ـ «عقيدة التوحيد في القرآن»، لمحمد ملكاوي.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج1)، لابن تيمية.
8 ـ «معنى الربوبية وأدلتها وأحكامها»، لمحمد الجهني [بحث منشور].