الرضا: في حق الله عزّ وجل صفة من صفاته الفعلية الثابتة له، تدلُّ على أنه سبحانه يرضى عن عباده المؤمنين المطيعين له رضًا حقيقيًّا كما يليق بجلاله وعظمته[1].
[1] انظر: صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (128) [دار الهجرة، ط1، 1414هـ]، والصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة للجامي (289) [ط2، 1411هـ].
رضا الربّ جلّ جلاله «من لوازم ذاته دائمٌ بدوامِهِ، ولهذا أدام نعيم أهل الجنة رضاه عنهم، كما يقول لهم في الجنة: «إني أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا»[1]»[2]. وهو صفة من الصفات الفعلية الثابتة له جلّ جلاله، ومتعلقة بمشيئته، فهو يرضى عن عباده المؤمنين ولا يرضى عن القوم الكافرين، ويرضى أعمالاً ويكره أعمالاً. قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} [التوبة] . فـ«أخبر الله عزّ وجل أنه رضي عنهم، ورضيَ أعمالهم، ورضيَ عمن اتّبعهم بإحسان، فهم القدوة في الدين بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإصابة الحق، وأقربهم إلى التوفيق لما يقرب إلى رضاه»[3].
[1] مختصر الصواعق (2/672) [طبعة أضواء السلف، ط1، 1425هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6549)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2829).
[3] الحجة في بيان المحجة للتيمي (2/427).
دلَّ على ثبوت صفة الرضا الكتاب والسُّنَّة والإجماع والعقل.
فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البيِّنة: 8] ، وقوله: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] ، وقوله: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ *} [التوبة] .
وهذه الآيات صريحة في الدلالة على ثبوت صفة الرضا لله عزّ وجل. قال ابن عثيمين : «هذه من آيات الرضا، فالله سبحانه وتعالى موصوف بالرضا، وهو يرضى عن العمل، ويرضى عن العامل»[1].
ومن أدلة السُّنَّة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك» [2]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا» [3]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم عن ربه عزّ وجل في خطابه لأهل الجنة: «إني أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا»[4].
وأما الإجماع: فقد نقله ابن عبد البر فقال: «أهل السُّنَّة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسُّنَّة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز»[5].
وأما دلالة العقل: فإن كون الله عزّ وجل يثيب الطائعين ويجزيهم على أعمالهم وطاعاتهم دليل على رضاه عنهم وعدم سخطه منهم[6].
[1] شرح العقيدة الواسطية لابن العثيمين (1/259).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 486).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الأقضية، رقم 1715).
[4] تقدم تخريجه قريبًا.
[5] اجتماع الجيوش الإسلامية (2/190) [مطابع الفرزدق، الرياض، ط1، 1408هـ].
[6] شرح العقيدة الواسطية لابن العثيمين (1/260) [دار ابن الجوزي، ط4، 1424هـ].
قال أبو جعفر الطحاوي: «والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى»[1].
وقال ابن بطة في الإبانة مبوبًا: «الإيمان بأن الله عزّ وجل يغضب ويرضى ويحب ويكره»[2].
وقال قوام السُّنَّة الأصبهاني: «إن الله عزّ وجل سميع بصير عليم خبير، يتكلم ويرضى، ويسخط ويضحك ويعجب»[3].
وقال البغوي ـ في قوله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] ـ: «ومعنى الآية: لا يرضى لعباده أن يكفروا به. يروى ذلك عن قتادة، وهو قول السلف، قالوا: كفر الكافر غير مرضي لله عزّ وجل، وإن كان بإرادته»[4].
وقال ابن عثيمين: «فنقول: الرضا صفة من صفات الله عزّ وجل، وهي صفة حقيقية، متعلقة بمشيئته، فهي من الصفات الفعلية، يرضى عن المؤمنين وعن المتقين وعن المقسطين وعن الشاكرين، ولا يرضى عن القوم الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يرضى عن المنافقين، فهو سبحانه وتعالى يرضى عن أناس ولا يرضى عن أناس، ويرضى أعمالاً ويكره أعمالاً»[5].
[1] شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (463) [دار السلام، ط1، 1426هـ].
[2] الإبانة لابن بطة (3/172).
[3] الحجة في بيان المحجة (1/223).
[4] تفسير البغوي (7/109) [دار طيبة، ط4، 1417هـ].
[5] شرح العقيدة الواسطية لابن العثيمين (1/260).
ـ وصف الله عزّ وجل بالرضا لا يلزم منه تسميته بالراضي، إذ لم يرد هذا الاسم ضمن أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسُّنَّة، ولم يرد كذلك في إحصاءات العلماء ممن جمعوا أسماء الله الحسنى إلا في جمع ابن العربي، حيث أورده بصيغة: الرضا، وعده من قبيل الأفعال[1]؛ أي: أن هذا الاسم مما يشتق من أفعال الله[2].
وقد انتقد ابن القيِّم أصحاب هذا المنهج، فقال: «وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعلٍ اسمًا، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف فسماه «الماكر والمخادع والفاتن والكائد ونحو ذلك»[3].
والخلاصة: عدم صحة إطلاق الراضي اسمًا لله تعالى، وإنما صح صفة، وليس كل ما صح صفة يصح اسمًا؛ لأن باب الأسماء أخص من باب الصفات.
[1] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (4/13) [دار الكتب العلمية، ط3، 1424هـ].
[2] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (120) [دار إيلاف، ط1، 1417هـ].
[3] مدارج السالكين (3/415).
1 ـ من آثار رضاه سبحانه عن عباده نصرتهم على أعدائهم، كما في قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ *} [آل عمران] .
2 ـ ومنها: تشوُّق العباد بما بشرهم به من رضوان يوم القيامة، كما في قوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ *} [التوبة] .
3 ـ ومنها: إدخالهم جنات تجري من تحتها الأنهار، كما قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} [المائدة] .
4 ـ ومنها: إيصالهم إلى أعلى درجات النعيم يوم القيامة، قال تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ *} [آل عمران] .
5 ـ ومنها: تفضُّله على عباده بأعلى لذات الجنة، ألا وهي رؤيتهم له عزّ وجل عيانًا من غير حجاب، {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *} [القيامة] .
أنكر عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة صفة الرضا وغيرها من صفات الأفعال، وأوجبوا تأويلها؛ فرارًا ـ بزعمهم ـ من تشبيه وتركيب وتجسيم.
فالجهمية المحضة يجعلون هذا كله مخلوقًا منفصلاً عن الله تعالى، والأشاعرة يُرجعونها إلى الإرادة، فالرضا عندهم بمعنى إرادة الثواب[1].
ويُرَد عليهم بأن ما ذهبوا إليه من نفي الرضا وغيرها من صفات الأفعال فرارًا من تشبيه وتركيب يلزمهم بذلك نفي ما أثبتوه من ذات الله وصفاته؛ لأن القول في الذات كالقول في الصفات، كما أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، فلا فرق بين ما أثبتته المعتزلة من ذات، أو ما أثبتته الأشاعرة من إرادة، وما أثبته السلف من الرضا والغضب والاستواء وغيرها، فالقول في هذه كالقول في تلك[2].
ويقال لهم أيضًا: إن الثواب والثناء من آثار الرضا، ومن ثمراته، فليس هو الرضا نفسه، ففرق بين الصفة وآثارها، كما يدل على ذلك قوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ *} [التوبة] . فقد فرق في الآية بين الرضوان الذي هو صفته وبين الجنة التي هي ثوابه، فلم يبق إلا إثبات صفة الرضا لله عزّ وجل حقيقية كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه من غير تشبيه لها برضا المخلوقين.
[1] انظر: درء التعارض (1/310) [دار الكتب العلمية، 1417هـ]، ومجموع الفتاوى (5/351، 7/431). وانظر كذلك: الإنصاف للباقلاني (38) [المكتبة الأزهرية، ط2، 1421هـ]، ورسالة إلى أهل الثغر للأشعري (231) [مكتبة العلوم والحكم، دمشق، ط1، 1988م].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (5/351).
1 ـ «اجتماع الجيوش الإسلامية»، لابن القيِّم.
2 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
4 ـ «رسالة إلى أهل الثغر»، لأبي الحسن الأشعري.
5 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لابن عثيمين.
6 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، للهراس.
7 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمد أمان الجامي.
8 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «مختصر الصواعق»، للموصلي.