قال ابن فارس: «السين والهمزة واللام كلمةٌ واحدةٌ. يقال: سأل يسأل سؤالاً ومَسْأَلةً. ورجل سُؤَلةٌ: كثير السؤال»[1]. والسؤْل ما يسأله الإنسان، وأسْألته سُؤْلته ومَسألته؛ أي: قضيت حاجته[2]. وسألته الشيء بمعنى استعطيته إياه[3].
[1] مقاييس اللغة (3/124).
[2] انظر: الصحاح (5/1723) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ].
[3] انظر: لسان العرب (11/319) [دار صادر].
لفظ السؤال بالشخص والتوجه به، والتوسل به، فيه إجمال واشتراك، غلط بسببه من لم يفهم معناه: فإن أريد به التسبب به لكونه داعيًا وشافعًا، وهذا يكون في حياته، أو لكون الداعي محبًّا له، مطيعًا لأمره، مقتديًا به، وذلك أهل للمحبة والطاعة والاقتداء، فيكون التسبب إما بمحبة السائل له واتباعه له، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته، فهذا النوع جائز. أو يراد به الإقسام به والتوسل بذاته، وهذا محرم وغير جائز. وكذلك السؤال بالشيء، قد يراد به المعنى الأول وهو التسبب به، لكونه سببًا في حصول المطلوب، وقد يراد به الإقسام[1].
وقد نصَّ غير واحد من أهل العلم على أنه لا يجوز سؤال الله بالأنبياء والصالحين[2]، وأن سؤال الله بشيء من المخلوقات من أعظم البدع المنكرة في دين الإسلام، ومما يظهر قبحه للخاص والعام[3]، وهو الذي يقصد به السؤال بالذات، والحق والجاه.
[1] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/793 ـ 794، 782) [مكتبة الرشد، ط3، 1411هـ]، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (1/299) بتصرف [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] انظر: الرد على البكري (1/260) [مكتبة الغرباء الأثرية، ط1، 1417هـ].
[3] انظر: مجموع الفتاوى (1/290) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ].
قال شيخ الإسلام: «قال أبو حنيفة رحمه الله: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: أسألك بمعقد العز من عرشك، أو بحق خلقك، قال أبو يوسف: بمعقد العز من عرشه، هو الله، فلا أكره هذا، وأكره بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت والمشعر الحرام، بهذا الحق يكره. قالوا جميعًا، فالمسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، فلا يجوز أن يسأل بما ليس مستحقًّا»[1].
[1] اقتضاء الصراط المستقيم (2/782)، وانظر: إغاثة اللهفان (1/216 ـ 217) [مكتبة الرياض الحديثة]، وبدائع الصنائع للكاساني (5/126) [دار الكتاب العربي، 1982م]، والبحر الرائق لابن نجيم (8/235) [دار المعرفة].
المسألة الأولى: السؤال بمعقد العز من عرش الرحمن أهو سؤال بمخلوق أم بالخالق؟
فيه نزاع بينهم، وقد كرهه أبو حنيفة، وأجازه أبو يوسف للأثر فيه: «أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم وجدك الأعلى، وكلماتك التامة»[1] فجوَّزه لذلك، وقال: بمعقد العز من عرشه، هو الله، فلا أكره هذا[2]، وهذا الأثر باطل لا يصح[3]، كما أن لفظه موهم، وعليه فيكره هذا اللفظ.
المسألة الثانية: تعليل النهي عن السؤال بالحق والجاه هو لعدة أمور:
الأول: أنه بدعة ضلالة في عبادة هي من أعظم العبادات، ألا وهي الدعاء؛ لأن هذا النوع من التوسل لم يعهد في الكتاب والسُّنَّة، ولم يفعله أحد من الصحابة والتابعين ولا إمام من أئمة الأمة.
الثاني: أنه ذريعة كبيرة لفتح باب الشرك بمصراعيه، فيجب سدها حماية لحمى التوحيد[4].
الثالث: أن الداعي إذا قال: أسألك بحق فلان، لم يسأل الله باتباعه لذلك الشخص، ومحبته وطاعته؛ بل بنفس ذاته، وما جعله له ربه من الكرامة، فهو لم يسأله بسبب يوجب المطلوب، بخلاف التوسل والتوجه إلى الله وسؤاله بالأعمال الصالحة التي أمر بها؛ كدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار بأعمالهم الصالحة[5]، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم، فهذا مما لا نزاع في جوازه[6].
[1] أخرجه البيهقي في الدعوات الكبير (2/18) [مؤسسة غراس، ط1]، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وحكم ابن الجوزي بوضعه. انظر: الموضوعات (2/142) [المكتبة السلفية، ط1].
[2] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/782 ـ 783)، وحاشية ابن عابدين (6/396) [دار الفكر، 1421هـ].
[3] انظر: حاشية ابن عابدين (6/396)، ونصب الراية للزيلعي (4/272 ـ 273) [مؤسسة الريان، ط1].
[4] انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية للأفغاني (3/1484 ـ 1485) بتصرف.
[5] أخرجه بتمامه البخاري في عدة مواضع، منها: (كتاب الإجارة، رقم 2272)، ومسلم (كتاب الرقاق، رقم 2743).
[6] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/786)، ومجموع الفتاوى (1/220، 287 ـ 288) بتصرف.
استدلَّ القائلون بجواز السؤال بحق فلان وجاه فلان، بآثار وأقوال عن بعض أهل العلم؛ ولكن ليس في المنقول عن النبي صلّى الله عليه وسلّم شيء صريح صحيح ثابت، وأما النقل عن من ليس قوله حجة فبعضه ثابت، وبعضه ليس بثابت. والحديث الذي استدلوا به عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال حين يخرج إلى الصلاة اللَّهُمَّ إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي، فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكَّل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته» [1]. وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم، وقد روي من طريق آخر وهو ضعيف أيضًا. ولفظه لا حجة فيه؛ فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق العابدين أن يثيبهم، وهو حق أحقه الله سبحانه وتعالى على نفسه الكريمة، بوعده الصادق باتفاق أهل العلم، وبإيجابه على نفسه في أحد أقوالهم[2].
[1] أخرجه ابن ماجه (كتاب المساجد والجماعات، رقم 778)، وأحمد (17/247) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وضعفه النووي في الأذكار (30) [دار الفكر، 1414هـ]، وابن تيمية في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (233) [مكتبة الفرقان، ط1]، والبوصيري في مصباح الزجاجة (1/98) [دار العربية، ط2]، والألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 24).
[2] انظر: مجموع الفتاوى (1/288).
1 ـ «أحكام المسألة والاستجداء في الفقه الإسلامي»، لمحمد بلو الخياط.
2 ـ «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2)، لابن تيمية.
3 ـ «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية»، لشمس الدين الأفغاني.
4 ـ «حاشية ابن عابدين» (ج6).
5 ـ «الرد على البكري»، لابن تيمية.
6 ـ «الضوابط الشرعية لسؤال المخلوق»، لعبد الله الغطيمل [بحث منشور].
7 ـ «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة»، لابن تيمية.
8 ـ «مجموع الفتاوى» (ج1)، لابن تيمية.