حرف الراء / الرِّدَّة

           

قال ابن فارس: «الراء والدال أصل واحد مطرد منقاس، وهو: رجع الشيء. تقول: رددت الشيء أرده ردًّا. وسمي المرتد؛ لأنه رد نفسه إلى كفره»[1].
والارتداد والردة: الرجوع في الطريق الذي جاء منه، لكن الردة تختص بالكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره، قال الله تعالى: {وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ *} [المائدة] ؛ أي: لا ترجعوا.
والردة: اسم من الارتداد، وهو التحول والرجوع عن الشيء إلى غيره، ومنه الرجوع عن الإسلام.
والمرتد: أي: الراجع، وهو الذي رجع عن دينه، وكفر بعد إسلامه[2].


[1] مقاييس اللغة (2/386) [دار الجيل، ط2].
[2] انظر: لسان العرب (3/172) [دار صادر، ط1]، والمفردات في غريب القرآن (191) [دار المعرفة]، والنهاية في غريب الحديث (2/214) [المكتبة العلمية، 1399هـ].


الردة شرعًا هي: الخروج من الإسلام إلى الكفر الأكبر المخرج من الملة طوعًا، وذلك باعتقاد أو بقول أو بفعل يقتضي الكفر، سواء كان هازلاً أو جادًا[1].
وقال الشربيني: «الردة هي قطع الإسلام بنيَّة، أو قول، أو فعل، سواء قاله استهزاءً، أو عنادًا، أو اعتقادًا»[2].
وفي تعريف المرتد، قال البهوتي: «المرتد... شرعًا: الذي يكفر بعد إسلامه نطقًا، أو اعتقادًا، أو شكًّا، أو فعلاً»[3].


[1] انظر: المغني لابن قدامة (1/115) [دار الفكر، ط1، 1405هـ]، والصارم المسلول (3/865) [دار ابن حزم، ط1، 1417هـ].
[2] مغنى المحتاج (4/133) [المكتبة التجارية، ط1374هـ]، وانظر: نهاية المحتاج للرملي (7/413) [مكتبة الحلبي]، وروضة الطالبين للنووي (10/64) [المكتب الإسلامي، ط2، 1405هـ]
[3] كشاف القناع (6/136) [مطبعة أنصار السُّنَّة المحمدية]، وانظر: المبدع في شرح المقنع (9/170) [المكتب الإسلامي]، والمغني (8/123) [مكتبة الرياض الحديثة]، وشرح منتهى الإرادات (3/386) [مطبوعات دار الإفتاء، الرياض]، وغاية المنتهى (3/335) [المؤسسة السعيدية، ط2].


الردة هي قطع دين الإسلام، والدخول في الكفر بالله، وهي تحصل بالاعتقاد، أو بالقول، أو بالفعل.
فقد تكون الردة باعتقاد مناقض لما جاء به الدين، وعلم بالضرورة من الإسلام؛ كاعتقاد الشريك مع الله، أو تكذيب ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
كما قد تكون الردة بالقول وحده، بالنطق لكلمة الكفر، سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء.
كما تكون الردة بالفعل؛ كالسجود للصنم وإهانة القرآن[1].


[1] انظر: روضة الطالبين (10/64) [المكتب الإسلامي، ط2، 1405هـ]. وحول تفاصيل الأقوال والأفعال والاعتقادات التي يكفر من قامت به، انظر: نواقض الإسلام، ومسائل الجاهلية، كلاهما لمحمد بن عبد الوهاب، وأبواب حكم المرتد في كتب الفقه إجمالاً، وانظر كذلك: أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية لنعمان السامرائي (61 ـ 116) [دار العلوم، ط2].


لقد جاء ذكر الردة في القرآن باللفظ الصريح، كما جاء ذكرها بالمعنى.
أما باللفظ الصريح؛ ففي قوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *} [البقرة] ، وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] .
وأما ذكرها بالمعنى، فقد ورد كثيرًا، ومن ذلك:
قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} [النحل] .
وأما في السُّنَّة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: قال: «من بدَّل دينه فاقتلوه»[1].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»[2].
وفي «الصحيحين» أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه لما بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم، ثم تهوَّد. قال: اجلس. قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ـ ثلاث مرات ـ فأمر به فقتل[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 3017).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الديات، رقم 6878)، ومسلم (كتاب القسامة، رقم 1676).
[3] أخرجه البخاري (كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، رقم 6923)، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1733).


قال ابن عبد البر: «من ارتد عن دينه حلَّ دمه، وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك، وإنما اختلفوا في استتابته»[1].
وقال ابن قدامة: «وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك، فكان إجماعًا»[2].
وقال ابن تيمية: «وأما المرتد فالمبيح عنده ـ يعني: الإمام أحمد ـ هو الكفر بعد الإيمان، وهو نوع خاص من الكفر، فإنه لو لم يقتل ذلك لكان الداخل في الدين يخرج منه، فقتله حفظ لأهل الدين وللدين، فإنَّ ذلك يمنع من النقص، ويمنعهم من الخروج عنه بخلاف من لم يدخل فيه»[3].


[1] التمهيد (5/306)، وانظر: (5/319) [طبعة وزارة الأوقاف المغربية، ط1387هـ].
[2] المغني (9/16).
[3] مجموع الفتاوى (20/102).


ذكر الفقهاء شروطًا للحكم على الشخص بالكفر إذا وقع منه أمر ثبت كونه مكفرًا، وهي شروط الأهلية، وهي:
1 ـ العقل، وضده الجنون. فالمجنون لا تصح ردته ولا تثبت أحكامها إجماعًا.
2 ـ البلوغ، وضده الصغر، والصغير إما أن يكون صبيًّا لم يميز، وإما أن يكون مميزًا. فالصبي الذي لم يميز لا تصح ردته، وله حكم المجنون.
واختلفوا في المميز الذي لم يبلغ، والأقرب أنه لا تثبت ردته، وإن كان يصح إسلامه، والله أعلم.
3 ـ الاختيار، وضده الإكراه؛ فالمكره لا يحكم بردته، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} [النحل] [1].


[1] انظر: أحكام المرتد في الإسلام لعبد الله حليم (48 ـ 87) [رسالة ماجستير من جامعة أم القرى]، وأحكام المرتد في الشريعة الإسلامية (41)، والردة عن الإسلام وخطرها على العالم الإسلامي لعبد الله قادري (85) [مكتبة طيبة، ط2، 1405هـ].


المسألة الأولى: ثبوت الردة:
لا تثبت الردة إلا من أحد طريقين:
الأول: إقرار المرتد، فإذا أقر المسلم ـ ممن توفرت فيه الشروط السابقة ـ أنه ارتد عن الإسلام إلى الكفر فقد ثبت حكم الردة في حقه.
الثاني: الشهادة بشروطها، فإذا شهد شاهدان على شخص بردته، ثبت حكم الردة على من شهدا عليه.
ويشترط أن يكون الشاهدان من أهل الشهادة، وذلك بأن يكونا عاقلين، بالغين، حرَّين، عدلين، ذكرين، وألا يرجعا عن شهادتهما.
فإن أنكر المشهود عليه، وقال: أنا لا أزال على إسلامي، قبل قوله، ونظر في صحة ادعائه، فإن أظهر ما يصير به الشخص مسلمًا ترك وشأنه، وإن تصرَّف تصرف الكافر، كان ذلك تأكيدًا لشهادة الشهود، فيكون مرتدًا[1].
المسألة الثانية: حرية الاعتقاد:
حرية الاعتقاد يراد بها: أن يكون الشخص حرًّا في اختيار العقيدة التي يعتنقها ويقر بها، من غير إكراه أو منع خارجي[2].
ومصطلح (حرية الاعتقاد) قد جاءت به القوانين الغربية العلمانية، وقررته المواثيق الدولية، وقد احتوى مضمونه الفكري على حق وباطل، فكان الواجب تفصيل القول فيه، فيقال:
إن المعاني المندرجة تحت مبدأ (حرية الاعتقاد) على قسمين:
أولاً: المعاني الباطلة لمبدأ (حرية الاعتقاد)، ومنها:
1 ـ الزعم بأن للإنسان أن يختار من الأديان ما يشاء، ويعتقد ما يشاء، وأن لا تثريب عليه بذلك، وهذا ما ينادي به دعاة الحرية الاعتقادية المطلقة.
وبطلان هذا المعنى معلومٌ من الدين بالضرورة، وهو من الكفر بالله[3].
فالأصل في الإنسان هو العبودية، لا الحرية، ولكنها عبودية لربّ العالمين: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} [الذاريات] .
فهو ليس حرًّا في أن يعقد أن يتديَّن بما شاء، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران] .
ويقول النبي صلّى الله عليه وسلّم كما في «الصحيح»: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار»[4].
2 ـ الزعم بإبطال حد الردة الثابت بإجماع المسلمين، مراعاةً لمبدأ (حرية الاعتقاد).
3 ـ السماح للكفار أن يظهروا شعائرهم ويدعوا لعقائدهم في بلاد المسلمين.
فغير المسلمين أحرار في ممارسة شعائر دينهم، بشرط عدم إظهارها في المجتمع، ولكنهم لا يمكنون من إحداث أماكن جديدة لعباداتهم، ولا أن يُظهروا عباداتهم من نواقيس وصلبان، أو أن ينشروا عقائدهم الفاسدة بين المسلمين، ففي الشروط العمرية: «شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها دَيْرًا، ولا قلاية، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا... وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضربًا خفيًّا في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليبًا... وألا نخرج صليبًا ولا كتابًا في سوق المسلمين... ولا نظهر شركًا ولا نرغب في ديننا ولا ندعو إليه أحدًا»[5].
ثانيًا: المعنى المقبول لحرية الاعتقاد:
وهو أنه ليس لأحد من المسلمين أن يجبر غيره من الناس على امتثال دين معين، واعتقاد معين، فالإسلام لا يكره غير المسلمين على الدخول فيه؛ بل يُدعى الكافرُ إلى الإسلام، فإن أسلم وإلا ترك على دينه، بشرط أن يدفع الجزية للمسلمين، كما يتاح له أن يتعبد بدينه، بشرط ألا يظهره ولا يدعو إليه كما تقدم.
المسألة الثالثة: توبة المرتد:
المرتد إذا تاب إلى الله قبلت توبته، قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] .
وقبول توبة المرتد ينظر إليها من ناحيتين:
الناحية الأولى: قبول توبته في الباطن، فيما بينه وبين الله، وذلك متعلق بأحكام الآخرة، فهو إذا تاب تاب الله عليه، إذا أتى بالتوبة بشروطها المعلومة، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء[6].
فقد قال الله تعالى في حق المنافقين ـ الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ـ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء] .
الناحية الثانية: قبول توبته في الظاهر؛ أي: في الأحكام الدنيوية، ومعناه: أن تقبل عند الإمام، فيترتب على ذلك ثبوت أحكام الإسلام، وسقوط أحكام الردة عنه. فهذا قد وقع الخلاف في بعض صوره.
وقد وقع الاتفاق على أنه لا تقبل توبة المرتد إلا بأن يأتي بالشهادتين[7]، فإذا أتى بالشهادتين ثبت له الإسلام وصح.
ثم إن كانت ردته ردة عامة مما لا تأويل له في كفره؛ كأن يرتد إلى عبادة الأوثان، فيكفيه أن يأتي بالشهادتين.
وإن كانت ردته بجحود أمر معين مما يكفر جاحده، فيشترط في توبته أن يأتي بالشهادتين، ويقرّ بذلك الذي جحده.
فمن زعم أن محمدًا صلّى الله عليه وسلّم قد بعث إلى العرب خاصة دون العالمين، اشترط أن يأتي بالشهادتين، ويشهد أن محمدًا رسول الله إلى الخلق أجمعين، ويتبرأ من كل دين سوى الإسلام، وإن كانت ردته بجحود فرض أو استباحة محرم: فيشترط في توبته أن يأتي بالشهادتين، ويرجع عما اعتقده، بأن يقر بوجوب ما جحد وجوبه، وتحريم ما استباحه[8].
وثمة أصناف قد اختلف العلماء في قبول توبتهم في الظاهر؛ أي: في أحكام الدنيا، وأما أحكام الآخرة فيما بينهم وبين الله فلا خلاف في قبولها، ومن هؤلاء: من تكررت ردته، والزنديق، والساحر[9].
المسألة الرابعة: عقوبة المرتد:
المسلم إذا خرج عن الإسلام وارتد عنه ـ والعياذ بالله ـ أصبح عضوًا فاسدًا في المجتمع المسلم، يهز أركان المجتمع، ويزعزع بنيانه، وهذا الارتداد يعد ثورة وتمردًا على جماعة المسلمين، وتكثيرًا لسواد الأعداء، وإفشاء لأسرار المسلمين، كما أن فيه تهييجًا لضعاف الإيمان على أن يفعلوا كفعله، ويسلكوا دربه، وهو خيانة عظمى للأمة الإسلامية؛ بل هو أعظم من الخيانة العظمى التي اتفقت الأنظمة الوضعية على قتل صاحبها، ولهذا وضع الإسلام نظامًا وجزاءً لكل من تسول له نفسه أن يرتد عن دين الله، وذلك بأن شرع حكم القتل على المرتد الخارج عنه، بعد استتابته وإمهاله.
فإذا ارتد المسلم، ونكص على عقبيه ـ والعياذ بالله ـ فإنه يترتب عليه عقوبتان:
1 ـ العقوبة الأخروية، وهي: حبوط عمله، وخلوده المؤبد في النار، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *} [البقرة] .
2 ـ العقوبة الدنيوية، وهي كما يلي:
أ ـ القتل، فقد أجمع العلماء على أن المرتد إذا كان رجلاً، عاقلاً، بالغًا، مختارًا غير مكره: أنه يقتل إذا أصر على ردته بعد الاستتابة[10]، ـ سبق ذكر الأدلة على ذلك ـ، وإن كانوا قد اختلفوا في قتل المرأة، والجمهور وهو الراجح أنها كالرجل، كما اختلفوا في ثبوت ردة الصبي.
ب ـ التعزير، وذلك فيما إذا أسقطت عقوبة القتل بالتوبة؛ كالضرب والجلد والحبس ونحو ذلك؛ كضرب من تكررت ردته، حتى يتبين خشوع التوبة وإخلاصه[11].
ويشار ههنا إلى أمر مهم، قد قرره عامة أهل العلم، وهو أن المسؤول عن قتل المرتد هو الإمام أو نائبه، ولا يتولاه سواهما، وأن من قتله بدون إذن الإمام فقد أساء، وعليه التعزير لإساءته وافتياته على الإمام[12].


[1] انظر: الردة عن الإسلام لعبد الله قادري (89 ـ 93).
[2] انظر: الإسلام وحقوق الإنسان لمحمد زكريا [مجلة عالم الفكر، عدد 4، 109].
[3] انظر: المناهي اللفظية لابن عثيمين (130 ـ 131)، والاستدلال الخاطئ بالقرآن والسُّنَّة على قضايا الحرية لإبراهيم الحقيل (63 ـ 71) [مركز البيان للبحوث والدراسات، ط1، 1434هـ]
[4] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 153).
[5] انظر: أهل الملل والردة والزنادقة من كتاب الجامع للخلال (2/431) [مكتبة المعارف، ط1، 1416هـ]، وتاريخ ابن جرير (2/449) [دار الكتب العلمية]، وذكرها ابن القيم في أحكام أهل الذمة (3/1164) [دار ابن حزم، ط1، 1418هـ]، ثم قال ابن القيم: «وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها»، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/121) [مطبعة السُّنَّة المحمدية، ط2].
[6] انظر: المغني لابن قدامة (9/31)
[7] انظر: المجموع (18/12)، ومغني المحتاج (4/140)، وفتح القدير لابن الهمام (6/70)، وشرح منتهى الإرادات (3/390)،
[8] انظر: المجموع (18/12)، والمغني (9/21)، أحكام المرتد في الإسلام (216)، وأحكام المرتد في الشريعة الإسلامية (172).
[9] انظر تفصيل الخلاف في توبة هؤلاء: أحكام المرتد في الإسلام (218 ـ 233).
[10] انظر: فتح القدير لابن همام (6/68) [مطبعة الحلبي، ط1]، وبدائع الصنائع (9/4383) [مطبعة العاصمة، القاهرة]، والمجموع (18/10) [المكتبة العالمية]، والمغني (9/4) [مكتبة القاهرة، ط1390هـ].
[11] انظر: البحر الرائق لابن نجيم (5/135) [دار المعرفة، ط2].
[12] انظر: المغني لابن قدامة (9/8 ـ 9)، وشرح منتهى الإرادات (3/388)، وفتح القدير لابن الهمام (6/98)، والمجموع (18/15)، وأحكام المرتد في الإسلام (197 ـ 202)، وأحكام المرتد في الشريعة الإسلامية (183).


تقدم أن حدَّ الردة في أصله ثابت بالنص الصريح، وبإجماع المسلمين.
وقد بزغت شراذم معاصرة أنكرت حد الردة في الإسلام، لمنطلقات شتى، فجعلوا حد الردة عقوبة تعزيرية، عائدة لرأي الإمام.
ومن شبهاتهم في ذلك:
ـ أن حد الردة لم يرد في القرآن.
وهذا مسلك فاسد، فالسُّنَّة وحي من الله كما أن القرآن كذلك: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *} [النجم] ، والقرآن قد دلَّ في مواضع كثيرة على لزوم الأخذ بالسُّنَّة، فالحديث حجة بنفسه، والعمل بما في القرآن دون السُّنَّة زندقة وكفر، وهو مفض إلى ترك العمل بالدين؛ لأن أركان الإسلام إنما جاء ذكر صفاتها بالسُّنَّة لا في القرآن.
ـ أن الردة وردت من طريق الآحاد، والحدود لا تثبت بالآحاد.
ويجاب عن قولهم بما تقدم بأن حد الردة محل إجماع، والإجماع يقطع الخلاف، ويرفع الحكم إلى القطعيات، ثم إنه قد ورد من عدة طرق وفي عدة أحاديث في «الصحيحين» وغيرهما، وعمل به الصحابة ومن بعدهم، وهذه قرائن ترفعه إلى إفادة العلم اليقيني[1].
ثم إن أحاديث الآحاد يجب العمل بها في العلميات والعمليات، حتى لو تكن في «الصحيحين»، ومن يلتزم ترك الآحاد في العمليات فسيؤول به الأمر إلى ترك جل الشريعة؛ لأن غالب السنن أو كلها كذلك[2].
وثمة شبهات لمنكري حد الردة، يكفي في إبطالها ما سبق من ثبوته بالنص القطعي والإجماع[3].


[1] انظر: نزهة النظر لابن حجر (228).
[2] انظر: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (1/156) [مؤسسة الرسالة، ط2]، والفقيه والمتفقه (1/286) [دار ابن الجوزي، ط2، 1421هـ].
[3] انظر: الحرية الدينية وعقوبة الردة لعثمان علي حسن [منشور بحولية كلية الشريعة والقانون، جامعة قطر، العدد 22، سنة 1425هـ]، والردة بين الحد والحرية (قراءة نقدية في كتاب: لا إكراه في الدين) لصالح بن علي العميريني، والاستدلال الخاطئ بالقرآن والسُّنَّة على قضايا الحرية لإبراهيم الحقيل (369) وما بعدها [طبعة مركز البحوث بمجلة البيان، ط1، 1434هـ]، وجريمة الردّة لهاني الجبير [موقع صيد الفوائد].


1 ـ «أحكام المرتد في الاسلام»، لعبد الله حليم.
2 ـ «أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية»، لنعمان السامرائي.
3 ـ «الردة عن الإسلام وخطرها على العالم الإسلامي»، لعبد الله أحمد قادري.
4 ـ «شرح منتهى الإرادات»، للبهوتي.
5 ـ «المجموع»، للنووي.
6 ـ «المغني»، لابن قدامة.
7 ـ «نواقض الإسلام»، لمحمد بن عبد الوهاب. 8 ـ «نواقض الإيمان الاعتقادية»، لمحمد الوهيبي
9 ـ «نواقض الإيمان القولية والعملية»، لعبد العزيز العبد اللطيف.
10 ـ «مسائل الجاهلية»، لمحمد بن عبد الوهاب.