حرف السين / الساق

           

السّاق في اللغة: من السَّوَق وهو اسم للعضو الموجود بين الكعب والركبة، ويجمع: سُوق وسيقان، وإنما سميّت بذلك لأن الماشي ينْساق عليها، يقال: امرأة سوقاء، ورجلٌ أسوقُ إذا كان عظيم الساق، والساق يكون للإنسان وغيره[1].


[1] انظر: مقاييس اللغة (3/117) [دار الجيل]، القاموس المحيط (1156) [دار إحياء التراث العربي، ط1].


السّاق: صفة ذاتية خبرية ثابتة لله تعالى، على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تمثيل لها بساق المخلوقات، ولا تكييف، ولا تأويل ينفي معناها.



يجب إثبات هذه الصفة لله عزّ وجل كما أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.



عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا»[1].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فيقولون يكشف عن ساقه، قال: فعند ذلك يكشف عن ساقه، فيخر كل من كان بظهره طبق، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر، يريدون السجود فلا يستطيعون»[2].
وقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ *} [القلم] .
وجه الدلالة من الآية على صفة الساق غير ظاهر لعدم إضافة الساق إلى الله عزّ وجل، ووروده نكرة في سياق الإثبات، لكن من استدل بها على إثبات الساق علل بما يلي:
أ ـ أن الله تعالى أخبر بأنه يكشف عن ساق، ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله عزّ وجل، فعُلم أنه هو الكاشف عن ساقه[3].
ب ـ أن تنكير الساق في الآية للتعظيم والتفخيم؛ كأنه قال: يكشف عن ساقٍ عظيمة جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه[4].
ج ـ أنه قد ورد إثبات صفة الساق صراحة في السُّنَّة، والسُّنَّة تفسِّر القرآن وتبينه، وهو حديث أبي سعيد الخدري السابق.
وعلى كلّ حال فقد اختلف الصحابة والتابعون في المقصود بالساق في الآية الكريمة.
ذهب ابن عباس وقتادة وعكرمة ومجاهد وغيرهم أن المقصود هو الكشف عن الشدة والكرب يوم القيامة، وذهب عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وغيرهم أن المقصود هو الكشف عن ساق الله فجعلوا الآية من آيات الصفات[5].
ويجدر التنبيه إلى أن اختلاف الصحابة لم يكن في إثبات الصفة بل كان في بيان المقصود بالآية فقط، وقد رجّح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدم دلالة الآية على الصفة إلا بدليل آخر فقال: «ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر»[6]. وقد ورد هذا الدليل في السُّنَّة ولله الحمد.


[1] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4919).
[2] أخرجه عبد الله بن أحمد في السُّنَّة (2/520) [دار ابن القيم، ط1]، والطبراني في الكبير (9/357) [مكتبة العلوم والحكم، ط2، 1404هـ]، وصحَّحه المنذري في الترغيب والترهيب (4/213) [دار الكتب العلمية، ط1]، والألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 3591) [مكتبة المعارف، ط5].
[3] انظر: شرح كتاب التوحيد للغنيمان (2/104) [ط1، 1402هـ].
[4] الصواعق المرسلة (1/253) [دار العاصمة، ط3].
[5] انظر أقوالهم في هذه المسألة في: تفسير الطبري (23/559) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والرد على الجهمية لابن منده (16 ـ 18) [المكتبة الأثرية]، الأسماء والصفات للبيهقي (2/183) [مكتبة السوادي، ط1]. وأسانيدها ثابتة.
[6] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6/394 ـ 395)، ونحو هذا قال ابن القيم في الصواعق (1/252).


قال أبو يعلى في قوله : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم] : «وهذا أيضًا غير ممتنع إضافة الساق إليه، وإثبات ذلك صفة لذاته»[1].
وقال السعدي في تفسيره للآية السابقة: «أي: إذا كان يوم القيامة، وانكشف فيه من القلاقل والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذ يدعون إلى السجود لله»[2].
وقال ابن عثيمين: «فإن سياق الحديث يجاري سياق الآية تمامًا، فتُحمل الآية على ما جاء في الحديث، وتكون إضافتنا الساق لله في الآية بناء على الحديث، ومن المعلوم أن الحديث يفسر القرآن، وبهذا تكون القاعدة مطردة ليس فيها نقص»[3].


[1] إبطال التأويلات (1/159) [دار إيلاف، الكويت].
[2] تفسير السعدي (881) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[3] شرح العقيدة السفارينية لابن العثيمين (263) [مدار الوطن، ط1، 1426هـ].


خالف عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وأنكروا إثبات صفة الساق لله تعالى كما يليق بجلاله سبحانه، وأنكروا النصوص الواردة في إثباتها، وأوَّلوا الساق بمعنى: نورٌ عظيم، أو ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والألطاف؛ بل ذهب بعضهم إلى أن الساق مخلوقٌ جعله الله تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة وغيرها من التأويلات الباطلة التي يجب أن ينزه عنها كلام العقلاء فضلاً عن كلام الله وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم[1].
ولا يُخفى بطلان هذه الأقوال ومخالفتها للنص الصريح، وإن قيل بأن الآية ليست صريحة في إثبات الصفة، لكن السُّنَّة صرحت بذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «فيكشف عن ساقه» وهذا لا يحتمل إلا ثبوت صفة الساق حقيقة لله تعالى، فنثبتها كما أثبتها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غير تكييف لها بساق المخلوق، ولا تأويل يخرجها عن دلالتها.


[1] انظر: شرح النووي على مسلم (3/28) [دار إحياء التراث، ط2]، وفتح الباري لابن حجر (13/428) [دار المعرفة، ط1379هـ].


1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «الرد على الجهمية»، لابن منده.
3 ـ «شرح العقيدة السفارينية»، لابن العثيمين.
4 ـ «شرح صحيح مسلم»، للنووي.
5 ـ «شرح كتاب التوحيد»، للغنيمان.
6 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمد أمان الجامي.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «الصواعق المرسلة»، لابن القيِّم.
9 ـ «إبطال التأويلات»، لأبي يعلى الفراء.
10 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.