السُّكوت: مصدر من الفعل سَكت يسْكُت سُكوتًا إذا صمت، أو سَكن.
قال ابن فارس: «السين والكاف والتاء يدلُّ على خِلاف الكلام. تقول: سَكَت يَسْكُت سُكوتًا، ورجلٌ سِكِّيت. ورماه بُسكاتَة؛ أي: بما أسكته، وسَكَت الغضبُ، بمعنى سكن»[1].
وقال الأزهري: ويقال: «سَكتَ الرجل يَسكُتُ سَكْتًا إذا سَكنَ، وسَكتَ يَسْكُتُ سكُوتًا وسَكْتًا إذا قطع الكلام»[2].
ويكون السكوت بمعنى عدم التكلم، وعدم تحريك اللسان البتة، ويكون كذلك بمعنى عدم إظهار الكلام بصوت جوهري يسمعه الناس، فكلاهما يسمى سكوتًا[3].
[1] مقاييس اللغة (2/402) [دار الجيل].
[2] تهذيب اللغة (3/324) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[3] انظر: مجموع الفتاوى (6/178 ـ 179) [دار الوفاء، ط3، 1426هـ].
السكوت في حق الله عزّ وجل صفة فعلية اختيارية ثابتة له، ومتعلقة بمشيئته يسكت متى شاء ويتكلم متى شاء كما يليق به سبحانه وتعالى، وسكوته سبحانه يكون تارة عن التكلم وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (6/178 ـ 179)، وصفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (145) [دار الهجرة، ط1، 1414هـ].
دلَّ على ثبوت صفة السكوت لله عزّ وجل السُّنَّة والإجماع.
فمن السُّنَّة: حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه»[1].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «... فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو...»[2].
وأما الإجماع، فقد ذكره ابن تيمية رحمه الله فقال: «فثبت بالسُّنَّة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت؛ لكن السكوت يكون تارة عن التكلم، وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه»[3].
[1] أخرجه الترمذي (أبواب اللباس، رقم 1726)، وابن ماجه (كتاب الأطعمة، رقم 3367)، قال الترمذي: «هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه»، ثم ذكره موقوفًا، وقال: «وكأن الحديث الموقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث، فقال: ما أراه محفوظًا».
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الأطعمة، رقم 3800)، والحاكم (كتاب الأطعمة، رقم 7113) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في غاية المرام (رقم 34) [المكتب الإسلامي، ط3].
[3] مجموع الفتاوى (6/178).
قال أبو إسماعيل الهروي بعد ذكر الفتنة الواقعة زمن ابن خزيمة: «فطار لتلك الفتنة ذاك الإمام أبو بكر، فلم يزل يصيح بتشويهها، ويصنف في ردها؛ كأنه منذر جيش، حتى دون في الدفاتر، وتمكن في السرائر، ولقن في الكتاتيب، ونقش في المحاريب: أن الله متكلم إن شاء تكلم، وإن شاء سكت، فجزى الله ذاك الإمام، وأولئك النفر الغر عن نصرة دينه، وتوقير نبيّه خيرًا»[1].
وقال أبو نصر السجزي: «وقد دلَّ القرآن على أن القرآن هو النطق، وذلك قوله سبحانه: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] والإنصات عند العرب ترك النطق... فعلم بذلك أن السكوت والكلام لا يجتمعان في الوقت الواحد، في محل واحد»[2].
وقال ابن تيمية: «فثبت بالسُّنَّة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت؛ لكن السكوت يكون تارة عن التكلم، وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه»[3].
[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/178).
[2] رسالة السجزي إلى أهل زبيد (217 ـ 218) [طبعة الجامعة الاسلامية، ط2، 1423هـ].
[3] مجموع الفتاوى (6/178).
أنكرت المعطّلة من الجهمية والمعتزلة والكلاّبية والأشاعرة والكرامية أن يوصف الله بالسكوت كما يليق بجلاله، وقالوا باستحالة أن يوصف بخلاف الكلام[1].
وهذا قول باطل لمخالفته للأحاديث الصريحة في وصف الله عزّ وجل بالسكوت في مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وما سكت عنه فهو عفو» ، وإجماع الأمة على أن الله يوصف بالسكوت، وأن سكوته بعلم لا عن نسيان، وأنها من جنس الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله، فتُثبت في حق الله على وفق قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] [2].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (6/163، 297)، منهاج السُّنَّة النبوية لابن تيمية (3/370) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ]، والإبانة للأشعري (63) [دار الأنصار، القاهرة، ط1، 1397هـ].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (6/179).
1 ـ «الإبانة عن أصول الديانة»، للأشعري.
2 ـ «إيثار الحق على الخلق»، لابن الوزير.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
4 ـ «شرح العقيدة الأصفهانية»، لابن تيمية.
5 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
6 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
7 ـ «مجموع فتاوى»، لابن تيمية.
8 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية»، لابن تيمية.
9 ـ «رسالة السجزي إلى أهل زبيد».