حرف الراء / الرِّياء

           

الرِّياء: مصدر راءى يرائي، مشتق من الرؤية، يقال: قومٌ رِئاءٌ؛ أي: يقابل بعضُهم بعضًا، وكذلك: بيوتهم رِئاءٌ، وتَراءى الجمعان: رأى بعضُهم بعضًا، ويقال أيضًا: رائيت الرجل مراءة، ورياءً: أي: أريته خلاف ما أنا عليه[1].
وقد يأتي الرياء على القلب، كما قال الجوهري: «ويقال: راءى فلان الناس يرائيهم مراءاة، ورايأهم مرايأة على القلب بمعنًى. وفلان مني بمرأى ومسمع؛ أي: حيث أراه وأسمع»[2].


[1] انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب (375)، والصحاح (6/198)، ولسان العرب (14/291).
[2] الصحاح (6/199).


الرِّياء: هو «إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها»[1].
ومما يشهد لهذا التعريف من أقوال العلماء:
1 ـ قيل: الرياء هو: طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس، قاله القرطبي[2].
2 ـ وقيل: هو: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها، قاله ابن حجر[3].
3 ـ وقيل هو: «أن يري الناس أنه يعمل عملاً على صفة، وهو يضمر في قلبه صفة أخرى»، قاله الشيخ سليمان بن عبد الله[4].
وقيل في تعريف الرياء غير ذلك.


[1] فتح الباري (11/344) [دار الريان للتراث، ط2، 1409هـ].
[2] تفسير القرطبي (22/513) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1427هـ].
[3] فتح الباري (11/344) [دار الريان للتراث، ط2، 1409هـ].
[4] تيسير العزيز الحميد (524).


لما كان اشتقاق الرياء في اللغة من الرؤية وإظهار الشيء على خلاف ما هو عليه، أطلق في الشرع بهذا المعنى إلا أنه خصص ذلك بالأعمال الصالحة؛ كإظهار العبادة من صلاة وذكر ونحوهما؛ لقصد رؤية الناس، فكان ذلك خلاف ما في قلب صاحب تلك العبادة.



سُمي الرياء بهذا الاسم لكون المرائي يُري الناس عمله؛ ليمدحوه عليه، فهو مشتق من الرؤية.
وقد وردت تسمية الرياء بهذا الاسم في القرآن الكريم؛ كقوله عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً *} [النساء] .



الشرك الأصغر، الشرك الخفي.



يختلف حكم الرياء بحسب باعثه وما يَعلق بالقلب منه، فاليسير منه داخل في الشرك الأصغر، وقد مثل ابن القيِّم رحمه الله على الشرك الأصغر بيسير الرياء، فقال: «وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء والتصنع للخلق»[1].
وأما الرياء المحض الكثير، فهذا من النفاق الأكبر، المخرج من ملة الإسلام.
حكم العبادة إذا خالطها الرياء:
مخالطة الرياء للعبادة على ثلاث حالات، لكل منها حكم خاص بها، وذلك كما يلي:
الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل؛ كمن قام يصلي من أجل مراءاة الناس ولم يقصد وجه الله، ولا رغبة له في العبادة أصلاً، ولو انفرد لم يصل، فهذا شرك أكبر، وهو فعل المنافقين، حيث وصفهم الله بذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً *} [النساء] .
وهذا من أخطر درجات الرياء.
قال ابن رجب رحمه الله: «وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة، والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز»[2].
الثاني: أن يكون مشاركًا للعبادة في أثنائها، بحيث يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله ثم يطرأ الرياء في أثناء العبادة؛ كأن يطيل في الصلاة ليراه الناس، أو يرفع صوته بالذكر ليسمعوه، فيحمدوه على ذلك، فلو كان خاليًا لم يفعله، فهذا قريب من القسم الأول في كونهما ممقوتين عند الله تعالى.
فيكون حكم الرياء في هذه الحالة شركًا أصغر، لا يخرج من الملة، وأما حال العبادة الداخل عليها الرياء فعلى قسمين:
أ ـ أن تكون العبادة مما لا ينبني آخرها على أولها، فأولها صحيح بكل حال، والباطل آخرها.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال قد أعدَّها للصدقة، فتصدق بخمسين مخلصًا، وراءى في الخمسين الباقية، فالأولى حكمها صحيح، والثانية باطلة.
ب ـ أن تكون العبادة مما ينبني آخرها على أولها، فهي على حالين:
1 ـ أن يطرأ عليه الرياء ويدافعه ولا يسكن إليه؛ بل يعرض عنه ويكرهه، فإنه لا يؤثر عليه شيئًا، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم»[3].
2 ـ أن يسترسل في الرياء ولا يدافعه، حتى ينتهي من عبادته، فحينئذ تبطل جميع العبادة على الراجح؛ لأن آخرها مبني على أولها ومرتبط به، وقيل: لا تبطل، وإنما يجازى على أصل نيته الصالحة[4].
الثالث: ما يطرأ من خواطر الرياء بعد انتهاء العبادة، فذلك لا يؤثر عليها شيئًا، إلا أن يتحدث بذلك طلبًا للمدح والثناء، فذلك داخل في السمعة، فتبطل ذلك العمل[5].


[1] مدارج السالكين (1/373) [دار الكتب العلمية ط1، 1403هـ].
[2] جامع العلوم والحكم (1/38 ـ 39) [المكتبة التجارية، مكة المكرمة، ط1، 1413هـ].
[3] أخرجه البخاري (كتاب الطلاق، رقم 5269)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 127).
[4] انظر: جامع العلوم والحكم (1/41).
[5] انظر: إعلام الموقعين (2/163) [دار الباز، مكة المكرمة]، وجامع العلوم والحكم (1/38 ـ 39)، والقول المفيد (2/227 ـ 228) [دار العاصمة، ط1، 1415هـ].


حقيقة الرياء: هي فعل العمل الصالح على غير إخلاص لله تعالى، وإنما لطلب ثناء الناس ومدحهم، ولذا قد يُجازى صاحب الرياء بفضحه أمام الناس، كما قال الخطابي: «من عمل عملاً على غير إخلاص، وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جُوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه، ويظهر ما كان يبطنه»[1].
وينقسم الرّياء بحسب ما يراءى به إلى خمسة أقسام:
الأوّل: الرّياء في الدّين بالبدن، وذلك بإظهار النّحول والصّفار ليوهم بذلك شدّة الاجتهاد، وعظم الحزن على أمر الدّين وغلبة خوف الآخرة.
الثّاني: الرّياء بالهيئة والزّيّ، وذلك بتشعيث شعر الرّأس، وإبقاء أثر السّجود على الوجه، ونحو ذلك.
الثّالث: الرّياء بالقول، ويكون من أهل الدّين بالوعظ والتّذكير والنّطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار لإظهار غزارة العلم، ومن ذلك تحريك الشّفتين بالذّكر في محضر النّاس، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أمامهم.
الرّابع: الرّياء بالعمل، وذلك كمراءاة المصلّي بطول القيام والرّكوع والسّجود ونحو ذلك.
الخامس: المراءاة بالأصحاب والزّائرين؛ كأن يطلب المرائي من عالم أن يزوره ليقال: إنّ فلانًا قد زار فلانًا، ومن ذلك كثرة ذكر الشّيوخ.
قال الغزاليّ بعد ذكره لهذه الأقسام: «فهذه الخمسة هي مجامع ما يرائى به».


[1] نقله عنه ابن حجر في فتح الباري (11/336).


ورد التحذير من الرياء وبيان خطره في جملة من الآيات والأحاديث، فمن ذلك:
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ *} [البقرة] .
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً *} [النساء] .
وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ *الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ *وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ *} [الماعون] .
وعن جندب البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»[1].
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله؛ وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء»[2].
وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه؛ أنّ رجلاً أعرابيًّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، الرّجل يقاتل للمغنم، والرّجل يقاتل ليذكر، والرّجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله»[3].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قلنا: بلى، فقال: الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل»[4].
والآيات والأحاديث في التحذير من الرياء وبيان خطره كثيرة.


[1] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6499)، ومسلم (كتاب الزهد والرقائق، رقم 2987).
[2] أخرجه أحمد (39/39) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وحسن إسناده ابن حجر في بلوغ المرام (رقم 1484) [دار أطلس، ط3]، وجوَّد إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 950).
[3] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 2810)، ومسلم (كتاب الإمارة، 1904) واللفظ له.
[4] أخرجه ابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4204)، وأحمد (17/354) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وحسَّنه البوصيري في مصباح الزجاجة (4/237) [دار العربية، ط2]، والألباني في صحيح الجامع (رقم 2607).


قال الفضيل بن عياض: «ترك العمل لأجل النّاس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما»[1].
وقال الخطابي: «من عمل عملاً على غير إخلاص، وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جُوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه، ويظهر ما كان يبطنه»[2].
ـ وقال النووي في شرحه للحديث: «قوله صلّى الله عليه وسلّم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته»[3].


[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (23/174).
[2] نقله عنه ابن حجر في فتح الباري (11/336).
[3] شرح صحيح مسلم للنووي (13/50).


المسألة الأولى: أسباب الرياء:
للرياء أسباب تدعو إلى فعله، وترغب في طلبه، إذ هو من حظوظ النفس الدنيئة، فمن أسبابه:
1 ـ محبة الثناء والمدح.
2 ـ الفرار من الذم.
3 ـ الطمع فيما في أيدي الناس.
المسألة الثانية: ترك العمل خوفًا من الرياء:
ترك العمل الصالح خوفًا من الرياء لا يجوز، والعمل من أجل الناس لا يجوز، وكله يدخل في الشرك، ويجب على الإنسان أن يجاهد نفسه دائمًا، ولا أن ينساق وراء الشيطان، في ترك الأعمال المشروعة خوفًا من الوقوع في الرياء، أو ينهى غيره عن ذلك بهذه الشبهة الشيطانية[1].
المسألة الثالثة: الفرح بعلم الناس بعبادته:
فرح العبد بعلم الناس بعبادته ليس من الرياء؛ لأن ذلك إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة، لكن قد يؤثر ذلك على أعمال العبد في المستقبل، فيكون طلب المدح والثناء مطلب لنفسه، مما يتسبب في وقوعه في الرياء.
وليس من الرياء أيضًا أن يفرح الإنسان بفعل الطاعة في نفسه؛ بل ذلك دليل على إيمانه، ومما يدل على ذلك، ما ورد عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تِلْكَ عاجِلُ بُشْرَى المؤمن»[2].
قال النووي: «قال العلماء: معناه: هذه البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له، فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث، ثم يوضع له القبول في الأرض، هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم، وإلا فالتعرض مذموم»[3].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (23/174 ـ 175) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف].
[2] أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2642).
[3] شرح صحيح مسلم للنووي (16/189) [المطبعة المصرية، ط1، 1349هـ].


ـ الفرق بين الرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا:
أن بين الرياء وبين إرادة الإنسان بعمله الدنيا، عموم وخصوص، فكل رياء داخل في إرادة الإنسان بعمله الدنيا، ولا عكس.
ـ الفرق بين الرياء وبين السمعة:
أن الرياء هو العمل لرؤية الناس للإنسان، وأما السمعة فهي العمل لأجل سماعهم، فالرياء يتعلق بحاسة البصر، والسمعة تتعلق بحاسة السمع، ويدخل في السمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس ليمدحوه عليه[1].
ـ الفرق بين الرياء والعُجْب بالعمل:
أن الرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس[2].


[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (525).
[2] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (10/377).


من أبرز آثار الرياء:
1 ـ مقت الناس.
2 ـ إحباط العمل.
3 ـ خاتمة السوء.
4 ـ الرياء سبب لدخول النار.



الحكمة من تحريم الرياء ظاهرة في كونه ضدّ الإخلاص الذي أمر الله تعالى به؛ إذ الإخلاص لا يكون إلا بتصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين، والرياء إنما يقع ملاحظة للمخلوقين ومدحهم[1].


[1] انظر: الإخلاص والشرك الأصغر (8).


1 ـ «تفسير القرطبي».
2 ـ «إحياء علوم الدين»، للغزالي.
3 ـ «إعلام الموقعين»، لابن القيِّم.
4 ـ «جامع العلوم والحكم»، لابن رجب.
5 ـ «شرح صحيح مسلم»، للنووي.
6 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.