الرقى: جمع رقية، والرقية في اللغة هي: العوذة، يقال: رقى، إذا عوذ ونفث، وأصل العوذ والعياذ هو: الالتجاء والاعتصام. قال ابن منظور: «الرُّقيْة: العُوذة معروفة. والجمع: رُقىً، وتقول: اسْتَرْقَيْتُه فرَقاني رُقيْة فهو راقٍ، وقد رَقَاه رَقْيًا ورُقِيًّا، ورجلٌ رَقَّاءٌ صاحبُ رُقىً، يقال: رَقَى الراقي رُقْيةً ورُقِيًّا؛ إذا عَوَّذَ ونَفَثَ في عُوذَتِه»[1].
وقيل: الرقية: هي العزيمة، قال الجوهري: «العزائم هي الرقى»[2]، وقال ابن فارس: «قولهم: عزمت على الجني، وذلك أن تقرأ عليه عزائم القرآن»[3].
[1] لسان العرب (14/331) [دار الفكر، ط1].
[2] الصحاح (5/1685) [دار العلم للملايين، ط3].
[3] مقاييس اللغة (4/308) [دار الجيل، ط1]، وانظر: لسان العرب (2/400).
الرقية: آيات ودعاء وتوسل لله تعالى تقرأ على المريض بقصد الشفاء وذهاب العلة من بدنه[1].
ومن أقوال العلماء في معنى الرقية في الشرع ما يلي:
1 ـ قال ابن الأثير: «الرقية بالضم: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة؛ كالحمى والصرع وغيرهما»[2].
2 ـ وقال ابن عبد الوهاب: «الرقى: هي التي تسمى العزائم»[3].
[1] انظر: أحكام الرقى والتمائم (30).
[2] النهاية في غريب الحديث والأثر (3/254) [دار الكتب العلمية].
[3] كتاب التوحيد مع شرحه تيسير العزيز الحميد (165) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ].
قسم العلماء الرقى إلى قسمين:
الأول: الرقى المشروعة، وهي التي تجتمع فيها ثلاثة شروط:
1 ـ أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
2 ـ أن تكون باللسان العربي وبعبارة مفهومة المعنى.
3 ـ أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها وإنما بتقدير الله تعالى. قال ابن حجر رحمه الله: «وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها»[1]، وكلام العلماء في حكمها دائر بين الجواز والاستحباب، وفصَّل بعضهم في ذلك فجعل الجواز في حق المرقي، والاستحباب في حق الراقي، وهذا قول حسن.
الأدلة على جواز الرقى الشرعية:
وردت الرخصة في الرقى في عدد من الأحاديث، إلا أنه استثني من ذلك ما كان فيه شرك، كما ورد ذلك عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا علي رقاكم؛ لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك»[2].
فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن الرقى كالأدوية ليست توقيفية، حيث أجاز النبي صلّى الله عليه وسلّم بعض رقى الـجـاهـلـيـة الـخـالـيـة مـن الـشـرك.
الثاني: الرقى الممنوعة، وهي ما تخلَّف فيها شرط أو أكثر من شروط الرقى المشروعة، وهي تدور في حكمها بين الشرك الأكبر ومجرد الحرمة، بحسب ما تشتمل عليه من ألفاظ وغيرها، وبحسب اعتقاد الراقي والمرقي فيها.
الأدلة على تحريم هذا النوع من الرقى:
ورد النهي عن الرقى في عدد من الأحاديث، ووصفها بالشرك، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» [3]، وفي حديث جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الرقى»[4].
قال ابن القيِّم ـ بعد سياقه لجملة من أحاديث الرخصة في الرقى ـ: «وأما ما رواه مسلم في «صحيحه» من حديث جابر، فهذا لا يعارض هذه الأحاديث، فإنه إنما نهى عن الرقى التي تتضمن الشرك، وتعظيم غير الله سبحانه؛ كغالب رقى أهل الشرك»[5].
[1] فتح الباري (10/206) [دار الريان للتراث، ط2].
[2] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2200).
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3883)، وابن ماجه (كتاب الطب، رقم 3530)، وأحمد (6/110) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب الرقى والتمائم، رقم 6090)، والحاكم (كتاب الطب، رقم 7505) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 331).
[4] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2199).
[5] تهذيب سنن أبي داود لابن القيم، مع المعالم للخطابي (5/367) [دار المعرفة].
الرقى: هي كلام خاص يستعمل في الاستشفاء من الأمراض عمومًا الروحية منها والحسية، فإن كان هذا الكلام مأخوذًا من الكتاب والسُّنَّة، بأن لا يدخل فيه غيره من شعوذة المشعوذين، ولا يكون بغير اللغة العربية؛ بل يتلو الآيات على وجهها، والأحاديث كما رويت وعلى ما تُلقِّيت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بلا همز ولا رمز، فتلك الرقى من هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي كان عليه هو وأصحابه والتابعون بإحسان، وأما الرقى التي ليست بعربية الألفاظ ولا مفهومة المعاني، ولا مشهورة ولا مأثورة في الشرع البتة، فغير جائزة[1].
[1] معارج القبول بشرح سلم الوصول (2/630 ـ 635).
قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] ، وقال : {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *} [الأعراف] .
ومما يدلُّ من السُّنَّة على الرقى المشروعة حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك فقال: «اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك» [1]. وحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: «لا رقية إلا من عين أو حمة» [2]. وحديث أنس رضي الله عنه قال: «رخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرقية من العين، والحُمَة، والنملة»[3].
ومما يدلُّ من السُّنَّة على الرقى الممنوعة حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» [4]، وفي حديث جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الرقى»[5]. وإنما المراد بهذه الأدلة: الرقى التي تتضمن شركًا وتعظيم غير الله تعالى.
[1] تقدم تخريجه قريبًا.
[2] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 220).
[3] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2196).
[4] تقدم تخريجه قريبًا.
[5] تقدم تخريجه قريبًا.
قال ابن عبد البر رحمه الله: «وقد جاء عن أبي بكر الصديق كراهية الرقية بغير كتاب الله[1] وعلى ذلك العلماء»[2].
وقال الشوكاني رحمه الله: «قد قسَّم النبي صلّى الله عليه وسلّم الرقية إلى قسمين: رقية حق ورقية باطل، فرقية الحق ما كان بالقرآن أو بما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من قوله أو فعله أو تقريره، ورقية الباطل ما لم تكن كذلك، وعلى الرقية الباطل تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن الرقي، وعلى رقية الحق تحمل الأحاديث الواردة بالإذن بها»[3].
وقال عبد الحق الدهلوي رحمه الله: «الرقى: جمع رقية وهي العوذة، وقيل: ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء، وهي جائزة بالقرآن والأسماء الإلهية وما في معناها بالاتفاق، وبما عداها حرام، لا سيما بما لا يفهم معناه»[4].
[1] لعل مأخذ هذا: ما رواه مالك في الموطأ (كتاب العين، رقم 3472) [مؤسسة زايد للأعمال الخيرية، ط1]، وابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الطب، رقم 23581) [مكتبة الرشد، ط1]، عن عمرة: أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله. وفي سنده انقطاع. انظر: السلسلة الصحيحة (6/1167).
[2] التمهيد (5/278) [وزارة عموم الأوقاف بالمغرب].
[3] تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (322) [دار القلم، ط1، 1984م].
[4] عون المعبود شرح أبي داود (10/264) [دار الكتب العلمية، ط2، 1415هـ].
ذكر العلماء للرقية الشرعية ثلاثة شروط، وهي:
1 ـ أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته وخالية من الشرك.
2 ـ أن تكون باللسان العربي وبعبارة مفهومة المعنى.
3 ـ أن يعتقد أنها سبب من الأسباب وأن الشافي هو الله عزّ وجل[1].
[1] انظر: فتح الباري لابن حجر (10/195)، تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله (ص133)، فتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن (ص127)، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد بن علي الصديقي (6/378) التوحيد للشيخ صالح الفوزان (ص86).
المسألة الأولى: الجمع بين أحاديث الرقية، وحديث: «لا رقية إلا من عين أو حمة»[1]:
قال الخطابي ـ في شرحه لهذا الحديث ـ: «وليس في هذا نفي جواز الرقية في غيرهما من الأمراض والأوجاع؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان. وإنما معناه: أنه لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والسم، وهذا كما قيل: لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار»[2]
المسألة الثانية: كيفية الرقية:
ورد في كيفية الرقية صفات متعددة، أهمها ما يلي:
1 ـ النفث والتفل في الرقية:
ومما يدلُّ على ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات»[3].
وما ورد عن أبي سعيد رضي الله عنه في قصة اللديغ، وفيه: «فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}»[4]، ولا شك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم علم بخبره وأقرَّه على ذلك.
فالحديث الأول يدل على مشروعية النفث حال الرقية، والثاني يدل على مشروعية التفل على المرقي، والأحاديث في ذلك كثيرة.
2 ـ الرقية بدون نفث ولا تفل:
ومما يدلُّ على ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أتى مريضًا أو أُتي به قال: «أذهب البأس ربّ الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا»[5].
فهذا الحديث لم يذكر فيه أنه نفث أو تفل حال رقية المريض.
3 ـ خلط التراب بالريق:
وذلك بأن ينفث الراقي على الإصبع بشيء من ريقه، ثم يوضع في التراب ويمسح به المريض في أثناء الرقية.
ومما يدلُّ على ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول للمريض: «بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا بإذن ربنا»[6].
4 ـ الرقية في الماء ثم شربه:
وذلك بأن يؤتى بماء في إناء ثم يقرأ فيه بالرقى المشروعة، وينفث فيه، ثم يشربه المريض أو يمسح به مكان مرضه أو يغسله به.
وقد أجاز ذلك العديد من أهل العلم قال ابن مفلح: «قال أحمد في رواية مهنا ـ في الرجل يكتب القرآن في إناء ثم يسقيه للمريض ـ قال: لا بأس.
قال مهنا: قلت له: فيغتسل به قال ما سمعت فيه بشيء.
قال الخلال: إنما كره الغسل به لأن العادة أن ماء الغسل يجري في البلاليع والحشوش فوجب أن ينزه ماء القرآن من ذلك ولا يكره شربه لما فيه من الاستشفاء.
وقال صالح: ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحًا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي: اشرب منه واغسل وجهك ويديك. ونقل عبد الله: أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على نفسه منه.
وقال يوسف بن موسى: إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ»[7].
وقال ابن القيِّم رحمه الله: «ولقد مرَّ بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء فكنت أتعالج بالفاتحة، آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارًا ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع»[8].
وقال الشيخ ابن باز: «لا حرج في الرقية بالماء ثم يشرب منه المريض أو يغتسل به، كل هذا لا بأس به، الرقى تكون على المريض بالنفث عليه، وتكون في ماء يشربه المريض أو يتروَّش به، كل هذا لا بأس به»[9].
المسألة الثالثة: علاقة الرقى بالتوكل:
اختلف العلماء في مسألة الرقى هل تقدح في التوكل أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أن الرقية لا تقدح في التوكل سواء كانت بطلب أو بغير طلب[10].
القول الثاني: التفصيل: فإن كانت بطلب وهو الاسترقاء فهذه تقدح، وعليه يحمل حديث: «ولا يسترقون»[11].
وإن كانت بغير طلب فليست قادحة في التوكل، وعليه يحمل حديث رقية جبريل للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
والقول الثاني هو الراجح[12].
المسألة الرابعة: كتابة بعض الرقى الشرعية، ثم محوها بالماء وشربها:
وصفة ذلك: بأن تكتب بعض آيات القرآن الكريم، أو بعض الأدعية الواردة في ورقة أو إناء ثم تمحى هذه الكتابة بالماء، ثم يشرب ذلك الماء الذي محيت به أو يغتسل به.
وقد اختلف العلماء في حكم ذلك على قولين:
القول الأول: جواز ذلك، سواء كتبت في ورقة أو إناء، وهذا القول هو المنقول عن مجاهد، وأبي قلابة، والإمام أحمد، ورجحه بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم[13].
وعمدتهم في ذلك بعض الآثار الواردة عن جماعة من السلف[14].
القول الثاني: كراهية ذلك والاكتفاء بما ورد دون غيره، وهذا القول هو المنقول عن إبراهيم النخعي وابن سيرين، ورجحه ابن العربي المالكي، وعليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
وحجتهم: أن هذه الكيفية لم ترد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن خلفائه الراشدين، ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم.
وقد وردت عدة أسئلة على اللجنة الدائمة حول هذه المسألة، وكان مما ورد في الإجابة عن ذلك، قولهم: «وأما كتابة سورة أو آيات من القرآن، في لوح أو طبق أو قرطاس، وغسله بماء أو زعفران أو غيرهما، وشرب تلك الغسلة رجاء البركة أو استفادة علم أو كسب مال أو صحة وعافية ونحو ذلك، فلم يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه فعله لنفسه أو غيره، ولا أنه أذن فيه لأحد من أصحابه، أو رخَّص فيه لأمته مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك، ولم يثبت في أثر صحيح فيما علمنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه فعل ذلك أو رخص فيه، وعلى هذا فالأولى تركه، وأن يستغنى عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى، وما صح من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها مما يعرف معناه ولا شائبة للشرك فيه، وليتقرب إلى الله بما شرع؛ رجاء التوبة، وأن يفرج الله كربته ويكشف غمته ويرزقه العلم النافع ففي ذلك الكفاية، ومن استغنى بما شرع الله أغناه الله عما سواه»[15].
وهذا القول هو الأقرب، لكون ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
المسألة الخامسة: أخذ الأجرة على الرقية:
ورد في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في قصة سيد القوم الذي لُدغ، وأنهم جاؤوا إلى أولئك النفر من الصحابة رضي الله عنهم: «فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم»[16]، وفيه: أنه رقاه بالفاتحة وأنه شُفي، وأنهم أوفوهم جعلهم، فلما قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبروه بذلك، فصوب فعلهم، وأقرهم على ذلك.
قال شيخ الإسلام: «إذا جعل للطبيب جُعلاً على شفاء المريض جاز، كما أخذ أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الذين جُعل لهم قطيع على شفاء سيد الحي، فرقاه بعضهم حتى برأ، فأخذوا القطيع، فإن الجُعل كان على الشفاء لا على القراءة»[17].
[1] تقدم تخريجه.
[2] معالم السنن للخطابي (4/226) [المكتبة العلمية، ط2، 1401هـ].
[3] أخرجه البخاري (كتاب فضائل القرآن، رقم 5016)، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2192)، واللفظ له.
[4] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5749) واللفظ له، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2201).
[5] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5675)، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2191).
[6] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5745)، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2194).
[7] الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/456) [عالم الكتب]
[8] زاد المعاد (4/178) [مؤسسة الرسالة، ط7].
[9] الموقع الرسمي للشيخ ابن باز.
[10] انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (335)، والتمهيد لابن عبد البر (5/278) [وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، ط2، 1402هـ]، وفتح الباري لابن حجر (10/211).
[11] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6541)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 218).
[12] انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (3/91)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (1/182، 328) [الملك فهد بن عبد العزيز، بإشراف الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين]، ومفتاح دار السعادة، لابن القيم (580) [مكتبة حميدو، مصر، ط3، 1399هـ].
[13] انظر: مصنف ابن أبي شيبة (8/37 ـ 56)، ومجموع الفتاوى (12/599)، وزاد المعاد (4/170).
[14] انظر: مجموع الفتاوى (12/599).
[15] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع: أحمد الدويش (1/156).
[16] أخرجه البخاري (كتاب الإجارة، رقم 2276) واللفظ له، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2201).
[17] مجموع الفتاوى (20/507).
الفرق بين الرقى وبين التمائم:
1 ـ الرقى والتمائم يشتركان في أصل المعنى فيطلق على كلٍّ منهما معنى العوذ إلا أنهما يفترقان في الاستعمال، فالرقية تكون بالقراءة أو النفث أو المسح أو الشرب أو الاغتسال، أما التمائم فهي كل ما عُلق لدفع ضر أو جلب نفع.
2 ـ أن الرقى يستفصل في حكمها، فما كان منها مشروعًا جاز، وما كان ممنوعًا حرم. أما التمائم فلا يستفصل فيها فكلها منهي عنها سواء ما كان من القرآن أو من غيره، وسواء قبل البلاء أو بعده على القول الصحيح.
قال سليمان بن عبد الله رحمه الله في معرض كلامه على التمائم وخلاف العلماء فيها: «وأما القياس على الرقية بذلك، فقد يقال بالفرق، فكيف يقاس التعليق الذي لا بد فيه من ورق أو جلود ونحوهما على ما لا يوجد ذلك فيه، فهذا إلى الرقى المركبة من حق وباطل أقرب»[1].
[1] تيسير العزيز الحميد (134) [المكتب الإسلامي، ط1].
أ ـ آثار الرقى الشرعية:
1 ـ حصول الشفاء بإذن الله تعالى، وهذا ظاهر في كثير من النصوص؛ كحديث رقية اللديغ وغيره من الأحاديث.
2 ـ طرد الشياطين عن نفس الإنسان المرقي، ودفع شره وكيده. قال شيخ الإسلام ـ في كلام له على آية الكرسي ـ: «جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة أن لها من التأثير فى دفع الشياطين وإبطال أحوالهم ما لا ينضبط من كثرته وقوته؛ فإن لها تأثيرًا عظيمًا في دفع الشيطان عن نفس الإنسان، وعن المصروع، وعن من تعينه الشياطين»[1].
3 ـ منع وصول العين وغيرها من الشرور التي قد تصيب الإنسان.
قال ابن القيِّم ـ في كلام له على بعض الدعوات والعوذ ـ: «من جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله»[2].
إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة المعلومة.
ب ـ آثار الرقى الممنوعة:
1 ـ انتشار الخرافة والدجل، تحت مسمى الرقى والعوذ.
2 ـ الوقوع في الشرك بدعاء غير الله تعالى والتوسل إليه، كما في رقية ذوات السموم، فقد ورد فيها: «يا سليمان الرفاعي، يا كاظم سم الأفاعي، ناد الأفاعي، باسم الرفاعي»[3].
3 ـ الإعراض عن الاسترقاء بالقرآن الكريم، والرقى الشرعية الواردة في الأحاديث، والاستغناء عن ذلك كله بتلك الرقى الشركية.
[1] مجموع الفتاوى (19/55).
[2] زاد المعاد (4/169).
[3] مجموع فتاوى ابن باز (1/214) [دار الوطن، ط1].
1 ـ «أحكام الرقى والتمائم»، لفهد السحيمي.
2 ـ «التمهيد»، لابن عبد البر.
3 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
4 ـ «الرقى على ضوء عقيدة أهل السُّنَّة»، لعلي العلياني.
5 ـ «زاد المعاد في هدي خير العباد»، لابن القيِّم.
6 ـ «شرح مسلم»، للنووي.
7 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
8 ـ «القول المفيد كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «معارج القبول»، لحافظ حكمي.