حرف الراء / الرسالات السماوية

           

الرسالات: جمع الرسالة، والرَّسالة بالكسر والفتح اسم[1]، قال ابن فارس: «الراء والسين واللام أصل واحد مطرد منقاس، يدل على الانبعاث والامتداد»[2]، والرسول هو: «الذي يتابع أخبار الذي بعثه؛ أُخذ من قولهم: جاءت الإبل رسلاً: أي: متتابعة، والرسول اسم من أرسلْت، وكذلك الرسالة»[3].
السماوية: نسبة إلى السماء، والسماء في اللغة يقال لكل ما ارتفع وعلا، قال الجوهري: «السماء: كل ما علاك فأظلك، ومنه قيل لسقف البيت: سماء»[4].


[1] القاموس المحيط (925) [دار إحياء التراث العربي، ط2، 1424هـ].
[2] مقاييس اللغة (402) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[3] تهذيب اللغة (12/391) [الدار المصرية للتأليف والترجمة].
[4] الصحاح (6/2382) [دار العلم للملايين، ط3].


الرسالة السماوية: «سفارة العبد بين الله وبين ذوي العقول؛ ليزيل بها عللهم، ويعلمهم ما قصرت عنه عقولهم من مصالح الدنيا والآخرة»[1].


[1] دستور العلماء (2/135) [مؤسسة الأعلمي، ط2، 1395هـ]، ونحوه قال صاحب الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (11) [دار الزمان، ط2، 1426هـ].


المعنى الشرعي هو نفس معنى اللغوي، إلا أن في المعنى الشرعي تحديدًا للجهة المرسِلة، والمرسَلة والمرسلة إليها.



أن بداية الرسالات ومنبعها السماء.



حقيقة الرسالات السماوية: هي وساطة تبليغ عن الله إلى عباده عن طريق الملائكة إلى الأنبياء، وبواسطتهم إلى الناس، قال الله تعالى عن أنبيائه: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ} [الأحزاب: 39] .



تظهر علو منزلة الرسالات السماوية في الأمور:
1 ـ أنها سفارة الله عزّ وجل، والله سبحانه وتعالى يصطفي لها من يشاء من عباده، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] ، وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 31، 32] .
2 ـ أن الإيمان بالرسالات السماوية ركن من أركان الإيمان.
3 ـ أن الكفر والتكذيب بإحدى الرسالات السماوية كفر وتكذيب بجميعها، قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ *} [الشعراء] ، وقال: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ *} [الشعراء] ، وقال: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ *} [الشعراء] ، ولم يبعث إلى كل من هؤلاء إلا رسول واحد؛ فدل هذا على أن الكفر والتكذيب برسالة رسول واحد كفر وتكذيب بجميعهم.



تظهر أهمية الرسالات السماوية في أنها حجة الله تعالى على عباده، قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، والحجة بالغ الأهمية.



بالإضافة إلى ما تقدم من الأدلة هناك أدلة كثيرة تدل على الرسالات السماوية؛ كقول الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، وقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] ، وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] ، وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ *} [الحجر] ، وقوله: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} [المؤمنون: 44] ، وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] ، وقوله: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ *} [الزخرف] ، وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ *} [فاطر] .
كما يدل على وجود الرسالات السماوية قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» [1]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود»[2].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 438).
[2] أخرجه مسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 521).


لمّا كانت الرسالة السماوية واسطة وسفارة تبليغ عن الله إلى عباده، وذلك عن طريق الملائكة والأنبياء، ولا يحمل الملك الرسالات إلى الناس مباشرة، فعلم أن الرسالات السماوية باعتبار المرسَل على قسمين:
1 ـ إرسال الملائكة إلى الأنبياء[1] عليهم السلام قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحَجّ: 75] .
2 ـ إرسال الأنبياء إلى البشر، قال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] .
والله تعالى قد يرسل برسالته إلى أقوام بأعيانهم وقد يرسل بها إلى الناس عامة، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» [2]، فالرسالات السماوية باعتبار المرسَل إليه على قسمين[3]:
1 ـ الرسالات السماوية لأقوام خاصة؛ كالرسالات السماوية للأمم السابقة، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الروم: 47] .
2 ـ الرسالة السماوية لجميع الناس؛ كالرسالة المحمدية، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] .


[1] انظر: النبوات (1/720) [أضواء السلف، ط1، 1420هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية (408) [دار عالم الكتب، ط3، 1418هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 438).
[3] انظر هذا المفهوم في: الرسل والرسالات (240).


المسألة الأولى: أن الرسالات السماوية كلها تتفق في التوحيد وأركان الإيمان، وإن كانت تختلف في الشرائع:
وقد بيَّن النبي صلّى الله عليه وسلّم اتفاق الرسل في التوحيد، واختلافهم في الشرائع بمثال فقال: «الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتّى، ودينهم واحد» [1]. قال ابن حجر رحمه الله: «معنى الحديث: أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع»[2].
2 ـ أن الرسالات السابقة كانت تخص بعض الأقوام بأعيانهم، وأن الرسالة المحمدية هي عامة لكافة الناس، وخاتمة الرسالات، ومهيمنة على جميعها، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] ، وقال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] ، وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] .
3 ـ وجوب الإيمان بجميع الرسالات السماوية، قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *} [البقرة] ، وفي حديث جبريل المشهور قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله»[3].
وكيفية الإيمان بالرسالات السابقة تكون بـ«التصديق الجازم بالرسالات التي أنزلها الله إلى عباده بواسطة رسله، والتصديق بأنهم بلّغوها الناس، وأن الانقياد لها، والحكم بها كان واجبًا على الأمم التي نزلت إليها الكتب، والكتب السماوية يصدق بعضها بعضًا، والقرآن نسخ الكثير مما في التوراة والإنجيل، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] ، ومجرد التصديق لا يكفي في القرآن؛ فلا بد مع التصديق من الأخذ به والعمل بما أمر به وترك ما نهى عنه»[4].


[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3443)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2365).
[2] فتح الباري (6/597) [دار السلام، ط1، 1421هـ].
[3] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4777)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 9) من حديث أبي هريرة، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 8) من حديث عمر.
[4] الرسل والرسالات (229 ـ 231).


من ثمرات الرسالات السماوية:
1 ـ تهذيب العباد، وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهذا هو الغاية من خلق الخلق، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} [الذاريات] .
2 ـ تعريف العباد بما يضرهم أو ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وليس المراد ما يدرك بالحس فإن الحيوانات تعرف ذلك، وإنما المراد الأفعال التي تضر فاعلها في المعاد والمعاش، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً *} [الفرقان] ، وقال تعالى في الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ *} [محمد] .



من حكم الرسالات السماوية[1]:
1 ـ إقامة الحجة على الخلق، قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً *} [الإسراء] ، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء] .
2 ـ العباد لا يدركون بعقولهم الكثير من الغائبات التى هي من أصول الإيمان، فجاءت الرسالات السماوية وأخبرتهم بذلك.
3 ـ الخلق بحاجة إلى القدوة حسنة، وحاملو الرسالات السماوية قدوة الأتباع، وأسوة حسنة لمن أطاع.
4 ـ حرص الناس على حصول المصالح والمناصب العالية ولو بالتخريب وإلحاق الضرر بالغير اقتضى أن يرتب أمورهم من ليس من جنسهم، فأرسل الله الرسل بالشرائع وبذلك رتب أمورهم ومصالحهم أحسن ترتيب[2].


[1] نظر: مدخل الطويان لدراسة كتاب النبوات (22 ـ 27).
[2] انظر: الحكمة من إرسال الرسل (15 ـ 20) بتصرف [دار الصميعي، ط1، 1420هـ].


الفلاسفة لم يعرفوا الرسالات السماوية على حقيقتها الشرعية[1]، وينقل مصنفو الفرق والمذاهب المعاصرة عن الباطنية عمومًا، وعن الدروز خصوصًا أنهم يجحدون الرسالات السماوية[2]، لكن إنكار الرسالات السماوية مخالفة لإجماع الأمم.


[1] النبوات (1/195، 197)، ومنهاج السُّنَّة (2/415، 5/435) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ]، ودرء التعارض (5/353) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ].
[2] انظر: منهاج السُّنَّة (1/5 ـ 6)، وفرق معاصرة لغالب عواجي (2/521، 619، 627)، والموسوعة الميسرة في الأديان (1/398).


1 ـ «الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة»، لشيبة الحمد.
2 ـ «جامع العلوم في اصطلاحات الفنون الملقب بدستور العلماء»، لأحمد نكري.
3 ـ «الحكمة من إرسال الرسل»، لعفيفي.
4 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج5، 10)، لابن تيمية.
5 ـ «الرسل والرسالات»، لعمر الأشقر.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
7 ـ «صحيح البخاري» (ج1).
8 ـ «صحيح مسلم» (ج1).
9 ـ «فتح الباري» (ج6)، ابن حجر.
10 ـ «فِرَق معاصرة تنتسب إلى الإسلام» (ج1)، لغالب عواجي.
11 ـ «منهاج السُّنَّة» (ج1)، لابن تيمية.
12 ـ «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» (ج1)، بإشراف: الجهني.
13 ـ «النبوات»، لابن تيمية.