حرف السين / السَّاعة

           

الساعة: جزء من أربع وعشرين جزءًا من الليل والنهار والجمع ساعات وساع، أو هي جزء قليل من النهار أو الليل، يقال: جلست عندك ساعة من النهار؛ أي: وقتًا قليلاً منه، ثم استعير لاسم يوم القيامة[1].


[1] انظر: الصحاح (4/368) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، والقاموس المحيط (944) [دار الفكر، ط3]، ولسان العرب (8/169) [دار صادر، ط3، 1414هـ]، والنهاية في غريب الحديث والأثر (2/133) [دار الفكر].


الساعة: الوقت الذي يأذن الله فيه بنفختي الصور للإفناء والإنشاء.
قال الزجاج: «الساعة اسم للوقت الذي يصعق فيه العباد، وللوقت الذي يبعثون فيه وتقوم فيه القيامة»[1].
والمراد بالساعة يوم القيامة، وسميت الساعة لقربها، أو لأنها تأتي بغتة[2].
قال الزجاج: «معنى الساعة في كل القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة، يريد أنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم فلقلة الوقت التي تقوم فيه سماها ساعة»[3].


[1] انظر: المحكم والمحيط (2/305)، وزاد المسير لابن الجوزي (3/37)، ولسان العرب (8/169).
[2] انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/70).
[3] انظر: لسان العرب (8/169).


سميت ساعة؛ لأَنها تقع بغتة، «تَفْجَأُ الناس في ساعة، فيموت الخلق كلهم عند الصيحة الأولى التي ذكرها الله عزّ وجل، فقال: {إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ *} [يس] »[1]، وقيل: سميت بذلك؛ لقلة الوقت الذي تقوم فيه[2]، أو لسرعة الحساب فيها؛ أو لأنها عند الله خفيفة مع طولها على الناس[3].


[1] لسان العرب (8/169)، وانظر: تاج العروس للزبيدي (21/242) [دار الهداية].
[2] النهاية في غريب الحديث والأثر (2/133).
[3] انظر: عمدة القاري (33/334)، وفتح الباري لابن حجر (18/374) [دار الفكر].


الإيمان بالساعة واجب، وقد ورد ذكرها في القرآن (48) مرة.



قال تعالى في الساعة التي بها الإفناء: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ *} [الزخرف] ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الساعة تأتيهم بغتة، جاء موضّحًا في مثل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [الأعراف: 187] .
وقد جاءت السُّنَّة موضحة لذلك أيضًا في غير ما حديث؛ كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته، فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه، فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه، فلا يطعمها» [1]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء»[2].
وقال تعالى في الساعة التي بها الإنشاء: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] ، وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ *} [الروم] ؛ أي: «ويوم تجيء الساعة التي فيها يفصل الله بين خلقه، وينشر فيها الموتى من قبورهم، فيحشرهم إلى موقف الحساب، {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ *}، يقول: ييأس الذين أشركوا بالله، واكتسبوا في الدنيا مساوئ الأعمال من كلّ شرّ، ويكتئبون ويتندمون»[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6506) واللفظ له، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2954).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الفتن، رقم 7067) واللفظ له، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2949).
[3] تفسير الطبري (20/80) [دار الكتب العلمية، ط1، 1412هـ].


يقسّم العلماء الساعات التي هي القيامة إلى ثلاثة أقسام: كبرى، ووسطى، وصغرى.
أما الساعة الكبرى: فهي بعث الناس للمحاسبة، وهي التي أشار إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن، حتى يظهر الفحش والتفحش، وقطيعة الأرحام، وسوء الجوار»[1].
وأما الساعة الوسطى: فهي موت أهل القرن الواحد، وذلك نحو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة»[2].
وأما الساعة الصغرى: فهي موت الإنسان، فساعة كل إنسان موته، كذا قاله المغيرة بن شعبة وغيره[3].


[1] أخرجه أحمد (11/458) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب الفتن والملاحم، رقم 8566) وصحَّحه، وقال الهيثمي: «رواه أحمد في حديث طويل، وأبو سبرة [أحد رواة الحديث]... قال أبو حاتم: مجهول». مجمع الزوائد (7/284) [مكتبة القدسي]، لكن أورد له الألباني طرقًا أخرى، وقواه بها في السلسلة الصحيحة (5/361).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6511)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2953).
[3] انظر: مفردات ألفاظ القرآن (1/512) [دار القلم، ط2، 1418هـ]، وتاج العروس (21/242)، وفتح الباري (11/364).


المسألة الأولى: علم الساعة من الغيب الذي استأثر الله تعالى به:
الساعة من المغيبات التي استأثر الله تعالى بعلمها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] ، وقال سبحانه: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا *} [الأحزاب] .
وفي حديث جبريل عليه السلام، لما سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن وقت قيام الساعة قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها»[1].
المسألة الثانية: إبطال دعاوى معرفة وقت الساعة:
وبذا يُعلم بطلان جميع الدعاوى التي تحدد وقت الساعة، أو التي تزعم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم علم بوقتها، أو تلك التي تحدد عمر الدنيا نحو حديث: «الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا في آخرها ألفًا» [2]، وحديث: «الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة»[3].
فهي باطلة، وقد حكم عليها الحافظ ابن كثير حكمًا عامًّا إذ قال: «كل حديث ورد فيه تحديد وقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده»[4].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 50)، ومسلم كتاب الإيمان، رقم 9)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه الطبراني في الكبير (8/361) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/214) [إدارة العلوم الأثرية، ط2]: «لا يصح»، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/184) [مكتبة القدسي]: «فيه سليمان بن عطاء القرشي، وهو ضعيف»، وقال ابن حجر في الفتح (11/351) [دار المعرفة]: «سنده ضعيف جدًّا...، وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة»، وإلى ذلك أشار ابن القيم في المنار المنيف (80) [مكتبة المطبوعات الإسلامية، ط2، 1403هـ]، وحكم بوضعه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 3013).
[3] أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (3/243) [المكتبة السلفية، ط1]، وحكم عليه بالوضع.
[4] النهاية في الفتن والملاحم (1/12)، وانظر: فتح الباري (11/358).


1 ـ من آثار العلم بقرب الساعة وثبوتها الاستعداد ليوم المعاد، والتزود من الطاعات، والبعد عن معاصي الله تعالى.
2 ـ الصبر على ما يصيب المرء من شدة وبؤس في هذه الدنيا، والصبر على ما فاته منها، وليعلم يقينًا أنها فانية وزائلة، وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه العبد على كل صغيرة وكبيرة.



1 ـ «الإشاعة لأشراط الساعة»، للبرزنجي.
2 ـ «رسائل الآخرة» (ج3)، للعبيدي.
3 ـ «عمدة القاري» (ج33)، للعيني.
4 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر.
5 ـ «مجموع الفتاوى» (ج4)، لابن تيمية.
6 ـ «النهاية في غريب الحديث» (ج2)، لابن الأثير.
7 ـ «لوامع الأنوار البهية»، للسفاريني.