حرف السين / السَّيِّد

           

السَّيِّد من: ساد يسود فهو سَيْوِد، فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة ثم أدغمت[1]، قال ابن فارس: «السين والواو والدال أصل واحد، وهو خلاف البياض في اللون، ثم يحمل عليه ويشتق منه، وإنما سمي سيدًا؛ لأن الناس يلتجؤون إلى سَواده»[2]. وقال الجوهري: «ساد قومه يسودهم سيادة، وسؤددًا، وسَيْدُودَة، فهو سيدهم وهم سادة»[3]، ويطلق السيد في اللغة على «الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، والرئيس، والزوج، ومتحمل أذى قومه والمقدَّم»[4].


[1] النهاية في غريب الحديث (1/820) [دار المعرفة، ط2، 1427هـ].
[2] مقاييس اللغة (497) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[3] الصحاح (2/290) [دار العلم الملايين، ط4].
[4] النهاية في غريب الحديث (1/820).


قال ابن القيِّم في إطلاق السيد على الله : «السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب، لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق»[1]. فالسيد هو «المحتاج إليه بالإطلاق»[2]، وقال صديق حسن خان: «لفظ السيد له معنيان:
أحدهما: أن السيد هو الذي يكون مالكًا مختارًا بنفسه وحده، ولا يكون محكومًا عليه من أحد؛ بل يكون حاكمًا مستقلًّا بذاته كشأن الملوك في الدنيا، فهذا الأمر إنما هو شأن الله تعالى ليس غيره سيِّدًا بهذا المعنى.
وثانيهما: أن السيد رعوي لآخر، ولكن له فضل على عامة الرعايا، ممتاز منهم بالمزايا، ينزل إليه حكم الحاكم أولاً، ثم يبلغ إليهم من لسانه وبواسطته»[3].


[1] بدائع الفوائد (3/1176) [دار عالم الفوائد، ط1، 1425هـ].
[2] الأسماء والصفات (1/69) [مكتبة السوادي].
[3] الدين الخالص للقنوجي (2/221).


العلاقة بين المعنيين ظاهرة، وهي أن لله السيادة المطلقة، وغيره قد يكون سيدًا إلا أن سيادته مقيدة.



«السيد هو الله؛ إذ كان مالك الخلق أجمعين، ولا مالك لهم سواه»[1].


[1] تهذيب اللغة (13/35).


يجب إثبات اسم السيد لله تعالى، ووجوب الإيمان بأن الله هو مالك الخلق أجمعين، وله السيادة المطلقة؛ لثبوت الحديث به.



تطلق جميع أسماء الله عزّ وجل عليه حقيقة، كما أن بعض معاني تلك الأسماء تطلق على المخلوق حقيقة، لكن الحقيقة تختلف بين الخالق والمخلوق، فكل له حقيقة تناسبه، فبعض الأسماء قد تطلق على الله وعلى العباد؛ كالحي والسميع والبصير والعليم والقدير والملك، وهي حقيقة في كل منهما، وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به ويتضمن هذا الاسم الكمال المطلق له في المالكية والربوبية واحتياج الناس إليه، فهو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده[1].


[1] انظر: بدائع الفوائد (1/296).


لم يرد إطلاق سيد في القرآن على الخالق، وإنما ورد إطلاقه على المخلوق، كما في قوله تعالى عن يحيى عليه السلام: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ *} [آل عمران] ، وقوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] ، ولكن لما وقع إطلاقه صريحًا في حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: قال أبي: انطلقتُ في وفد بني عامر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: أنت سيدنا. فقال: «السيد الله تبارك وتعالى ». قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: «قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم[1]الشيطان»[2].


[1] لا يستجرينكم: أي: لا يتخذنكم جريًا، والجري: الوكيل، ويقال: الأجير أيضًا. انظر: معالم السنن (4/112) [المطبعة العلمية بحلب، ط1، 1352هـ].
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، رقم 4806)، وأحمد (26/235) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والنسائي في الكبرى (كتاب عمل اليوم والليلة، رقم 10004)، والضياء في المختارة (9/468) [دار خضر، ط3]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 3700).


لقد أثبت كثير من العلماء هذا الاسم لله عزّ وجل، قال ابن مندة: «ومن أسماء الله عزّ وجل: السيد السلام السميع»[1]. وقال البيهقي: «ومنها: السيد، وهذا اسم لم يأت به الكتاب، ولكنه مأثور عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم»[2]. وقال قوام السُّنَّة الأصفهاني: «ومن أسمائه تعالى: السيد»[3]. وقال ابن عثيمين: «ومن سُنَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الجميل، الجواد، الحكم، الحيي، الرب، الرفيق، السبوح، السيد»[4].


[1] كتاب التوحيد لابن منده (2/132) [الجامعة الإسلامية، ط1، 1409هـ].
[2] الأسماء والصفات للبيهقي (66) [مكتبة السوادي].
[3] الحجة في بيان المحجة (1/167) [دار الراية، ط2، 1419هـ].
[4] القواعد المثلى لابن عثيمين (16) [الجامعة الإسلامية، ط3، 1421هـ]


المسألة الأولى: حكم إطلاق لفظ (سيد) على المنافق أو الكافر:
لا يجوز أن يقال للمنافق والكافر سيد؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدًا؛ فقد أسخطتم ربكم عزّ وجل» [1]، فالكفرةُ والمنافقون لا كرامة لهم ولا سيادة، وإن حصلت لهم من السيادة الزائفة شيء في بعض الأوقات؛ لأن الشرف والسيادة الحقيقية إنما ينال بطاعة الله تعالى وتقواه؛ والكرامة والشرف والرفعة وعلو الذكر هي أركان السيادة، وإنما هي لأنبياء الله عزّ وجل وأوليائه، قال الله تعالى عن يحيى عليه السلام: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ *} [آل عمران] ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة»[2].
المسألة الثانية: حكم إطلاق لفظ سيد على المخلوق:
يجوز إطلاق سيد على المخلوق[3]، لقوله تعالى عن يحيى عليه السلام: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ *} [آل عمران] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم»[4] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في سعد بن معاذ رضي الله عنهم: «قوموا إلى سيدكم» [5]. ولا تعارض بين هذه الروايات وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: قال أبي: انطلقتُ في وفد بني عامر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: أنت سيدنا. فقال: «السيد الله تبارك وتعالى ». قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً فقال: «قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» [6]، قال ابن الأثير: «كأنه صلّى الله عليه وسلّم كره أن يُحمد في وجهه، وأحبَّ التواضع»[7].
وقال الخطابي: «السيد الله، يريد أن السؤدد حقيقة لله عزّ وجل، وأن الخلق كلهم عبيد له، وإنما منعهم ـ فيما نرى ـ أن يدعوه سيدًا مع قوله: «أنا سيد ولد آدم» ، وقوله لبني قريظة[8]: «قوموا إلى سيدكم» ، يريد سعد بن معاذ، من أجل أنهم قوم حديث عهدهم بالإسلام وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة هي بأسباب الدنيا، وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم ويسمونهم السادات، فعلّمهم الثناء عليه، وأرشدهم إلى الأدب في ذلك، فقال: «قولوا بقولكم» ، يريد: قولوا بقول أهل دينكم وملتكم، وادعوني نبيًّا ورسولاً كما سماني الله عزّ وجل في كتابه فقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} [التحريم: 1] ، {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: 41] ، ولا تسموني سيِّدًا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم، فإني لست كأحدهم؛ إذ كانوا يَسُودونكم بأسباب الدنيا، وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة، فسموني نبيًّا ورسولاً»[9].
ويدل على جواز إطلاق (سيد) على المخلوق قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين» [10]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم لبني سلمة: «من سيدكم؟» [11]، وقول عمر رضي الله عنه حيث كان يقول: «أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا؛ يعني: بلالاً رضي الله عنهم»[12].
المسألة الثالثة: حكم إطلاق السيد (معرفًا) على المخلوق:
يجوز أن يطلق هذا الاسم على المخلوقين بشرط عدم دلالته على أي من معاني الربوبية أو الألوهية، وبشرط كون المسمى به أهلاً لذلك، مع أمن الفتنة والفساد[13]. قال الشيخ بشير السهسواني: «إطلاق السيد والمولى بمعنى غير الرب على الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين جائز لا وجه للمنع منه»[14]. وقد تقدم في المسألة السابقة في قول الخطابي وابن الأثير الجواب عما يظن عدم جوازه استدلالاً بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «السيد الله تبارك وتعالى »[15].
المسألة الرابعة: حكم إطلاق السيد على الله عزّ وجل مضافًا:
لا يجوز إطلاق السيد على الله تعالى مضافًا، فلا يقال: لله جلّ جلاله «سيد الملائكة، أو سيد الناس» [16]، أو سيد الخلق، ويقصد به أنهم يلجؤون إليه، ويقصدونه في الحوائج لما في ذلك إيهام أنه من جنسهم، وهذا لا يجوز؛ لأن الخالق ليس من جنس المخلوق.


[1] أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، رقم 4977)، وأحمد (38/22) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه المنذري والألباني. انظر: الترغيب والترهيب (3/359) [دار الكتب العلمية، ط1]، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم 371).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، رقم 2278)، وهو عند البخاري أيضًا (كتاب تفسير القرآن، رقم 4712) بلفظ: «أنا سيِّد الناس يوم القيامة».
[3] النهج الأسمى (3/144 ـ 184) [مكتبة الإمام الذهبي، الكويت].
[4] تقدم تخريجه.
[5] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 3043)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، رقم 1768).
[6] تقدم تخريجه.
[7] النهاية في غريب الحديث (1/819) [دار المعرفة].
[8] والصحيح ـ والله أعلم ـ: للأنصار، أو الخزرج؛ لأن سعد بن معاذ رضي الله عنه لم يكن قرظيًّا.
[9] معالم السنن (4/112).
[10] أخرجه البخاري (كتاب العتق، رقم 2550).
[11] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (111) [دار البشائر، ط3]، والحاكم في المستدرك (كتاب معرفة الصحابة، رقم 4965) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في صحيح الأدب المفرد (رقم 227) [مكتبة الدليل، ط4، 1418هـ].
[12] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3754).
[13] إطلاق لفظ السيِّد ليوسف السعيد [بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية].
[14] صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان للسهسواني (535) [المطبعة السلفية، ومكتبتها، ط3].
[15] تقدم تخريجه.
[16] روح المعاني (16/490) [دار الفكر].


من آثار هذا الاسم العظيم:
1 ـ أن يدعو الداعي به لأنه المحتاج إليه بالإطلاق، فإن سيد الناس إنما هو رأسهم الذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن رأيه يصدرون، ومن قوله يستهدون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقًا للباري جلّ جلاله ولم يكن بهم غنية عنه في بدء أمرهم وهو الوجود، إذ لو لم يوجدهم لم يوجدوا، ولا في الإبقاء بعد الإيجاد، ولا في العوارض العارضة أثناء البقاء، وكان حقًّا له جل ثناؤه أن يكون سيِّدًا، وكان حقًّا عليهم أن يدعوه بهذا الاسم[1].
2 ـ أن الإنسان مهما بلغ من السيادة في هذه الدنيا فهو سيادة ناقصة زائلة، فلا ينبغي له أن يتكبر، أو يظلم أحدًا ممن جعل الله له عليه السيادة؛ لأن السيادة الكاملة الحقيقية السرمدية لله عزّ وجل، وسيادته ناقصة زائلة.
3 ـ من آثار اسم الله السيد التعلق بالله وحده خوفًا ورجاءً، واستعانة وتوكلاً؛ لأنه المالك المتصرف المدبر لشؤون عباده، قال تعالى: {مَا مِنْ دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] ، وبالتالي يزول الخوف والتعظيم من قلوب الناس نحو سيدٍ من البشر الذي لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا فضلاً عن أن يملكه لغيره، فلا يذل له ولا يخضع، وإنما يذل لله وحده السيد الصمد[2].


[1] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (1/69).
[2] انظر: ولله الأسماء الحسنى (975) [شبكة نور الإسلام]