قال ابن فارس: «الزاء والباء والراء أصلان: أحدهما يدل على إحكام الشيء وتوثيقه، والآخر يدل على قراءة وكتابة وما أشبه ذلك»[1].
والزبور يطلق على الكتاب، وهو (فعول) بمعنى (مفعول) فزبور بمعنى: مزبور؛ أي: مكتوب، من زَبَرَ الكتابَ، يزبُر ويَزْبِر؛ إذا كتبه، وربما قيل: زبرته؛ إذا قرأته. ومنه قولهم: أنا أعرف تَزْبِرَتي؛ أي: كتابتي. والجمع: زُبُر[2].
[1] مقاييس اللغة (3/44) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] انظر: الصحاح (2/667) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومقاييس اللغة (3/45)، والقاموس المحيط للفيروزآبادي (509) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ].
الزبور: هو اسم كتاب الله عزّ وجل الذي أنزله على نبيّه داود عليه السلام، بوحي منه سبحانه وتعالى[1].
[1] انظر: تفسير البغوي (2/311، 5/100) [دار طيبة، ط4، 1417هـ]، وتفسير القرطبي (6/17) [دار إحياء التراث العربي، 1405هـ]، وتفسير ابن كثير (2/469) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، والبداية والنهاية (2/15) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ]، والتحرير والتنوير (6/34، 15/138، 17/162) [دار سحنون بتونس، 1997م].
يجب على المسلم أن يعتقد أن الله عزّ وجل أنزل على نبيِّه وعبده داود بن إيشا أبي سليمان عليهما السلام كتابًا، اسمه: الزبور، فهو كلام الله تعالى غير مخلوق. أنزله عليه جملة واحدة في شهر رمضان ـ كباقي الكتب السماوية ـ، بعد التوراة وقبل الإنجيل.
ويعتقد المسلم أيضًا: أن الزبور الصحيح الذي نزل على داود عليه السلام قد فقد واندثر من زمن بعيد، ولا يعلم عنه شيء، ويتعذر الحصول عليه، وليس هو الذي بين أيدي اليهود والنصارى اليوم؛ بل هذه (المزامير) قد وقع فيها من التحريف والتبديل والكتمان والإهمال والنسيان الشيء الكثير؛ فاختلط فيها الحق بالباطل؛ فليس واحد منها هو الزبور الصحيح الذي نزل على داود عليه السلام[1].
[1] انظر: تفسير البغوي (2/311، 5/100)، وتفسير القرطبي (6/17، 10/278)، ومجموع الفتاوى (17/45، 19/184)، والجواب الصَّحيح لابن تيمية (2/351، 415، 5/351) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ]، وتفسير ابن كثير (2/469)، والبداية والنهاية (2/15)، وفتح الباري (6/455) [دار المعرفة، 1379هـ].
الزبور: مصدق للتوراة، متبع لها، ومتمم ومكمل لها ولمحاسنها، ومحيي لشريعتها؛ فليس هو شريعة مستقلة لبني إسرائيل؛ ولذا كان أنبياء بني إسرائيل بعد موسى ـ كداود وعيسى ـ على شريعة التوراة، يحكمون ويعملون بها.
وكان عامة الزبور حكم ومواعظ ـ فيما قيل ـ، وكانوا يتلقون الأحكام والشرائع من التوراة.
فقد قيل: إنه كان مائة وخمسين سورة، ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود؛ وإنما هي حكم ومواعظ ودعاء وتحميد وتمجيد وثناء على الله عزّ وجل[1].
[1] انظر: المصادر السابقة.
قال الله جلّ جلاله: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا *} [النساء] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً} [سبأ: 10] ، و(الفضل) ـ في أحد أقوال المفسرين ـ هو: الزبور، وقيل: هو النبوة، وقيل: العلم، وقيل غير ذلك[1].
وثبت في الحديث؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم علَّم أُبي بن كعب رضي الله عنه فضل سورة الفاتحة قائلاً: «والذي نفسي بيده؛ ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها! وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته»[2].
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «خفف على داود عليه السلام القرآن؛ فكان يأمر بدوابه فتسرج؛ فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده»[3].
[1] انظر: النكت والعيون للماوردي (4/435) [دار الكتب العلمية، ط1]، وتفسير القرطبي (14/264)، والبحر المحيط لأبي حيَّان (7/252) [دار الكتب العلمية، ط1، 1422هـ].
[2] أخرجه الترمذي (أبواب فضائل القرآن، رقم 2875) وقال: «حسن صحيح»، وأحمد (2/357، 412) [مؤسسة قرطبة بمصر]، والحاكم (كتاب فضائل القرآن، رقم 2048) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 1453) [مكتبة المعارف بالرياض، ط1، 1421هـ].
[3] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3417).
قال قتادة بن دعامة في قول الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا *} [الإسراء] : «كنا نحدث: أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجل، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود»[1].
وقال ابن تيمية: «وأما الزبور؛ فإن داود لم يأت بغير شريعة التوراة؛ وإنما في الزبور ثناء على الله، ودعاء، وأمر ونهي بدينه وطاعته وعبادته مطلقًا»[2].
وقال العيني: «لأنه ـ أي: الزبور ـ كان قصصًا وأمثالاً ومواعظ، ولم يكن الأمر والنهي إلا في التوراة»[3].
[1] سبق تخريجه.
[2] مجموع الفتاوى (19/184).
[3] عمدة القاري (19/28) [دار إحياء التراث العربي].
المسألة الأولى: معنى قوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}:
من المسائل المتعلقة بالزبور: ما ذكره بعض المفسرين في تفسير قول الله : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *} [الأنبياء] من أن المراد بالزبور: زبور داود، وهو مروي عن ابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغيرهم[1]. والصحيح أن المراد به: الكتاب؛ فهو اسم جنس يعم جميع الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء، و(الذكر) هو: أم الكتاب عند الله، وهذا اختيار الطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير.
المسألة الثانية: تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 4] :
ذكر بعض المفسرين في تفسير قول الله تعالى: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} أن المراد به: الزبور؛ ليتمم به ذكر الكتب الأربعة: القرآن، والتوراة، والإنجيل. وقيل: بل المراد به: القرآن، وقيل: بل جنس الكتب السماوية، وقيل غير ذلك[2]. والله أعلم.
المسألة الثالثة: حكم سب أو لعن الزبور:
يقال: «ليس لأحد أن يسب أو يلعن الزبور؛ بل من أطلق سبه أو لعنه فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وإن كان يعرف أنه منزل من عند الله، وأنه يجب الإيمان به؛ فهذا يقتل بشتمه له، ولا تقبل توبته ـ في أظهر قولي العلماء ـ. وأما إن لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس به في ذلك؛ فإنهم ملعونون هم ودينهم، وكذلك إن سب الزبور الذي عندهم بما يبين أن قصده ذكر تحريفه؛ مثل أن يقال: نسخ هذا الزبور مبدلة لا يجوز العمل بما فيها، ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة والمنسوخة فهو كافر؛ فهذا الكلام ونحوه حق لا شيء على قائله. والله أعلم»[3].
المسألة الرابعة: حكم النظر والاطلاع على الزبور:
لا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب عمومًا؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم غضب حين رأى مع عمر كتابًا أصابه من بعض أهل الكتاب، وقال: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟!» الحديث[4]، حتى وإن كانت مشتملة على الحق والباطل؛ لما في ذلك من ضرر فساد العقائد. اللَّهُمَّ إلا لمن كان متضلعًا بعلوم الكتاب والسُّنَّة، مع شدة التثبت وصلابة الدين والفطنة والذكاء؛ وكان ذلك للرد عليهم وكشف أسرارهم وهتك أستارهم[5].
المسألة الخامسة: حكم مس الزبور وحمله للمحدث:
يجوز عند الجمهور؛ لأنه ليس قرآنًا، والنص ورد في القرآن دون غيره، ثم هو مبدل منسوخ[6].
المسألة السادسة: حد أهل الكتاب، وهل يدخل فيهم: من لا يؤمن إلا بزبور داود؟
ويترتب على هذه المسألة مسائل أخرى؛ كأخذ الجزية منهم، ونكاح نسائهم، وحكم الوقف والوصية لهم، والحلف بالزبور: هل ينعقد به اليمين؟ إلى غير هذا من المسائل التي تراجع في مظانها من الكتب الفقهية.
المسألة السابعة: وجود الزبور:
كتاب الزبور الذي أنزل على نبي الله داود عليه السلام لا يوجد ما يدل على وجوده الآن، أما ما يعرف اليوم بمزامير داود النبي والتي هي موجودة ضمن الكتاب المقدس (العهد القديم) الذي يؤمن به كل من اليهود والنصارى ويستخدمانه في عبادتهما وصلواتهما اليومية والعامة، فهذا لا نستطيع أن نقطع بأنه الزبور الذي أنزل على داود عليه السلام؛ لأن العهد القديم تعرض للتحريف والتبديل من قبل اليهود؛ بل إن اليهود يعترفون بأن ما في العهد القديم اليوم هو من صياغة عزرا الكاهن.
[1] انظر: تفسير الطبري (16/433)، ومعالم التنزيل للبغوي (5/358)، وتفسير القرطبي (11/349)، والبحر المحيط لأبي حيَّان (6/318)، وتفسير ابن كثير (5/384)، والتحرير والتنوير (17/162).
[2] انظر: تفسير الرازي (7/132) [دار إحياء التراث العربي ببيروت]، والبحر المحيط (2/394)، وفتح القدير للشوكاني (1/525) [دار الوفاء بالمنصورة]، وروح المعاني للآلوسي (3/77) [طبعة إدارة الطباعة المنيرية بمصر].
[3] مجموع الفتاوى (35/200)، بتصرُّف. وكانت الفتوى عن التوراة ودين اليهود، والزبور له نفس الحُكْم. والله أعلم.
[4] أخرجه أحمد في مسنده (3/387) [مؤسسة قرطبة بمصر]، والدارمي في سننه (كتاب العلم، رقم 449)، وحسَّنه الألباني بشواهده انظر: إرواء الغليل (6/38) [المكتب الإسلامي ببيروت، ط2].
[5] راجع: فتح الباري لابن حجر (13/525)، وكشاف القناع للبهوتي (1/434) [دار الفكر ببيروت، 1402هـ]، ومطالب أولي النهى لمصطفى الرحيباني (1/607) [المكتب الإسلامي ببيروت، 1961م]، وفتاوى اللجنة الدائمة (3/433).
[6] راجع: المجموع شرح المهذب للنووي (2/70) [دار الفكر ببيروت]، وكشاف القناع (1/135).
ـ الفرق بين التوراة والزبور:
التوراة: هي الكتاب المنزل من الله عزّ وجل على نبيّه موسى عليه السلام، وألقاه إليه مكتوبًا في الألواح؛ ليكون لبني إسرائيل هدًى ونورًا.
أما الزبور: فهو الكتاب المنزل من الله عزّ وجل على نبيّه داود عليه السلام، بوحي منه سبحانه وتعالى.
والزبور مصدق للتوراة، متبع لها، ومتمم ومكمل لها ولمحاسنها، ومحيي لشريعتها؛ فليس هو شريعة مستقلة لبني إسرائيل.
وكان عامة الزبور حكم ومواعظ فيما قيل، وكانوا يتلقون الأحكام والشرائع من التوراة.
وهو أحد أسفار الكتاب المقدس عند اليهود، وضمن كتب العهد القديم عند النصارى، ويسمى عندهما: المزامير[1].
[1] انظر: تفسير البغوي (2/311، 5/100) [دار طيبة، ط4، 1417هـ]، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/17) [دار إحياء التراث العربي، 1405هـ]، ومجموع الفتاوى (17/45، 19/184)، والجواب الصَّحيح لمَن بدَّل دين المسيح لابن تيمية (2/351، 415، 5/351) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ]، وتفسير ابن كثير (2/469)، والبداية والنهاية (2/15)، وفتح الباري (6/455) [دار المعرفة ببيروت، 1379هـ].
يسمي اليهود والنصارى كتاب داود عليه السلام بمزامير داود، أو كتاب المزامير، ويعتقدون أنه من الكتب المقدسة، مع اعترافهم أن هذه المزامير كتبت من قبل كُتّاب عبرانيون، وقد صاغوه على شكل مجموعة من الأشعار الدينية الملحنة، وغرضها تمجيد الله وشكره، ويسمى في العبرية: كتاب الحمد، ويقسمونه إلى خمسة أقسام؛ تحت كل قسم عدة مزامير، وغالبها لا يعرف كاتبها، وهذه المزامير وإن كان كُتَّابها عبرانيون؛ إلا أنها تحتل مقامًا بارزًا عند النصارى ويستعملونها في صلواتهم[1].
[1] انظر: مقدمة المزامير في الكتاب المقدس، وقاموس الكتاب المقدس (361 ـ 366، و430 ـ 433) [دار الثقافة، القاهرة، ط11]، موسوعة الكتاب المقدس (148 ـ 149) [دار منهل الحياة ـ لبنان].
1 ـ «إظهار الحق»، لمحمد رحمت الله الهندي.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج2)، لابن كثير.
3 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج2)، لابن كثير.
4 ـ «الجواب الصحيح» (ج2، 5)، لابن تيمية.
5 ـ «دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية»، لسعود الخلف.
6 ـ «الرسل والرسالات»، لعمر سليمان الأشقر.
7 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز الحنفي.
8 ـ «فتح الباري» (ج6)، لابن حجر.
9 ـ «الفكر الديني اليهودي»، لحسن ظاظا.
10 ـ «مجموع الفتاوى» (ج17، 19)، لابن تيمية.