الاستعانة لغةً: مصدر استعان يستعين، وأصلها من العون، بمعنى: المعاونة والمظاهرة على الشيء، يقال: فلان عوني؛ أي: معيني، وقد أعنته، والاستعانة: طلب العون، والتعاون: التظاهر[1]، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] .
قال ابن منظور: «تقول: أعنته إعانة، واستعنته واستعنت به فأعانني، وإنما أعل استعان وإن لم يكن تحته ثلاثي معتل، أعني: أنه لا يقال: عان يعون كقام يقوم؛ لأنه وإن لم ينطق بثلاثيه؛ فإنه في حكم المنطوق به»[2].
[1] انظر: مفردات ألفاظ القرآن (598)، والصحاح للجوهري (6/2186)، ولسان العرب (13/298 ـ 309).
[2] لسان العرب (13/298).
الاستعانة: هي المتضمنة كمال الذُّل من العبد لربه مع الثقة به والاعتماد عليه في جلب النفع ودفع الضر.
قال السعدي: «والاستعانة: هي طلب الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار مع الثقة به في تحصيل ذلك»[1].
وقال ابن تيمية: «الاستعانة: طلب العون من الله، ويطلب من المخلوق ما يقدر عليه من الأمور»[2].
وقال الآلوسي: «الاستعانة: هي طلب ما يتمكن به العبد من الفعل، ويوجب السير عليه»[3].
[1] تفسير السعدي (39) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1423هـ].
[2] مجموع الفتاوى (1/103) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف].
[3] تفسير الآلوسي (1/87) [دار إحياء التراث، بيروت].
حقيقة الاستعانة بالله تعالى تجتمع في أصلين عظيمين هما: الثقة بالله، والاعتماد عليه.
قال ابن القيم: «الاستعانة تجمع أصلين: الثقة بالله، والاعتماد عليه؛ فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس، ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به»[1].
[1] مدارج السالكين (1/86) [دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ].
قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} [الفاتحة] ، وقال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَانُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ *} [الأنبياء] .
ومن السُّنَّة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان»[1].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه قال: كنت خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومًا، فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»[2].
[1] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2664).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم 2516) وقال: حسن صحيح، وأحمد (4/487) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/497).
كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز رحمهما الله : «لا تستعن بغير الله، فيكلك الله إليه»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «التوكل نصف الدين. والنصف الثاني: الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة»[2].
قال ابن رجب رحمه الله: «العبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عزّ وجل. فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه الله، ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به، فصار مخذولاً وهو كذلك في أمور الدنيا لأنه عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه جميعًا إلا الله عزّ وجل، فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول. وهذا هو تحقيق معنى قول العبد: لا حول ولا قوة إلا بالله. والمعنى: أن العبد لا يتحول حاله من حال إلى حال ولا قوة له على ذلك إلا بالله عزّ وجل»[3].
[1] انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/482) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1422هـ].
[2] مدارج السالكين (2/113 ـ 114) [دار الكتاب العربي، ط3، 1416هـ].
[3] انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/481 ـ 482).
أقسام الاستعانة باعتبار حكمها:
تنقسم الاستعانة من حيث حكمها إلى أنواع ثلاثة:
أحدها: الاستعانة المشروعة:
وهذا النوع من الاستعانة على قسمين:
1 ـ الاستعانة بالله تعالى:
وهذا القسم هو أعظم الأقسام المشروعة، وهو الذي أمر الله به، وجعله قرين العبادة التي هي غاية الخلق، كما في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} [الفاتحة] .
والعبد محتاج إلى الاستعانة بربه وخالقه أعظم من حاجته إلى ضروريات حياته، وذلك لعجزه عن الاستقلال بذلك عن ربه تبارك وتعالى.
قال ابن رجب رحمه الله: «أما الاستعانة بالله عزّ وجل دون غيره من الخلق؛ فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عزّ وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول... فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عزّ وجل. فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه... ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به، فصار مخذولاً»[1].
والاستعانة بالله تعالى تكون على وجهين:
أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه ما يقوي دواعيه ويسهل الفعل عليه، ومتى لطف به بأن يعلمه أن له في فعله الثواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته.
والآخر: أن يطلب باستعانته بقاء كونه قادرًا على طاعته المستقبلة، بأن تجدد له القدرة حالاً بعد حال.
2 ـ الاستعانة بالأعمال الصالحة:
ورد في جملة من النصوص الأمر بالاستعانة ببعض الأعمال الصالحة؛ كالصبر والصلاة، كما في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: 45] ، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِيْنُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ *} [البقرة] .
قال السعدي رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية الكريمة ـ: «أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور»[2].
الثاني: الاستعانة الممنوعة:
وهي الاستعانة بغير الله تعالى ممن لا يقدر على الإعانة، إما لكون ذلك من خصائص الله تعالى، وإما لعجز ذلك المستعان به عن تحقيق العون والمظاهرة؛ لكونه ميتًا أو غائبًا؛ كمن يطلب العون من الأموات ونحوهم، أو الأحياء فيما هو مختص بالله تعالى؛ كغفران الذنوب وإنزال المطر، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا كله داخل في الشرك الأكبر المخرج من الملة.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان مفاسد التعلق بالقبور: «ومنها: اعتقاد المشركين أن بها يكشف البلاء، وينصر على الأعداء، ويستنزل غيث السماء، وتفرج الكروب، وتقضى الحوائج، وينصر المظلوم، ويجار الخائف، إلى غير ذلك»[3].الثالث: الاستعانة الجائزة:
وهي الاستعانة بالمخلوق الحي القادر فيما له قدرة عليه؛ كالاستعانة به في تعليم الصناعة، أو حمل المتاع معه، أو الاستعانة به على العدو، أو السبع، ونحو ذلك، إذا كان قادرًا على عونه ونصرته، وهذا جائز شرعًا في حق المستعين، ومحمود شرعًا في حق المعين، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «تعين صانعًا أو تصنع لأخرق»[4].
[1] جامع العلوم والحكم (1/377) [المكتبة التجارية، مكة المكرمة، ط1، 1413هـ].
[2] تفسير السعدي (51).
[3] إغاثة اللهفان (1/197) [دار المعرفة، بيروت].
[4] أخرجه البخاري (كتاب العتق، رقم 2518)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 84).
المسألة الأولى: الاستعانة بغير المسلمين:
دلَّت الأدلة من السُّنَّة المطهرة على جواز الاستعانة بغير المسلمين، من ذلك: ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت: «... واستأجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكر رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا، وهو على دين كفار قريش»[1]. وجاء عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه صفوان ـ وكان حينها على دين قومه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعار منه يوم حنين أدراعًا فقال: أغصبًا يا محمد؟ فقال: «بل عارية مضمونة»[2].
وقد نصَّ العلماء على جواز الاستعانة بغير المسلمين عند الحاجة إلى ذلك ما لم يكن فيه ضرر عليهم في دينهم أو دنياهم[3]. قال النووي: «تجوز الاستعانة بأهل الذمة وبالمشركين في الغزو، ويشترط أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين، ويأمن خيانتهم»[4]. وقال ابن القيم: «إن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة»[5]. وقال ابن عثيمين: «وأما الاستعانة بهم ـ أي: الكفار ـ فهذا يرجع إلى المصلحة، وإن كان في ذلك مصلحة؛ فلا بأس، بشرط أن نخاف من شرهم وغائلتهم، وألا يخدعونا، وإن لم يكن في ذلك مصلحة؛ فلا يجوز الاستعانة بهم؛ لأنهم لا خير فيهم»[6].
المسألة الثانية: الاستعانة بالجن:
الاستعانة بالجن سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين وسيلة من وسائل الشرك، فلا يجوز طلب الإعانة من مسلمي الجن؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يطلبوا ذلك منهم، وهم أولى أن تخدمهم الجن، وأن تعينهم. وأصل الاستعانة بالجن من أسباب إغراء الإنسي بالتوسل إلى الجني، وبرفعة مقامه، وبالاستمتاع به، وقد قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام: 128] ، فيحصل الاستمتاع من الجني بالإنسي: بأن الإنسي يتقرب إليه، ويخضع له، ويذل، ويكون في حاجته، ويحصل الاستمتاع من الإنسي بالجني بأن يخدمه الجني، وقد يكون مع ذلك الاستمتاع ذبح من الإنسي للجني، وتقرب بأنواع العبادات، أو بالكفر بالله عزّ وجل والعياذ بالله، بإهانة المصحف، أو بامتهانه أو نحو ذلك؛ ولهذا فإن تلك الاستعانة بجميع أنواعها لا تجوز، فمنها ما هو شرك ـ كالاستعانة بشياطين الجن ـ يعني: الكفار ـ ومنها ما هو وسيلة إلى الشرك، كالاستعانة بمسلمي الجن[7].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الإجارة، رقم 2264).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب البيوع، رقم 3562)، وأحمد (24/13) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والطبراني في الأوسط (2/176) [دار الحرمين]، وضعفه ابن حزم في المحلى (8/140) [دار الفكر]، وقال ابن عبد الهادي: «رواته ثقات، وقد أُعِلَّ». المحرر (1/504) [دار المعرفة، ط3]. لكن له شواهد يقوَى بها، كما ذكر البيهقي في الكبرى (كتاب العارية، رقم 11481)، والألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 631).
[3] انظر: نصب الراية للزيلعي (3/424) [مؤسسة الريان، ط1، 1418هـ]، وفتح الباري (7/238) [دار المعرفة، ط1379هـ]، وشرح النووي على مسلم (12/199) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1392هـ]، ومسند أحمد (4/92)، وطبقات ابن سعد (2/14) [دار صادر، ط1، 1968م]، والأموال لابن زنجويه (469 ـ 471) [مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ط1، 1406هـ].
[4] روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/239) [المكتب الإسلامي، ط3، 1412هـ].
[5] زاد المعاد في هدي خير العباد (3/268) [مؤسسة الرسالة، ط27، 1415هـ]. وانظر: الكافية الشافية (37) [مكتبة ابن تيمية، ط2، 1417هـ].
[6] الباب المفتوح (3/20)، (لقاء 46، سؤال 1140).
[7] انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (615) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ].
الفرق بين الاستعانة والعبادة:
1 ـ العبادة هي الغاية التي خلق الخلق لأجلها، والاستعانة وسيلة إليها.
2 ـ العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس، فكل عابد لله عبودية تامة، فهو مستعين به.
3 ـ الاستعانة طلب منه سبحانه وتعالى، والعبادة طلب له.
4 ـ العبادة لا تكون إلا من مخلص، والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص.
5 ـ العبادة حق الله الذي أوجبه على العبد، والاستعانة طلب العون على العبادة[1].
الفرق بين الاستعانة والاستعاذة:
1 ـ الاستعاذة الالتجاء والتحيز، فهي نوع من أنواع الدعاء، وأما الاستعانة فهي الثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه، فهي أقرب إلى معنى التوكل.
2 ـ الاستعاذة سببها الخوف من مكروه، وأما الاستعانة فهي مطلوبة من العبد على الدوام، وفي جميع الأحوال.
[1] انظر: المرجع السابق (1/87 ـ 88).
ممن خالف في الاستعانة:
1 ـ ذهبت القدرية إلى أن العبد مستغنٍ عن ربه غير محتاج إليه؛ لأن الله ـ حسب زعمهم ـ لا يُقْدر معبوده على شيء من أفعاله لا الخير ولا الشر، وأنه قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف، وأنه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل، فإنه قد أعانه بخلق الآلات وسلامتها، وتعريف الطريق، وإرسال الرسل، وتمكينه من الفعل، فلم يبق بعد هذا إعانة مقدورة يسأله إياها، بل قد ساوى بين أوليائه وأعدائه في الإعانة، فأعان هؤلاء كما أعان هؤلاء، ولكن أولياءه اختاروا لنفوسهم الإيمان، وأعداءه اختاروا لنفوسهم الكفر، من غير أن يكون الله سبحانه وفَّق هؤلاء بتوفيق زائد أوجب لهم الإيمان، وخذل هؤلاء بأمر آخر أوجب لهم الكفر، فهؤلاء لهم نصيب منقوص من العبادة، لا استعانة معه، فهم موكولون إلى أنفسهم، مسدود عليهم طريق الاستعانة والتوحيد، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن آمن بالله وكذب بقدره نقض تكذيبه توحيده»[1].
2 ـ الذين يستعينون بالأموات وبقبور الأولياء ويتبركون بأحجارها وينذرون لهم ويتخذونهم وسيلة عند الله. ويقولون: أمرَنا الله بالاستعانة بالأعراض قال جلّ جلاله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: 45] ، ولم يقل: استعينوا بالله[2]؛ بل إن كبراءَهم يكفرون من قال: لا ينبغي الاستعانة بغير الله، لمخالفته نص الكتاب في قوله عزّ وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}[3].
والرد عليهم:
أن هذه الآية الكريمة لا علاقة لها بجواز طلب الاستعانة بالأموات عند الكربات؛ بل هذه الآية من أقوى الأدلة، وأعظم البراهين، على وجوب الالتجاء إلى الله عزّ وجل وطلب الاستعانة به عند الملمات، والتوسل إليه تعالى بالأعمال الصالحات، والصبر والصلاة من أعظم الأعمال الصالحات التي يتوسل بها إلى الله عند الكربات.
وأما الاستعانة بالصلاة لما فيها من أنواع العبادة مما يقرب إلى الله تعالى قربًا يقتضي الفوز بالمطلوب والعروج إلى المحبوب[4].
[1] أخرجه عبد الله بن أحمد في السُّنَّة (2/422) [دار ابن القيم، ط1]، والفريابي في القدر (160) [أضواء السلف، ط1]، والعقيلي في الضعفاء (4/145) [دار المكتبة العلمية، ط1].
[2] انظر: صلح الإخوان لابن جرجيس (138) [ط. نخبة الأخبار، 1306هـ].
[3] انظر: شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق للنبهاني (447، 451) [دار الفكر، بيروت].
[4] انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1261 ـ 1262) [دار الصميعي، ط1، 1416هـ].
1 ـ «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان»، لابن القيم.
2 ـ «تفسير ابن كثير».
3 ـ «تفسير السعدي».
4 ـ «جامع العلوم والحكم»، لابن رجب.
5 ـ «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» (ج3)، لشمس الدين الأفغاني.
6 ـ «روح المعاني»، لمحمود الآلوسي.
7 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
8 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيم.
9 ـ «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم»، لعدد من المؤلفين، بإشراف الشيخ صالح بن حميد.