حرف الراء / الرجاء

           

رجاء الشيء هو: الأمل من ناحيته وجهته.
قال ابن فارس رحمه الله: «الراء والجيم والحرف المعتلّ أصلان متباينان، يدلُّ أحدُهما على الأمَل، والآخَر على ناحية الشيء. فالأول الرَّجاءُ، وهو الأمل. يقال: رجَوت الأمْرَ أرجُوه رجاءً»[1].
وقال الفيروزآبادي: «الرجاء: ضد اليأس؛ كالرجو والرجاة والمرجاة والرجاوة والترجي والارتجاء والترجية. والرجا: الناحية»[2].
وقد يفسر الرجاء بالخوف، ووجهه: أن الرجاء والخوف يتلازمان[3]. ولذلك كانت طريقة القرآن أن يقرن بين أسماء الرجاء وأسماء المخافة كقوله : {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [المائدة] [4].


[1] مقاييس اللغة (2/494) [دار الجيل، 1420هـ].
[2] القاموس المحيط (1287) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1424هـ]. وانظر: تهذيب اللغة (11/181) [الدار المصرية للتأليف والترجمة، ط1، 1384هـ]، والصحاح للجوهري (6/2352) [دار العلم للملايين، ط4].
[3] انظر: تهذيب اللغة (11/180)، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (1/190) [دار المعرفة]، ومجموع الفتاوى (4/33) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1415هـ].
[4] انظر: جلاء الأفهام (188) [دار عالم الفوائد، ط2].


عرّف الرجاء بعبارات متنوعة مرجعها إلى:
أمل العبد بربه وحسن الظن به في جلب الخير ودفع الشر مع بذل السبب[1].
فهو طمع فيما عند الله من النّعيم المقيم بفعل الطاعات وترك المعاصي[2].


[1] انظر: إحياء علوم الدين (4/124) [دار الكتب العلمية، ط1، 1419هـ]، والمفردات في غريب القرآن للراغب (1/190)، ومدارج السالكين (2/44) [مكتبة الرشد، ط1، 1426هـ]، وبصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز (3/45، 50).
[2] الخوف والرجاء للشمسان (196).


الرجاء شرعًا فيه معنيا الرجاء لغة: الأمل، والتنحي، «فالراجي على الحقيقة لما صارت الجنة نصب عينه ورجاءه وأمله امتد إليها قلبه، وسعى لها سعيها، فإن الرجاء هو امتداد القلب وميله، وحقق رجاءه كمالُ التأهب وخوف الفوت والأخذ بالحذر. وأصله من التنحي، ورجاء البئر ناحيته، وأرجاء السماء نواحيها، وامتداد القلب إلى المحبوب منقطعًا عما يقطعه عنه هو تنح عن النفس الأمارة وأسبابها وما تدعو إليه، وهذا الامتداد والميل والخوف من شأن النفس المطمئنة»[1].


[1] الروح (249 ـ 250) [مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1].


الرغبة[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/208).


رجاء العبد لربه وتعليق قلبه به أصل من أصول الإيمان؛ وواجب من واجبات التوحيد، وعبادة من العبادات القلبية، وهو أحد أركان العبادة الثلاثة التي لا تقوم إلا عليها ولا تصح إلا بها. وتحقيق هذا الرجاء هو تحقيق لتوحيد الله في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته.
«فالرجاء ينبغي أن يتعلق بالله ولا يتعلق بمخلوق، ولا بقوة العبد ولا عمله، فإن تعليق الرجاء بغير الله إشراك، وإن كان الله قد جعل لها أسبابًا فالسبب لا يستقل بنفسه بل لا بد له من معاون، ولا بد أن يمنع المعارض المعوق له، وهو لا يحصل ويبقى إلا بمشيئة الله تعالى.
ولهذا قيل: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع. ولهذا قال الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ *} [الشَّرح] ، فأمر بأن تكون الرغبة إليه وحده، وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [المائدة] . فالقلب لا يتوكل إلا على من يرجوه، فمن رجا قوته أو عمله أو علمه أو حاله أو صديقه أو قرابته أو شيخه أو ملكه أو ماله غير ناظر إلى الله كان فيه نوع توكل على ذلك السبب، وما رجا أحد مخلوقًا أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه فإنه مشرك: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ *} [الحج] »[1].
ومن الشرك في الرجاء «الرجاء فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ كمَنْ يدعو الأموات أو غيرهم راجيًا حصول مطلوبه من جهتهم فهذا شرك أكبر»[2].


[1] مجموع الفتاوى (10/256)، وانظر: (10/331 ـ 332).
[2] تيسير العزيز الحميد (31) [دار عالم الكتب، ط1].


حقيقة الرجاء: أمل العبد بربه، وحسن ظنه به، واستبشاره بفضله مع محبته وتقواه والخوف منه. فحقيقة هذا الرجاء شموله للخوف والرجاء مع فعل السبب. فيفعل ما أمر به على نور الإيمان راجيًا للثواب، ويترك ما نهى عنه على نور الإيمان خائفًا من العقاب[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/644).


الرجاء: أحد أركان الإيمان والإحسان الثلاثة التي عليها مدار مقامات السالكين جميعها، وهي الرجاء، والخوف، والمحبة[1]. وهو «عبودية وتعلق بالله من حيث اسمه (المحسن، البر)، فذلك التعلق والتعبد بهذا الاسم والمعرفة بالله: هو الذي أوجب للعبد الرجاء من حيث يدري ومن حيث لا يدري، فقوة الرجاء على حسب قوة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه. ولولا روح الرجاء لعطلت عبودية القلب والجوارح، وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا؛ بل لولا روح الرجاء لما تحركت الجوارح بالطاعة، ولولا ريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات»[2].


[1] انظر: طريق الهجرتين (2/613) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ].
[2] مدارج السالكين (2/51 ـ 52).


آيات الرجاء في القرآن كثيرة[1]؛ ومنها:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [البقرة] .
وقوله: {وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *} [النساء] .
وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا *} [الإسراء] .
وأما السُّنَّة: فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة»[2].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة»[3].
وعن أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على شاب وهو في الموت فقال: «كيف تجدك؟» قال: والله! يا رسول الله! إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف»[4].


[1] انظر: طريق الهجرتين (2/752).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3540) وحسَّنه، وقال ابن رجب: «إسناده لا بأس به». جامع العلوم والحكم (2/400) [مؤسسة الرسالة، ط7]، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 127).
[3] أخرجه البخاري (كتاب الهبة، رقم 2631).
[4] أخرجه الترمذي (أبواب الجنائز، رقم 983)، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4261)، وحسَّنه المنذري في الترغيب والترهيب (4/135) [دار الكتب العلمية، ط1]، والألباني في أحكام الجنائز (3) [المكتب الإسلامي، ط4].


قال لقمان لابنه: «يا بني خف الله خوفًا يحول بينك وبين الرجاء، وارجه رجاء يحول بينك وبين الخوف. قال: فقال: أي أبه؛ إنما لي قلب واحد إذا ألزمته الخوف شغله عن الرجاء، وإذا ألزمته الرجاء شغله عن الخوف. قال: أي بني! إن المؤمن له قلب كقلبين، يرجو الله عزّ وجل بأحدهما ويخافه بالآخر»[1].
وقال ابن تيمية: «الخشية أبدًا متضمنة للرجاء، ولولا ذلك لكانت قنوطًا؛ كما أن الرجاء يستلزم الخوف ولولا ذلك لكان أمنًا؛ فأهل الخوف لله والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم الله»[2].
وقال ابن القيِّم: «الرجاء ضروري للمريد السالك، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد؛ فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه، وعيب يرجو إصلاحه، وعمل صالح يرجو قبوله، واستقامة يرجو حصولها ودوامها، وقرب من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها، ولا ينفك أحد من السالكين عن هذه الأمور أو بعضها»[3].


[1] حسن الظن بالله (115) [دار طيبة، ط2، 1408هـ].
[2] مجموع الفتاوى (7/21).
[3] مدارج السالكين (2/51 ـ 52).


شرط الرجاء أن يكون مقرونًا بأمور ثلاثة:
الأول: خوف من الله؛ حتى لا يصير أمنًا من مكره.
الثاني: محبة الله عزّ وجل ومحبة ما يرجوه منه.
والثالث: بذل الجهد في عمل الصالحات لله سبحانه وتعالى، حتى لا يكون تمنيًا وغرورًا مذمومًا.
قال أبو علي الروذباري: «الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت»[1].
وقال ابن القيِّم عن حدِّ الرجاء المحمود: «ومما ينبغي أن يعلم: أن من رجا شيئًا استلزم رجاؤه أمورًا:
أحدها: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني، والرجاء شيء والأماني شيء آخر، فكل راج خائف، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
وهو سبحانه كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الصالحة، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة، فعلم أن الرجاء والخوف النافع ما اقترن به العمل. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ *} [المؤمنون] .
والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن.
ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير ـ بل التفريط ـ والأمن!»[2].


[1] مدارج السالكين (2/45).
[2] الداء والدواء (87 ـ 91) [عالم الفوائد، ط1].


« الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان ونوع غرور مذموم.
فالأولان: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه.
ورجل أذنب ذنوبًا ثم تاب منها فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث: رجل متماد في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب.
وللسالك نظران: نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات عمله يفتح عليه باب الخوف، ونظر إلى سعة فضل ربه وكرمه وبره يفتح عليه باب الرجاء.
ولهذا قيل في حد الرجاء: هو النظر إلى سعة رحمة الله»[1].


[1] مدارج السالكين (2/44 ـ 45).


ـ أيهما يغلّب العبد: الخوف أم الرجاء؟
القلب في سيره إلى الله عزّ وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر، ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف.
وقيل: أكمل الأحوال: اعتدال الرجاء والخوف وغلبة الحب، فالمحبة هي المركب، والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنِّه وكرمه[1].
«والتحقيق: أن ذلك على حالين:
الأولى: إذا كان العبد في حال الصحة والسلامة فإنه إما أن يكون مسددًا مسارعًا في الخيرات؛ فهذا ينبغي أن يتساوى في قلبه الخوف والرجاء، فيخاف ويرجو؛ لأنه من المسارعين في الخيرات. وإذا كان في حال الصحة والسلامة وكان من أهل العصيان، فالواجب عليه أن يغلب جانب الخوف حتى ينكف عن المعصية.
الحال الثانية: إذا كان في حال المرض المخوف فإنه يجب عليه أن يعظم جانب الرجاء على الخوف، فيقوم في قلبه الرجاء والخوف ولكن يكون رجاؤه أعظم من خوفه، وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه تعالى» [2]، وذلك من جهة رجائه في الله جلّ جلاله»[3].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/664).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2877).
[3] التمهيد لشرح كتاب التوحيد (384) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ].


الفرق بين الرجاء والتمني:
«أن التمني يكون مع الكسل ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل.
فالأول: كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها.
والثاني: كحال من يشق أرضه ويفلحها ويبذرها ويرجو طلوع الزرع.
ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل.
وقال شاه الكرماني: «علامة صحة الرجاء: حسن الطاعة»»[1].


[1] مدارج السالكين (2/44)، وانظر: الروح (248 ـ 251).


فوائد الرجاء وثمراته كثيرة يطالعها من أحسن تأمله وتفكره في استخراجها. ومن ذلك:
1 ـ إظهار العبودية والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه من ربه.
2 ـ محبة الله من عباده أن يؤملوه ويرجوه ويسألوه من فضله؛ وفي الحديث: «من لم يسأل الله يغضب عليه» [1]، والسائل راج وطالب، فمن لم يرج الله يغضب عليه.
3 ـ التخلص به من غضب الله عزّ وجل.
4 ـ الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب.
5 ـ كل ما زاد رجاء العبد ازداد حبًّا لله تعالى وشكرًا له ورضا به وعنه.
6 ـ أنه يوجب له المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها والتعلق بها، فإن الراجي متعلق بأسمائه الحسنى متعبد بها وداع بها.
7 ـ أن الخوف مستلزم للرجاء، والرجاء مستلزم للخوف، فكل راج خائف، وكل خائف راج، ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف.
8 ـ أن العبد إذا تعلق قلبه برجاء ربه فأعطاه ما رجاه: كان ذلك ألطف موقعًا، وأحلى عند العبد، وأبلغ من حصول ما لم يرجه.
9 ـ أن الله سبحانه وتعالى يريد من عبده تكميل مراتب عبوديته ومنها الرجاء.
10 ـ أن في الرجاء من الانتظار والترقب والتوقع لفضل الله ما يوجب تعلق القلب بذكره، ودوام الالتفات إليه بملاحظة أسمائه وصفاته وتنقل القلب في رياضها الأنيقة[2].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3373)، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3827)، وأحمد (15/448) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم 1807) وصحَّحه، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2654).
[2] انظر: مدارج السالكين (2/60 ـ 63).


العبد مأمور بعبادة الله عزّ وجل ودعائه، وذلك شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة، وقد أمر الله سبحانه الداعي أن يدعوه خوفًا وطمعًا ـ أي: رجاء لما عنده سبحانه ـ فقال تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ *} [الأعراف] . فذكر الطمع الذي هو الرجاء في آية الدعاء لأن الدعاء مبني عليه؛ فإن الداعي ما لم يطمع في سؤله ومطلوبه لم تتحرك نفسه لطلبة؛ إذ طلب ما لا طمع فيه ممتنع.
فتبارك من أنزل كلامه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين[1].


[1] انظر: بدائع الفوائد (3/853) [دار عالم الفوائد، ط2، 1427هـ].


ضل في فهم الرجاء طائفتان[1]:
الأولى: المرجئة: الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، وهوَّنوا من شأن العمل، ومنهم الجبرية القدرية، وفيهم قوم من غلاة المتصوفة الذين يزعمون أنهم ما يعبدون الله خوفًا من ناره ولا طمعًا في جنته؛ وإنما يعبدونه حبًّا فيه!
وتبع هؤلاء من تأثر بهم في هذا الباب من العصاة والمغرورين؛ حيث اتكلوا على سعة رحمة الله ورجاء ما عنده ففرطوا في فعل الطاعات وقارفوا المنكرات، وإذا نصحوا في ذلك وخُوِّفوا من مكر الله وعقابه سردوا ما يحفظونه من نصوص الوعد بالرحمة والمغفرة، وقالوا: الإيمان بالقلب.
وهؤلاء لم يأتوا بشرط الرجاء المحمود من بذل الجهد في فعل الطاعات واجتناب المحرمات، ومن قرن رجائهم بالخوف من الله واستشعار نصوص الوعيد؛ فوقعوا في الرجاء المذموم الذي حقيقته تمنٍّ كاذب وغرور شيطاني، واستمرؤوا التفريط في جنب الله، فأمنوا من مكره، والله يقول: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ *} [الأعراف] .
الطائفة الثانية: الخوارج: الذين غلبوا نصوص الوعيد وضيقوا باب الرجاء حتى كفروا بفعل المعاصي التي دون الكفر، وكذلك طوائف من العباد الذين غلبوا جانب الخوف حتى وقعوا في القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، والله عزّ وجل يقول: {وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ *} [يوسف] .
والحق وسط بين طرفين وهدى بين ضلالتين وهو: مذهب أهل الحق أهل السُّنَّة والجماعة الذين جمعوا بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد، وجعلوا الخوف والرجاء متلازمين، فعبدوا الله بالخوف والرجاء والحب، فلم يأمنوا مكر الله، ولم يقنطوا من رحمة الله، ولم ييأسوا من روح الله، فإن «القلب في سيره إلى الله عزّ وجل بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر»[2].
فلا بدَّ من اجتماع هذه الأركان الثلاثة في عبادة العبد لربه، فمن لم تجتمع هذه الأركان في عبادته ضلّ وما كان من المهتدين؛ ولذلك قال بعض السلف: «من عَبَد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عَبَده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عَبَده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد»[3].


[1] انظر: إحياء علوم الدين (4/148)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (10/61 ـ 83، 239 ـ 243)، والداء والدواء (36 ـ 79)، وبدائع الفوائد (3/850 ـ 853)، وإغاثة اللهفان (394) [دار الحديث، ط1423هـ].
[2] مدارج السالكين (1/664).
[3] نسبه إلى بعض السلف شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (10/81، 207، 11/390)، وابن القيم في بدائع الفوائد (3/851).


1 ـ «بستان الواعظين»، لابن الجوزي.
2 ـ «الخوف والرجاء في الكتاب والسُّنَّة»، لعبد الرحمن الشمسان، [رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية].
3 ـ «بصائر ذوى التمييز» (ج1)، للفيروزآبادي.
4 ـ «حسن الظن بالله»، لابن أبي الدنيا.
5 ـ «الداء والدواء»، لابن القيِّم.
6 ـ «الروح»، لابن القيِّم.
7 ـ «طريق الهجرتين» (ج1)، لابن القيِّم.
8 ـ «مدارج السالكين» (ج2)، لابن القيِّم.
9 ـ «مجموع الفتاوى» (ج10)، لابن تيمية.
10 ـ «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها»، لعبد العزيز الجليل.