هو: سعد بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة، ويكنى: أبا إسحاق القرشي المدني الزهري، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية[1].
[1] المعارف لابن قتيبة (241) [الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2]، والمعرفة والتاريخ للفسوي (1/279) [مؤسسة الرسالة، ط2]، وسير أعلام النبلاء (1/92) [مؤسسة الرسالة، ط3]، والبداية والنهاية (11/283) [دار هجر، ط1]، والإصابة في تمييز الصحابة (3/73) [دار الجيل، بيروت، ط1، 1412هـ].
أسلم قديمًا حين كان عمره سبع عشرة سنة[1]، وقيل: تسع عشرة سنة[2]، وهاجر مبكرًا، فقد ثبت من حديث البراء رضي الله عنهما أنه قال: «أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم»[3].
وشهد بدرًا وما بعدها، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان فارسًا شجاعًا من أمراء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي بنى الكوفة، ونفى عنها الأعاجم، وقد استنابه عمر الفاروق على الكوفة، وهو الذي فتح المدائن وكانت على يديه وقعة جلولاء[4].
[1] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/103) [دار الكتب العلمية، ط1، 1410هـ]، وتلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير لابن الجوزي (84)، وسير أعلام النبلاء (1/96)، والبداية والنهاية (11/283).
[2] انظر: المعارف لابن قتيبة (1/242).
[3] أخرجه البخاري (كتاب مناقب الأنصار، رقم 3925).
[4] انظر: البداية والنهاية (11/284)، والإصابة في تمييز الصحابة (3/74 ـ 75).
لسعد بن أبي وقاص مناقب عظمى، فهو:
ـ أحد العشرة المبشرين بالجنة، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»[1].
ـ أنه ممن شهد بدرًا[2]، ومما جاء في فضلهم حديث علي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو: فقد غفرت لكم»[3].
ـ أنه ممن شهد بيعة الرضوان[4]، وقد جاء في فضلهم العظيم قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا *} [الفتح] . وثبت من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول عند حفصة: «لا يدخل النار ـ إن شاء الله ـ من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها»[5].
ـ أنه ممن جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم له أبويه في التفدية[6]، لما جاء من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «جمع لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد أبويه كليهما»[7]، وروى الإمام البخاري بسنده عن علي رضي الله عنه قال: «ما سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع أبويه لأحد، إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أُحد: «يا سعد، ارم فداك أبي وأمي» [8]. وقد ثبت عن غيره أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع أبويه للزبير بن العوام رضي الله عنه يوم الخندق[9]، فيكون كل منهما حدّث بحسب علمه[10].
ـ أنه ممن أسلم من قبل الفتح وقاتل[11]، ويدل على عظم فضل هؤلاء قوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *} [الحديد] .
ـ أنه الرجل الصالح الذي تمناه النبي صلّى الله عليه وسلّم لحراسته، فقد ثبت من حديث أم المؤمنين عائشة قالت: «أرق النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فقال: «ليت رجلاً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة» ، إذ سمعنا صوت السلاح، قال: «من هذا؟» قال: سعد يا رسول الله جئت أحرسك، فنام النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى سمعنا غطيطه»[12].
وفي لفظ لمسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «سهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقدمه المدينة ليلة، فقال: ليت رجلاً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة، قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال: من هذا؟ قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما جاء بك؟ قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم نام»[13].
ـ أنه كان مجاب الدعوة لدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم له بذلك، فقد جاء من حديث سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللَّهُمَّ استجب لسعد إذا دعاك» [14]. ومن شواهد إجابة دعائه ما رواه البخاري بسنده عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: «شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر رضي الله عنه فعزله، واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخرم عنها، أُصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللَّهُمَّ إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل؟ يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن»[15].
[1] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3747)، وأحمد (3/209) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 7002)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 50) [المكتب الإسلامي].
[2] انظر: صحيح البخاري (كتاب المغازي، باب تسمية من سمي من أهل بدر، بعد رقم 4027)، وسير أعلام النبلاء (1/93)، والبداية والنهاية (11/283)، والإصابة في تمييز الصحابة (3/73).
[3] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 3983)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2494).
[4] انظر: سير أعلام النبلاء (1/93)، والبداية والنهاية (11/283)، والإصابة في تمييز الصحابة (3/73).
[5] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2496).
[6] أي في قول: فداك أبي وأمي.
[7] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4057)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2412).
[8] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4059).
[9] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3720)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2416).
[10] انظر: فتح الباري لابن حجر (7/84).
[11] انظر: محض الخلاص في مناقب سعد بن أبي وقاص لابن عبد الهادي (48) [دار البشائر، ط1، 1427هـ].
[12] أخرجه البخاري (كتاب التمني، رقم 7231)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2410).
[13] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2410).
[14] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3751)، والبزار (4/49) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، والطبراني في الكبير (1/143) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، والحاكم (كتاب المغازي والسرايا، رقم 4314) وصحَّحه، وحسَّنه الهيثمي في المجمع (9/153) [مكتبة القدسي]، وصحَّحه الألباني في تحقيقه للمشكاة (رقم 6125).
[15] أخرجه البخاري (كتاب الأذان، رقم 755).
هو أحد السابقين الأولين، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راضٍ[1]، وقال فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بعد أن جعله من أصحاب الشورى: «إن أصابته الإمرة فذاك، وإلا فليستعن به الوالي»[2]، وكان معظَّمًا جليل المقدار في زمن الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، وكان سيِّدًا مطاعًا، عزله عمر عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة، ولكن لمصلحة ظهرت لعمر في ذلك، ثم ولاه عثمان الكوفة بعدها، ثم عزله عنها[3].
وهو خال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد روى الترمذي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «أقبل سعد فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هذا خالي فليُرني امرؤ خاله»[4].
قال الترمذي موضحًا ذلك: «وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة، وكانت أم النبي صلّى الله عليه وسلّم من بني زهرة، فلذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هذا خالي».
[1] البداية والنهاية (11/283).
[2] الإصابة في تمييز الصحابة (3/74).
[3] انظر: البداية والنهاية (11/284)، والإصابة في تمييز الصحابة (3/74).
[4] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3752)، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 6113) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 6994).
ـ كون سعد رضي الله عنه ثالث نفر في الإسلام:
فقد صح من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: «ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام»[1].
وفي هذا إشكال؛ حيث يقتضي أنه لم يُسبَق إلى الإسلام، وأنه بقي سبعة أيام وهو ثلث الإسلام؛ أي: أنه هو واثنان آخران معه من المسلمين فقط، والواقع أنه أسلم قبله كثير من المسلمين، فقد ثبت من حديث عمار رضي الله عنه أنه قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر»[2].
ولذا جمع بعض أهل العلم ـ كما في القولين الآتيين ـ بينه وبين قول سعد هنا بأمور؛ منها: أن عمارًا رضي الله عنه حدث حسب علمه واطلاعه. قال ابن كثير بعد إيراده الحديث السابق: «وهو مشكل؛ إذ يقتضي أنه لم يسبقه أحد بالإسلام، وقد عُلم أن الصديق وعليًّا وخديجة وزيد بن حارثة رضي الله عنهم أسلموا قبله، كما قد حكى الإجماع على تقدم إسلام هؤلاء غير واحد؛ منهم ابن الأثير، ونص أبو حنيفة رحمه الله على أن كلًّا من هؤلاء أسلم قبل أبناء جنسه. والله أعلم. وأما قوله: ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. فمشكل؛ وما أدري على ماذا يوضع عليه إلا أن يكون أخبر بحسب ما علمه. والله أعلم»[3].
وقال ابن حجر: «قوله: «وإني لثلث الإسلام» قال ذلك بحسب اطلاعه، والسبب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه، ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر، أو النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر، وقد كانت خديجة أسلمت قطعًا، فلعله خص الرجال، وقد تقدم في ترجمة الصديق[4] حديث عمار: «رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلا خمسة أعبد وأبو بكر»، وهو يعارض حديث سعد، والجمع بينهما ما أشرت إليه، أو يحمل قول سعد على الأحرار البالغين؛ ليَخرج الأعبدُ المذكورون وعليٌّ رضي الله عنه، أو لم يكن اطلع على أولئك، ويدل على هذا الأخير: أنه وقع عند الإسماعيلي من رواية يحيى بن سعيد الأموي عن هاشم بلفظ: «ما أسلم أحد قبلي» ، ومثله عند ابن سعد من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه، وهذا مقتضى رواية الأصيلي، وهي مشكلة؛ لأنه قد أسلم قبله جماعة، لكن يحمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ، وقد رأيت في المعرفة لابن منده من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ: «ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه»، وهذا لا إشكال فيه؛ إذ لا مانع أن لا يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم، لكن أخرجه الخطيب من الوجه الذي أخرجه ابن منده، فأثبت فيه (إلا) كبقية الروايات، فتعين الحمل على ما قلته»[5].
[1] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3727)، و(كتاب مناقب الأنصار، رقم 3858).
[2] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3660).
[3] البداية والنهاية (4/80).
[4] انظر: فتح الباري لابن حجر (7/170).
[5] فتح الباري لابن حجر (7/84).
رمى الرافضة هذا الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بعديد من التهم الشنيعة، ومنها على سبيل المثال ما يلي:
أ ـ زعمهم بأنه من رؤوس المنافقين، ولعنهم إياه[1].
ب ـ زعمهم أن تحت كل شعرة من شعر سعد شيطان جالس[2].
ـ زعمهم أنه قارون هذه الأمة[3].
ـ زعمهم أنه كان ضمن المتآمرين على قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم عند العقبة، منصرفه من غزوة تبوك[4].
إلى غير ذلك من مطاعنهم التي لا خطام لها ولا زمام[5].
[1] انظر: رسائل الكركي (2/228) [مكتبة المرعشي، ط1، 1409هـ].
[2] انظر: كامل الزيارات لجعفر بن قولويه (155 ـ 156) [تحقيق: جواد القيومي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1417هـ]، ومن طريقه أورده الصدوق في أماليه (196) [مؤسسة البعث، قم، ط1، 1417هـ].
[3] انظر: مقدمة البرهان للعاملي (280)، بواسطة موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة لعبد القادر عطا صوفي (1192).
[4] الخصال للصدوق (499) [تحقيق: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قُم].
[5] انظر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة لعبد القادر عطا صوفي (1103، و1192) وما بعدها.
لا شكَّ أن هذا القدح والطعن فيمن زكاه الله عزّ وجل ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم، بأنه قارون الأمة، والحكم عليه بالنفاق، والشهادة عليه بالنار، مع شهادة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم له بالجنة لهو من الخذلان والحرمان بمكان كبير؛ بل هو محادة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتكذيب لقول الله وقول رسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد أثنى الله على الصحابة بوجه عام، وعلى السابقين الأولين منهم ـ كسعد بن أبي وقاص وغيره ـ بوجه خاص، وأخبر سبحانه أنهم جميعًا من أهل الجنة، فقال الله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} [التوبة] .
وقال : {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *} [الحديد] .
وقد تقدم في ذكر فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وبيان مكانته أنه من العشرة المبشرين بالجنة، وأنه من المؤمنين الصادقين، الذين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، وهذا كله يبطل رميه بالنفاق واتهامه بالمشاركة مع المنافقين في محاولة اغتيال النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لمنافاة ذلك أصل الإيمان، فضلاً عن أن يبشَّر بالجنة ويُشهَد له بالصلاح كما جاء في مناقبه.
وكلُّ ما نسبوه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ذمه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لهو كذب صريح، وإفك مبين، واتهام لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتكذيب ما جاء من الأحاديث الصحيحة المتقدمة في مناقب سعد وعلو قدره وتبشيره بالجنة، وحاشاه من ذلك.
وأما طعنهم في سعد؛ لمشاركة ابنه عمر في قتال الحسين بعد وفاة سعد، فهو طعن فاسد؛ لأن سعدًا ـ كغيره من الناس ـ لم يكن يعلم الغيب حتى يتفاداه بأي وسيلة كانت، ثم إن النفس لا تؤاخذ بجريرة غيرها، لقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18] .
1 ـ «الإصابة في تمييز الصحابة» (ج3)، لابن حجر.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج11)، لابن كثير.
3 ـ «تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير»، لابن الجوزي.
4 ـ «الخصال»، للصدوق.
5 ـ «سير أعلام النبلاء» (ج1)، للذهبي.
6 ـ «الطبقات الكبرى» (ج3)، لابن سعد.
7 ـ «محض الخلاص في مناقب سعد بن أبي وقاص»، لابن عبد الهادي المقدسي.
8 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
9 ـ «المعرفة والتاريخ» (ج1)، ليعقوب الفسوي.
10 ـ «موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة»، لعبد القادر عطا صوفي.