الرشيد: فعيل بمعنى مُفْعل وفاعل، وقد رَشَدَ فلانٌ يَرْشُد رُشْدًا وهو رَاشِدٌ ورَشِيدٌ، وهو خلاف الغي؛ إذا أصاب وجه الأمر والطريق[1].
قال ابن فارس: «الراء والشين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استقامةِ الطريق. فالمرَاشِد: مقاصد الطُّرُقِ. والرُّشْد والرَّشَد: خِلافُ الغَيّ، وأصاب فلانٌ من أمره رُشدًْا ورَشَدًا ورِشْدة، وهو لِرَشْدةٍ خلاف لِغَيّة»[2].
وقال الليث: «ورجل رشيِدٌ وراشِدٌ، والإرشاد: الهداية والدِّلالة»[3].
فدلَّ على أن الرشيد والرشد كلها تدور حول الهداية والاستقامة.
[1] انظر: مقاييس اللغة (2/398) [دار الجيل]، الصحاح (2/36) [دار العلم، ط4، 1990م].
[2] مقاييس اللغة (2/398).
[3] تهذيب اللغة (4/91) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
لا يسمَّى الله عزّ وجل بالرشيد أو الراشد ولا يوصف به؛ لعدم الدليل الصريح في ذلك، ولأن باب الأسماء والصفات توقيفي، فلا يسمى الله باسم أو يوصف بصفة إلا بدليل، والرشيد يفتقر إلى هذا الدليل كما سيأتي بيانه، لكنه يجوز الإخبار عن الله عزّ وجل بأنه رشيد وراشد بمعنى: أنه هادي عباده إلى سواء السبيل، ويوصف قوله وفعله بذلك؛ حيث إن باب الأخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، والله تعالى أعلم[1].
[1] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (53)، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (285، 514) [دار إيلاف، ط1، 1417هـ].
لم يرد في القرآن والسُّنَّة دليل صريح يدلُّ على أن الرشيد اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته. فقد ورد بصيغة اسم الفاعل في قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *} [الكهف] ، وورد بصيغة المصدر في قوله تعالى: {وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *} [الكهف] ، وورد بصيغة الفعل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الإمام ضامنٌ، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أَرْشِد الأئمة واغفر للمؤذنين»[1].
وجاء الرشيد وصفًا لغير الله تعالى، كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ لأََنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ *} [هود] ، وقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ *} [الحجرات] .
وعليه؛ فلا يثبت لله تعالى اسم الرشيد أو الراشد ولا يوصف بالرشد، إنما يخبر عنه بأنه رشيد في ذاته ومرشد لعباده وخلقه.
[1] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 517)، والترمذي (أبواب الصلاة، رقم 207)، وأحمد (13/222) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن خزيمة (كتاب الإمامة في الصلاة، رقم 1528)، وصحَّحه المناوي في فيض القدير (3/182) [المكتبة التجارية الكبرى، ط1]، والألباني في صحيح سنن أبي داود (رقم 530).
قال ابن القيِّم في نونيته:
وهو الرشيد فقوله وفعاله
رشد وربك مرشد الحيران[1]
وقال ابن كثير ـ في قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *} [الكهف] ـ: «أي: هو الذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم، فإنه من هداه الله اهتدى، ومن أضله الله فلا هادي له»[2].
وقال السعدي رحمه الله: «وهو الرشيد الذي أقواله رشد، وأفعاله رشد، وهو مرشد الحائرين في الطريق الحسي، والضالين في الطريق المعنوي، فيرشد الخلق بما شرعه على ألسنة رسله من الهداية الكاملة، ويرشد عبده المؤمن، إذا خضع له وأخلص عمله أرشده إلى جميع مصالحه، ويسره لليسرى وجنّبه العسرى»[3].
[1] النونية (210) [مكتبة ابن تيمية ط1417هـ].
[2] تفسير ابن كثير (5/143) [دار طيبة، ط2].
[3] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (53).
ـ المرشد: معنى اسم المرشد عند من أثبته نفس معنى اسم الرشيد؛ أي: الدّال على المصالح والداعي لها، وهو من صفات الأفعال[1].
ولا يصح إطلاق اسم المرشد على الله عزّ وجل، وإنما هو من باب الأفعال، وباب الأفعال أوسع من باب الأسماء، وليس كل ما يصح إطلاقه فعلاً يصح اسمًا، والله أعلم[2].
وقد استدلَّ من أثبت هذا الاسم من أهل العلم بقوله تعالى: {وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *} [الكهف] ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *} [الكهف] . ولم يرد هذا الاسم في أي طريق من طرق حديث تعيين الأسماء المشهور[3]. ولم يورده من أهل العلم سوى القرطبي[4].
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/472) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
[2] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (109 ـ 111) [أضواء السلف، ط1، 1419].
[3] انظر: معتقد هل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (79 ـ 84).
[4] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/471).
1 ـ «أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرزاق.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
6 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لسعيد بن وهف بن علي القحطاني
7 ـ «شرح أسماء الله الحسنى وصفاته الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لحفصة بنت عبد العزيز.
8 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.