الرّحمة: مصدر من الفعل: رَحِمَه يَرْحَمُه رَحْمَةً؛ إذا رقّ له وتعطف عليه.
قال ابن فارس: «الراء والحاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرّقّة والعطف والرأفة، يقال من ذلك: رَحِمَه يَرْحَمُه، إذا رَقَّ له وتعطَّفَ عليه. والرُّحْم والمَرْحَمَة والرَّحْمة بمعنىً»[1].
وقال الجوهري: «الرحمة: الرقة والتعطف، والمرحمة مثله، وقد رَحِمْتُه وتَرَحَّمْت عليه، وتَرَاحَم القَوْم: رَحِمَ بعضهم بعضًا»[2].
وقد سمّى الله الغيث رحمة؛ لأنه برحمته ينزل من السماء[3]، كما سمى سبحانه الرزق والمعاش رحمة، فقال سبحانه: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] .
[1] مقاييس اللغة (2/498) [دار الجيل].
[2] الصحاح (5/207) [دار العلم، ط4، 1990م].
[3] انظر: لسان العرب (12/230) [دار صادر، ط1].
دلَّ على ثبوت رحمة الله عزّ وجل الكتاب والسُّنَّة والإجماع والعقل.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] ، وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58] .
ومن السُّنَّة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي»[1].
وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»[2].
وأما الإجماع: فقد نقله السعدي، فقال: «واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة من الإيمان بأسماء الله كلها وصفاته جميعها وبأحكام تلك الصفات، فيؤمنون مثلاً بأنه رحمن رحيم ذو الرحمة العظيمة التي اتصف بها المتعلقة بالمرحوم، فالنعم كلها من آثار رحمته، وهكذا يقال في سائر الأسماء الحسنى، فيقال عليم: ذو علم عظيم يعلم به كل شيء»[3].
وأما الدليل العقلي على ثبوت الرحمة لله تعالى فهو ظاهر من خلال ما نرى من الخيرات الكثيرة التي تحصل بأمر الله عزّ وجل، وما نرى من النقم الكثيرة التي تندفع بأمر الله، فكل ذلك دالٌّ على إثبات الرحمة عقلاً[4].
[1] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3194)، ومسلم (كتاب التوبة، 2751).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، رقم 4941)، والترمذي (أبواب البر والصلة، رقم 1924) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (11/33) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 925)، ونقل عن العراقي وابن ناصر الدين تصحيحه أيضًا.
[3] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (200).
[4] انظر: شرح الواسطية لابن العثيمين (1/256) [دار ابن الجوزي، ط4، 1424هـ].
قال ابن تيمية: «وكذلك وصف نفسه بالعلم والقوة والرحمة ونحو ذلك مما وصف به نفسه في كتابه وما صح عن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإن القول في جميع ذلك من جنس واحد، ومذهب سلف الأمة وأئمتها: أنهم يصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم في النفي والإثبات»[1].
وقال ابن كثير في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ *} [الأعراف] : «أي: إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين، الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره»[2].
وقال السعدي: «وقوله: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12] ؛ أي: العالم العلوي والسفلي تحت ملكه وتدبيره، وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته وإحسانه، وتغمدهم برحمته وامتنانه، وكتب على نفسه كتابًا أن رحمته تغلب غضبه، وأن العطاء أحب إليه من المنع، وأن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة، إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم، ودعاهم إليها، إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم»[3].
[1] مجموع الفتاوى (5/324 ـ 325).
[2] تفسير ابن كثير (3/430) [دار طيبة، ط2].
[3] تفسير السعدي (251) [مؤسسة الرسالة، ط1].
تنقسم رحمة الله عزّ وجل لخلقه إلى رحمة عامة ورحمة خاصة:
أما الرحمة العامة، فقد دلَّ عليه قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] . فهذه الآية تدل على أن كل شيء وصله علم الله، فإن رحمته تصل إليه؛ لأن الله قرن بينهما، وهذه هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفار؛ لأنهم ممن يصل إليهم علم الله عزّ وجل.
وأما الرحمة الخاصة، ففي قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا *} [الأحزاب] . هذه رحمة خاصة بالمؤمنين؛ لأن تقديم المعمول يدل على الحصر، فيكون معنى الآية: وكان بالمؤمنين لا غيرهم رحيمًا، وهذه رحمة خاصة متصلة برحمة الآخرة لا ينالها الكفار، بخلاف الأولى[1].
[1] انظر: شرح الواسطية لابن العثيمين (1/248 ـ 251).
المسألة الأولى: من أسماء الله تعالى (الرحمن):
هو اسم من أسماء الله، يدل على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل مخلوق، وكتب الرحمة الكاملة للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة المتصلة بالسعادة الأبدية، ومن عداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة؛ لأنه الذي دفع هذه الرحمة وأباها بتكذيبه للخبر وتوليه عن الأمر[1].
وقد ورد اسمه تعالى (الرحمن) في آيات كثيرة؛ منها:
قوله تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ} [الإسراء: 110] ، وقوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه] .
وذكر ابن القيِّم في اقتران الرحمن بالعرش في هذه الآيات فائدة فقال: «ولهذا يُقرَن استواؤه على العرش بهذا الاسم كثيرًا؛ لأن العرش محيط بالمخلوقات، قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، فلذلك وسعت رحمته كل شيء»[2].
وفي الحديث القدسي؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم شققت لها اسمًا من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته»[3].
المسألة الثانية: من أسماء الله تعالى (الرحيم):
فقد ورد في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *} [التوبة] ، وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ *} [الشعراء] .
وورد مقترنًا باسمه الرحمن في قوله تعالى: {الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ *}، وذكر ابن القيِّم في الجمع بين الرحمن الرحيم معنى: هو أن الرحمن يدل على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم يدل على تعلقه بالمرحوم، فالأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دالٌّ على أن الرحمة صفته، والثاني دالٌّ على أنه يرحم خلقه برحمته[4].
المسألة الثالثة: (أرحم الراحمين):
(أرحم) هو أفعل تفضيل من (الرحمة) بمعنى الأفضل والأوسع والأكثر رحمة؛ أي: أفضل الراحمين[5]، يقول شيخ الإسلام عند اسم الرحيم: «الرحيم جاء مفضَّلاً في قوله: {خَيْرُ الرَّاحِمِينَ *} [المؤمنون] ، وفي قوله: {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [يوسف] »[6]، فالاسم يدل على أن الله تعالى واسع الرحمة، وأكثر الراحمين رحمة، والأشد رحمة من كل راحم[7] ورحمته إذا أدركت أحدًا أغنته عن رحمة غيره، ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته[8].
قال الطبري: «وهو أرحم الراحمين: والله أرحم راحمٍ بخلقه»[9]، وقال الشوكاني: «{وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [يوسف] يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم فيجازى محسنهم ويغفر لمسيئهم»[10].
والصفة التي دلَّ عليها اسم (أرحم الراحمين) هي وصف الله تعالى بغاية الرحمة[11]، والرحمة صفة الله التي اشتق لنفسه منها اسمه الرحمن، واسمه الرحيم: وهي صفة تظهر آثارها في خلقه الذين يرحمهم، وقوله: {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [يوسف] يدل على أن المخلوقين قد يرحم بعضهم بعضًا، ولا شك أن رحمة الله تخالف رحمة خلقه؛ كمخالفة ذاته وسائر صفاته لذواتهم، وصفاتهم[12].
وقد ورد اسم (أرحم الراحمين) في القرآن في أربعة مواضع؛ هي قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَِخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [الأعراف] ، وقوله: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [يوسف] ، وقوله: {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [يوسف] ، وقوله: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [الأنبياء] .
وأما في السُّنَّة: فقد جاء في نصوص كثيرة؛ منها: ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فيقول الله عزّ وجل : شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط»[13].
وفي رواية عن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله: «يقال: ادعوا الصديقين فيشفعون، ثم يقال: ادعوا الأنبياء، فيجيء النبي ومعه العصابة، والنبي ومعه الخمسة والستة، والنبي وليس معه أحد، ثم يقال: ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا، فإذا فعلت الشهداء ذلك يقول الله: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بالله شيئًا فيدخلون الجنة»[14].
وقد أثبت اسم (أرحم الراحمين) لله تعالى مجموعة من العلماء؛ منهم: النسائي[15]، وابن منده[16]، وقوام السُّنَّة الأصبهاني[17]، والطيبي[18]، وابن الوزير[19].
قال ابن تيمية: «ومن أسمائه التي ليست في التسعة والتسعين: اسمه السبوح وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسُّنَّة، وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين»[20].
وأما من لم يثبته فكل من ذكر أسماء الله تعالى لم يعد (أرحم الراحمين) اسمًا لله تعالى إلا ما تقدم ذكره.
المسألة الرابعة: من الأسماء الواردة: (خير الراحمين):
فقد ورد ذكره في موضعين من القرآن: في قوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ *} [المؤمنون] ، وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ *} [المؤمنون] .
وورد ذكره في جمع ابن منده[21]، وابن الوزير[22]، وأبي القاسم الأصبهاني[23].
ومعنى خير الراحمين: أي: أن الله تعالى خير من رحم، ورحمته لعباده خير من رحمة العباد بعضهم لبعض؛ لأن رحمته كاملة لا نقص فيها، وقد وسعت كل شيء يقبل التوبة ويغفر الذنوب.
قال ابن جرير الطبري ـ في قوله تعالى: {وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ *} ـ: «يقول: أنت يا رب خير من رحم ذا ذنب، فقبل توبته، ولم يعاقب على ذنبه»[24].
المسألة الخامسة: اسم (أرحم الراحمين) مما اختص الله به:
«كل ما ثبت للربِّ تعالى من الأسماء والصفات يختص به، مثل: أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه أرحم الراحمين، وأنه خير الناصرين»[25].
المسألة السادسة: الدلالة على أنه الجواد المطلق الذي لا يرحم لمصلحة تعود إليه، بخلاف غيره[26]:
«لأن كل راحم فمتصرف على إرادة الله وتوفيقه وتقديره لمقدار هذه الرحمة، ورحمته تعالى لا مشاركة لأحد فيها، وأيضًا فرحمة كل راحم في أشياء، وبأشياء حقيرات، بالإضافة إلى المعاني التي تقع فيها رحمة الله تعالى من الاستنقاذ من النار، وهيئة نعيم الجنة، وعلى ما في الحديث فرحمة كل راحم بمجموعها كلها جزء من مائة رحمة لله، جلت قدرته، إذ بث في العالم واحدة وأمسك عنده تسعة وتسعين»[27].
المسألة السابعة: تعذيب الكفار والعصاة بالنار وعدم رحمتهم لا يتعارض مع رحمة أرحم الراحمين:
كون الله تعالى أرحم الراحمين لا يعارض أنه لا يرحم بعض الناس؛ بل إن هناك من يدخلهم النار ولا يرحمهم، ولا يعني ذلك نقص في رحمته؛ بل إن رحمة الله تعالى مرتبطة بحكمته، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، وروى ابن المبارك عن كعب؛ أنه قال: «إن الله ينظر إلى عبده يوم القيامة وهو غضبان، فيقول: خذوه، فيأخذه مائة ألف ملك ويزيدون، فيجمعون بين ناصيته وقدميه غضبًا لغضب الله، فيسحبونه على وجهه إلى النار فيقول: ألا ترحموني، فيقولون: وكيف نرحمك؟ ولم يرحمك أرحم الراحمين»[28].
[1] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (200).
[2] تفسير القرآن الكريم لابن القيم (37) [مكتبة الدراسات والبحوث العربية، 1410هـ].
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الزكاة، رقم 1694)، والترمذي (أبواب البر والصلة، رقم 1907) وصحَّحه، وأحمد (3/212) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب البر والإحسان، رقم 443)، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود (5/378) [مؤسسة غراس، ط1].
[4] بدائع الفوائد لابن القيم (1/28).
[5] تفسير مقاتل بن سليمان (2/156) [دار الكتب العلمية، ط1، 1424هـ].
[6] إحصاء الأسماء الحسنى في القرآن، ضمن المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية (1/48) [ط1، 1418هـ].
[7] التحرير والتنوير (9/118) [الدار التونسية].
[8] تفسير النسفي (3/109) [دار النفائس، 2005م].
[9] تفسير الطبري (16/161) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[10] فتح القدير (3/53) [دار الفكر، بيروت].
[11] التفسير المنير (17/108).
[12] انظر: أضواء البيان (5/378) [دار الفكر].
[13] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 183).
[14] أخرجه أحمد (1/195) [مؤسسة الرسالة، ط2]، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (2/381) [المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ]، وابن خزيمة في التوحيد (2/736) [مكتبة الرشد، ط2]، وابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6476)، وقال الهيثمي: «رجاله ثقات». مجمع الزوائد (10/375) [مكتبة القدسي]، وحسَّنه الألباني في ظلال الجنة (2/382).
[15] في كتابه: النعوت (1/308).
[16] في كتابه: التوحيد (1/487).
[17] الحجة في بيان المحجة (1/153) [دار الراية، ط1].
[18] نقله ملاّ علي قاري عن الطيبي في المرقاة (8/51).
[19] إيثار الحق على الخلق (159) [دار الكتب العلمية، ط2].
[20] مجموع الفتاوى (2/491 ـ 493)، وانظر: جامع المسائل لابن تيمية (3/274) [دار عالم الفوائد، ط1، 1422هـ]، وإحصاء الأسماء الحسنى في القرآن، ضمن المستدرك على فتاوى ابن تيمية (1/34، 48).
[21] كتاب التوحيد لابن منده (2/204).
[22] إيثار الحق على الخلق لابن الوزير (159).
[23] الحجة في بيان المحجة (1/139).
[24] تفسير الطبري (19/85).
[25] بيان تلبيس الجهمية (2/490) [مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، ط1، 1392هـ]، وانظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان (3/351) [دار الكتب العلمية، ط1].
[26] انظر: تفسير اللباب في علوم الكتاب (13/573) [دار الكتب العلمية، ط1، 1419هـ]، وغرائب القرآن ورغائب الفرقان (5/42).
[27] المحرر الوجيز (4/159) [دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ].
[28] الزهد لابن المبارك (83) [دار الكتب العلمية].
الفرق بين اسمه: الرحمن واسمه: الرحيم
فرَّق بعض أهل العلم بين هذين الاسمين الكريمين بالفروق التالية:
1 ـ أن الرحمن اسم على وزن فعلان من صيغ المبالغة للدلالة على سعة الرحمة وكثرتها. والرحيم: اسم على وزن فعيل بمعنى فاعل، وهي من صيغ المبالغة للدلالة على الرحمة الواصلة.
2 ـ أن الرحمن اسم من الأسماء المختصة بالله عزّ وجل لا يطلق على غيره سبحانه، والرحيم يطلق على الله وعلى غيره، كما في قوله : {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [التوبة] .
3 ـ وقيل: إن الرحمن: ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم: ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين.
4 ـ وقيل: إن الرحمن دالٌّ على الرحمة الذاتية، والرحيم دالٌّ على الرحمة الفعلية[1].
الفرق بين الرحمة والرأفة:
فقد تعددت أقوال العلماء في بيان الفرق بينهما:
1 ـ قيل: إن الرأفة والرحمة بمعنى واحد لا فرق بينهما[2].
2 ـ وقيل: إن الرأفة أشد من الرحمة، وأنها منتهى الرحمة وأبلغها[3].
3 ـ وقيل: إن الرأفة أعم من الرحمة إذ الرحمة قد تكون بشيء مكروه أو عقيب البلاء، والرأفة خير من كل وجه[4].
والخلاصة: أن الرأفة هي شدة الرحمة وأبلغها، وتعم الخير، وتختص به، بخلاف الرحمة فإنها تعم الخير والشر الذي عاقبته خير.
[1] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (28) [دار الثقافة العربية، 1974م]، وشأن الدعاء للخطابي (38 ـ 39) [دار المأمون، ط1، 1404هـ]، وبدائع الفوائد (1/28).
[2] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (62).
[3] انظر: شأن الدعاء للخطابي (91).
[4] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/173).
1 ـ يجب على كل مكلف أن يعتقد بأن الله عزّ وجل موصوف بالرحمة كما يليق بجلاله، وأن رحمته لا تشبه رحمة المخلوق، وأنه أرحم على عباده من رحمة بعضهم لبعض.
2 ـ ويجب عليه أن يرحم نفسه كما رحمها الله عزّ وجل ويسعى بها إلى النجاة من أسباب المهالك والفوز بالجنة بتقوى الله وحفظ حدوده.
3 ـ ويجب عليه أن يكون رحيمًا بعباد الله عزّ وجل وأن لا يقسوا في تعامله معهم؛ لأن من لا يرحم عباد الله لا يكون له حظًّا من رحمة الله.
إن آثار رحمة الله العامة والخاصة ظاهرة في الوجود كظهور آثار ربوبيته، فإن ما لله على خلقه من الإحسان والإنعام شاهد برحمة تامة وسعت كل شيء، فمن آثار رحمته ما يلي:
1 ـ فبرحمته أرسل إلينا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل علينا كتابه، وعلَّمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبصرنا من العمى، وأرشدنا من الغي.
2 ـ وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا.
3 ـ وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا.
4 ـ وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر الحيوان، فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعته.
5 ـ ومن رحمته أنه يعيذ من سخطه برضاه ومن عقوبته بعفوه، ومن نفسه بنفسه.
6 ـ وإذا أراد الله بأهل الأرض خيرًا نشر عليهم أثرًا من آثار اسمه الرحمن، فعمر به البلاد وأحيا به العباد، وإذا أراد بهم شرًّا أمسك عنهم ذلك الأثر فحل بهم من البلاء بحسب ما أمسك عن أهلها أثر هذا الاسم. وغيرها من الآثار التي لا يسع المقام بيانها[1].
[1] انظر: مختصر الصواعق المرسلة (3/881 ـ 887) [أضواء السلف، ط1، 1425هـ].
أنكر عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة أن يوصف الله عزّ وجل برحمة تليق بجلاله، وقالوا: إن الرأفة والرحمة هي رقة تعتري القلب، وهي من الكيفيات النفسية والله منزَّه عنها، ثم أوَّلوا رحمته بمعنى إرادة إنعامه وإحسانه ولطفه على عباده[1].
وهذا الذي قالوه باطل لمخالفته للنصوص الصريحة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والعقل الدالة على إثبات صفة الرحمة لله عزّ وجل كما يليق بجلاله. وقد أورد ابن القيِّم قولهم هذا ورد عليه من وجوه كثيرة؛ منها:
1 ـ أن جحدهم لحقيقة الرحمة ونفيهم لهذه الصفة من جنس نفي المشركين الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا *} [الفرقان] .
2 ـ أن هذا الحامل لكم على دعوى المجاز في اسم (الرحمن) هو بعينه موجود في اسمه: العليم والقدير والسميع والبصير وسائر الأسماء؛ لأن القول في اسمه الرحمن كالقول في هذه الأسماء.
3 ـ أن قولهم: الرحمة رقة القلب، هل المقصود هي رحمة المخلوق أم رحمة الخالق، أو كل ما سمي رحمة شاهدًا أو غائبًا؟ فإذا كان الأول صدقوا، ولم ينفعهم ذلك شيئًا، وإن كان الثاني أو الثالث، كانوا قائلين غير الحق، فإن الرحمة صفة الرحيم، وهي في كل موصوف بحسبه، فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق لمخلوق.
4 ـ أنه من أعظم المحال أن تكون رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازًا، ورحمة العبد الضعيفة المخلوقة القاصرة المستعارة من ربه التي من آثار رحمته حقيقة. وهل في قلب الحقائق أكثر من هذا؟ فبهذه الأوجه وغيرها ثبت بطلان قول المعطلة في رحمة الله عزّ وجل وثبوت صفة الرحمة له كما تليق بجلاله[2].
[1] انظر: الكشاف للزمخشري (1/45) [دار إحياء التراث]، والإنصاف للباقلاني (39) [المكتبة الأزهرية، ط2، 1321هـ]، وتفسير الفخر الرازي (14/286) [دار التراث العربي]، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (10/471) [مكتبة الرشد، ط2، 1423هـ].
[2] انظر: مختصر الصواعق (3/862 ـ 870).
1 ـ «بدائع الفوائد»، لابن القيِّم.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لأبي القاسم الأصبهاني.
5 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
6 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لابن العثيمين.
7 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمد بن أمان الجامي.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ كتاب «التوحيد»، لابن منده.
10 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، للموصلي.