الرزّاق والرّازق: اسمان مشتقان من الفعل رَزق يرزقُ رَزقًا ورِزقًا، ومعناه: العطاء.
قال ابن فارس: «الراء والزاء والقاف أُصَيْلٌ واحدٌ يدلُّ على عَطاءٍ لوَقت، ثم يُحمَل عليه غير الموقوت، فالرِّزْق: عَطاء الله جلَّ ثناؤُه، ويقال: رَزَقه الله رَزْقًا، والاسم الرِّزْق»[1].
وقال الجوهري: «الرِّزقُ: ما ينتفع به، والجمع الأَرْزاق، والرَّزْق: العطاء، وهو مصدر قولك: رَزَقه الله، والرَّزقة بالفتح: المرة الواحدة، والجمع الرزقات، وهي أطماع الجند. وارتزق الجند؛ أي: أخذوا أرزاقهم»[2].
[1] مقاييس اللغة (2/388) [دار الجيل].
[2] الصحاح (4/167) [دار العلم، ط4، 1990م].
حقيقة اسمه تعالى الرزاق والرازق هي أن الله موصوف بالرزق، فهو الرزاق والرازق لعباده، وهذا الرزق منه سبحانه على عباده نوعان: فالأول: رزق عام يشمل جميع عباده البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، والأولين والآخرين وهو رزق الأبدان، وإليه يشير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] .
والثاني: رزق خاص بالمؤمنين، وهو رزق القلوب وتغذيتها بالعلم والإيمان، وهو الرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدنيا، وهذا الرزق يشمل ما يكرم به الله المؤمن يوم القيامة ويمنه عليهم بإدخالهم جنات النعيم، وفيه قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا *} [الطلاق] [1].
[1] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (8/545) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ]، وتفسير السعدي (947 ـ 948)، وشرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين (353) [مدار الوطن، ط1، 1426هـ]، وفقه الأسماء الحسنى للبدر (105 ـ 106) [ط1، 1429هـ].
ورد اسمه تعالى (الرزّاق) في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *} [الذاريات] .
وورد اسمه تعالى (الرّازق) مجموعًا مضافًا إلى اسم التفضيل (خير) في قوله تعالى: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ *} [المائدة] .
وورد كلا الاسمين في السُّنَّة النبوية، ففي سنن أبي داود وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: يا رسول الله، غلا السِّعر فسَعِّر لنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرّازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدٌ منكم يطالبني بمظلمة في دمٍ ولا مال»[1].
وفي سنن الترمذي؛ أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرزّاق»[2].
وقد ذكر القرطبي إجماع الأمة على تسمية الله عزّ وجل بالرازق والرزّاق[3].
[1] أخرجه بهذا اللفظ: أبو داود (كتاب البيوع، رقم 3451)، وابن ماجه (كتاب التجارات، رقم 2200)، وأحمد (20/46) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب البيوع، رقم 2587)، وابن حبان (كتاب البيوع، رقم 4935)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1846).
[2] أخرجه بهذا اللفظ: الترمذي (أبواب البيوع، رقم 1314) وقال: حسن صحيح، وأحمد (21/444) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وسنده صحيح أيضًا.
[3] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/277) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
قال الطبري في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *}: «إن الله هو الرزّاق خلقه، المتكفل بأقواتهم، ذو القوّة المتين»[1].
وقال ابن كثير في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء] : «إخبار أنه تعالى هو الرزاق، القابض الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، بما له في ذلك من الحكمة»[2].
وقال السعدي: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ}؛ أي: كثير الرزق، الذي ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها»[3]. وقال أيضًا: «الرزّاق لجميع المخلوقات، فما من موجود في العالم العلوي والعالم السفلي إلا متمتع برزقه مغمور بكرمه»[4].
[1] تفسير الطبري (22/445) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] تفسير ابن كثير (5/71) [دار طيبة، ط2، 1420هـ].
[3] تفسير السعدي (813) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[4] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (51).
المسألة الأولى: ومن أسماء الله المتعلقة بالرزق: {خَيْرُ الرَّازِقِينَ *} [الجمعة] :
وهو من الأسماء المضافة، وقد اعتبرها أهل العلم ضمن أسماء الله الحسنى[1].
وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في مواضع عديدة؛ منها: قوله تعالى: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ *} [المائدة] ، وقوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ *} [الحج] .
ومعنى {خَيْرُ الرَّازِقِينَ *}: أي: أن الله هو خير من بسط فضله على أهل طاعته وأكرمهم، وهو سبحانه خير من قيل: إنه يرزق ووصف به، وذلك أنه قد يوصف بذلك من دونه فيقال: فلان يرزق أهله وعياله[2].
المسألة الثانية: أن الله تعالى يختص باسمي (الرزاق) و(الرازق):
فلا يسمى بهما أحد سواه، وذلك لأن الرزق شأن من شؤون ربوبية الله عزّ وجل، لا يصح أن ينسب إلى غيره، فلا يسمى غيره رازقًا كما لا يسمى خالقًا[3].
المسألة الثالثة: يشتق من اسمه تعالى: الرازق صفة الرِّزق لله تعالى:
وهي من الصفات الذاتية الفعلية الثابتة لله عزّ وجل[4]. ويدل عليها الأدلة السابقة في الرزّاق والرازق، ومن أدلتها كذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ *} [آل عمران] .
وقوله تعالى: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ *} [الحج] .
المسألة الرابعة: الفرق بين الرزق الشرعي والقدري:
أما الرزق الشرعي فهو ما أباحه الله لعباده وملَّكه إياهم وشرع لهم الترزق منه والنفقة منه، فقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [المنافقون: 10] ، وقال تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *} [السجدة] ، فهذا الرزق هو الحلال لا يدخل فيه الحرام كالخمر ولحم الخنزير وغيرهما.
وأما الرزق القدري فهو ما سبق في علم الله وكتابته في اللوح المحفوظ أن العبد يترزق منه من خير أو شر، ومن حلال أو حرام، كما في حديث خلق الإنسان في بطن أمه: «ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه، وأجله وشقي أو سعيد» [5]، فهذا الرزق قدَّره الله على العباد، وشاء وقوعه منهم ولم يشرعه لهم[6].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (22/485) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ].
[2] انظر: تفسير الطبري (18/673، 20/413).
[3] انظر: صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (126) [دار الهجرة، ط1، 1414هـ].
[4] انظر: صفات الله للسقاف (126).
[5] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3208)، ومسلم (كتاب القدر، رقم 2643).
[6] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (8/545 ـ 546) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ].
1 ـ يجب على كل مسلم أن يعلم أن لا رازق ولا رزّاق إلا الله تعالى على الإطلاق وحده، وغيره إن رزق وأعطى فإنما يرزق من رزق الرازق الذي أعطى[1].
2 ـ وعلى العبد أن يرجع إلى الله وحده في طلب كل ما يريده، وأن لا ينتظر الرزق إلا منه، ولا يتوكل فيها إلا عليه.
3 ـ وعلى العبد أن يشكر نعمة الله عزّ وجل الذي تفضل عليه بالرزق من غير كلفة منه ولا مؤونة.
4 ـ يجب على كل مسلم أن يرضى بقسم القاسم وما ساقه الله إليه من رزق.
5 ـ وعليه أن ينفق مما رزقه الله على عباد الله.
[1] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/284).
1 ـ إن تفرّد الله عزّ وجل بالرزق وتكفله برزق من في السماوات والأرض من تمام ربوبيته على خلقه، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ *} [هود] .
وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَآبَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} [العنكبوت] .
2 ـ وبسطه الرزق على الجميع مؤمنًا كان أو كافرًا دليل على كمال لطفه بعباده.
قال تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ *} [الشورى] .
3 ـ وتحكمه على رزق عباده بحيث يجعل من يشاء غنيًّا ويقتر على من يشاء من تمام عدله وحكمته سبحانه، قال : {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا *} [الإسراء] ، وقال: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ *} [الشورى] .
خالف عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية في إثبات صفة الرزق لله عزّ وجل كما يليق بجلاله، وقالوا: إنه سبحانه وتعالى لا تقوم أفعاله بذاته؛ بل يفعلها غير قائمة به، فيحدثها متى شاء، ولا يحدثها إذا لم يرد إحداثها[1].
أو أنها قديمة أزلية؛ لأنها لو لم تكن قائمة بذات الله في الأزل لكانت ذات الباري محلًّا للحوادث وهذا ممتنع[2].
[1] انظر: مقالات الإسلاميين (185 ـ 186)، والشامل في أصول الدين للجويني (251)، وتحفة المريد شرح جوهرة التوحيد للبيجوري (92).
[2] بحر الكلام للنسفي (91 ـ 92).
أولاً: كل موصوف لا يوصف إلا بما قام به لا بما هو مباين له صفة لغيره، وإلا لزمهم أن لا يكون له صفة لا ذاتية ولا فعلية[1].
ثانيًا: تفسيرهم الفعل بالمفعول مستلزم لنفيه، وتعطيل الخالق عنه، وأنه ليس هناك إلا المفعول[2]؛ لأن عِلْمَنا بالمخلوق المفعول بلا فعل ولا خلق أعظم امتناعًا في العقل من علمنا بامتناع قيام الأفعال به وإن سماها المسمي حوادث[3].
ثالثًا: أن المعنى إذا قام بمحل عاد حكمه على ذلك المحل؛ واشتق لذلك المحل منه اسم؛ ولم يشتق لغيره منه اسم وعاد حكمه على ذلك المحل؛ ولم يعد على غيره؛ كما أن الحركة والسواد والبياض والحرارة والبرودة إذا قامت بمحل كان هو المتحرك الأسود الأبيض الحار البارد دون غيره. قالوا: فكذلك الكلام والإرادة إذا قاما بمحل كان ذلك المحل هو المتكلم المريد دون غيره[4].
رابعًا: أن «هذا منقوض على أصلكم فإنكم تقولون: إنه يريد بإرادة قديمة والمرادات كلها حادثة، فإن كان هذا جائزًا فلماذا لا يجوز أن يكون الخلق قديمًا والمخلوق حادثًا، وإن كان هذا غير جائز بل الإرادة تقارن المراد لزم جواز قيام الحوادث به، وحينئذ فيجوز أن يقوم به خلق مقارن للمخلوق فلزم فساد قولكم على التقديرين»[5].
[1] ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/318).
[2] ينظر: مختصر الصواعق (2/467)، وشرح النونية للهراس (1/151).
[3] ينظر: درء تعارض العقل والنقل (1/543)، ومنهاج السُّنَّة (3/462).
[4] درء التعارض (8/483 ـ 484)، وينظر: شرح الأصبهانية (484 ـ 485)، والتسعينية (2/443).
[5] منهاج السُّنَّة لابن تيمية (3/462). وينظر: مجموع الفتاوى له (6/231).
1 ـ «أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرزاق.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
6 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي
9 ـ «المنهاج لشعب الإيمان»، للحليمي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.