حرف الراء / الرُّوح

           

«الرُّوح، والرَّوح، والرِّيح من أصل واحد، اكتنفته معان تقاربت، فبُنِيَ لكل معنى اسم من ذلك الأصل، وخُولِف بينها في حركة البنية»[1].
قال ابن فارس: «الراء والواو والحاء أصل كبير مطَّرد، يدل على سعة وفُسحة واطّراد. وأصل ذلك كلِّه الرِّيح، وأصل الياء في الرِّيح الواو، وإنّما قُلِبَت ياءً لكسرة ما قبلها. فالرُّوح رُوح الإنسان، وإنّما هو مشتق من الرِّيح، وكذلك الباب كله. والرَّوْح: نسيم الرِّيح، ويقال: أراحَ الإنسانُ، إذا تنفس ويقال: أرْوَحَ الماءُ: تغيَّرتْ رائحته»[2].
وفي كتاب «العين»: «الرُّوح: النَّفْسُ التي يحيا بها البدن، يقال: خرجت رُوحُهُ؛ أي: نَفْسُه، ويقال: خَرَجَ، فيُذَكَّرُ، والجمع أرواحٌ»[3].


[1] تأويل مشكل القرآن (485) [دار التراث، ط2].
[2] مقاييس اللغة (2/454) [دار الفكر، 1399هـ].
[3] العين (3/291) [مكتبة هلال].


عين حادثة، مجهولة في بعض أحوالها، لطيفة، قائمة بنفسها، ذات صورة، وصفات، لا تكيف، تتصل بالبدن فيحيا، وتنفصل عنه فيتوفى، وهي خالدة يبلى ظرفها ولا تبلى، وتسعد معه وبدونه وتشقى[1].
قال ابن القيِّم: «أجمعت الرسل على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل»[2].


[1] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/102) [رسالة دكتوراه، جامعة الإمام].
[2] الروح (144)، وانظر منه: (156)، وراجع: جلاء العينين للآلوسي (169).


النفس، والنسمة.



الإيمان بها واجب، فيجب الاعتقاد الجازم بوجود الروح كذات مخلوقة قائمة بنفسها، وأن لها صفات وأحكامًا تختص بها، والتصديق بكل ما ورد من الأخبار المتعلقة بها.



قال تعالى في شأن الظالمين: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ *} [الأنعام] ، وقال سبحانه: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *} [الفجر] ، وقال : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *} [الزمر] .
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ خلقت نفسي، وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللَّهُمَّ إني أسألك العافية»[1].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لما نفخ الله في آدم الروح، فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله ربِّ العالمين. فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله»[2].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر»[3].
والأحاديث في الباب كثيرة جدًّا.


[1] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة الاستغفار، رقم 2712).
[2] أخرجه ابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6165)، قال ابن حجر في المطالب العالية (14/235): وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات أثبات. وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2159).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الجنائز، رقم 920).


قال ابن تيمية عند ذكره لحديث «الريح من روح الله» : «أي: من الروح التي خلقها الله، فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك لا إضافة وصف»[1].
ذكر ابن القيِّم: أن الرسل أجمعت على أن الروح محدثة مخلوقة مصنوعة مدبرة، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل[2].
وقال ابن أبي العز: «اتفق أهل السُّنَّة والجماعة أنها مخلوقة، وممن نقل الإجماع على ذلك: محمد بن نصر المروزي وابن قتيبة وغيرهما»[3].


[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (9/290).
[2] انظر: الروح (144)، ولوامع الأنوار (2/33)، أقاويل الثقات لمرعي الكرمي (191).
[3] شرح العقيدة الطحاوية (385).


المسألة الأولى: منزلة الروح من الغيب.
هل الروح من أمر الغيب؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين، فمن قائل: هي غيب، ومن قائل: ليست بغيب، ومرجع ذلك إلى الاختلاف في تفسير الروح الوارد في قول تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] ، وهل المراد به الروح الذي يقوم به البدن؟ أو شيء أخر؟
فالذين فسَّروا الروح الوارد في الآية بأنه الروح الإنساني[1] قالوا: الروح من أمر الله؛ يعني: «من علمه الذي منع أن يعرفه أحد»[2]، وكما قال الشوكاني: «قد استأثر الله بعلمها، ولم يطلع عليها أنبياءه»[3]. وعلى هذا المعنى درجت عبارات كثير من أهل العلم[4].
والذين فسَّروا الروح في الآية بغير الروح الإنساني كالذين فسروه بأنه ملك، وأنه المذكور في قول الحق تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَابًا *} [النبأ] لم يعدوا الروح من أمر الغيب.
وذكر ابن القيِّم أن أكثر السلف ـ بل كلهم ـ على أن الروح المسؤول عنها في الآية ليست أرواح بني آدم؛ بل هو الروح الذي أخبر الله عنه في كتابه أنه يقوم يوم القيامة مع الملائكة، وهو ملك عظيم[5].
والعلم بالروح مذهب الجمهور كما حكاه النووي[6]، ثم ظاهر الآية ـ على مذهب من فسَّر الروح بالروح القائم بالبدن ـ لا يدل دلالة قاطعة على أنها لا تعلم، فليست من الغيب.
والذي يظهر: أن الروح من حيث العلم بكنه ذاتها وكنه صفاتها من الغيب الذي استأثر الله بعلمه؛ أي: أنها من الغيب المطلق، وأما العلم بها من حيث كونها عين قائمة بذاتها، والعلم بآثارها وصفاتها التي جاءت بها الأخبار الصحيحة، فليست من الغيب المطلق؛ بل هي من الغيب النسبي؛ لأن بعض الخلق يتعامل معها، ويطلع على شيء من أحوالها كالملائكة[7].
المسألة الثانية: حكم الكلام في الروح:
ليس في نصوص الكتاب أو السُّنَّة نص يمنع الكلام في الروح بما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة لا في ذاتها ولا في صفاتها؛ بل قد جاء القرآن الكريم بالحديث عنها، وكذلك السُّنَّة، فهي مليئة بالنصوص التي تحدثت عن الروح وذكرت الكثير من صفاتها وأحوالها، فهي تتكلم، وتسمع، وتخاصم، وتتصل، وتنفصل إلى غير ذلك مما جاء به الوحي.
ومثل هذا فيه دلالة واضحة على أصل مشروعية الكلام في الروح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية لما سئل عن الروح، وهل المفوض إلى الله أمر ذاتها أو صفاتها... إلخ، قال: «أما قول السائل: هل المفوض إلى الله أمر ذاتها أو صفاتها أو مجموعهما؟ فليس هذا من خصائص الكلام في الروح؛ بل لا يجوز لأحد أن يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لا يعلم، وليس في الكتاب والسُّنَّة أن المسلمين نهوا أن يتكلموا في الروح بما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، لا في ذاتها ولا في صفاتها، وأما الكلام بغير علم فذلك محرم في كل شيء»[8]، ومن ذلك الكلام في كنه الروح وصفاتها وكيفيتها فهذا لا علم لنا بها، والخوض فيه من التكلف المذموم المنهي عنه.
المسألة الثالثة: حدوث الروح:
الروح حادثة مخلوقة مربوبة مدبرة، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك؛ لقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ *} [الرعد: 16] ، فهذا العموم لا استثناء فيه، فيشمل خلق الأرواح والأجساد.
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ *فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *} [الحجر] ، فأضاف سبحانه الروح إلى نفسه، وهي «إضافة خلق وملك إلى خالق ومالك»[9].
وقال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا *} [الإنسان] ، فالإنسان عبارة عن مجموع الروح والبدن.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»[10].
فوصف الأرواح بأنها جنود مجندة، والجنود ذوات قائمة بنفسها، وهي مخلوقة.
وقال صلّى الله عليه وسلّم في حديث نفخ الروح في الجنين: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح»[11].
فالروح مفتقرة إلى من ينفخها، والمفتقر إلى غيره مخلوق.
وفي الجملة؛ فجميع النصوص التي أفادت أن الروح تبشر، وأنها تقبض، وتكفن، وتحنط، وتصعد، وأن لها رائحة، وأنه يصلى عليها، وأنها تنعم أو تعذب، وأنها تلاقي غيرها، وأنها تسجد إلى غير ذلك، كلها تفيد أنها مخلوقة.
وقد حكى الإجماع على حدوث الروح غير واحد من العلماء[12].
المسألة الرابعة: إضافة الروح إلى الربِّ تعالى:
أضيفت الروح إلى الربِّ تعالى في شأن آدم عليه السلام، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *} [الحجر] ، وفي شأن عيسى عليه السلام كما في قوله تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] .
والإضافة هنا من الإضافات الخاصة التي تقتضي التشريف والتكريم لهذه الروح المضافة عن سواها، لا أنها صفة لله، ولا أنها هي الله ولا بعضه كما فهم الغالطون ممن لم يوفق للصواب.
قال ابن القيِّم: «هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه، بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته؛ حيث تقتضي خلقه وإيجاده.
فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد، والخاصة تقتضي الاختيار، والله يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه، كما قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] . وإضافة الروح إليه من هذه الإضافة الخاصة لا من العامة، ولا من باب إضافة الصفات، فتأمل هذا الموضع فإنه يخلصك من ضلالات كثيرة وقع فيها من شاء الله من الناس»[13].
وبالمقابل نلاحظ أنه عزّ وجل لم يضف أرواح بني آدم إليه، ولا تضاف إليه إلا من حيث الخلق العام، ونفخها مسند إلى الملك الموكل بذلك، وهذا يشعر بالتمايز بين الأرواح مع أن الجميع خلق الله، كما جاء في حديث الصادق المصدوق، وفيه: «ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح»[14].
المسألة الخامسة: زمن خلق الأرواح:
خلقت الأرواح بعد خلق الأجساد؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] .
فالخطاب في الآية للإنسان الذي هو روح وبدن، فدل على أن جملته مخلوقة بعد خلق الأبوين[15].
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا} [النساء: 1] ، فالآية صريحة في أن خلق جملة النوع الإنساني كان بعد خلق أصله[16].
وقوله عزّ وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ *فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *} [الحجر] ، فنفخ الروح كان بعد التسوية؛ أي: بعد خلق آدم، وتعديل صورته.
وقال صلّى الله عليه وسلّم في ابتداء خلق آدم عليه السلام: «لما نفخ الله في آدم الروح، فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله ربِّ العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله»[17].
فدلالة الحديث ظاهرة في أن نفخ الروح عقب خلق البدن.
المسألة السادسة: اتصال الروح بالبدن:
اتصال الروح بالبدن على ثلاثة أوجه[18]:
الأول: اتصالها به في الدنيا عند نفخ الروح فيه، كما جاء في حديث الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد» [19]، فبالروح تكون حياته إلى أن يموت، ولها اتصال به عند الوفاة الصغرى حال النوم، ونحوه.
الثاني: اتصالها به في البرزخ، وهذا في حال دون حال، وله صور منها: اتصالها عند السؤال، وعند النعيم أو العذاب.
الثالث: اتصالها به يوم القيامة، يوم أن ترد الأرواح إلى أجسادها، فيقع عليهما النعيم أو العذاب معًا في دارهما، في أكمل صورة.
قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه» [20]، وذلك بعد النفخة الثانية.
المسألة السابعة: وفاة الروح والبدن:
والوفاة نوعان: كبرى وصغرى.
فبالكبرى يكون الموت؛ وهو الانفصال الكلي الذي تفارق فيه الروح البدن.
وبالصغرى يكون النوم؛ وهو الانفصال الجزئي الذي تبقى فيه الروح على اتصال بالبدن.
والوفاتان هما المذكورتان في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *} [الزمر] .
والروح لا تموت بموت البدن، ولا تبلى كما يبلى، فإذا فارقته بقيت في مستقرها إلى أن تلاقيه مرة أخرى فتدخله.
قال ابن تيمية: «الذي عليه الأنبياء وأتباعهم وجمهور العقلاء أن الروح تفارق البدن وتبقى بعد فراق البدن»[21].
أما الجسد فيفنى ويبلى إلا عجب الذنب، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظمًا واحدًا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة» [22]، ويستثنى من ذلك الأنبياء، فإن أجسادهم محرمة على الأرض؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله عزّ وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»[23].
وقد ذهب بعض المتكلمين من المعتزلة والأشعرية[24]، إلى القول بفناء الأرواح بعد الموت، والنصوص السابقة دالة على بقاء الروح بعد فراق البدن، فإذا جاء يوم القيامة رجعت الروح إلى جسدها، وهذا ما قرره محققون من أهل العلم.
المسألة الثامنة: صفات الروح:
تمر الروح بثلاث دور مختلفة، ولها في كل دار صفات وأحكام خاصة، فصفات الروح وأحكامها في دار الدنيا تختلف عنها في دار البرزخ، وتختلف عنها في دار الجزاء.
فتوصف الروح في دار الدنيا بما يوصف به البدن في الجملة وإن كانت تبعًا له، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] ، فالإسراء الحاصل هنا هو للعبد الذي هو مجموع الروح والبدن، فالذي ركب البراق في رحلة الإسراء هو الروح والبدن، والذي عرج به إلى السماء هو الروح والبدن، والذي رأى من آيات ربه الكبرى هو الروح والبدن، والذي صلى بالأرواح ببيت المقدس هو الروح والبدن، لا أحدهما دون الآخر[25].
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» [26]، فالساجد هنا: مجموع الروح والبدن، لا الروح المحض، ولا البدن المحض.
وذكر ابن تيمية أن الإنسان الذي نفخت فيه الروح فصارت بدنًا فيه الروح هو ليس فيه بدن محض وروح محض حتى يقال: إنه يفعل كذا ببدنه، وكذا بنفسه؛ بل أفعاله تشترك فيها الروح، فهو إذا أكل وشرب فالروح تتلذذ بالأكل والشرب، وبها صار آكلاً شاربًا، وإلا فالبدن الميت لا يأكل ولا يشرب.
وإذا نظر، واستدل، وسمع، ورأى، وتعلم؛ فالنفس فعلت ذلك بالبدن، والبدن يظهر فيه ذلك، والروح وحدها لا تفعل ذلك[27].
فلا يصح أن نفرق في هذه الدار بين صفات الروح والبدن، إلا ما كان حال النوم؛ فإن الروح تكتسب فيه صفات أخرى تميزها عن صفات البدن؛ لأنها تتوفى فيه الوفاة الصغرى؛ فتفارقه وتنفصل عنه انفصالاً جزئيًّا، فتذهب وتجيء، وتنعم وتعذب، وتأكل وتشرب، وتلتقي بأرواح الأحياء والأموات مع ما لها من اتصال بالبدن.
وتتغير صفات الروح في دار البرزخ بعد الموت، ويكون لها من الصفات والأحوال ما يتناسب وتلك الدار البرزخية، كما أن البدن ذاته تتغير صفاته، قال ابن تيمية في إشارة إلى هذا التغيير الحاصل في الصفات: «النفس تتغير صفاتها بمفارقة البدن، وكذلك البدن تتغير صفاته بمفارقة الروح له»[28].
وقد دلَّت النصوص أن الروح في هذه الدار: تسمع، وتعقل، وتفهم، وأنها ذات رائحة، وأنها تتحرك، وتنتقل، وتتكلم، وتوصف بالطيب والخبث، والصدق والكذب، والإيمان والكفر أو النفاق، وكذا بالرضا، والحب والتمني، والحياة، والأكل والشرب، والرضاع، وتوصف بالفزع والشعوف والصياح، وتوصف بما يوصف به صاحبها من شكل وهيئة، إلى غير ذلك مما جاءت به النصوص الصحيحة[29].
ولعل أشمل حديث جاء فيه ذكر الروح وصفاتها وأحوالها حديث البراء بن عازب الطويل.
وفي دار الجزاء تكمل صفات الروح؛ بله الروح والبدن، يقول ابن القيِّم عن حال الروح في هذه الدار ـ وهي آخر الدور التي تمر بها الروح وفيها تستقر ـ هي: دار القرار، وهي الجنة أو النار، فلا دار بعدها، والله ينقلها في هذه الدور طبقًا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها ولا يليق بها سواها، وهي التي خلقت لها وهيئت للعمل الموصل لها إليها، ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الدار الأخرى، فتبارك الله فاطرها ومنشئها ومميتها ومحييها ومسعدها ومشقيها، الذي فاوت بينها في درجات سعادتها وشقاوتها، كما فاوت بينها في مراتب علومها وأعمالها وقواها وأخلاقها[30].
وقد دلَّ على كمال الروح وصفاتها في دار الجزاء: النصوص الواردة في وصف أهل الدارين وما هم فيه من نعيم أو عذاب؛ لأن السعادة أو الشقاوة في دار المقامة للأرواح والأبدان جميعًا، لا لهذه دون هذه ولا لهذه دون هذه.
قال تعالى عن أهل الجنة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً *} [الكهف] . وقال عزّ وجل عن أهل النار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *} [البقرة] .
وقال صلّى الله عليه وسلّم عن الفريقين: «يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت. ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت. قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت» . قال: ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ *} [مريم] . وأشار بيده إلى الدنيا[31].
فخلود الفريقين خلود للأرواح والأبدان.
وهذا الخلود دليل على كمال الصفات في هذا الدور من أدوار الروح؛ لأنه لا موت ولا فناء ولا بلى للأرواح والأبدان؛ بل هو خلود أبدي سرمدي.
فصفة الحياة في هذه الدار أكمل منها في سابقتيها، الأبدان ماتت في الدنيا، والأرواح ماتت بفراق الأبدان، ثم عادت إليها مرة أخرى فكانت حياة أخرى كاملة مؤبدة لم تعهدها من قبل.
المسألة التاسعة: تسمية النفس باعتبار صفاتها:
النفس واحدة، وقد تسمى باعتبار تنوع صفاتها، جاء ذلك في ثلاث آيات من القرآن الكريم:
أولاها: قوله عزّ وجل: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *} [الفجر] . فتسمى بالنفس المطمئنة، وتوصف بالطمأنينة.
وثانيتها: قوله : {وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ *} [القيامة] . فتسمى بالنفس اللوامة، وتوصف باللوم لصاحبها.
وثالثتها: قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] . فتسمى بالأمارة، وتوصف بالأمر بالسوء.
وقد ذكر ابن القيِّم أنه وقع في كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاث أنفس: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة، وأن منهم من تغلب عليه هذه، ومنهم من تغلب عليه الأخرى، والتحقيق أنها نفس واحدة ولكن لها صفات فتسمى باعتبار كل صفة باسم[32].
المسألة العاشرة: النفس المطمئنة:
قيل: هي التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة فصدقت بذلك[33]، وقيل هي: التي قد اطمأنت بالإيمان وأخبتت لربها[34]، وقيل: الموقنة غاية اليقين[35]، وقال ابن القيِّم: «النفس المطمئنة وهي الخاشعة المتواضعة لربها وما تؤول إليه من كرامته ورحمته»[36].
فحقيقة الطمأنينة السكون والاستقرار، فهي التي قد سكنت إلى ربها، وطاعته، وأمره، وذكره، ولم تسكن إلى سواه، فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، واطمأنت إلى الرضا به ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً، واطمأنت إلى قضائه وقدره، فاطمأنت بأنه وحده ربها، وإلهها، ومعبودها، ومليكها، ومالك أمرها كله، وأن مرجعها إليه، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين[37].
وهي أعظم النفوس عند الله عزّ وجل قدرًا، وهي التي يقال لها: ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي[38].
المسألة الحادية عشرة: النفس اللوامة.
وهي التي تفعل الذنب ثم تلوم عليه، وتتلون تارة كذا وتارة كذا، وتخلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا[39]، قال ابن القيِّم: «وأما اللوامة فاختلف في اشتقاق هذه اللفظة هل هي من التلوم: وهو التلون والتردد، أو هي من اللوم، وعبارات السلف تدور على هذين المعنيين»[40].
وقد أقسم الله بها في قوله: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ *وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ *أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلََّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ *} [القيامة] .
وفي النفس اللوامة ثلاثة أقوال: أحدها: أنها التي تلوم نفسها حين لا ينفعها اللوم، قاله ابن عباس رضي الله عنه.
والثاني: أنها نفس المؤمن التي تلومه في الدنيا على تقصيره، قاله الحسن، فعلى هذا تكون ممدوحة.
والثالث: أنها جميع النفوس، قال الفراء: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها؛ إن كانت عملت خيرًا، قالت: هلا زدت، أو شرًّا، قالت: ليتني لم أفعل[41].
ولهذا قال الحسن البصري: «إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه، يقول: ما أردت بكلمتي، يقول: ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي، فلا تراه إلا يعاتبها، وإن الفاجر يمضي قدمًا، فلا يعاتب نفسه»[42].
المسألة الثانية عشرة: النفس الأمارة:
وهي النفس الأمارة بالسوء، الفرّارة من الخير[43]. سميت بذلك لأنها أذعنت، وأطاعت لمقتضى الشهوات، ودواعي الشيطان[44]، ومعاصي الله عزّ وجل أكثرها من جهة النفس الأمارة بالسوء[45].
ويخاف على صاحب هذه النفس سوء الخاتمة، وانتظاره مع هذه الحالة المغفرة من الله عزّ وجل غرور؛ فإن المقصر عن الطاعة، المصر على الذنوب، الغير السالك سبيل المغفرة، المنتظر للغفران؛ يعد عند أرباب القلوب من المعتوهين، كما أن من خرب بيته، وضيع ماله، وترك نفسه وعياله جياعًا يزعم أنه ينتظر فضل الله عزّ وجل بأن يرزقه كنزًا يجده تحت الأرض في بيته الخرب؛ يعد عند ذوي البصائر من الحمقى المغرورين[46].
ومن عرف حقيقة نفسه، وما طبعت عليه؛ علم أنها منبع كل شر، ومأوى كل سوء، وأن كل خير فيها ففضل من الله عزّ وجل منَّ به عليها لم يكن منها كما قال : {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *} [النور] ، وقال تبارك وتعالى : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ *} [الحجرات] ، فهذا الحب، وهذه الكراهة لم يكونا في النفس ولا به، ولكن هو الله عزّ وجل الذي منَّ بهما، فجعل العبد بسببهما من الراشدين؛ فضلاً من الله عزّ وجل ونعمة، والله عليم حكيم؛ عليم بمن يصلح لهذا الفضل، ويزكوا عليه وبه، ويثمر عنده، حكيم فلا يضعه عند غير أهله، فيضيعه بوضعه في غير موضعه[47].
المسألة الثالثة عشرة: مستقر الأرواح:
هو المكان الذي تكون فيه الأرواح بعد أن تفارق أجسادها بالموت، وهو مقر نعيم أو عذاب، إلى أن تبعث مع بدنها إلى مقرها.
والواجب على المسلم الاعتقاد الجازم بأن الأرواح بعد الموت باقية لا تفنى كما دلَّت عليه النصوص.
ومن الأدلة على ذلك: قول الله تبارك وتعالى : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا *} [النساء] .
وقوله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي *} [الفجر] .
وقوله سبحانه: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] .
وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه»[48].
المسألة الرابعة عشرة: مراتب مستقر الأرواح:
مقر الأرواح من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا بالوحي، وعلى ذلك فلا مجال للعقل فيه، كما أنه لا مجال فيه للتخرصات والتكهنات.
وقد دلَّت النصوص على أن الأرواح تتفاوت في مستقرها بعد الموت أعظم التفاوت، فأرواح المؤمنين لها مقر، وأرواح الكافرين لها مقر معاكس. ثم بعد ذلك هناك تفاوت في مقر أرواح المؤمنين أنفسهم، فإن منهم الطائعين المسددين، ومنهم العصاة المفرطين، ولكل مقرٍّ يليق به.
فالأرواح إذًا ليست في مرتبة واحدة، وليست على درجة واحدة؛ بل هي مراتب ودرجات متباينة[49].
ويمكن بيان ذلك وعرضه على النحو الآتي[50]:
1 ـ مستقر أرواح الأنبياء عليهم السلام:
دلَّت النصوص على أن مقر أرواحهم في أعلى عليين من الجنة، على ما بينهم من التفاضل في الدرجات والتفاوت في المنازل؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يحيى أو يخير» ، فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: «اللَّهُمَّ في الرفيق الأعلى» ، فقلت: إذًا لا يجاورنا[51].
ففي هذه الرواية اختار النبي صلّى الله عليه وسلّم الرفيق الأعلى وهم: «جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين»[52]، وكأنه اختار رفقة خاصة، لها علو المكان والمنزلة كما يفهم من قوله: «الأعلى».
وجاء في رواية لأحمد ما يفيد اختياره للرفقة العامة، حيث قال: «مع الرفيق الأعلى في الجنة، {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} إلى آخر الآية»[53]، وهي لا تناقض سابقتها، فإنه اختار أولاً المكان الذي هو مستقر أرواح السعداء، واختار منه أعلاه وأرفعه منزلة وهو ملتقى أرواح الأنبياء. وجاء في رواية للنسائي: «أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام»[54] ، فهذا صنف آخر ورفقة خاصة مع رؤوس الملائكة عليهم السلام.
قال ابن حجر: «وظاهره أن الرفيق: المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين»[55] من الملائكة والجماعة الذين في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا *} [النساء] .
وقد دلَّت على تفاوت الأنبياء في منازلهم أحاديث الإسراء والمعراج، فقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم آدم عليه السلام في السماء الدنيا، ورأى إبراهيم عليه السلام في السماء السابعة، ورأى غيرهما من الأنبياء عليهم السلام فيما بين السماءين[56].
وذكر ابن القيِّم من مراتب مستقر الأرواح: أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في الإسراء[57].
2 ـ مستقر أرواح عموم المؤمنين:
مقر أرواح المؤمنين الجنة؛ بل هي طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى أجسادهم يوم القيامة. فأما كونها في الجنة، فلقوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ *فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ *} [الواقعة] ، وهذا ذكره ـ سبحانه ـ بعد ذكر خروج الروح من البدن بالموت[58]. وقوله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي *} [الفجر] .
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» [59]. فجعل الموت حائلاً بينه وبين دخول الجنة، فإذا فارق الروح الجسد دخلها.
وأما كونها طيرًا يأكل من ثمر الجنة، فلقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق[60] في شجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه»[61].
3 ـ مستقر أرواح الشهداء:
تقدم أن أرواح عموم المؤمنين في شكل طير في الجنة، وأما الشهداء فنوعان: نوع أرواحهم في حواصل طير خضر في الجنة، وهي كما يقول ابن كثير: «كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين»[62].
ودليل ذلك: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لما أصيب إخوانكم بأُحد جعل الله عزّ وجل أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم؛ قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا! لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عزّ وجل : أنا أبلغهم عنكم» فأنزل الله عزّ وجل هؤلاء الآيات على رسوله صلّى الله عليه وسلّم: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] [63].
ولما سأل التابعون الصحابة رضي الله عنهم عن الآية الآنفة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: أما إنّا قد سألنا عن ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا. ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا؛ قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا»[64].
ونوع أرواحهم في قبة خضراء على نهر بباب الجنة؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا»[65].
قال الساعاتي: «قال العلماء: هذا في شهداء عليهم ذنوب منعتهم من دخول الجنة مع السابقين»[66].
4 ـ مستقر أرواح ذراري المؤمنين والمشركين:
دلَّت النصوص على أن أرواح الذراري بإطلاق ممن لم يبلغ الحنث في الجنة، في كفالة إبراهيم الخليل عليه السلام وزوجه سارة رضي الله عنها على ما بينهم من التفاضل والتفاوت في الدرجات.
قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين[67] تكملان رضاعه في الجنة»[68].
وفي حديث سمرة الطويل قال صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما قال: فانطلقنا، فأتينا على روضة معشبة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهراني الروضة رجل قائم طويل، لا أكاد أن أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط وأحسنه، قلت لهما: ما هذا وما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق، انطلق» ، إلى أن بيَّنا له فقالا: «وأما الرجل الطويل الذي رأيت في الروضة: فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله: فكل مولود مات على الفطرة».
وفي لفظ: «فقالا: انطلق. فانطلقت، فإذا روضة خضراء، فإذا فيها شجرة عظيمة، وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان» إلى أن بيَّنا له فقالا: «وأما الشيخ الذي رأيت في أصل الشجرة: فذاك إبراهيم عليه السلام وأما الصبيان الذي رأيت: فأولاد الناس»[69].
ووقع في حديث أبي أمامة: «ثم انطلقنا، فإذا نحن بغلمان وجوار يلعبون بين نهرين، قلت: ما هؤلاء؟ قال: ذرية المؤمنين»[70].
ومما يدلُّ على أن مقر أرواح أطفال المؤمنين الجنة الأحاديث الواردة في أفراطهم الصغار ممن لم يبلغ الحنث وكونهم يتلقون آباءهم على أبوابها، وكونهم يشفعون لهم فيدخلونها، وكذا الأحاديث التي نصت على كونهم سببًا في دخول والديهم الجنة ونجاتهم من النار[71].
ومما يدلُّ بصفة خاصة على كون أطفال المشركين في الجنة، قوله صلّى الله عليه وسلّم: «النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود والوليدة» [72]. وفي لفظ: «والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة» [73]، وهذا عام. ومما يشهد له قوله صلّى الله عليه وسلّم: «سألت ربي اللاهين[74] من ذرية البشر أن لا يعذبهم، فأعطانيهم» [75]. وأيضًا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة»[76].
5 ـ مستقر الأرواح الحبيسة:
وهذه أرواح مؤمنة قد حبست عن دخول الجنة بسبب يزول بزواله حبسها، وهم صنفان من المؤمنين:
الأول: من حبس بسبب دين، ويدخل هنا الشهداء وغيرهم.
قال صلّى الله عليه وسلّم: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» [77]، ومعنى معلقة: محبوسة[78].
وفي حديث سمرة بن جندب؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلى الفجر ذات يوم، فقال: «هاهنا من بني فلان أحد؟» مرتين، فقال رجل: هو ذا. فكأني أسمع صوت النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن صاحبكم قد حبس على باب الجنة بدين كان عليه»[79] ؛ يعني: حبست روحه عن مستقرها مع أرواح المؤمنين.
الثاني: من حبس بسبب ذنب.
وخاصة كبائر الذنوب من نحو الغلول، أو النياحة على ميت، أو عدم التنزه من البول، أو الغيبة، أو النميمة وغيرها مما ورد فيه حدٌّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة، أو ورد فيها وعيد بنفي الإيمان، أو لعن، أو غضب أو نحو ذلك.
ومثال ذلك في الغلول، ما جاء في حديث رافع، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل، فيتحدث حتى ينحدر للمغرب، فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسرعًا إلى المغرب، إذ مر بالبقيع، فقال: «أف لك، أف لك» مرتين، فكبر في ذرعي، وتأخرت، وظننت أنه يريدني، فقال: «ما لك؟ امش» قال: قلت: أحدثت حدثًا يا رسول الله؟ قال: «وما ذاك؟» قلت: أففت بي. قال: «لا، ولكن هذا قبر فلان، بعثته ساعيًا على بني فلان، فغل نمرة، فدرع الآن مثلها من نار»[80].
ومثاله في تعذيب الحيوان، قوله صلّى الله عليه وسلّم: «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تسقها، ولم ترسلها فتأكل من خشاش الأرض» [81]. وقد صوّب النووي أن هذه المرأة كانت مسلمة، وأنها دخلت النار بسببها كما هو ظاهر الحديث، ثم قال: «وهذه المعصية ليست صغيرة؛ بل صارت بإصرارها كبيرة»[82].
ومما يحسن التنبيه إليه: أن الموانع من دخول الأرواح الجنة تزول في الدَّيْن بقضائه، وفي الذنوب بتكفيرها، ثم تعود بعد إلى مستقرها من الجنة؛ لأن عذاب القبر منه ما هو دائم ومنه ما هو منقطع، والمقصود هنا الثاني[83].
6 ـ مستقر أرواح الكفار:
دلَّت النصوص على أن مقر أرواح الكفار النار، وفي بعضها: في سجين في الأرض السفلى بحسب منازلهم.
جاء في حديث البراء الطويل: أن الملائكة إذا قبضت روح الكافر: «يصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان. بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له» . ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ *} [الأعراف] «فيقول الله عزّ وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا . ثم قرأ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ *} [الحج] »[84].
المسألة الخامسة عشرة: الصلة بين الأرواح والأبدان:
للأرواح صلة بأبدانها في الدنيا، وصلة في البرزخ، وصلة يوم القيامة.
فأما الصلة في الدنيا، فتبدأ في بطن الأم بعد نفخ الروح الذي هو طور من أطوار خلق الأجنة في الرحم.
ولأجل هذه الصلة بين الروح والجسد في بطن الأم رتب الفقهاء أحكامًا شرعية تتعلق بهذا المخلوق في داره الأولى؛ كالإجهاض، والدية، والإرث، والوقف، والعتق، والكفارة، والصلاة عليه[85].
وتمتد صلة الروح بالبدن بعد الولادة، وتكون في حالتي اليقظة والمنام، ولذا تختلف تعلقات الروح بالبدن في بعض أحوالها مع كل حالة.
ففي حال اليقظة ينالهما معًا اللذة والألم، والراحة والتعب، ويشتركان في الأعمال الصالحة والطالحة، وما يترتب على ذلك من ثواب وعقاب، وما يوصف به أحدهما يوصف به الآخر، مثل بمثل وسواء بسواء، قال شيخ الإسلام: «الإنسان الذي نفخت فيه الروح فصارت بدنًا فيه الروح هو نوع ثالث، ليس فيه بدن محض وروح محض حتى يقال: إنه يفعل كذا ببدنه، وكذا بنفسه؛ بل أفعاله تشترك فيها الروح»[86]، إلا أن الأبدان أصل والأرواح تبع، وكما قال ابن القيِّم: «أحكام دار الدنيا على الأبدان والأرواح تبعًا لها»[87].
وفي حال النوم، تفارق الروح البدن فراقًا جزئيًّا، ولذا فما ينال الإنسان في هذه الدار حال النوم منصب على الأرواح والأبدان معًا، إلا أن التبعية عكس ما كانت عليه حال اليقظة، فبينما كانت الروح محكومة بالبدن وتابعة له أصبح البدن هنا تابعًا لها وتعلقها به أضعف.
ولهذا كان ما ينعم به النائم أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلاً والبدن تبع له، وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرًا مشاهدًا، فيرى النائم في نومه أنه ضرب فيصبح وأثر الضرب في جسمه، ويرى أنه قد أكل أو شرب فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه، ويذهب عنه الجوع والظمأ. ولذلك ترى النائم يقوم في نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان، وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك؛ وذلك أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه، ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس[88].
وأما الصلة بين الأرواح والأبدان في البرزخ فتبدأ بالموت، وهو مفارقة الروح البدن فراقًا كليًّا بعلاماته المعروفة عند أهل الفقه والطب، ومع هذا الانفصال تظل الروح على صلة بالبدن على نحو ما وكيفية ما لا يعلمها إلا بارئها تعالى.
ويستدلُّ لهذه المسألة بالنصوص الواردة في نعيم القبر وعذابه، فما يقع فيه من ذلك إنما يقع للأرواح والأبدان معًا، وقد يقعان على الأرواح مفردة، إذ هي الأصل في هذه الدار والأبدان تبع. وقد ذكر ابن تيمية أن العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعًا باتفاق أهل السُّنَّة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح منفردة عن البدن[89].
وأما صلة الأرواح بالأبدان يوم القيامة فتبدأ بعد نفخة الصور الثانية، وذلك بعد أن تكون الأجساد قد عادت كما كانت عليه من عجب الذنب، وإذا عادت الأرواح إلى أبدانها فإنها لا تفارقها بعد البتة؛ بل تلازم الروح البدن ويلازم البدن الروح في علاقة راقية، واتصال لا يعقبه انفصال، وخلود يمتد بلا نهاية. قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *} [الزمر] ، وقال تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ *} [النازعات] ؛ أي: فإنما هو أمر من الله تعالى لا مثنوية فيه ولا تأكيد، فإذا الناس قيام ينظرون، وهو أن يأمر تعالى إسرافيل فينفخ في الصور نفخة البعث، فإذا الأولون والآخرون قيام بين يدي الربّ عزّ وجل ينظرون[90].
وبهذا القيام المهيب بين يدي ربّ العالمين تكون بداية جديدة للإنسان، بداية تشترك فيها الأرواح والأبدان، وتتابع أحوال القيامة وتعيش أهوالها، من ساعة الحشر فالجمع، فالعرض، فالحساب، فالميزان، فالحوض، فالصراط، فالقنطرة، فالشفاعات، إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار[91].


[1] وهو مذهب جمع من أهل العلم، انظر: تفسير القرآن للسمعاني (3/274) [دار الوطن]، وحاشية محيي الدين زاده على تفسير البيضاوي (5/423) [دار الكتب العلمية، ط1، 1419هـ]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب 369) [دار القلم، ط2، 1418هـ]، والملل والنحل (2/8) [دار المعرفة، ط1، 1410هـ]،، والفصل في الملل والأهواء والنحل (5/58) [دار الجيل، ط. 1405هـ]، وزاد المسير في علم التفسير (5/82) [المكتب الإسلامي، ط4]، وروح المعاني (15/154) [دار إحياء التراث، ط4، 1405هـ].
[2] زاد المسير (5/82).
[3] زبدة التفسير (376) [وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ط2، 1408هـ].
[4] انظر: تفسير الطبري (8/143) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وفتح الباري لابن حجر (1/224) [دار الريان، ط1، 1407هـ]، وتفسير السمعاني (275)، والإنسان في القرآن للعقاد (23) [نهضة مصر للطباعة، ط2001م].
[5] الروح (1/151) [دار الكتاب العربي، ط4].
[6] انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (17/138) [دار الكتب العلمية].
[7] انظر: الروح في الديانات (1/20 ـ 24).
[8] كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة (4/230 ـ 231) [دار عالم الكتب، 1412هـ].
[9] الجواهر الحسان في تفسير القرآن (3/390) [دار إحياء التراث، ط1، 1418هـ].
[10] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3336) من حديث عائشة رضي الله عنها، ومسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2638) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3208)، ومسلم (كتاب القدر، رقم 2643).
[12] انظر: الفتاوى (4/216)، والروح (351)، وفتح الباري (8/404)، وشرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (419) [دار ابن كثير، ط2، 1413هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية (1/441) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1408هـ]، وروح المعاني (24/8) [دار إحياء التراث، ط4، 1405هـ]، والمواقف في علم الكلام (7/250) [عالم الكتب].
[13] الروح (371).
[14] تقدم تخريجه قريبًا.
[15] انظر: الروح (385).
[16] انظر: المصدر السابق.
[17] أخرجه ابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6165)، قال ابن حجر في المطالب العالية (14/235): وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات أثبات. وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2159).
[18] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/185 ـ 252).
[19] تقدم تخريجه.
[20] أخرجه أحمد (25/58) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، وقال ابن كثير (7/550) [دار طيبة، ط2]: وهذا إسناد عظيم، ومتن قويم. وأخرجه ابن ماجه (كتاب الزهد رقم 4271)، وابن حبان في صحيحه (رقم 4657) وقال الألباني في صحيح موارد الضمآن (1/325): صحيح.
[21] الجواب الصحيح (3/268) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ].
[22] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4935)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2955).
[23] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1047)، والنسائي (كتاب الجمعة، رقم 1374)، وابن ماجه (كتاب إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها، رقم 1085)، وأحمد (26/84) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب الصلاة، رقم 1613)، وصحَّحه النووي في الأذكار (115) [دار الفكر، 1414هـ]، والألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1527).
[24] انظر: الروح (51)، ومجموع الفتاوى (4/283، 492)، والفصل (4/57، 58).
[25] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/156).
[26] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 482).
[27] الجواب الصحيح (4/25 ـ 26).
[28] الجواب الصحيح (4/25).
[29] انظر: الروح في الديانات (1/158).
[30] انظر: الروح (296).
[31] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4730)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2849).
[32] انظر: الروح (495).
[33] انظر: تفسير الطبري (30/190) [دار الفكر].
[34] انظر: تهذيب اللغة (13/253) [دار إحياء التراث العربي، ط1، ط2001م].
[35] انظر: تفسير ابن عطية (5/481) [دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ].
[36] التبيان في أقسام القرآن (22) [دار الفكر].
[37] انظر: إغاثة اللهفان (1/76) [دار المعرفة، ط2].
[38] انظر: الروح (267).
[39] انظر: مجموع الفتاوى (28/148) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، 1416هـ].
[40] انظر: الاستقامة (2/251) [جامعة الإمام، ط1].
[41] انظر: التبصرة لابن الجوزي (1/309) [دار الكتاب المصري، ط1، 1390هـ 1970م].
[42] أخرجه الإمام أحمد في الزهد (281) [دار الريان للتراث، القاهرة، ط2، 1408هـ]، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (9/272) [مكتبة المعارف، بيروت].
[43] انظر: إحياء علوم الدين (4/45) [دار المعرفة].
[44] انظر: المصدر نفسه (3/4).
[45] انظر: تحفة الذاكرين للشوكاني (430) [دار القلم، ط1، 1984م].
[46] انظر: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (1/409) [دار النفائس، ط9، 2007م].
[47] انظر: مدارج السالكين (1/220) [دار الكتاب العربي، ط2].
[48] تقدم تخريجه قريبًا.
[49] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/269).
[50] انظر: الروح في الديانات (1/269 ـ 331).
[51] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4437)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2444).
[52] تحفة الأحوذي (9/468) [مطبعة المعارف]، والنهاية في غريب الحديث والأثر (3/246) [دار الفكر].
[53] أخرجه أحمد (40/510) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وقال الهيثمي: «أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح». مجمع الزوائد (9/36) [مكتبة القدسي].
[54] أخرجه النسائي في الكبرى (كتاب عمل اليوم والليلة، رقم 10870)، وابن حبان في صحيحه (كتاب التاريخ، رقم 6591)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (7/286): «هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين».
[55] فتح الباري (7/744) [دار الريان، ط1، 1407هـ].
[56] انظر: حديث الإسراء والمعراج عند البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3207)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 162).
[57] الروح (293) [دار الكتاب العربي، ط4، 1410هـ].
[58] انظر: الروح (158).
[59] أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (182) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والطبراني في الأوسط (8/93) [دار الحرمين، 1415هـ]، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/299) [دار الكتب العلمية، ط1]: «رواه النسائي والطبراني بأسانيد، أحدها صحيح»، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/102) [مكتبة القدسي]: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد، وأحدها جيد». وانظر: السلسلة الصحيحة (رقم 972).
[60] تعلق: تأكل. انظر: النهاية (3/289). وقال الزرقاني في شرحه على موطأ مالك (2/115) [دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ]: «يعلق بالتحتية صفة طير، وبفتح اللام رواية الأكثر كما قال ابن عبد البر، وروي بضمها، قال: والمعنى واحد، وهو: الأكل والرعي في شجر الجنة لتأكل من ثمارها، وقال البوني: معنى رواية الفتح: تأوي، والضم ترعى».
[61] تقدم تخريجه قريبًا.
[62] تفسير ابن كثير (1/428) [دار طيبة، ط2].
[63] أخرجه أبو داود (كتاب الجهاد، رقم 2520)، وأحمد (4/218) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، والحاكم في المستدرك (كتاب الجهاد، رقم 2444) وصحَّحه، وحسَّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (رقم 2275) [مؤسسة غراس، ط1].
[64] أخرجه مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1887).
[65] أخرجه أحمد (4/220) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب السير، رقم 4658)، والحاكم (كتاب الجهاد، رقم 2403) وصحَّحه، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 137) [مكتبة المعارف، ط5].
[66] الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (14/28) [دار الشهاب].
[67] ظئرين: الظئر: المرضعة غير ولدها، ويقع على الذكر والأنثى. النهاية (3/154).
[68] أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، رقم 2316).
[69] أخرجه البخاري (كتاب التعبير، رقم 7047)، وأحمد (33/284) [مؤسسة الرسالة، ط1]، واللفظ له.
[70] أخرجه ابن خزيمة (كتاب الصيام، رقم 1986)، والطبراني في الكبير (8/156) [مكتبة ابن تيمية، ط2] واللفظ له، والحاكم (كتاب الطلاق، رقم 2837) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 3951).
[71] انظر: الروح في الديانات (1/287 ـ 292).
[72] أخرجه أحمد (38/459) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (3/246) [دار المعرفة]، وله شاهد عند البزار (11/320) [مكتبة العلوم والحكم، ط1] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن معاوية بن مالج، وهو ثقة». مجمع الزوائد (7/219) [مكتبة القدسي]، وقواه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة (رقم 287، 3380).
[73] أخرجه أبو داود (كتاب الجهاد، رقم 2521)، وأحمد (34/190) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وهو الحديث السابق نفسه، وفي سنده جهالة، كما أشار إليه الألباني في صحيح أبي داود (7/280) [مؤسسة غراس، ط1]، لكنه صححه بشواهده،
[74] اللاهين: هم الأطفال. انظر: فتح الباري (3/290).
[75] أخرجه أبو يعلى (6/267، 7/138) [دار المأمون للتراث، ط1]، والطبراني في الأوسط (6/111) [دار الحرمين]، وقد اختلف أهل العلم في ثبوته: فأعله الدارقطني في العلل (12/229) [دار ابن الجوزي، ط1]، وضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/444) [إدارة العلوم الأثرية، ط2]، والبوصيري في الإتحاف (8/272) [دار الوطن، ط1]، وابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/1127) [رمادي للنشر، ط1]، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (3/246) [دار المعرفة]، وحسَّنه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (4/504).
[76] أخرجه الطيالسي (9/282) [دار المعرفة]، والبزار (14/39) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، والطبراني في المعجم الأوسط (3/220) [دار الحرمين]، وضعف إسناده الحافظ في الفتح (3/246) [دار المعرفة]، وصحَّحه الألباني بمجموع طرقه وشواهده في السلسلة الصحيحة (3/252) [مكتبة المعارف، ط2، 1416هـ].
[77] أخرجه الترمذي (أبواب الجنائز، رقم 1079) وحسَّنه، وابن ماجه (كتاب الصدقات، رقم 2413)، وأحمد (16/352) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب البيوع، رقم 2633)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 6779).
[78] انظر: مجمل اللغة لابن فارس (3/626)، والمصباح المنير للفيومي (2/77)، والفتح الرباني (7/100).
[79] أخرجه أبو داود (كتاب البيوع، رقم 3341)، والنسائي (كتاب البيوع، رقم 4685)، وأحمد (33/329) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، والحاكم (كتاب البيوع، رقم 2213) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في أحكام الجنائز (15) [المكتب الإسلامي، ط4].
[80] أخرجه النسائي (كتاب الإمامة، رقم 862)، وأحمد (45/170) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، وابن خزيمة (كتاب الزكاة، رقم 2337)، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 1350) [مكتبة المعارف، ط5]. لكن يشهد لعذاب الغال في القبر عدة أحاديث في الصحيحين وغيرهما.
[81] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3318)، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2243).
[82] صحيح مسلم بشرح النووي (14/340).
[83] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/329).
[84] أخرجه أبو داود (كتاب الجنائز، رقم 3212)، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4269)، وأحمد (30/502) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، والحاكم (كتاب الإيمان، رقم 107)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/158) [دار مكتبة الحياة، 1407هـ] بعد أن ساق لفظ أبي داود: «رواه أحمد بإسناد رواته محتج بهم في الصحيح، أطول من هذا»، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/219) [مكتبة المعارف، ط5].
[85] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/203).
[86] الجواب الصحيح (4/25).
[87] الروح (183).
[88] الروح (188).
[89] انظر: مجموع الفتاوى (4/274).
[90] انظر: تفسير ابن كثير (4/468).
[91] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/247).


هناك من فرق بين مسمَّى الروح والنفس، وهناك من جعلهما مسميين لشيء واحد؛ أي: أنهما مترادفان[1].
قال ابن عبد البر: «إن العلماء اختلفوا في الروح والنفس: هل هما شيء واحد أو شيئان؟»[2].
والذي يظهر أن لا فرق بينهما، قال ابن تيمية: «الروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت»[3].
وذكر ابن القيِّم: أن مسمّاهما واحد عند الجمهور، وهو اختياره[4]، وقرر: «أن الروح التي تتوفى وتقبض روح واحدة، وهي النفس»[5].
وذكر أن هناك من خالف من أهل الحديث، والفقه، والتصوف، وطائفة من أهل الأثر، ثم استطرد في ذكر أقوالهم[6].


[1] المرجع السابق (1/68).
[2] التمهيد (5/241) [وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1387هـ].
[3] مجموع الفتاوى (9/289).
[4] انظر: الروح (488).
[5] المرجع السابق (493).
[6] انظر: المرجع السابق (491، 492).


1 ـ أنكرت طائفة من أهل الكلام وغيرهم كون الروح عينًا قائمة بنفسها، وزعموا أنها عرض من الأعراض، وذهب طوائف إلى أنها البدن، أو جزء من أجزائه، وكل ذلك باطل ولا دليل عليه[1].
ويرد عليهم بالأدلة التي أفادت أن الروح عين قائمة بنفسها، وأنها توصف بما توصف به الأجسام، من نحو قوله تعالى: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ *} [الواقعة] ، قال القرطبي في تفسيرها: «يعني النفس عند خروجها من الجسد، وهذه صفة الجسم، ولم يجر لها ذكر في الآية لدلالة الكلام عليها»[2].
وقوله عزّ وجل في الشهداء: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *} [آل عمران] ، قال السمعاني: «وإنما يتصور رزق الأجسام لا رزق الأعراض»[3]، وقد نعتهم بالحياة، والفرح، والاستبشار.
وفي الحديث قال صلّى الله عليه وسلّم: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»[4].
«فوصفها بأنها جنود مجندة، والجنود ذوات قائمة بنفسها، ووصفها بالتعارف والتناكر، ومحال أن تكون هذه الجنود أعراضًا، أو تكون لا داخل العالم ولا خارجه»[5]، وقد جعله الخطابي دليلاً على أن للأرواح صفة الأجسام[6].
وكون الروح عينًا قائمة بنفسها فهذا يفيد: «أنها لا تفتقر في وجودها وبقائها إلى المحل، فليس المحل شرطًا في ذلك، وأنها ليست هي البدن، ولا جزء من أجزائه كالقلب أو الكلى مثلاً، وأنها ليست عرضًا من أعراض البدن كالحياة أو العقل، فإن العرض يقوم بغيره لا بذاته، وأنها تحمل صفات خاصة بها كغيرها من الأجسام»[7].
ومما يحسن التنبيه إليه:
أنه لم يصح حديث في تقدم خلق الأرواح على الأجساد، «قال ابن حجر المكي في فتاواه الحديثية: ما روي عن ابن عباس: «أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة» لا أصل له.
وأيضًا خبر «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام»[8] ضعيف جدًّا فلا يعول عليه»[9].
2 ـ القائلون بقدم الروح صنفان:
صنف من الصابئة الفلاسفة يقولون: هي قديمة أزلية، لكن ليست من ذات الرب، كما يقولون ذلك في العقول، والنفوس الفلكية، ويزعم من دخل من أهل الملل فيهم أنها هي الملائكة.
وصنف من زنادقة هذه الأمة وضلالها من المتصوفة، والمتكلمة، والمحدثة، يزعمون أنها من ذات الله، وهؤلاء أشر قولاً من أولئك، وهؤلاء جعلوا الآدمي نصفين: نصف لاهوت وهو روحه، ونصف ناسوت وهو جسده، نصفه ربّ، ونصفه عبد.
وقد كفَّر الله النصارى بنحو من هذا القول في المسيح، فكيف بمن يعم ذلك في كل أحد؛ حتى في فرعون، وهامان، وقارون؟ وكلما دلَّ على أن الإنسان عبد مخلوق مربوب، وأن الله ربه وخالقه ومالكه وإلهه فهو يدل على أن روحه مخلوقة.
فإن الإنسان عبارة عن البدن والروح معًا؛ بل هو بالروح أخص منه بالبدن، وإنما البدن مطية للروح[10].
3 ـ لا صحة لمن قال بتناسخ الأرواح، كما هو قول الباطنية، والإسماعيلية، والدروز، والنصيرية، والبابية، والبهائية، والقاديانية[11].
وبالجملة؛ فالغلاة كلهم متفقون على التناسخ[12]، وإن اختلفت تصوراتهم، وهم مستنون في معتقدهم بالبراهمة الهنود، فإن أصل القول بالتناسخ مأخوذ عنهم[13].
والتناسخ من العقائد الباطلة التي تصادم القرآن والسُّنَّة والعقل، ولا أدلة معتبرة لأصحابه.
ولا صحة أيضًا لمن زعم قدرته على تحضير الأرواح من مستقرها، ومثولها بين يديه، ومناجاتها[14].
وقد سئلت اللجنة الدائمة[15] عن تحضير الأرواح، فأجابت بأن ذلك يعرف باستخدام الجني واستحضاره بأدعية وتعويذات يقوم بها مستحضره، وذلك نوع من الشعوذة والكهانة، وهو ممنوع شرعًا؛ لما فيه غالبًا من الشرك والكذب ودعوى علم الغيب ونحو ذلك.
قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا *} [الجن] ، وقال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ *وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *} [الأنعام] .
وروى البخاري في «صحيحه» عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله؛ كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ـ وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه ـ فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء»[16].
وقد سئل ابن باز عما يسمى بعلم تحضير الأرواح، فأجاب: «إنه علم باطل وإنه شعوذة شيطانية، يراد منها إفساد العقائد والأخلاق والتلبيس على المسلمين، والتوصل إلى دعوى علم الغيب في أشياء كثيرة»[17].


[1] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (2/6 فما بعد)، و(2/92، 213، 270).
[2] التذكرة للقرطبي (135) [دار قباء].
[3] تفسير القرآن للسمعاني (3/274).
[4] تقدم تخريجه.
[5] الروح (431).
[6] أعلام الحديث (3/1874) [معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، ط1، 1409هـ].
[7] الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (1/116).
[8] أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (1/401) [مكتبة السلفية، ط1]، وقال: هذا حديث موضوع.
[9] كشف الخفاء ومزيل الإلباس (1/113) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1405هـ]، وانظر: الروح (407).
[10] انظر: مجموع الفتاوى (4/221) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، 1416هـ].
[11] انـظـر: الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة (2/79).
[12] انظر: مقالات الإسلاميين (1/205) [المكتبة العصرية، ط1411هـ]، وحركة الغلو وأصولها الفارسية (ص16) [مكتية ابن تيمية، ط1، 1409هـ].
[13] انظر: الملل والنحل (1/206) (2/366) [دار المعرفة، ط1، 1410هـ]، ومقارنات الأديان ـ الديانات القيمة (38) [دار الفكر العربي، ط1، 1991م]، والإنسان في ظل الأديان (194) [مكتبة المعارف، ط1400هـ].
[14] انظر: الموسوعة الشاملة لمذهب الروحية الحديثة وتحضير الأرواح (1/363) فما بعد، (2/673) فما بعد.
[15] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة ـ المجموعة الأولى (1/644ـ 645).
[16] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4800).
[17] انظر: مجموع فتاوى ابن باز (3/309). وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة ـ المجموعة الثانية (1/257).


1 ـ «التذكرة في أحوال الموتى والآخرة»، للقرطبي.
2 ـ «الروح»، لابن القيِّم.
3 ـ «الروح في الديانات والدعاوى المعاصرة»، للعبيدي.
4 ـ «إغاثة اللهفان»، لابن القيِّم.
5 ـ «التبيان في أقسام القرآن»، لابن القيِّم.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
7 ـ «شرح نونية ابن القيِّم»، لابن عيسى.
8 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.
11 ـ «عقائد الثلاث والسبعين فرقة»، لليمني.
12 ـ «الفصل في الملل والأهواء والنحل»، لابن حزم.