قال ابن فارس: «السين واللام والميم معظم بابه الصحة والعافية، ويكون فيه ما يشذ عنه والشاذ قليل، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى، قال أهلُ العلم: الله جلَّ ثناؤُه هو السلام؛ لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء. قال الله جلّ جلاله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} [يونس: 25] ، فالسلام: الله جلَّ ثناؤه، ودارُهُ الجنَّة. ومن الباب أيضًا الإسلام، وهو الانقياد؛ لأنَّه يَسْلم من الإباء والامتناع»[1]. وقال الأزهري: «السَّلام في لغة العرب أربعة أشياء، فمنها: سلّمتُ سلامًا مصدر سلّمت، ومنها: السلام جمع سلامة، ومنها: السَّلام اسم من أسماء الله تبارك وتعالى »[2]، وقال الجوهري: «السلام: البراءة من العيوب»[3].
[1] مقاييس اللغة (487) [دار الفكر ط2، 1418هـ]
[2] تهذيب اللغة (12/446) [الدار المصرية للتأليف].
[3] الصحاح (5/1951) [دار العلم للملايين، ط4].
السَّلام: اسم من أسماء الله عزّ وجل، قال ابن كثير: «السلام؛ أي: من جميع العيوب والنقائص، بكماله في ذاته وصفاته وأفعاله»[1].
قال الطبري: «هو الذي يسلم خلقه من ظلمه»[2]، وقال الأزهري: «السَّلام اسم الله، وتأويله ـ والله أعلم ـ: أنه ذو السلام الذي يملك السلام، هو تخليص من المكروه»[3].
[1] تفسير ابن كثير (13/502) [دار عالم الفوائد، ط1]، وانظر: شأن الدعاء (41) [دار الثقافة العربية، ط3].
[2] جامع البيان (14/69) [دار ابن حزم، ط1، 1423هـ].
[3] تهذيب اللغة (12/446) [الدار المصرية للتأليف].
قال ابن القيِّم في أحقية الله عزّ وجل بهذا الاسم من كل مسمى به: «لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجًا إلى ما يحمله أو يستوي عليه؛ بل العرش محتاج إليه، وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته، وعن كل ما سواه...وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق، من كونها محبة حاجة إليه، أو تملق له، أو انتفاع بقربه، وسلام مما يتقوّله المعطلون فيها، وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه، أو يتقوّله معطل فتأمل كيف تضمن اسمه (السلام) كل ما ينزّه عنه تبارك وتعالى ، وكم ممن يحفظ هذا الاسم ولا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني»[1].
[1] بدائع الفوائد (2/602 ـ 605) [دار عالم الفوائد، ط1، 1425هـ]، وانظر: فقه الأسماء الحسنى (190 ـ 192) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ].
ورد اسم الله السلام صريحًا في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الحشر] ، كما ورد صريحًا في حديث: كنا نقول في الصلاة: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم: «إن الله هو السلام فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» [1]، وحديث كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: «اللَّهُمَّ أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» [2]، وورد في حديث التصريح بأن السلام اسم من أسماء الله عزّ وجل وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أنس: «إن السلام اسم من أسماء الله تعالى، وضعه الله في الأرض، فأفشوا السلام بينكم»[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6328)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم 402).
[2] أخرجه مسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 591).
[3] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (343) [دار البشائر، ط3]، وصحَّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/358، رقم 184) [مكتبة المعارف، ط2، 1413هـ].
اتفق المسلمون على أن السلام اسم من أسماء الله الحسنى، قال ابن جرير الطبري: «إن السلام اسم من أسماء الله»[1].
وقال ابن القيِّم: «قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله هو السلام» صريح، فيكون السلام اسمًا من أسمائه»[2].
وقال سليمان آل الشيخ: «قوله: «فإن الله هو السلام» . فهذا صريح في كون السلام اسمًا من أسمائه»[3].
[1] تفسير الطبري (1/120) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
[2] بدائع الفوائد (2/142) [دار الكتاب العربي].
[3] تيسير العزيز الحميد (563) [المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1423هـ].
المسألة الأولى: لا يقال: السلام على الله:
للنهي الوارد عن ذلك في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات»[1].
المسألة الثانية: تسمية غير الله بالسلام:
قال ابن القيِّم: «ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى ؛ فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى ، وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره كالسميع والبصير والرؤوف والرحيم؛ فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمى بها على الإطلاق بحيث يطلق عليه كما يطلق على الرب تعالى»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الأذان، رقم 835).
[2] تحفة المودود (125 ـ 127) [دار البيان، دمشق، ط1، 1392هـ].
من آثار الإيمان باسم السلام: العلم بأن الله لا يظلم أحدًا، حيث ذكر العلماء أن من معاني السلام: أن الله ذو السلام؛ أي: هو الذي يسلم خلقه من ظلمه[1].
ومنها: أن الله ذو السلام؛ أي: المسلِّم على عباده في الجنة؛ كما قال: {سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ *} [يس] [2] فالله تعالى يتكلم حقيقة، ويسلِّم على عباده في الجنة بصوت يسمع.
ومنها: أن الله متصف بصفات الكمال والجمال إذ لو لم يتصف بذلك لكان ناقصًا، ولم يكن سالمًا فضلاً عن أن يكون هو السلام، فالله هو السلام المنزه عن كل عيب وسوء، المتصف بجميع الصفات الكمال والجمال والجلال.
ومن آثاره أيضًا: أن يرجو العبد السلامة من الله وحده، وأن يدعو الله باسمه السلام، فيطلب منه السلامة في القول والعمل والاعتقاد، والنفس والمال والأولاد، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعائه: «اللَّهُمَّ أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»[3].
[1] جامع البيان (14/69).
[2] الجامع لأحكام القرآن (20/390).
[3] تقدم تخريجه.
1 ـ «أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة» (ج2)، للرضواني.
2 ـ «بدائع الفوائد» (ج1، 2)، لابن القيِّم.
3 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج13)، لابن كثير.
4 ـ «جامع البيان» (ج14)، للطبري.
5 ـ «الجامع لأحكام القرآن» (ج20)، للقرطبي.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «شرح صحيح مسلم» (ج4)، للنووي.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «الكافية الشافية» (ج4)، لابن القيِّم.
10 ـ «المقصد الأسنى»، للغزالي.