السَّخَطُ: مصدر للفعل سَخِط يسْخَطُ، يقال: سَخَطٌ وسُخْطٌ، وهو خلاف الرضا، أو الغضب والكره.
قال الجوهري: «السَّخط والسُّخط: خلاف الرضا. وقد سخط؛ أي: غضب، فهو ساخط. وأسخطه؛ أي: أغضبه»[1].
وقال ابن الأثير: «السَّخط والسُّخط: الكَراهيةُ للشيء وعدم الرِّضا به»[2].
[1] الصحاح (3/267) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م].
[2] النهاية في غريب الحديث (2/888) [المكتبة العلمية، 1399هـ].
السخط المضاف إلى الله تعالى معناه ضد الرضا، وهو صفة فعلية يتصف بها سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، متعلقة بإرادته ومشيئته[1].
يقول ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: «إن الله تبارك اسمه له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وإنه يرضى عن الطائعين ويحب التوابين، ويسخط على من كفر به ويغضب، فلا يقوم شيء لغضبه»[2]. فجعل الرضا نقيض السخط[3].
[1] انظر: صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة (197).
[2] كتاب الجامع (107 ـ 108).
[3] تهذيب اللغة (7/159).
حقيقة سخط الله تعالى بغضه وكراهيته ومقته لبعض عباده وبعض الأعمال والأقوال الصادرة منهم بمقتضى عدله وحكمته سبحانه. يقول شيخ الإسلام رحمه الله بعد إيراده لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ *} [محمد] : «فإنه يدل على أن أعمالهم أسخطته، فهي سبب لسخطه، وسخطه عليهم بعد الأعمال»[1].
[1] مجموع الفتاوى (6/226).
دلَّ على ثبوت هذه الصفة لله عزّ وجل الكتاب والسُّنَّة والإجماع والعقل.
فمن الكتاب قوله تعالى: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 80] ، وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ *} [محمد] ، وقوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 162] .
تضمنت هذه الآيات إثبات صفة السخط حقيقة لله عزّ وجل على ما يليق به سبحانه، ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق[1].
ومن السُّنَّة: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مخاطبة الله عزّ وجل أهل الجنة، وفيه: «فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا»[2].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك»[3].
وأما الإجماع فقد نقله ابن تيمية رحمه الله فقال: «ومن المعلوم أنه قد دلَّ الكتاب والسُّنَّة واتفاق سلف الأمة على أن الله يحب ويرضى ما أمر بفعله من واجب ومستحب، وإن لم يكن ذلك موجودًا، وعلى أنه قد يريد وجود أمور يبغضها ويسخطها من الأعيان والأفعال كالفسق والكفر»[4].
وأما دلالة العقل، فإن كون الله عزّ وجل يعاقب الكفار والعصاة على كفرهم وعصيانهم دليل على عدم رضاه عنهم وسخطه منهم.
[1] شرح العقيدة الواسطية للهراس (108 ـ 109) [دار الهجرة، ط1].
[2] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7518)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2829).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 486).
[4] مجموع الفتاوى (10/75) [دار الوفاء، ط3، 1426هـ].
قال أبو إسماعيل الصابوني: «كذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والرضا والسخط من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين؛ بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلّى الله عليه وسلّم»[1].
وقال ابن تيمية: «وكذلك قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} فإنه يدل على أن أعمالهم أسخطته فهي سبب لسخطه، وسخطه عليهم بعد الأعمال؛ لا قبلها»[2].
3 ـ وقال ابن عثيمين: «{اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}؛ أي: الذي أسخط الله، فصاروا يفعلون كل ما به سخط الله عزّ وجل من عقيدة أو قول أو فعل وفي هذه الآية من صفات الله: الرضا والسخط»[3].
[1] عقيدة السلف أصحاب الحديث (5) [الدار السلفية، ط1، 1404هـ].
[2] مجموع الفتاوى (6/226).
[3] شرح العقيدة الواسطية لابن العثيمين (1/269) [دار ابن الجوزي، ط1، 1424هـ].
الفرق بين الغضب والسخط:
قيل: إن السخط والغضب بمعنى واحد، وأنهما من المترادف؛ لأنهما يتعاقبان في القرآن بنفس المعنى.
وقيل: إن الغضب أعم من السخط، والسخط أخص منه.
وقيل: إن السخط إذا تعدى بنفسه فهو خلاف الرضا، وإذا تعدى بعلى فهو بمعنى الغضب[1].
وقال ابن العثيمين: «وأما السخط فمعناه قريب من معنى الغضب»[2].
والصحيح: أن الغضب والسخط إذا كان المقصود منهما صفات الله عزّ وجل فليسا بمعنى واحد، إذ قد ثبت كل واحد منهما في النصوص، وإن كان المعنى متقاربًا، لكن الغضب صفة والسخط صفة، وأما في إطلاق الناس فالغضب من أثر السخط والله تعالى أعلم.
[1] انظر: الفروق اللغوية للعسكري (386) [مؤسسة النشر الإسلامي، ط1]، والمخصص لابن سيده (4/282) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1417هـ].
[2] شرح العقيدة الواسطية لابن العثيمين (1/269).
أنكر عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة أن يوصف الله عزّ وجل بسخط يليق بجلاله سبحانه، وزعموا أن إثبات هذه الصفة يلزم منه حلول الحوادث بذاته سبحانه، فأوَّلوا معناها وقالوا: السخط: هي إرادة الله تعذيب الكفار، أو إرادة الشر[1].
وهذه الآراء مخالفة لما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة واتفاق السلف من أن الله عزّ وجل يفعل ما يشاء متى شاء، فيرضى إذا شاء ويسخط إذا شاء، ويغضب إذا شاء، ويكره إذا شاء، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] فيثبت له صفات الأفعال الاختيارية المتعلقة بمشيئته وقدرته من غير تشبيه لذلك بصفات المخلوقين، ولا تأويل ينفي دلالتها، وقد ذكر شيخ الإسلام شبه المنكرين لصفات الأفعال وردّ عليها، كما ذكر الأدلة من الكتاب والسُّنَّة وأقوال السلف على اتصاف الله تعالى بالأفعال الاختيارية المتعلقة بقدرته ومشيئته، وأن الفعل غير المفعول[2].
[1] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2/478) [مكتبة السوادي، ط1]، مشكل الحديث وبيانه لأبي بكر بن فورك الأصبهاني [عالم الكتب، 1985م].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (5/529 ـ 538، 6/233).
1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
3 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
4 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لابن العثيمين.
5 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، للهراس.
6 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمد أمان الجامي.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «عقيدة السلف أصحاب الحديث»، للصابوني.
9 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
10 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.