حرف السين / السواد الأعظم

           

قال ابن فارس: «السين والواو والدال أصلٌ واحد، وهو خلاف البياض في اللون، ثم يحمل عليه ويُشتق منه، فالسواد في اللون معروف وسواد كل شيء شخصه، والسواد: العدد الكثير، وسُمي بذلك؛ لأن الأرض تسوادُّ له»[1].
والسواد الأعظم: الجماعة من الناس[2].


[1] مقاييس اللغة (3/114) [دار الجيل].
[2] ينظر: تهذيب اللغة (13/24) [دار إحياء التراث العربي، 1421هـ].


المراد بالسواد الأعظم: سلف الأمة أصحاب القرون الثلاثة المفضلة؛ الصحابة والتابعون وأتباعهم، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، الذين اجتمعوا على الحق والسُّنَّة، واجتنبوا الفرقة والبدعة[1].


[1] ينظر: شرح السُّنَّة للبربهاري (37) [دار المنهاج، ط1، 1426هـ]، وشرح الأصول (1/24 ـ 26) [دار طيبة، ط4، 1416هـ]، والاعتصام للشاطبي (1/14، 21) [دار التوحيد، ط1، 1421هـ]، والصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (2/33) [دار الرسالة، ط1، 1417هـ]، والتحف في مذاهب السلف للشوكاني (5) [مطبوع ضمن الرسائل السلفية] [دار الكتب العلمية، 1348هـ]، وإتحاف الجماعة للتويجري (1/264) [دار الصميعي، ط2، 1414هـ].


المعنى اللغوي أعم، وقد خصه الشرع بمن كان على الحق والسُّنَّة، ولو كان هو الأقل.



هذا الاسم مأخوذ من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ لما ذكر أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ـ: «كلها في النار إلا السواد الأعظم» كما سيأتي عند ذكر الأدلة.



أهل السُّنَّة والجماعة، الجماعة، السلف، أهل الحديث، أهل الأثر، الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة.



الواجب لزوم السواد الأعظم؛ لأنهم المجتمعون على الحق والسُّنَّة.



السواد الأعظم: لقب مرادف لبقية ألقاب أهل السُّنَّة، فهم: أهل السُّنَّة والجماعة، وأهل الحديث، والجماعة، والسلف، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، فيراد به ما يراد بهذه الألقاب، وهو ما أشار إليه اللالكائي[1] وأبو القاسم الأصبهاني[2].
ولا يجوز أن يفسر السواد الأعظم بأنه أغلب الناس، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء» [3]، والله تعالى يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] ، فالسواد الأعظم هم أهل الحق وإن كانوا قلة، ولهذا لمَّا سُئل الإمام إسحاق بن راهويه: مَن السواد الأعظم؟ قال: «محمد بن أسلم ومن تبعه» ثم قال: «لو سألت الجهال من السواد الأعظم؟ قالوا: جماعة الناس، ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلّى الله عليه وسلّم وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة ومن خالفه فيه ترك الجماعة»[4].
قال ابن القيِّم معقبًا على قول ابن راهويه: «وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسُّنَّة داع إليها فهو الحجة، وهو الإجماع، وهو السواد الأعظم، وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا»[5].
وقال أيضًا: «واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض»[6].


[1] ينظر: شرح الأصول (1/24 ـ 26).
[2] ينظر: الحجة في بيان المحجة (2/409) [دار الراية].
[3] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 145).
[4] حلية الأولياء لأبي نعيم (9/238 ـ 239) [دار الكتاب العربي، ط4، 1405هـ].
[5] إغاثة اللهفان (1/70) [دار المعرفة].
[6] إعلام الموقعين (3/397) [دار الجيل].


تقدَّم أن هذا الوصف مأخوذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم كما في حديث أبي أمامة رضي الله عنه: «افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، ـ أو قال: اثنتين وسبعين فرقة ـ وتزيد هذه الأمة فرقة واحدة، كلها في النار إلا السواد الأعظم»[1].
وقد جاء هذا الحديث بعدة روايات يفسر بعضها بعضًا، ففي رواية جاء التعبير عن هذه الفرقة الناجية ـ السواد الأعظم ـ بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنا عليه وأصحابي»[2].
وفي رواية قال: «وهي الجماعة»[3].


[1] أخرجه ابن أبي عاصم في السُّنَّة (1/34، رقم 68) [المكتب الإسلامي، ط3، 1413هـ]، والطبراني في الأوسط (7/175، رقم 7202) [دار الحرمين، 1415هـ]، والكبير (8/273، 274، رقم 8051، 8053، 8054) [دار إحياء التراث الإسلامي، ط2]، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/114 ـ 115، رقم 151، 152) [دار طيبة، ط4، 1416هـ]، وأورده الهيثمي في المجمع (7/258) [دار الكتب العلمية] وقال: «رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وفيه أبو غالب وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجال الأوسط ثقات، وكذلك أحد إسنادي الكبير». وإسناده حسن. انظر: ظلال الجنة (1/34).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب الإيمان، رقم 2641)، والحاكم (كتاب العلم، رقم 444)، وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/334، رقم 2129) [المكتب الإسلامي، ط 1، 1408هـ].
[3] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، 4597)، وأحمد (28/134) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (1/76) [المكتب الإسلامي، ط1]، وحسَّنه الحافظ ابن حجر، كما في السلسلة الصحيحة (1/405)، وله عدة شواهد أشار إليها الألباني في السلسلة الصحيحة، في الموضع السابق.


قال البربهاري: «فقد بيَّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمته السُّنَّة وأوضحها لأصحابه وهم الجماعة، وهم السواد الأعظم، والسواد الأعظم: الحق وأهله»[1].
فالصحابة هم السواد الأعظم في وقتهم، وهكذا التابعون[2]؛ لأنهم على الحق الذي بعث به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقال الإمام الشاطبي بعد أن ذكر الأقوال في المراد بـ(الجماعة): «الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد، سواء ضموا إليهم العوام أم لا، فإن لم يضموا إليهم العوام فلا إشكال أن الاعتبار إنما هو بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم، فمن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية، وإن ضموا إليهم العوام فبحكم التبع؛ لأنهم غير عارفين بالشريعة، فلا بد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء، فإنهم لو تمالؤوا على مخالفة العلماء فيما حدوا لهم لكانوا هم الغالب والسواد الأعظم في ظاهر الأمر، لقلة العلماء وكثرة الجهال، فلا يقول أحد: إن اتباع جماعة العوام هو المطلوب، وإن العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث؛ بل الأمر بالعكس، وأن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلّوا، والعوام هو المفارقون للجماعة إن خالفوا، فإن وافقوا فهو الواجب عليهم»[3].
وقال سليمان بن عبد الله: «وأما الإجماع المعصوم فهو إجماع الصحابة والتابعين وما وافقه، وهو السواد الأعظم الذي ورد الحث على اتباعه»[4].
وقال ابن قاسم: «فإن الناجي من الأمم هم القليل، ولكن هم السواد الأعظم، وإن كانوا أقل القليل، فإنهم الأعظمون قدرًا عند الله وإن قلوا، فليحذر المسلم أن يغتر بالكثرة»[5].


[1] شرح السُّنَّة (37).
[2] ينظر: حاشية كتاب التوحيد (43) [ط4، 1414هـ]، وبحوث في عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة للعقل (17) [دار العاصمة، ط2، 1419هـ].
[3] الاعتصام (3/311، 312)، وينظر: الانتصار لأصحاب الحديث (73) [دار أضواء المنار، ط1، 1417هـ]، والحجة في بيان المحجة (2/151).
[4] تيسير العزيز الحميد (235) [دار المكتب الإسلامي، ط7، 1408هـ].
[5] حاشية كتاب التوحيد (42 وينظر: 43).


1 ـ «شرح السُّنَّة»، للبربهاري.
2 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
3 ـ «الاعتصام»، للشاطبي.
4 ـ «حاشية كتاب التوحيد»، لابن قاسم.
5 ـ «معرفة علوم الحديث»، للحاكم.
6 ـ «فضل علم السلف على الخلف»، لابن رجب.
7 ـ «التحف في مذاهب السلف»، للشوكاني.
8 ـ «لوامع الأنوار»، للسفاريني.
9 ـ «وسطية أهل السُّنَّة بين الفرق»، لمحمد باكريم.
10 ـ «شرف أصحاب الحديث»، للخطيب البغدادي.
11 ـ «المباحث العقدية في حديث افتراق الأمم»، لأحمد سردار محمد مهر الدين شيخ.