قال ابن فارس: «السين والباء والحاء أصلان: أحدهما جنس من العبادة، والثاني جنس من السعي، فالأول السبحة وهي الصلاة ومن الباب التسبيح وهو تنزيه الله جل ثناؤه من كل سوء»[1]، والسبوح فعول من سبح قال ابن الأثير: من أبنية المبالغة والمراد به التنزيه[2]، وقال الراغب: «التسبيح تنزيه الله»[3]، «وسبحان الله معناه: التنزيه لله، نصب على المصدر؛ كأنه قال أبَرِّئُ الله من السوء براءة»[4].
[1] مقاييس اللغة (502) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] النهاية في غريب الحديث (1/746) [دار المعرفة، ط2، 1427هـ].
[3] المفردات (392) [دار القلم، ط3، 1423هـ]، وانظر: تهذيب اللغة (4/338) [الدار المصرية].
[4] الصحاح (1/372) [دار العلم للملايين، ط4].
السُّبُّوح: «اسم الله يعظم به، ويحاشى به من السوء»[1]؛ قال ابن جزي: «التسبيح: التنزيه والتعظيم»[2]. وقال ابن تيمية: «إن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم»[3].
[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (16/125) [مجمع الملك فهد، 1425هـ].
[2] التسهيل لابن جزي (2/72) [دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، ط1، 1416هـ].
[3] مجموع فتاوى ابن تيمية (16/125).
السبوح: هو المعظم والمبرأ من كل ما لا يليق بالإلهية، مع إثبات المحامد وصفات الكمال لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به[1]، قال ابن تيمية: «قوله: (سبحانك) يتضمن تعظيمه وتنزيهه عن الظلم وغيره من النقائص؛ فإن التسبيح وإن كان يقال: يتضمن نفي النقائص، فالنفي لا يكون مدحًا إلا إذا تضمن ثبوتًا وإلا فالنفي المحض لا مدح فيه، ونفي السوء والنقص عنه يستلزم إثبات محاسنه وكماله، ولله الأسماء الحسنى فالتسبيح المتضمن تنزيهه عن السوء، ونفي النقص عنه يتضمن تعظيمه. ففي قوله: (سبحانك) تبرئته من الظلم، وإثبات العظمة الموجبة له براءته من الظلم، فإن الظالم إنما يظلم لحاجته إلى الظلم أو لجهله، والله غني عن كل شيء، عليم بكل شيء، وهو غني بنفسه، وكل ما سواه فقير إليه، وهذا كمال العظمة»[2].
وقال أيضًا: «والأمر بتسبيحه يقتضي أيضًا تنزيهه عن كل عيب وسوء وإثبات صفات الكمال له، فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها؛ فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده»[3].
[1] فقه الأسماء الحسنى (195) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ] باختصار.
[2] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/227) [دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ].
[3] مجموع فتاوى ابن تيمية (16/125) [مجمع الملك فهد، 1425هـ].
لم يرد السبوح بهذه الصيغة في القرآن الكريم، ووردت مادته في قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الحشر: 1، والصف: 1] ، وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 1، والتغابن: 1] ، وقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *} [الصافات] ، قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] ، وقال تعالى عن الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] .
وقد ثبت في السُّنَّة في «صحيح مسلم» من حديث عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبوح، قدوس، ربّ الملائكة والروح»[1][2].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 487).
[2] أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة (1/93) [دار الرضوان، ط1، 1425هـ].
السبوح ذكره مجموعة كبيرة من العلماء[1] ضمن أسماء الله الحسنى؛ لوروده في حديث: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح»[2].
وقال ابن حزم، وهو يعدُّ أسماء الله الواردة: «الأعز، السيد، سبوح، وتر»[3].
وقال ابن تيمية: «ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين اسمه: السبوح»[4].
وذكره كذلك ابن عثيمين[5]، وبعض من جمع أسماء الله الحسنى لم يذكره[6].
[1] كابن منده في كتاب التوحيد (2/137) [الجامعة الإسلامية، ط1]، والبيهقي وشيخه الحليمي في الأسماء والصفات (1/104)، وابن حزم في المحلى (8/31) [المنيرية، 1350هـ]، ونور الحسن خان في الجوائز والصلات (63) [الفاروقية، 1297هـ]، وابن عثيمين في القواعد المثلى ضمن مجموع فتاويه (3/277) [دار الثريا، ط2، 1423هـ]، وعبد الله الغصن في أسماء الله الحسنى (179) [دار الوطن، ط1، 1417هـ]، وغيرهم. انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (154) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[2] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 1091).
[3] المحلى بالآثار (6/282) [دار الفكر، بيروت].
[4] مجموع فتاوى ابن تيمية (22/485).
[5] القواعد المثلى لابن عثيمين (16).
[6]
المسألة الأولى: التسبيح يقتضي إثبات صفات الكمال لله تعالى؛ لأن التسبيح يقتضي تنزيه الله عما لا يليق به سبحانه من معاني النقص والحاجة التي تتنافى والكمال المطلق لله سبحانه، إذا نفي النقص دلَّ على الكمال المطلق لله تعالى، قال ابن تيمية: «إن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها»[1].
ولأن السلب لا يراد لذاته، وإنما يقصد لما يتضمنه من إثبات الكمال، فكل ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من صفات النقص فإنه متضمن للمدح والثناء على الله بضد ذلك النقص من الأوصاف الحميدة والأفعال الرشيدة[2].
المسألة الثانية: فضل التسبيح على غيره من الأذكار؛ لأن ذلك بيان لكمال الله تعالى، وتنزيه عن النقائص والعيوب، وقد ورد في الحديث: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سُئل أيّ الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده» [3]، وفي الحديث أيضًا: «يا رسول الله أخبرني بأحبّ الكلام إلى الله، فقال: إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده»[4].
المسألة الثالثة: معنى تسبيح من في السماوات والأرض، هو تسبيح حقيقي؛ لأن الله عزّ وجل جعل لها إدراكات تسبح بها، يعلمها هو عزّ وجل، ونحن لا نعلمها، فالمخلوقات كلها تسبح لله وتخشاه حقيقة، ولا يقال: أن تسبيحهم بلسان الحال؛ إذ ذلك معلوم، ولا يصح حينئذ الاستدراك في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] [5].
[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (16/125).
[2] انظر: شرح القصيدة النونية للهراس (2/55).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2731).
[4] المصدر السابق.
[5] انظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس (133) [دار الهجرة، الخبر، ط3، 1415هـ]، وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (360) [دار ابن الجوزي، ط5، 1419هـ].
من آثار اسم السُّبُّوح: الإيمان بأن الله منزه عن كل عيب ونقص فله الكمال المطلق سبحانه وتعالى.
ومنها: أن الله سبوح يسبحه كل من في السماوات والأرض ولكن نحن لا نفقه تسبيحهم، قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] فينبغي كثرة ذكره سبحانه وتسبيحه وتحميده آناء الليل، وأطراف النهار، والشعور بالأنس والرَّوح بالانضمام إلى بقية العوالم في هذا الكون العظيم التي تسبح الله عزّ وجل وتسجد له[1].
[1] انظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (16 ـ 17) [مكتبة الإمام الذهبي، 1412هـ]، ولله الأسماء الحسنى لعبد العزيز ناصر الجليل (240).
1 ـ «أسماء الله الحسنى»، للغصن.
2 ـ «أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة»، للرضواني.
3 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
4 ـ «الجوائز والصلات»، لنور الحسن خان.
5 ـ «شرح أسماء الله وصفاته الواردة في الكتب الستة»، لحصة بنت عبد العزيز الصغير.
6 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
7 ـ «القواعد المثلى ضمن مجموع فتاوى ابن عثيمين».
8 ـ كتاب «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
9 ـ «مجموع الفتاوى» (ج16)، لابن تيمية.
10 ـ «المحلى» (ج8)، لابن حزم.