حرف السين / السَّلَف

           

السَّلف: جمع سالف، والسالف: المتقدم، والسلف: الجماعة المتقدمون، ومنه قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ *} [الزخرف] ؛ أي: جعلناهم سلفًا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون[1].
قال ابن فارس: «السين واللام والفاء أصلٌ يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف: الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون»[2].


[1] ينظر: تهذيب اللغة (12/299) [دار إحياء التراث العربي، 1421هـ]، ومقاييس اللغة (3/95) [دار الجيل].
[2] مقاييس اللغة (3/95).


وفي الاصطلاح: هم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن تبعهم واقتفى أثرهم من أهل القرون الثلاثة المفضلة، التي أثبت النبي صلّى الله عليه وسلّم لها الخيرية[1].


[1] ينظر: درء التعارض (7/134) [جامعة الإمام، ط1، 1401هـ]، والتحف في مذاهب السلف للشوكاني (4، 6، 8 مطبوع ضمن الرسائل السلفية) [دار الكتب العلمية، 1348هـ]، ولوامع الأنوار (1/20، 65) [دار المكتب الإسلامي، ط2، 1405هـ]، وإعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للفوزان (2/152) [دار الرسالة، ط2].


المعنى الاصطلاحي أخص من المعنى اللغوي.



مما تقدم يتضح سبب التسمية بهذا الاسم، وذلك أنه متعلق بالصحابة والتابعين وتابعيهم، من أهل القرون الثلاثة المفضلة، وهم متقدمون في الزمن عمن بعدهم، وذلك معنى السلف في اللغة.



أهل السُّنَّة والجماعة، الجماعة، أهل الحديث، أهل الأثر، الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، السواد الأعظم.



يجب اتباع مذهب السلف؛ لأنه المذهب الحق المستمد من الكتاب والسُّنَّة الصحيحة، والسالم من شوائب البدع والمقالات، ولا يجوز العدول عنه لمذهب الخلف، فمذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم.



مما ينبغي التأكيد عليه أن مفهوم السلف لا يتعيَّن بمجرد إدراك الفترة الزمنية المتقدمة، إذ قد يدرك تلك الفترة أقوام لا تصح نسبتهم إلى السلف؛ كالخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، ونحوهم من أهل البدع والأهواء، فهؤلاء كلهم ظهروا في تلك الفترة الخيرة، وليسوا من السلف، إذ من شرط استحقاق هذا اللقب موافقة الكتاب والسُّنَّة، والأخذ بهما، والصدور عنهما، والاعتماد عليهما، والعمل بمقتضاهما وهو ما تمثله أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا لما سُئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الفرقة الناجية قال: «ما أنا عليه وأصحابي»[1].
وأخرج ابن عبد البر رحمه الله في جامع بيان العلم وفضله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «من كان منكم متأسيًا فليتأس بأصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالاً، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم»[2].
فالسلف إذًا: الصحابة والتابعون وتابعوهم ممن لم يرمَ ببدعة، ولهذا قال السفاريني: «المراد بمذهب السلف: ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة، وعرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفًا عن سلف، دون من رُمي ببدعة، أو شُهر بلقب غير مرضي، مثل الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة ونحو هؤلاء»[3].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب الإيمان، رقم 2641)، والحاكم (كتاب العلم، رقم 444)، وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/334، رقم 2129) [المكتب الإسلامي، ط 1، 1408هـ].
[2] جامع بيان العلم وفضله (2/97) [دار الكتب العلمية]، وسنده ضعيف. وأورده البغوي في شرح السُّنَّة (1/214) [دار المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ].
[3] لوامع الأنوار (1/20).


قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} [التوبة] .
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال صلّى الله عليه وسلّم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» متفق عليه[1].
وجاء نحوه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه[2].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الشهادات، رقم 2652)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2533).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الشهادات، رقم 2651)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2535).
[3] أخرجه من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4607)، والترمذي (أبواب العلم، رقم 2676) وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، وابن ماجه (المقدمة، رقم 42)، وأحمد (28/367) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب العلم، رقم 96)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 37) [مكتبة المعارف، ط5].


جاء إطلاق لفظ: (السلف) على الصحابة، كما في قول عبد الله بن المبارك: «دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف»[1].
كما جاء إطلاقه على التابعين مع من قبلهم من الصحابة، كما في قول الأوزاعي: «عليك بأثر من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوا لك بالقول»[2].
كما جاء إطلاق لفظ السلف على أهل القرون الثلاثة المفضلة، كما في قول ابن رجب: «وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة»[3].


[1] مقدمة صحيح مسلم (204) [دار القلم].
[2] الشريعة للآجري برقم (127) (1/445) [دار الوطن، ط1، 1418هـ].
[3] فضل علم السلف على الخلف (30) [دار البيان، ط1، 1413هـ].


ـ حكم الانتساب إلى مذهب السلف:
جاء في «الأنساب» للسمعاني: «السلفي: بفتح السين واللام، وفي آخرها الفاء، هذه النسبة إلى السلف، وانتحال مذاهبهم على ما سُمِعَت منهم»[1].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه، واعتزى إليه؛ بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا»[2].


[1] الأنساب (3/273) [دار ابن الجنان، 1408هـ].
[2] مجموع الفتاوى (4/149).


1 ـ «درء التعارض»، لابن تيمية.
2 ـ «فضل علم السلف على الخلف»، لابن رجب.
3 ـ «التحف في مذاهب السلف»، للشوكاني.
4 ـ «لوامع الأنوار»، للسفاريني.
5 ـ «وسطية أهل السُّنَّة بين الفرق»، لمحمد باكريم.
6 ـ «المباحث العقدية في حديث افتراق»، الأمم، لأحمد سردار محمد مهر الدين شيخ.
7 ـ «شرف أصحاب الحديث»، للخطيب البغدادي.
8 ـ «معرفة علوم الحديث»، للحاكم.
9 ـ «إكمال المعلم»، للقاضي عياض.
10 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
11 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.