هو: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو عبد الله، حواري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمته. أمه صفية بنت عبد المطلب[1].
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد (3/73) [دار الكتب العلمية، بيروت]، والمعجم الكبير للطبراني (1/118) [مكتبة ابن تيمية]، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (2/510) [دار الجيل، بيروت، ط1]، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (2/553) [دار الجيل، بيروت، ط1].
ذكر أهل العلم أن الزبير وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وُلدا في سنة واحدة[1]، ومعلوم أن علي بن أبي طالب ولد في العام العاشر قبل البعثة النبوية[2].
وقتل الزبير بن العوام رضي الله عنه في يوم الخميس لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة، سنة ست وثلاثين هجرية في وادي السباع، غدرًا بيد عمير بن جرموز[3]، وذلك بعد اعتزال الزبير عن القتال في معركة الجمل، التي وقعت بينه ومعه عائشة وطلحة رضي الله عنهم ومن معهم من جهة، وبين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الجهة الأخرى.
وروى ابن سعد بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما «أنه أتى الزبير فقال: أين صفية بنت عبد المطلب حيث تقاتل بسيفك علي بن أبي طالب بن عبد المطلب؟ قال: فرجع الزبير فلقيه ابن جرموز فقتله. فأتى ابن عباس عليًّا فقال: إلى أين قاتل ابن صفية؟ قال علي: إلى النار»[4].
وهناك سبب آخر في اعتزاله القتال ذكره الحافظ ابن حجر ـ وغيره ـ بقوله: «وكان قتل الزبير بعد أن انصرف يوم الجمل بعد أن ذكره علي، فروى أبو يعلى[5] من طريق أبي جرو المازني قال: شهدت عليًّا والزبير توافيا يوم الجمل، فقال له علي: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنك تقاتل عليًّا وأنت ظالم له؟» قال: نعم، ولم أذكر ذلك إلى الآن، فانصرف»[6]. وهذا إن صح فيمكن أن يقال: اجتمع السببان فاعتزل القتال.
وجاء قاتله يستأذن للدخول إلى علي، لعله يجد عنده عطية على ذلك، فكانت بئس العطية، حيث بشر بالنار ومنع من الدخول إليه، فقد روى الإمام أحمد بإسناده عن زر بن حبيش قال: «استأذن ابن جرموز على علي رضي الله عنه وأنا عنده، فقال علي رضي الله عنه: بشر قاتل ابن صفية بالنار. ثم قال علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن لكل نبي حواريًّا، وحواري الزبير»[7].
[1] انظر: سير أعلام النبلاء (1/44) [مؤسسة الرسالة].
[2] انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/564).
[3] انظر: طبقات ابن سعد (3/82)، والمعارف لابن قتيبة (209) [الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2]، وسير أعلام النبلاء (1/61).
[4] طبقات ابن سعد (3/81)، وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في الإصابة (2/557).
[5] في مسنده (2/29) [دار المأمون للتراث، دمشق، ط1]، وقال المحقق: «إسناده ضعيف جدًّا». ولكن الحديث المذكور بلفظ: «لتقاتلنه وأنت ظالم له» ، أخرجه الحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 5575)، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2659).
[6] الإصابة في تمييز الصحابة (2/557).
[7] أخرجه أحمد (2/99) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 5580) وصحَّحه. والمرفوع منه: أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 2846)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2415)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
أسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه وهو حدث له اثنتا عشرة سنة[1]، وقيل: ثماني سنين[2]، وقيل: ابن خمس عشرة[3]، وقيل: ابن ست عشرة سنة[4]، وكان عمه يعذبه لإسلامه، فكان «يعلقه في حصير ويدخن عليه ليرجع إلى الكفر فيقول: لا أكفر أبدًا»[5]، وهو أول من سلّ سيفًا في سبيل الله كما قال عروة[6]، ولم يفارق النبي صلّى الله عليه وسلّم منذ أن أسلم[7]، وشهد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم بدرًا والمشاهد كلها، وثبت في أُحد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبلى فيها بلاءً حسنًا[8].
[1] انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/511)، والإصابة في تمييز الصحابة (2/553).
[2] انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (2/553)، وسير أعلام النبلاء (1/41).
[3] الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/510).
[4] انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/511)، وسير أعلام النبلاء (1/41).
[5] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/122) [مكتبة ابن تيمية، ط2] من قول أبي الأسود المدني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/212) [دار الفكر، بيروت]: «رواه الطبراني ورجاله ثقات، إلا أنه مرسل»، وذكره ابن حجر في الإصابة (2/554).
[6] رواه الطبراني في المعجم الكبير (1/119)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/211) وقال: «رجاله ثقات». وانظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/511).
[7] انظر: سير أعلام النبلاء (1/43 ـ 44).
[8] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/77).
ـ أنه رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، كما جاء من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»[1].
ـ أنه حواري النبي صلّى الله عليه وسلّم لما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه؛ أنه قال: «ندب النبي صلّى الله عليه وسلّم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير ثلاثًا، فقال: لكل نبي حواري وحواري الزبير»[2].
ـ شهادة النبي صلّى الله عليه وسلّم له بالشهادة، كما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان على جبل حراء فتحرك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» وعليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم»[3].
ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع أبويه يوم الخندق فداء للزبير كما ثبت من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: «كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثًا، فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف، قال: أَوَهل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم. قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟» فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبويه فقال: فداك أبي وأمي»[4].
[1] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3747)، وأحمد (3/209) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 7002)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 50) [المكتب الإسلامي].
[2] أخرجه البخاري (كتاب أخبار الآحاد، رقم 7261)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2415).
[3] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2417).
[4] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3720)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2416).
مما يدلُّ على سمو منزلته ورفعة شأنه: أنه أحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب الأمر شورى بينهم، والذين توفي رسول الله وهو عنهم راض، وأنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، ومن المهاجرين الأولين، فقد هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين، وهاجر إلى المدينة النبوية[1].
[1] انظر: طبقات ابن سعد (3/73)، والإصابة في تمييز الصحابة (2/557).
ـ خروجه إلى البصرة وما تلاه من الاقتتال بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
خرج الزبير رضي الله عنه مع من خرج إلى البصرة بقصد الإصلاح، ولكن تحولت الأمور إلى ما لم يكن في الحسبان، وحصل القتال، ثم اعتزل القتال لمّا وصل البصرة؛ حيث لقيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذكَّره بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم قائلاً: «يا زبير، نشدتك بالله أتذكر يوم مرَّ بك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن في مكان كذا وكذا؟ فقال: «يا زبير، تحب عليًّا؟» فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني، فقال: «يا علي، أتحبه؟» ، فقلت: يا رسول الله، ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني، فقال: «يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم» قال: بلى، والله لقد نسيته منذ سمعته من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير، فقال: ما لك؟ فقال: ذكرني علي حديثًا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعته يقول: «لتقاتلنه وأنت له ظالم» فلا أقاتله. قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت تصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر»[1]. وهكذا لم يكن هو ولا غيره ممن كان معه يسعى إلى الاقتتال[2]؛ ولذا يعبر الإمام الذهبي عن هذه الحقيقة فيقول عن عائشة وطلحة ومن معهما: «إنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار، رضي الله عن الجميع»[3].
وأما ما رواه الحاكم بسنده عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، قال: «شهدت عليًّا والزبير، لما رجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله، فقال: ما لك؟ فقال: ذكر لي علي حديثًا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لتقاتلنه وأنت ظالم له» فلا أقاتله، قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر بك، قال: قد حلفت أن لا أقاتل، قال: فأعتق غلامك جرجس وقف حتى تصلح بين الناس، قال: فأعتق غلامه جرجس ووقف فاختلف أمر الناس، فذهب على فرسه»[4]. فهذه القصة غير ثابتة، وإنما الثابت الحديث المرفوع فيها فقط[5]. وقال الألباني بعد بحث مستفيض في طرق الحديث والقصة: «وبالجملة، فحديث الترجمة صحيح عندي لطرقه كما تقدم، دون قصة عبد الله بن الزبير مع أبيه»[6].
[1] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (6/414) [دار الكتب العلمية، ط1].
[2] وانظر: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين لمحمد أمحزون (2/14 ـ 21) [مكتبة الكوثر، ط1، 1415هـ].
[3] سير أعلام النبلاء (2/193).
[4] أخرجه الحاكم في المستدرك (كتاب معرفة الصحابة، رقم 5575).
[5] انظر: السلسلة الصحيحة (رقم 2659).
[6] السلسلة الصحيحة (6/343).
ـ الروافض:
تشبث الروافض بما حصل في موقعة الجمل بين علي بن أبي طالب ومن معه من جهة، وبين الزبير وطلحة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم ومن معهم من جهة أخرى، لرميهم بكل قبيح وسوء، حيث اعتبروهم من المنتكسين وأعداء الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأنهم كفار مرتدون وفي النار مخلدون، واستباحوا لعنهم، وذكر المفيد اتفاق طائفته على هذا، حيث قال في حديثه عن محاربي علي: «واتفقت الإمامية والزيدية والخوارج على أن الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين، وأنهم بذلك في النار مخلدون»[1].
وقال الكركي: «ومن رؤساء أعداء أمير المؤمنين: الزبير بن العوام القرشي من بني أسد، وقد كان في أول أمره محبًّا لأمير المؤمنين، ثم انتقل على عداوته ونكث بيعته، ومحاربته يوم الجمل مع عائشة بنت أبي بكر أخت زوجته أسماء بنت أبي بكر، وتحريض الناس من أهل البصرة وغيرهم على حربه وقتله شيء لا يمكن إخفاؤه ولا إستاره. ووافقه في ذلك راعي ابنه الرجس النجس الخبيث اللعين عبد الله، وفي الحقيقة هو عدو الله وعدو رسوله وعدو أهل بيته، ولا يستحي من ذلك ولا يستره ولا يداحي فيه، ولا يداهن به، ولم يزل مُجدًّا في ذلك إلى أن قتل في أيام بني مروان فلعنة الله على القاتل والمقتول»[2]. ومما احتجوا به على موت الزبير رضي الله عنه في عداوة علي ما ذكره المفيد من أن عليًّا رضي الله عنه: «لما رأى رأس الزبير وسيفه قال: ناولني السيف، فناوله فهزه وقال: سيف طالما قاتل به بين يدي رسول الله، ولكن الحين[3] ومصارع السوء، ثم تفرس في وجه الزبير وقال: لقد كان لك برسول الله صحبة، ومنه قرابة، ولكن دخل الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد»[4].
قال علي بن يونس العاملي معلقًا على هذا الكلام: «ولو كان تائبًا لم يكن مصرع سوء»[5].
والحقيقة: أن الإحاطة بجميع أكاذيب وطعون الرافضة في الصحابة بصفة عامة والمشاركين منهم في موقعة الجمل؛ كالزبير وطلحة وعبد الله بن الزبير وغيرهم بصفة خاصة أمر غير ممكن في مثل هذا البحث؛ لذا من أراد التوسع فعليه بالرجوع إلى المصادر المختصة في ذلك[6].
[1] أوائل المقالات للمفيد (43) [المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ط1].
[2] رسائل الكركي (2/229) [مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قُم، ط1].
[3] أي: الهلاك، انظر: بحار الأنوار للمجلسي (32/200).
[4] الجمل للمفيد (209) [مكتبة الداوري]، وانظر: الصراط المستقيم للعاملي (3/173) [المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية].
[5] الشافي في الإمامة للمرتضى (4/331).
[6] انظر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة لعبد القادر محمد عطا صوفي (1124 ـ 1190).
لا شكَّ أن ما يدعيه الروافض من تكفير هؤلاء الأخيار وما يلصقونه بهم من تهم لهو محض تخرص، دافعه عقيدة الإمامة والبغضاء والحقد في هؤلاء الصحابة ظلمًا وجورًا، مكذبين بذلك ثناء الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم على هؤلاء الأخيار، فقد تقدم أن الزبير هو أحد المبشرين بالجنة، وكذا طلحة وعائشة رضي الله عنهم، فكيف يبشر الله الكفار بالجنة، وكيف يخفى حالهم على علاَّم الغيوب، ثم إن ما حصل بينهم لم يكن بسبب تكفير أحدهم الآخر، وإنما كان لكلٍّ منهم هدف وغاية حميدة، ولكن تطورت الأمور إلى ما لم يكن في الحسبان فصار قتال فتنة، وكانوا مجتهدين لهم أجر الاجتهاد، ولا أدلُّ على ذلك من منع أمير المؤمنين بعد انتصاره عليهم من سبيهم، والإجهاز على جريحهم؛ بل وندمه على حصول القتال بينهم، وأنه تمنى أن يكون قد مات قبل هذا القتال بعشرين سنة، كما رواه ابن عساكر بسنده عن طلحة بن مصرف: «أن عليًّا رضي الله عنه انتهى إلى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وقد مات، فنزل عن دابته وأجلسه، فجعل يمسح الغبار عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه، ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة»[1].
ومما يبطل أيضًا هراء الروافض بتكفير الزبير ودعوى تخليده في النار، ما جاء عن علي نفسه من بكائه على الزبير، ورفضه استقبال قاتله، وتبشيره بنار الحجيم، وقد سبق بيانه، وتأويل الروافض لامتناع علي من استقبال قاتل الزبير وتبشيره بالنار؛ لأجل غدره به[2] تأويل متكلف ممجوج.
وأما إصرار الروافض على أن الزبير لم يعتزل القتال، وأن ابنه نصحه بأن يكفِّر ويقاتل، ففعل وقاتل حتى مات في أرض المعركة، فهو مبني على رواية غير صحيحة كما هو شأنهم في كل ما ينسبونه إلى علي من الروايات المكذوبة، ومعلوم أن ما بني على فاسد فهو فاسد.
والعجيب في روايات الروافض أنها إما أكاذيب محضة، وهو الغالب فيها، أو فيها حق لكنه ممزوج بما يفسده من الأكاذيب، فانظر ـ مثلاً ـ إلى ما تقدم إيراده عن المفيد عن علي رضي الله عنه أنه قال: «سيف طالما قاتل به بين يدي رسول الله»[3]، فهذا فيه مدح للزبير رضي الله عنه[4]، وهو حق فقد كان رضي الله عنه يدافع عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكن انظر إلى ما ألحقه به من الكذب عليه وهو قوله: «ولكن الحين ومصارع السوء، ثم تفرس في وجه الزبير وقال: لقد كان لك برسول الله صحبة، ومنه قرابة، ولكن دخل الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد»[5].
[1] تاريخ دمشق لابن عساكر (25/115) [دار الفكر].
[2] انظر: الفصول المختارة للشريف المرتضى (145).
[3] الجمل للمفيد (209)، وانظر: الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (3/173).
[4] انظر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة (1187).
[5] الجمل للمفيد (209)، وانظر: الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (3/173).
1 ـ «الطبقات الكبرى» (ج3)، لابن سعد.
2 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
3 ـ «صحيح تاريخ الطبري (الخلافة الراشدة)» (ج3)، تحقيق: محمد طاهر ومحمد صبحي حلاق.
4 ـ «المعجم الكبير» (ج1)، للطبراني.
5 ـ «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج2)، لابن عبد البر.
6 ـ «سير أعلام النبلاء» (ج1)، للذهبي.
7 ـ «الإصابة في تمييز الصحابة» (ج2)، لابن حجر.
8 ـ «موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة»، لعبد القادر محمد عطا صوفي.
9 ـ «رسائل الكركي» (ج2).
10 ـ «الجمل»، للمفيد.