حرف الراء / الرّقِيبُ

           

الرقيب: (فعيل) بمعنى (فاعل)، ومعناه: الحافظ. وأصله: مراعاة شيء، قال ابن فارس: «الراء والقاف والباء أصل واحد مطّرد، يدل على انتصابٍ لمراعاة الشيء، ومن ذلك الرقيب وهو الحافظ، يقال منه: رَقَبْتُ أرْقَب رِقْبة ورِقْبانًا»[1].


[1] مقاييس اللغة لابن فارس (2/427) [دار الجيل].


الرقيب: أن الله عزّ وجل مطلع على ما أكنته الصدور، قائم على كل نفس بما كسبت، حافظٌ لجميع المخلوقات، مراعٍ لأحوالهم[1].


[1] تفسير الطبري (7/523) [مؤسسة الرسالة، ط1]. وروى عن الحسن وقتادة قولهما: «رقيب: حفيظ». وانظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (51) [دار الثقافة العربية، ط. 1974م]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (207).


لا يختلف المعنى الشرعي عن المعنى اللغوي لمصطلح الرقيب، حيث جاء في كلٍّ منهما للدلالة على الحفظ والرصد والانتظار والاطلاع، فكل هذه المعاني جائزة في حق الله عزّ وجل، فهو سبحانه رقيب راصد منتظر حافظ مطلع، لا يغيب عنه شيء، إلا أن مراقبته لخلقه ليس مثل مراقبة المخلوق للمخلوق، فمراقبته عن استعلاء وفوقية، وقدرة وصمدية، دائمة في كل زمان، وكاملة في كل مكان، فهو يرى المراقَب ويسمعه بكيفية تليق بجلاله وعظيم سلطانه.



سمي الرقيب رقيبًا؛ لمراقبته وحفظه للأعمال والأحوال.



الذي يظهر أن الرقيب من أسماء الله تعالى الثابتة له بالنصوص الشرعية، فيجب إثباته له اتباعًا للوارد في الشرع، ولتنصيص سلف الأمة وعلمائها عليه[1].


[1] انظر: كتاب التوحيد لابن منده (362) [دار الفضيلة، ط1، 1428هـ]، والحجة في بيان المحجة (1/154).


حقيقة (الرقيب): من أفعال الله الدَّال على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ[1].


[1] انظر: الحق الواضح المبين للسعدي (58).


ورد (الرقيب) في ثلاث آيات في القرآن الكريم هي: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *} [النساء] ، وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا *} [الأحزاب] ، وقوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *} [المائدة] .



قال ابن منده: «ومن أسماء الله عزّ وجل الرقيب»[1].
وقال الزجاج: «الرقيب الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء»[2].
وقال الحليمي: «الرقيب الذي لا يغفل عن ما خلق، فيلحقه نقص أو يدخل عليه خلل من قبل غفلة عنه»[3].
وقال التيمي: «ومن أسمائه: الرقيب»[4].
وقال ابن القيِّم:
وهو الرقيب على الخواطر واللوا
حظ كيف بالأفعال بالأركان[5]
أي: أنه إذا كان عزّ وجل رقيبًا على دقائق الخفيات، مطلعًا على السرائر والنيات، كان من باب أولى شهيدًا على الظواهر والجليات، وهي الأفعال التي تفعل بالأركان[6].
وقال ابن كثير: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *} «أي: هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم»[7].
وقال السعدي: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا *}؛ «أي: مراقبًا للأمور، وعالمًا بما إليه تؤول، وقائمًا بتدبيرها على أكمل نظام، وأحسن إحكام»[8].
وقال أيضًا: «والرقيب: المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير»[9].


[1] كتاب التوحيد لابن منده (362).
[2] تفسير أسماء الله الحسنى (51).
[3] المنهاج لشعب الإيمان للحليمي (1/206) [دار الفكر، ط1، 1396هـ].
[4] الحجة في بيان المحجة (1/154).
[5] النونية لابن القيم (144) [مكتبة ابن تيمية، 1417هـ].
[6] انظر: الحق الواضح المبين (58).
[7] تفسير ابن كثير (2/206) [دار طيبة، ط2].
[8] تفسيير السعدي (670) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[9] المرجع السابق (947).


1 ـ يجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه رقيب عليه، وعلى كل مخلوق، وأن يعلم أنه سبحانه قد وكّل بكل مكلف ملكين يحصيان أقواله، وأن الجزاء من الله سبحانه بحسب هذه المراقبة[1].
2 ـ عَلِمَ العبدُ بأن الله رقيب وتعبُّده بهذا الاسم يثمر في القلب مراقبة الله عزّ وجل في السر والعلن، في الليل والنهار، في الخلوة والجلوة؛ لأنه سبحانه مع عبده لا تخفى عليه خافية، يسمع كلامنا ويرى مكاننا، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا أيقن العبد بهذه الحقائق سعى إلى حفظ قلبه وسمعه وبصره ولسانه وجوارحه كلها من أن يكون منها أو فيها ما يسخط الله عزّ وجل، وارتقى إلى مقام الإحسان، فعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإنه تعالى يراه[2].
قال ابن القيِّم: «المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين»[3].


[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/405).
[2] انظر: منهج الإمام ابن القيم في أسماء الله الحسنى للغامدي (373).
[3] مدارج السالكين لابن القيم (2/65) [دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ].


إن الإيمان بأن الله رقيب يراقب أعمال العبد وأحواله يجعل المسلم يحاسب نفسه ويراقبها من ارتكاب ما حرَّمه الله عزّ وجل عليه؛ لأنه يؤمن بأنه يسمعه ويراه، فيحفظ لسانه ويصونه، ويواظب على طاعة الله وابتغاء رضوانه.
المصادر والمراجع:
1 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
4 ـ «الجامع لأسماء الله الحسنى»، لحامد أحمد الطاهر.
5 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
6 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، للقحطاني.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
9 ـ «منهج الإمام ابن القيِّم في شرح أسماء الله الحسنى»، للغامدي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.