السب في اللغة: مصدر سببته سبًّا، وهو الشتم والتقبيح والذم، ويدخل في ذلك اللعن والتنقص، وما أشبه ذلك[1].
والريح هي: الهواء الذي يصرفه الله عزّ وجل، وجمعه رياح وأرواح، قال الليث: «الرَّيح ياؤُها واوُ صُيِّرت ياءً؛ لانكسار ما قبلها، قال: وتصغيرها رُوَيحةُ، وجمعها رياح وأرواح»[2].
والرِّيحُ: مؤنثة على الأكثر، فيقال: هي (الرِّيحُ)، وقد تذكر على معنى الهواء، فيقال: هو (الرِّيحُ)، وهبّ (الرِّيحُ)، قال ابن الأنباري: «الرِّيحُ مؤنثة لا علامة فيها، وكذلك سائر أسمائها، إلا الإعصار فإنه مذكر»[3].
[1] انظر: لسان العرب (1/456) [دار صادر، ط3].
[2] تهذيب اللغة (2/177)، وانظر: لسان العرب لابن منظور (2/455) [دار الفكر، ط1، 1410هـ].
[3] انظر: المصباح المنير (244).
هو ذمها عند رؤية ما يُكره منها، ويرجع في الحقيقة إلى أذية الله ؛ لأن الله هو الذي يصرف الريح كيف يشاء[1].
قال الشافعي رحمه الله: «لا ينبغي شتم الريح؛ فإنها خلق مطيع لله وجند من جنوده يجعلها رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء»[2].
[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (581) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ].
[2] انظر: فيض القدير للمناوي (6/399) [المكتبة التجارية الكبرى، ط1، 1356هـ].
النهي عن سب الريح إنما ورد لكونها تهب عند إيجاد الله لها وأمره إياها، فلا تأثير لها إلا بأمر الله.
لذا لا يجوز لنا أن نشتمها ولا نلعنها للحوق ضرر بسببها، فإنها خلق من خلق الله مقهور مدبر، وإنما تهب بمشيئة الله وقدرته، فلا يجوز سبها؛ لأن ذلك السب راجع إلى من خلقها وسخرها.
ثم علَّم النبي صلّى الله عليه وسلّم أمته إذا رأوا المسلم ما يكره من الريح إما شدة حرّها أو بردها أو قوتها، أن يرجع على خالقها وآمرها الذي أزمّة الأمور كلها بيده، ومصدرها عن قضائه أن يسألوه خيرها وخير ما فيها، والاستعاذة به من شرها وشر ما فيها، فما استجلبت نعمه بمثل طاعته وشكره، ولا استدفعت نقمه بمثل الالتجاء إليه والتعوذ به والاضطرار إليه ودعائه.
مما ورد في الرياح، قوله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ *} [الذاريات] ، وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ *} [الحجر] .
ومن السُّنَّة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبوها ولكن سلوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرِّها»[1].
وعن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا: اللَّهُمَّ إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به»[2].
وعن ابن عباس أن رجلاً لعن الريح عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لا تلعن الريح، فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه»[3].
[1] أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، رقم 5097)، وابن ماجه (كتاب الأدب، رقم 3727)، وأحمد (13/69) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب الرقاق، رقم 1007)، والحاكم (كتاب الأدب، رقم 7769) وصحَّحه، وحسَّنه النووي في الخلاصة (2/886) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/305).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب الفتن، رقم 2252) وقال: حسن صحيح، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (35/75) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2756).
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، رقم 4908)، والترمذي (أبواب البر والصلة، رقم 1978) وقال: «هذا حديث غريب»، وابن حبان (كتاب الحظر والإباحة، رقم 5745)، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (رقم 528).
قال الشافعي: «لا ينبغي شتم الريح فإنها خلق مطيع لله وجند من جنوده يجعلها رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء»[1].
وقال سليمان بن عبد الله: «قوله: «لا تسبوا الريح» ؛ أي: لا تشتموها ولا تلعنوها للحوق ضرر فيها فإنها مأمورة مقهورة، فلا يجوز سبّها»[2].
وقال السعدي ـ في معرض كلامه على سب الريح ـ: «هذا نظير ما سبق في سب الدهر، إلا أن ذلك الباب عام في سب جميع حوادث الدهر، وهذا خاص بالريح، ومع تحريمه فإنه حمق وضعف في العقل والرأي، فإن الريح مصرفة مدبرة بتدبير الله وتسخيره فالساب لها يقع سبه على من صرفها، ولولا أن المتكلم بسب الريح لا يخطر هذا المعنى في قلبه غالبًا لكان الأمر أفظع من ذلك، ولكن لا يكاد يخطر بقلب مسلم»[3].
[1] انظر: فيض القدير للمناوي (6/399) [المكتبة التجارية الكبرى، ط1، 1356هـ].
[2] تيسير العزيز الحميد (581) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ].
[3] القول السديد شرح كتاب التوحيد للسعدي (233).
المسألة الأولى: ما ينبغي عند هبوب الريح:
1 ـ الخوف أن يكون الله تعالى، بعث هذه الرياح عذابًا منه سبحانه وتعالى، روت عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرَّ به وذهب عنه ذلك، قالت عائشة: فسألته، فقال: إني خشيت أن يكون عذابًا سُلِّط على أُمتي»[1].
قال النووي: «فيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال، وحدوث ما يخاف بسببه، وكان خوفه صلّى الله عليه وسلّم أن يعاقبوا بعصيان العصاة، وسروره لزوال سبب الخوف»[2].
2 ـ الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وسؤال الله خيرها، والتعوذ به من شرها، قالت: عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا عصفت الريح قال: «اللَّهُمَّ إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به»[3].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فأخبر أنها تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، وأمر أن نسأل الله من خيرها، ونعوذ بالله من شرها، فهذه السُّنَّة في أسباب الخير والشر: أن يفعل العبد عند أسباب الخير الظاهرة والأعمال الصالحة ما يجلب الله به الخير، وعند أسباب الشر الظاهرة من العبادات ما يدفع الله به عنه الشر»[4].
المسألة الثانية: ألفاظ ليست من سب الريح:
أن يقصد الخبر المحض دون اللوم، مثل أن يقول: اليوم أشد حرًّا من الأمس، ومنه قول لوط عليه السلام: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ *} [هود] ، وما أشبه ذلك[5].
[1] أخرجه مسلم (كتاب صلاة الاستسقاء، رقم 899).
[2] شرح النووي (6/196).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الاستسقاء، رقم 899).
[4] مجموع الفتاوى (35/170) [مجمع الملك فهد بن عبد العزيز].
[5] انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (2/240) [دار ابن الجوزي، ط2، 1424هـ].
جاء النهي عن سب الريح؛ لأنها مخلوقة لله تعالى، وهو سبحانه هو المصرِّف لها دون سواه، وسب الريح سبُّ لخالقها ومسخِّرها.
قال ابن عثيمين في بيان الحكمة: «لأن سب المخلوق سب لخالقه، فلو وجدت قصرًا مبنيًّا وفيه عيب فسببته فهذا السب ينصب على من بناه، وكذلك سب الريح؛ لأنها مدبرة مسخرة على ما تقتضيه حكمة الله عزّ وجل»[1].
[1] القول المفيد لابن عثيمين (3/140) [دار العاصمة، ط1، 1415هـ].
1 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
2 ـ «الجامع لأحكام القرآن»، للقرطبي.
3 ـ «شرح السُّنَّة»، للبغوي.
4 ـ «شرح صحيح مسلم»، للنووي.
5 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
6 ـ «فتح القدير»، للشوكاني.
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «القول المفيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «الوابل الصيب»، لابن القيِّم.