الرفيق: فعيل بمعنى فاعل مشتق من الرِّفْق، وهو خلاف العنف، قال ابن فارس في مادة: (رفق): «الراء والفاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على موافقةٍ ومقاربةٍ بلا عُنْف، فالرِّفق: خلاف العُنْف؛ يقال: رفَقْتُ أَرْفُق... هذا هو الأصل ثم يشتقّ منه كلُّ شيءٍ يدعو إلى راحةٍ وموافَقة»[1]. وقال الليث: «الرفق: لين الجانب ولطافة الفعل»[2]. يقال: رَفُقَ يَرْفُقُ ورَفِقَ؛ أي: لطَفَ، وهو به رفيق؛ أي: لطيف[3].
[1] مقاييس اللغة (2/418) [دار الجيل].
[2] تهذيب اللغة (3/212) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[3] لسان العرب (10/118) [دار صادر، ط1].
الرفيق: مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها، وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال[1]، وهو صفة من صفات الله يدل على أن الله رفيق؛ رفيق في شرعه وفي أفعاله وفي جميع شؤونه مع عباده[2].
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
لا يفترق المعنى الشرعي عن المعنى اللغوي حيث جاء الرفق في كلٍّ منهما يدل على اللين والسهل والتأني والنفع والإعطاء، وهذه المعاني كلها جائزة في حق الله عزّ وجل دالة على الكمال المطلق له سبحانه. وهي محل اتفاق عند أهل السُّنَّة[3].
[1] ينظر: شرح النونية للهراس (2/475).
[2] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/557).
[3] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/557)، منهج ابن القيم في شرح أسماء الله الحسنى للغامدي (409) [دار ابن الجوزي، ط1، 1426هـ].
قال النووي: «وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله رفيق» ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه بالرفق»[1].
وقال ابن القيِّم في نونيته:
وهو الرفيقُ يحبُّ أهل الرفق بل
يعطيهمُ بالرفق فوق أَمَانِي[2]
وقال السعدي: «فالله تعالى رفيق في أفعاله خلق المخلوقات كلها بالتدرج شيئًا فشيئًا بحسب حكمته ورفقه مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة»[3].
[1] شرح النووي على صحيح مسلم (16/145).
[2] النونية لابن القيم (208) [مكتبة ابن تيمية، 1417هـ].
[3] الحق الواضح المبين للسعدي (98) [ط. المكتبة السلفية].
اختلف أهل العلم في إثبات الرفيق اسمًا لله تعالى، فمنهم من يرى أنه اسم ويشتق منه صفة الرفق كما قال النووي: «وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله رفيق» ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه بالرفق»[1]. والصحيح أنه صفة من الصفات الذاتية الفعلية الدالة على كمال حلم الله وحكمته ولطفه سبحانه.
[1] شرح النووي على صحيح مسلم (16/145).
1 ـ ينبغي للمسلم أن يأخذ حظه من عبودية اسمه تعالى الرفيق، ويكون رفيقًا في أموره وجميع أحواله غير عجل فيها، فإن العجلة من الشيطان[1]، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة»[2].
2 ـ وعلى المسلم أن يجعل الرفق قائده ودليله ليصل إلى قلوب العباد، ويؤثر فيهم، فيكون لأمره ونهيه وقعًا في قلوبهم، وعونًا لهم على فعل المعروف وترك المنكر[3]، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»[4].
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/557).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 18).
[3] انظر: منهج الإمام ابن القيم في شرح أسماء الله الحسنى للغامدي (410).
[4] أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2594).
من آثار رفقه سبحانه على عباده:
1 ـ رفقه سبحانه بهم في أحكامه وأمره ونهيه، فلا يكلف عباده ما لا يطيقون، وجعل فعل الأوامر قدر الاستطاعة، وأسقط عنهم كثيرًا من الأعمال بمجرد المشقة رخصة لهم ورفقًا بهم ورحمة، ولم يأخذ عباده بالتكاليف دفعة واحدة؛ بل تدرج بهم من حال إلى حال حتى تألف النفوس وتلين الطباع ويتمّ الانقياد[1].
2 ـ إمهاله للعصاة منهم ليتوبوا إليه، ولو شاء لعاجلهم بالعقوبة، لكن رفق بهم وتأنى ليحصل لهم ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة[2]
3 ـ تيسيره وتسهيله لأسباب الخير كلها، وأعظمها تيسير القرآن للحفظ، ولولا ما قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *} [القمر] ما قدر على حفظه أحد، فلا تيسير إلا بتيسيره، ولا منفعة إلا بإعطائه وتقديره[3].
[1] فقه أسماء الله الحسنى للبدر (316) [ط1، 1429هـ].
[2] النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (2/12) [مكتبة الذهبي، ط4، 1422هـ].
[3] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/557).
إن مذهب الجهمية ومن قال بمذهبهم من المعتزلة والأشعرية: إنكار تسمية الله ووصفه بالرفيق، وزعموا أن المراد به عبارة عما يخلقه الله في عباده، ولأن الحديث من أخبار الآحاد ولا يجوز التعبد به، وهو مذهب القاشاني وابن داود الظاهري، وبعض الأصوليين[1].
هذه أقوال باطلة، ولا حجة لأصحابها فيها. أما ردهم لأحاديث الآحاد، فقد ثبت بأدلة الكتاب والسُّنَّة وإجماع السلف والخلف على أن أحاديث الآحاد تفيد العلم ويجب العمل بها، وإثبات أسماء الله وصفاته بها[2].
قال ابن القيِّم في معرض الرد على من لم يحتج بخبر الآحاد في العقائد: «وأما المقام الثامن: وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث، وإثبات صفات الرب تعالى بها، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول أن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم»[3].
وقد نقل النووي هذه الأقوال ثم قال: «والصحيح جواز تسمية الله تعالى رفيقًا وغيره مما ثبت بخبر الواحد»[4].
وأما قولهم بأن الرفيق ما يخلقه الله تعالى من الرفق لعباده، فهذا تأويل باطل يخالفه نص الحديث الصريح بوصف الله تعالى بالرفق في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله رفيق» فتثبت له هذه الصفة كما أثبتها له رسوله صلّى الله عليه وسلّم، مع اعتقاد أن له من هذا الوصف أعلاه وأكمله وما يليق بجلاله وعظمته سبحانه.
[1] شرح صحيح مسلم للنووي (16/146)، والمعتمد في الأصول لأبي الحسين البصري المعتزلي (2/583) [المعهد العلمي الفرنسي، 1385هـ]، والمستصفى للغزالي (1/146) [دار صادر، ط1، 1324هـ]، والأحكام للآمدي (2/45) [المكتب الإسلامي، ط2].
[2] انظر: مختصر الصواعق (4/1465) وما بعدها [أضواء السلف، ط1، 1425هـ].
[3] مختصر الصواعق (4/1609).
[4] شرح صحيح مسلم للنووي (16/146).
1 ـ «إبطال التأويلات لأخبار الصفات»، لأبي يعلى.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
4 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، للقحطاني.
5 ـ «شرح صحيح مسلم»، للنووي.
6 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
9 ـ «منهج ابن القيِّم في شرح أسماء الله الحسنى»، للغامدي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.