حرف الراء / الرغبة

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الراء والغين والباء أصلان: أحدهما طلب لشيء. والآخر سعة في شيء. فالأول: الرغبة في الشيء: الإرادة له. رغبت في الشيء. فإذا لم ترده قلت: رغبت عنه»[1].
والرغبة: السؤال والطمع، يقال: رغب يرغب رَغبًا ورُغبًا ورغبة؛ إذا حرص على الشيء، وطمع فيه، ورجل رغوب: من الرغبةِ والرغيبة: العطاء الكثير والواسع، وأرغبني في الشيء، ورغبني بمعنى واحد[2].


[1] مقاييس اللغة (2/415) [دار الجيل، 1420هـ].
[2] انظر: مقاييس اللغة (2/415 ـ 416)، والصحاح للجوهري (1/137) [دار العلم للملايين، ط3]، ولسان العرب (5/254) [دار إحياء التراث العربي، ط3].


الرغبة: هي طلب أو محبة الوصول إلى الشيء المحبوب[1]، فالرغبة إلى الله: هي الطمع فيما عند الله تعالى، والحرص على طلبه[2].


[1] انظر: شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين (59) [دار الثريا]، وتيسير الوصول إلى شرح ثلاثة الأصول لعبد المحسن القاسم (84) [ط1، 1427هـ].
[2] انظر: مدارج السالكين (1/474) [مؤسسة المختار، ط1، 1422هـ].


العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي ظاهرة؛ حيث يجمعها معنى الطلب والسؤال والطمع، فالتعريف الشرعي هو جزء من التعريف اللغوي.



الرجاء، الطمع.



الرغبة من الأعمال القلبية التي يتقرب بها إلى الله عزّ وجل، وقد أمر الله نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم بالرغبة إليه فقال: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ *} [الشرح] ، ومدح أنبيائه عليهم السلام بذلك فقال: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ *} [الأنبياء] ، وعلى هذا فهي عبادة جليلة، وقربة عظيمة، فلا يجوز صرفها لغير الله، وأما الرغبة من المخلوق بمعنى طلب الشيء منه، فهي جائزة إذا كان حيًّا قادرًا حاضرًا، وأما من طلب من مخلوق ما لا يقدر عليه إلا الخالق، أو فيما يقدر عليه مخلوق لكن ذلك المخلوق ميت أو غائب فقد أشرك في عبادة الله تعالى[1].


[1] انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (287) [مكتبة الفرقان، عجمان، ط1، 1422هـ]، والصواعق المرسلة الشهابية لسليمان بن سحمان (135) [دار العاصمة]


حقيقة الرغبة: هي طلب الوصول إلى الشيء المحبوب، والمرغوب فيه، وحقيقة الرغبة إلى الله تعالى: الطمع فيما عند الله تعالى، وفيما أعده لعباده المؤمنين، تولدت عن الرجاء، فسلكت بصاحبها مسلك الطلب، فدفعته إلى السؤال والطلب[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/474).


أهمية الرغبة تتضح في كونها هي والرهبة من أجل العبادات القلبية، التي تبعث على تحقيق أعلى مراتب العبودية، فيسير السالك إلى الله تعالى راغبًا فيما عند الله تعالى من الثواب الجزيل، وراهبًا مما عنده من العذاب الأليم، فهما ركنا العبادات القلبية؛ إذ إن الرغبة ثمرة الرجاء، والرهبة ثمرة الخوف.



جاءت الأدلة من الكتاب والسُّنَّة بالأمر في الرغبة إلى الله تعالى:
فمن الكتاب: قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ *} [الأنبياء] ، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ *} [التوبة] ، وقوله تعالى: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ *} [الشرح] .
ومن السُّنَّة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أخذت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللَّهُمَّ إنّي أسلمت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، واجعلهنّ من آخر كلامك، فإن متّ من ليلتك متّ وأنت على الفطرة»[1].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللَّهُمَّ اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه»[2].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله عزّ وجل لأُمتي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ورد علي واحدة، سألته أن لا يسلط عليهم عدوًّا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم غرقًا، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فردها علي»[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الوضوء، رقم 247)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2710).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2679).
[3] أخرجه أحمد (36/400) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن ماجه (كتاب الفتن، رقم 3951)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/170): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وأخرجه ابن خزيمة (كتاب الصلاة، رقم 1218)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.


قال ابن تيمية رحمه الله: «قد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل في الرغبة والرهبة، مثل دعائهم عند الاستسقاء لنزول الرزق، ودعائهم عند الكسوف، والاعتداد لرفع البلاء، وأمثال ذلك إنما يدعون في ذلك الله وحده لا شريك له، لا يشركون به شيئًا، لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله عزّ وجل؛ بل كان المشركون في جاهليتهم يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله، أفتراهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان»[1].
وقال ابن القيِّم رحمه الله: «الدين كله رغبة ورهبة فالمؤمن هو الراغب الراهب»[2].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «في هذه الآية الكريمة ـ يعني: آية الأنبياء ـ: وصف الله تعالى الخلص من عباده بأنهم يدعون الله تعالى رغبًا ورهبًا، مع الخشوع له، والدعاء هنا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فهم يدعون الله تعالى رغبة فيما عنده، وطمعًا في ثوابه، مع خوفهم من عقابهم، وآثار ذنوبهم»[3].


[1] زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور (66).
[2] عدة الصابرين (1/109) [دار ابن كثير، ط3].
[3] شرح ثلاثة الأصول (60).


ـ مسألة: الرغبة إلى الله تعالى تكون في السراء والضراء:
مما هو معلوم أن الرغبة هي من الأعمال القلبية التي تصحب حالة الدعاء؛ كما قال تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ *} [الأنبياء] .
والدعاء هنا يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، فإذا تقرر هذا فقد علم بالأدلة الشرعية أن المطلوب من العبد المؤمن أن يخلص رغبته ورهبته في حال السراء والضراء، ولا يكون كمن وصفهم الله تعالى بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ *} [العنكبوت] .



الفرق بين الرغبة والرجاء:
أن الرجاء طمع، والرغبة طلب، فهي ثمرة الرجاء، فإنه إذا رجا الشيء طلبه. والرغبة من الرجاء كالهرب من الخوف، فمن رجا شيئًا طلبه ورغب فيه، ومن خاف شيئًا هرب منه[1].
الفرق بين الرغبة والرهبة:
الرهبة هي الإمعان في الفزع من المرهوب، فهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه[2].
الفرق بين دعاء الرغبة ودعاء الرهبة:
قيل في دعاء الرغبة: يجعل ظاهر كفيه إلى السماء وباطنهما إلى الأرض، وفي الرهبة بالعكس يجعل باطنهما إلى السماء وظاهرهما إلى الأرض، وقالوا: الراغب كالمستطعم، والراهب كالمستجير[3].


[1] مدارج السالكين (2/55) [دار الكتاب العربي، ط3].
[2] انظر: مدارج السالكين (1/417).
[3] انظر: المستدرك على مجموع الفتاوى (3/135)، وانظر: جامع المسائل لابن تيمية (4/89) [دار عالم الفوائد، ط1، 1422هـ].


من ثمرات الرغبة: أنها هي والرهبة مادتا التوفيق والنجاح، فهما تبعثان على السير إلى الله تعالى، وطلب مرضاته ومغفرته، والطمع فيما عنده، فيحصل المطلوب، ويزول المكروه.
قال ابن القيِّم رحمه الله: «إذا أراد بعبده خيرًا، وفقه لاستفراغ وسعه، وبذل جهده في الرغبة والرهبة إليه، فإنهما مادتا التوفيق، فبقدر قيام الرغبة والرهبة في القلب يحصل التوفيق»[1].
ومن ثمارها: أن من رغب فيما عند الله تعالى بصدق وإخلاص أُجر، وأعطي سؤله، كما أن من رهب من عذاب الله أُمِّن؛ لأن الله تعالى لا يخلف وعده[2].


[1] شفاء العليل (225) [دار التراث، القاهرة].
[2] انظر: تيسير الوصول للقاسم (85) بتصرف.


المشركون الذين أشركوا مع الله في عبادته، وصرفوا لغيره أنواعًا من بالعبادات، تجدهم في حال الضراء يخلصون رغبتهم ورهبتهم إلى الله تعالى، وإذا أنجاهم، وصاروا في حال السراء أشركوا معه غيره؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ *} [العنكبوت] ، وقال تعالى: {لاَ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ *وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاَعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ *وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ *} [فصلت] .
بل ومن المشركين من يشرك بالله تعالى في حال السراء والضراء، فتجده يعظم الرغبة والرهبة لغير الله تعالى في حالة الصحة والمرض، وفي حال الفقر والغنى، ونحو ذلك، وهذا أسوأ حالاً من الذي قبله[1].


[1] انظر: كشف الشبهات مع شرحه لابن قاسم (106) [ط3، 1428هـ].


1 ـ «تيسير الوصول إلى ثلاثة الأصول»، لعبد المحسن القاسم.
2 ـ «جامع المسائل»، لابن تيمية.
3 ـ «جامع العلوم والحكم»، لابن رجب.
4 ـ «حاشية ثلاثة الأصول»، لعبد الرحمن بن قاسم.
5 ـ «شرح ثلاثة الأصول»، لابن عثيمين.
6 ـ «زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور»، لابن تيمية.
7 ـ «عدة الصابرين»، لابن القيِّم.
8 ـ «قاعدة في التوسل والوسيلة»، لابن تيمية.
9 ـ «المستدرك على مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.