حرف الراء / الرُّسُل

           

الرُّسُل (والرُّسْل): جَمع رَسول؛ وهو: مَن أُرْسِل في رسالة، والذي يُتابِع أخبار مَن بعثه فهو مُرْسَل ورَسُول، وجمعه: رُسل، ويُطلَق الرسول على الرِّسالة نفسها. والراء والسين واللام أصلٌ واحدٌ مطرد منقاس يدل على: الانبعاث والامتداد؛ ومنه: (الرَّسْل): السير السَّهْل، و(شَعْر رَسْل): إذا كان مسترسلاً[1].


[1] انظر: الصحاح (4/1709) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، وتهذيب اللغة (12/391) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، ومقاييس اللغة (2/392) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].


الرسول: هو من أرسله الله عزّ وجل إلى قوم كفار مكذبين مخالفين له، سواء أرسل بشرع ورسالة جديدة، أو بشرع من قبله من الرسل[1].
ويطلق الرسول على: الرسول البشري، والرسول الملكي؛ كما قال عزّ وجل: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ *} [الحج] ، وقال تعالى: {قَالُوا يالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] ، وقال جلّ جلاله: {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ *} [الزخرف] .
إلا أن بحثنا هنا في الرسول البشري، لا الرسول الملكي، ومرادنا به: النبي والرسول.


[1] انظر: النبوات لابن تيمية (184) [المطبعة السلفية، 1386هـ].


لما كان الرسول لغة هو: من يتابع ويبلغ أخبار من بعثه لمقصود؛ سمي النبي المرسل بذلك؛ لتتابع الوحي عليه؛ إذ هو فعول بمعنى مفعول[1].
وقيل: سمي بذلك؛ «لأنه ذو رسول؛ أي: ذو رسالة»[2]؛ فالرسول هو: المرسل، الذي أرسل في رسالة.
والوجهان صحيحان، ليس بينهما تعارض أو تناقض؛ فالرسول هو المرسل من عند الله تعالى برسالة يبلغها للبشر، والوحي يتتابع عليه بهذه الرسالة.


[1] انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس (1/34) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وتهذيب اللغة (12/391)، والكليات للكفوي (476) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والتوقيف على مهمات التعاريف (363) [دار الفكر، ط1، 1410هـ].
[2] تهذيب اللغة (12/391)، وانظر: الزاهر لابن الأنباري (1/34).


حقيقة الإيمان بالرسل: أنه يجب على المسلم أن يعتقد أن الإيمان بأنبياء الله ورسله عليهم السلام أصل وركن عظيم من أصول الإيمان والاعتقاد، معلوم من الدين بالضرورة، اتفق على وجوبه جميع الأنبياء والمرسلين، من لدن أبي البشر آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا يتحقق إيمان العبد إلا بالإيمان به؛ فمن أنكر نبوة أحد منهم أو لم يتبع شرائعهم كفر.



والإيمان بالرسل يتضمن عدة أمور:
أولها: التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً، يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يعبد من دونه، وأن رسالتهم جميعًا حق من عند الله تعالى؛ فنؤمن ونصدق بهم جميعًا، ولا نفرق بين أحد من رسل الله؛ فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع، وكفر بالله العظيم ـ والعياذ بالله ـ.
الثاني: أن الله عزّ وجل أيد أنبياءه ورسله ـ بعلمه وقدرته وغناه ـ بالبراهين الظاهرة، والآيات والمعجزات الباهرة، والبينات الواضحة، ودلائل النبوة المتكاثرة، الدالة على صدقهم وصحة رسالتهم وأنهم مرسلون من عند الله تعالى حقًّا.
الثالث: أن الله تعالى اصطفى أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام؛ فكانوا جميعًا صادقين مصدقين، بارين راشدين، كرامًا بررة أتقياء أمناء، هداة مهتدين، وأنهم كانوا على الحق المبين والهدى المستبين. وأنهم بلغوا رسالات ربهم البلاغ المبين؛ لم يكتموا منها حرفًا أو يزيدوا شيئًا أو ينقصوه، ولا بدلوا ولا غيروا؛ فقامت بذلك الحجة على الخلق ببعثتهم.
الرابع: اعتقاد أن دعوتهم جميعًا من أوَّلهم إلى آخرهم قد اتفقت في أصل الدين؛ وهو: توحيد الله سبحانه وتعالى ـ بإلهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته ـ، وما يشمل ذلك من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، ونفي ما يضاد ذلك أو ينافي كماله. لكن فروع شرائعهم ـ من الفرائض والحلال والحرام ـ مختلفة في صورها ومقاديرها وأوقاتها وأنواعها وكيفياتها؛ وله سبحانه وتعالى في ذلك الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
الخامس: الإيمان بما سمى الله تعالى لنا من أنبيائه ورسله في الكتاب والسُّنَّة إجمالاً في الإجمالي وتفصيلاً في التفصيلي، والتصديق بهم وبما صح عنهم من أخبار في الكتاب والسُّنَّة، من ذكر أسمائهم وفضائلهم وخصائصهم وأخبارهم مع قومهم، وما جرى بينهم من الخصومة، ونصر الله لهم ولأتباعهم، وما في ذلك من الكفاية والعبرة والموعظة.



إن الأنبياء عليهم السلام هم أفضل البشر وأرفعهم درجة وقدرًا ومنزلة عند الله تعالى على الإطلاق، وإنهم يتفاوتون ويتفاضلون فيما بينهم في منزلتهم عند الله تعالى؛ فأفضلهم: رسل الله تعالى الكرام، وأفضل الرسل وأعلاهم منزلة: أولو العزم منهم ـ الخمسة المشهورون ـ، وأفضلهم: نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم (وهو أفضل الخلائق أجمعين)، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم نوح، ثم باقي الرسل، ثم عامة الأنبياء غير الرسل، وهم يتفاضلون ويتفاوتون في الفضيلة فيما بينهم؛ فبعضهم أفضل من بعض؛ فالله تعالى اتخذ إبراهيم ومحمدًا خليلين، وكلَّم موسى تكليمًا، ورفع إدريس مكانًا عليًّا، وجعل عيسى كلمته وروحًا منه، إلى آخر هذه الفضائل العظيمة والمناقب الجليلة. فنؤمن بمن قصَّ الله تعالى علينا خبره ومن لم يقصص.



دل على هذا المعتقد الكتاب، والسُّنَّة الصحيحة، وإجماع الأمة:
أما الدليل على ركنية الإيمان بالرسل، وأنه أصل عظيم من أصول الإيمان والاعتقاد، وأننا لا نفرق بين أحد من رسل الله؛ فقول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} الآية [البقرة: 177] .
وقال عزّ وجل مبيِّنًا حكم من كفر بالرسل، أو فرق بينهم في الإيمان الواجب بهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً *أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِيناً *} [النساء] .
وثبت في حديث جبريل عليه السلام المشهور؛ أنه قال: «فأخبرني عن الإيمان؛ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» [1]، وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل يتهجد يقول: «اللَّهُمَّ لك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن،... ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم حق، والساعة حق» الحديث[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 8)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وأخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 50)، و(كتاب التفسير، رقم 4777)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 9)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري (كتاب التهجد، رقم 1120)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 769).


قال ابن تيمية: «الإيمان بالرسل يجب أن يكون جامعًا عامًّا مؤتلفًا، لا تفريق فيه ولا تبعيض ولا اختلاف: بأن يؤمن بجميع الرسل وبجميع ما أنزل إليهم. فمن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض، أو آمن ببعض ما أنزل الله وكفر ببعض؛ فهو كافر، وهذا حال من بدَّل وكفر من اليهود والنصارى والصابئين»[1].
وقال ابن القيِّم: «لا سبيل إلى السعادة والفلاح ـ لا في الدنيا ولا في الآخرة ـ إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم؛ فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به؛ فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال؛ فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها؛ فأي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير!»[2].
وقال ابن رجب: «الإيمان بالرسل يلزم منه الإيمان بجميع ما أخبروا به من: الملائكة، والأنبياء، والكتاب، والبعث، والقدر، وغير ذلك من تفاصيل ما أخبروا به، وغير ذلك من صفات الله، وصفات اليوم الآخر؛ كالصراط، والميزان، والجنة والنار»[3].


[1] مجموع الفتاوى (12/13).
[2] زاد المعاد لابن القيم (1/69) [مؤسسة الرسالة، ط27، 1415هـ].
[3] جامع العلوم والحكم (1/102) [مؤسسة الرسالة، ط8، 1419هـ].


من المسائل المتعلقة بالإيمان بالرسل:
المسألة الأولى: المفاضلة بين الرسل:
الأنبياء عليهم السلام يتفاوتون ويتفاضلون فيما بينهم في منزلتهم عند الله تعالى؛ فأفضلهم: رسل الله تعالى الكرام، وأفضل الرسل وأعلاهم منزلة: أولو العزم منهم ـ الخمسة المشهورون ـ[1]، وأفضلهم: نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم (وهو أفضل الخلائق أجمعين)، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم نوح، ثم باقي الرسل، ثم عامة الأنبياء غير الرسل، وهم يتفاضلون ويتفاوتون في الفضيلة فيما بينهم؛ فبعضهم أفضل من بعض.
وإن هؤلاء الأنبياء عليهم السلام إنما يتفاضلون فيما بينهم بما حبى الله تعالى المفضل منهم ومنحه بالخصائص والفضائل والوسائل والكرامات والأحوال ـ الزائدة عن درجة النبوة والرسالة ـ التي لم يعطها لغيره؛ كالتفضيل بالتخصيص بمنقبة عظيمة ـ كتكليم الله تعالى موسى عليه السلام، واتخاذ إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام خليلين ـ، والتفضيل بالبينات والآيات والمعجزات والتأييد بالملائكة الكرام ـ كما حدث لعيسى عليه السلام ـ، والتفضيل بالشرائع وإنزال الكتب، والتفضيل بكثرة الأتباع، والتفضيل بكون النبي عبدًا رسولاً لا نبيًّا ملكًا ـ كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبيِّنا؛ فهم أفضل من داود وسليمان ويوسف عليهم جميعًا الصلاة والسلام ـ، إلى غير هذا من أوجه التفضيل.
وأما حديث: «لا تخيّروني من بين الأنبياء» [2]؛ فمعناه: أي: لا تفضلوني بحيث يلزم نقص أو غضاضة على غيره أو يؤدي إلى الخصومة، أو قاله صلّى الله عليه وسلّم على وجه التواضع وحسن الأدب[3].
المسألة الثانية: عموم رسالته صلّى الله عليه وسلّم:
إن من خصائص نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم التي انفرد بها عمن قبله من الأنبياء ـ مما هو معلوم بالنقل المتواتر من دين الإسلام بالضرورة ـ: أنه رسول الله إلى جميع الثقلين: إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، ملوكهم ورعيتهم، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، من وقت بعثته إلى قيام الساعة؛ فليس هو رسولاً للعرب وحدهم، كما يعتقده بعض النصارى، والعيسوية من اليهود، وملحدو أهل الكتاب، أما غيره من الأنبياء؛ فكان الواحد منهم يبعث إلى قومه خاصة.
وإنه لا يسع أحدًا من الناس إلا الإيمان به ومتابعة ما جاء به من الكتاب والسُّنَّة، باطنًا وظاهرًا، في دقيق الأمور وجليلها، في العلوم والمعارف والأعمال؛ فمن سمع به صلّى الله عليه وسلّم ومات ولم يؤمن به ـ بحجة اتباع غيره من الأنبياء عليهم السلام ـ فهو من أصحاب النار، وكذا من سوغ اتباع شريعة غير شريعته صلّى الله عليه وسلّم فهو كافر بالإجماع.
ولذا ختمت به الرسالة والنبوة؛ فهو صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيين والمرسلين؛ فلا يتعبد الله تعالى بغير شريعته، ولا يتبع سواه؛ فشرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة؛ ولذا فهو صلّى الله عليه وسلّم أكثر الأنبياء تابعًا يوم القيامة. ويعتقد المسلم: أنه لا يتم الإيمان به صلّى الله عليه وسلّم إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا؛ فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به صلّى الله عليه وسلّم[4].
وقد دلَّ على هذا المعتقد: الكتاب، والسُّنَّة المتواترة: قال تبارك وتعالى : {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] ، وقال عزّ وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] ولفظ الناس يطلق على: الإنس والجن، وقال سبحانه وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا *} [الفرقان] ، والعالمين: الإنس والجن.
وفي «الصحيحين» من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي» ، فذكر منها: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» ، وفي رواية: «كافة» ، وفي رواية مسلم: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود» [5]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»[6].
المسألة الثالثة: بشرية الرسل:
إن أنبياء الله ورسله عليهم السلام كانوا جميعًا بشرًا، يتصفون بصفاتهم ولا ينفكون عن البشرية البتة، فهم مولودون كما ولد البشر، ولهم آباء وأمهات، وأعمام وعمات، وأخوال وخالات، ويتزوجون كما يتزوج الناس، ويأكلون ويشربون، ويقومون بأعمال ومهن البشر ـ كالتجارة ورعي الغنم نحوهما ـ، ويطرأ عليهم ما يطرأ على سائر البشر من الأعراض والجوع والنسيان والأسقام والموت والفناء ونعوت الإنسانية بالإجماع[7]، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] ، وقال سبحانه وتعالى: {...قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً *قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلاَئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً *} [الإسراء] ، وقال جلّ جلاله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ *} [الأنبياء] . وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أنا بشر مثلكم؛ أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني»[8].
ويتعرضون للبلاء والأذى ولهم في ذلك الأجر العظيم؛ فهم عبيد لله كجميع البشر، ليس لهم من خصائص الربوبية ولا الملائكية شيء.
وهم جميعًا كانوا ذكورًا أحرارًا، مصطفين من خيار قومهم، ومرسلون بلسانهم ولغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم.
وإن البعثة كانت من أهل القرى (يعني: المدن) ولم تكن في أهل البوادي؛ فليس في الأنبياء امرأة ولا ملك ولا أعرابي ولا عبد ولا جني، ولا من يتصف بالصفات الناقصة والأخلاق الذميمة.
وهم مبرؤون سالمون من كل نقص وعيب، ومن كل ما يقدح في نبوّتهم وتبليغهم، أو ينفر عن اتباعهم؛ كدناءة الآباء، وسوء أو فحش الأمهات، والغلظة، وعن العيوب المنفرة للطباع؛ كالبرص والجذام، وجميع الرذائل؛ كالبخل والجبن واللغو والأخلاق الذميمة، وجميع الأمور المخلة بالمروءة؛ كأكل على الطريق، والحرف الدنية، وكل ما يخل بحكمة البعثة، ونحو ذلك.
المسألة الرابعة: أولو العزم:
لقد اصطفى الله تعالى من بين عباده رسلاً كرامًا جعلهم وسائط في إبلاغ الدين لخلقه وعباده، فبلغوا رسالات ربهم أتم بلاغ وأكمله، وكانوا جميعًا من أهل العزم والصبر والثبات على هذه الرسالات، وعلى الدعوة إلى دين الله تعالى، وكان من بينهم ـ على أشهر الأقوال ـ خمسة بلغوا النهاية في هذا العزم والجد؛ فصار هذا الوصف (أولو العزم) إذا أطلق منصرفًا إليهم، وهم أفضل المرسلين؛ بل أفضل الخلق على الإطلاق[9]؛ وقد خصَّ الله تعالى: (أولو العزم) من الرسل بالذكر على انفرادهم في موضعين من القرآن الكريم في سياق العزم والجد والثبات؛ فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا *} [الأحزاب] ـ فذكر تعالى أخذه الميثاق من النبيين جملة، ونصَّ منهم على هؤلاء الخمسة ـ، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى: 13] ، ومن ذلك: أن هؤلاء الخمسة عليهم السلام هم الذين يتراجعون الشفاعة بعد أبيهم آدم عليه السلام حتى تنتهي إلى نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ كما في حديث الشفاعة المشهور[10].
وأخرج الحاكم والبزار ـ واللفظ له ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه قال: «خيار ولد آدم خمسة: نوح، وإبراهيم، وعيسى، وموسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم، وخيرهم محمد صلّى الله عليه وسلّم»[11] ، ولفظ الحاكم: «سيِّد الأنبياء خمسة، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم سيِّد الخمسة» فذكره.
المسألة الخامسة: عدد المسمين في القرآن الكريم:
عدد المسمين منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرون ـ إضافة إلى الأسباط المذكورين إجمالاً ـ وليسوا هم إخوة يوسف عليه السلام[12] ـ؛ وهم: آدم، ونوح، وإدريس، وهود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ولوط، وشعيب، ويونس، وموسى، وهارون، وإلياس، وزكريا، ويحيى، واليسع، وذا الكفل ـ وقد اختلف في نبوته، والصحيح: أنه نبي[13] ـ، وداود، وسليمان، وأيوب، وعيسى، وخاتمهم وأفضلهم محمد.
والدليل على أن الأنبياء والرسل المسمين في القرآن خمسة وعشرون؛ قول الله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ *وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *} [الأنعام] ؛ فهؤلاء ثمانية عشر واحدًا منهم ذكروا في موضع واحد.
وجاء ذكر السبعة الباقين في مواضع متفرقة: قال الله : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] ، وقال سبحانه: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73] ، وقال عزّ وجل: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85] ، وقال سبحانه وتعالى في ذكر آدم عليه السلام: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *} [آل عمران] ، وقال جلّ جلاله في ذكر إدريس وذي الكفل عليهما السلام: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ *} [الأنبياء] ، وقال تعالى في ذكر سيدهم وخاتم صلّى الله عليه وسلّم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29] . وقد ذكر بعض هؤلاء الأنبياء في مواضع متعددة من القرآن؛ كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم، عليهم جميعًا الصلاة والسلام.
وسمَّى لنا النبي صلّى الله عليه وسلّم منهم ـ مما صح عنه ـ: يوشع بن نون فتى موسى عليه السلام؛ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع، ليالي سار إلى بيت المقدس» [14]، وقد جاء ذلك مفصلاً في الصحيحين ففيهما؛ أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «غزا نبي من الأنبياء فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللَّهُمَّ احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه»[15].
المسألة السادسة: أول الرسل والنبيين بعد اختلاف الناس وعبادة غير الله تعالى:
نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقبله عيسى عليه السلام، ولم يكن بينهما نبي ولا رسول. والدليل على أن نوحًا عليه السلام هو أول الرسل والنبيين بعد اختلاف الناس وعبادة غير الله تعالى، قول الله عزّ وجل: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] ، وقوله عزّ وجل: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} [غافر: 5] ، وقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} [الإسراء: 17] ، وفي الآية إنذار لكفار قريش في تكذيبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بأنه قد أهلك أممًا من المكذبين للرسل من بعد نوح. ودلَّ هذا على أن القرون التي كانت بين آدم ونوح على الإسلام؛ كما قاله ابن عباس»[16] وأُبَيّ بن كعب ومجاهد وقتادة وغيرهم في قول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} الآية [البقرة: 213] ؛ قالوا: «كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا؛ {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}»[17]. وثبت في حديث الشفاعة المشهور الطويل؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ائتوا نوحًا؛ فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض»[18].
المسألة السابعة: عدد الرسل:
ويعتقد المسلم أن لله تعالى سوى هؤلاء أنبياء ورسلاً كثيرين، لا يعرف أسماءهم ولا أعدادهم ولا أزمانهم ولا تفاصيل حياتهم وقصصهم مع أقوامهم إلا خالقهم ومرسلهم عزّ وجل ـ وقد ورد تعدادهم في أحاديث متكلم في أسانيدها[19] ـ؛ فيؤمن بهم إيمانًا مجملاً. والدليل على أن أنبياء الله ورسله كثيرون، لا يعرف أسماءهم ولا أعدادهم ولا تفاصيل حياتهم إلا خالقهم ومرسلهم عزّ وجل قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] ، وقوله تعالى بعد أن سمى لنا مجموعة منهم: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164] ، وقوله عزّ وجل: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} [الإسراء: 17] ، وقوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ *} [فاطر] ، وقول الله جلّ جلاله ـ بعد أن ذكر بعض المكذبين للرسل ـ: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا *} [الفرقان] .
المسألة الثامنة: خاتم الأنبياء والمرسلين:
إن نبيَّنا محمدًا صلّى الله عليه وسلّم هو خاتم النبيين والمرسلين، ورسول ربّ العالمين إلى جميع الثقلين، فلا نبي ولا رسول معه ولا بعده؛ فبه أكمل الله الدين، وأتم علينا به النعمة، ونسخ به جميع الشرائع السابقة؛ فرسالته صلّى الله عليه وسلّم كافية شافية عامة؛ فلا يسع أحدًا من الناس إلا الإيمان به ومتابعة ما جاء به من الكتاب والسُّنَّة ـ باطنًا وظاهرًا، في دقيق الأمور وجليلها، في العلوم والمعارف والأعمال ـ، ولا يجوز متابعة غيره من الرسل السابقين بعد بعثته صلّى الله عليه وسلّم ونزول الوحي عليه ـ فلو أدركه الأنبياء عليهم السلام ما وسعهم إلا اتباعه ـ؛ فلا شرع إلا شرعه، ولا يتعبد الله تعالى بغير ما جاء به صلّى الله عليه وسلّم، فمن ابتغى غير دينه وشرعه دينًا وشرعًا فلن يقبل منه، ومن سمع به صلّى الله عليه وسلّم ومات ولم يؤمن به ـ بحجة اتباع غيره من الأنبياء عليهم السلام ـ فهو من أصحاب النار[20].
والأدلة على عموم رسالة نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم لجميع الثقلين، وأنه خاتم النبيين، وأن رسالته هي خاتمة الرسائل والناسخة لما قبلها من الشرائع؛ فلا شرع إلا شرعه، ولا يجوز متابعة غيره من الرسل السابقين بعد بعثته صلّى الله عليه وسلّم ونزول الوحي عليه كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا *} [الأحزاب] ، وقوله عزّ وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3] .
وثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي: كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية؛ فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلاّ وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» [21]، وفي رواية جابر رضي الله عنه: «فأنا موضع اللبنة؛ جئت فختمت الأنبياء»[22].
وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فُضّلت على الأنبياء بست» ، فذكر منها: «وأُرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون»[23].
وثبت في «الصحيحين» عن جبير بن مطعم رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب، والعاقب: الذي ليس بعده نبي»، وفي رواية لمسلم: «وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد»[24].
وفيهما أيضًا، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء؛ كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي» الحديث[25].
وثبت في حديث ثوبان رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي»[26].


[1] المراد: أن هؤلاء الخمسة بعينهم ـ الذين اشتهر أنهم هم أولو العزم من الرسل ـ هم أفضل الرسل، لا أن أولي العزم ـ وإن كانوا غيرهم ـ هم أفضل الرسل! فالمقصود أن هؤلاء الخمسة هم أفضل الرسل، سواء قيل: هم أولو العزم ـ وهو المشهور المختار ـ، أو قيل غير ذلك.
[2] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4638).
[3] انظر: عمدة القاري شرح البخاري (18/240).
[4] انظر: تفسير الرازي (15/387) [دار إحياء التراث العربي ببيروت]، ومجموع الفتاوى (2/234، 4/204، 12/496، 27/59، 28/524، 34/207)، والجواب الصحيح (1/162، 166، 335، 371، 445، 2/7، 40، 221، 5/445) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ]، وإعلام الموقعين (4/375) [دار الجيل ببيروت، 1973م]، وهداية الحيارى (201) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ]، وتفسير ابن كثير (1/5، 2/26، 3/301، 489، 4/312، 477، 523، 5/315، 6/116، 6/166، 248، 518، 592، 7/83، 8/115) [دار طيبة، ط2]، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (1/167) [مؤسسة الرسالة، ط9]، والخصائص الكبرى للسيوطي (2/279، 281) [دار الكتب العلمية، 1405هـ]، والمواهب اللدنية للقسطلاني (2/645) [المكتب الإسلامي، ط2، 1425هـ]، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/279) [المكتب الإسلامي ببيروت]، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للفوزان (2/182) [الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض، ط2، 1412هـ].
[5] أخرجه البخاري (كتاب التيمم، رقم 335)، و(كتاب الصلاة، رقم 438)، ومسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 521).
[6] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 153).
[7] انظر: تلخيص ابن كثير لكتاب الاستغاثة لابن تيمية (1/306) [مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة المنورة، ط1، 1417هـ].
[8] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 401)، ومسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 572)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في قصة سهوه صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة.
[9] راجع: معالم التنزيل للبغوي (7/272)، مجموع الفتاوى (11/161)، تفسير ابن كثير (6/382، 7/305) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، أضواء البيان (7/434)، ومعارج القبول (2/679).
[10] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4712)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 194).
[11] أخرجه البزار في مسنده (17/141) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، والحاكم في المستدرك (كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، رقم 4007)، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، وإن كان موقوفًا على أبي هريرة»، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/255) [دار الكتب العلمية، 1408هـ]: «رجاله رجال الصحيح».
[12] انظر: المسائل المتعلقة.
[13] انظر: المسائل المتعلقة.
[14] أخرجه أحمد في مسنده (14/65) [مؤسسة الرسالة]، وصحح إسناده: ابن كثير في البداية والنهاية (1/376، 6/313) [دار إحياء التراث العربي، ط2]، وابن حجر في فتح الباري (6/221) [دار المعرفة، 1379هـ]، وجود إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 202).
[15] أخرجه البخاري (كتاب فرض الخمس، رقم 3124)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، رقم 1747).
[16] تفسير ابن كثير (5/62).
[17] انظر: تفسير الطبري (3/621) [دار هجر، ط1، 1422هـ]، وتفسير ابن كثير (1/569)، والدر المنثور للسيوطي (2/496) [دار هجر، ط1، 1424هـ].
[18] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4476)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 193).
[19] أشهرها: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (35/432) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان في صحيحه (كتاب البر والإحسان، رقم 361) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1414هـ]، والطبراني في المعجم الكبير (8/217) [مكتبة العلوم والحكم بالموصل، ط2، 1404هـ] ـ واللفظ لابن حبان ـ، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وفيه: قال: قلت: يا رسول الله؛ كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وعشرون ألفًا» ، قلت: يا رسول الله؛ كم الرسل من ذلك؟ قال: «ثلاث مائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا» ... الحديث، وفي إسناد ابن حبان: إبراهيم بن هشام الغساني؛ قال الهيثمي في موارد الظمآن (1/54) [دار الكتب العلمية]: «قال أبو حاتم وغيره: كذاب» وفي إسناد أحمد والطبراني ثلاثة ضعفاء. لكن صححه الألباني بمجموع طرقه وشواهده؛ كما في السلسلة الصحيحة (6 القسم الأول 363، رقم 2668) [مكتبة المعارف بالرياض، ط1، 1416هـ]. وقد ورد في تعدادهم أحاديث أخرى ضعيفة؛ من رواية: أبي أُمامة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وجابر وغيرهم رضي الله عنهم. وقد ضعف الأحاديث الواردة في عددهم: الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما.
[20] انظر: مجموع الفتاوى (9/29، 11/52، 12/11، 14/134، 19/93)، والجواب الصحيح (5/64)، وشرح العقيدة الأصفهانية (211) [مكتبة الرشد، ط1، 1415هـ]، والاستقامة (2/24) [جامعة الإمام، ط1، 1403هـ]، ورسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (19) [مطابع الشرق الأوسط بالرياض، ط1، 1420هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/423) [مؤسسة الرسالة، ط9، 1417هـ]، وفتح الباري لابن حجر (1/118)، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/259، 263)، والعقيدة الصحيحة وما يضادها لابن باز (12) [مكتبة ابن تيمية بمصر]، وعقيدة أهل السُّنَّة والجماعة لابن عثيمين (25) [الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، 1410هـ]، والرسل والرسالات للأشقر (15) [دار النفائس بالأردن، ط12، 1423هـ]، والإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان لبكر أبي زيد (78) [دار العاصمة، ط1، 1417هـ]، وأصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة لنخبة من العلماء (153) [وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف بالسعودية، 1421هـ].
[21] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، رقم 3535)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2286)، وهو عنده أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[22] أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، رقم 2287). وأخرجه البخاري أيضًا (كتاب المناقب، رقم 3534)، بدون هذه الزيادة.
[23] أخرجه مسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 523).
[24] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، رقم 3532)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2354)، واللفظ له.
[25] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3455)، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1842).
[26] أخرجه أبو داود (كتاب الفتن، رقم 4252)، والترمذي (أبواب الفتن عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رقم 2219) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (كتاب الفتن، رقم 3952) مختصرًا، وأحمد في مسنده (37/117) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/252) [مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1415هـ].


الفرق بين النبي والرسول:
النبي: هو من أنبأه الله عزّ وجل، وهو ينبئ بما أنبأه الله تعالى به ـ من الخبر والأمر والنهي ـ[1].
هذا تعريف النبي بوجه عام؛ فيدخل فيه: النبي والرسول ـ فهما يشتركان في الإنباء من عند الله تعالى ـ؛ فكل رسول نبي، من غير عكس.
ويفرق بينهما[2] بأن النبي هو: من أرسل إلى قومه المؤمنين الموافقين له، بشريعة من قبله من الرسل، فهو في قومه كالعلماء المبلغين عن الرسل.
أما الرسول فهو: من أرسله الله تعالى إلى الكفار المكذبين المخالفين له، سواء أرسل بشرع ورسالة جديدة، أو بشرع من قبله من الرسل.
أما القول المشهور عند المتأخرين بأن الرسول: «من أوحي إليه بشرع وأمر بالتبليغ»، والنبي: «من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ»[3]؛ فضعيف لا يصح[4].


[1] انظر: النبوات لابن تيمية (184، 185).
[2] انظر: النبوات (184 ـ 185).
[3] انظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/155)، ولوامع الأنوار البهية (1/49)، ومعارج القبول (1/74، 2/675).
[4] انظر: أضواء البيان (5/801) [دار عالم الفوائد، ط1، 1426هـ]، والرسل والرسالات للأشقر (14).


من أبرز الثمرات المترتبة على الإيمان بالرسل عليهم السلام: العلم برحمة الله تعالى، وعنايته بعباده ولطفه بهم؛ حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله المستقيم، ويبينوا لهم سبيله القويم، ويرشدوهم إلى ما يحبه الله ويرضاه وما يبغضه ولا يرضاه؛ لعدم استقلال العقل البشري بمعرفة ذلك، مع عظم الحاجة إليه.
ومن الثمرات أيضًا: شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، والمِنَّة الكبرى بإرسال الرسل.
ومنها أيضًا: محبة هؤلاء الرسل وتوقيرهم وتعظيمهم، وموالاتهم والحذر من بغضهم وعداوتهم، والثناء عليهم بما يليق بهم، والاعتراف بفضلهم وشرفهم، والصلاة والسلام عليهم؛ لأنهم رسل الله وأفضل خلقه، ولما قاموا به من واجب إبلاغ رسالات الله إلى خلقه، وكمال النصح لعباده والشفقة بهم، والاقتداء بهم في الصبر على أذى أقوامهم، والجد والثبات على الحق والدين والدعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيله عزّ وجل[1].
ومنها أيضًا: إثبات وجود الله تعالى، وربوبيته ووحدانيته سبحانه، وإثبات حياته وقدرته وإرادته، وعلمه بالكليات والجزئيات سبحانه وتعالى.
ومنها أيضًا: إثبات حكمته عزّ وجل في إرسال الرسل لدعوة الناس إلى توحيده ودينه؛ كما قال سبحانه في التشنيع على من نفى الرسالة من قريش: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91] ؛ «فمن قال هذا فما قدر الله حق قدره، ولا عظمه حق عظمته؛ إذ هذا قدح في حكمته، وزعم أنه يترك عباده هملاً لا يأمرهم ولا ينهاهم، ونفي لأعظم منة امتن الله بها على عباده، وهي: الرسالة، التي لا طريق للعباد إلى نيل السعادة والكرامة والفلاح إلا بها؛ فأي قدح في الله أعظم من هذا؟!»[2].
ومنها أيضًا: أن ضرورة وحاجة العباد إلى الرسالة فوق حاجتهم وضرورتهم إلى كل شيء، «فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها»[3].


[1] انظر: عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة لابن عثيمين (45)، وشرح الأصول الثلاثة له (99).
[2] تفسير السعدي (264)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (7/37).
[3] زاد المعاد لابن القيِّم (1/69).


1 ـ «الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان»، لبكر أبي زيد.
2 ـ «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لنخبة من العلماء.
3 ـ «الجواب الصحيح» (ج5)، لابن تيمية.
4 ـ «رسالة ابن القيِّم إلى أحد إخوانه».
5 ـ «الرسل والرسالات»، لعمر الأشقر.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج2)، لابن أبي العز.
7 ـ «شرح العقيدة الأصفهانية»، لابن تيمية.
8 ـ «عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة»، لابن عثيمين.
9 ـ «العقيدة الصحيحة وما يضادها»، لابن باز.
10 ـ «مجموع الفتاوى» (ج9، 11، 12، 14)، لابن تيمية.