الشافي: اسم فاعل من شفَى يَشْفي شِفَاءً وهو الإشراف على الشيء، ورفع المرض وبرؤه.
قال ابن فارس: «الشين والفاء والحرف المعتل يدل على الإشراف على الشيء؛ يقال: أشفى على الشيء إذا أشرفَ عليه. وسمِّي الشِّفاء شفاءً لغلَبته للمرض وإشفائه عليه»[1].
وشفاه الله من مرضه شفاء، ممدود. وأشفى على الشيء: أشرف عليه. وأشفى المريض على الموت. واستشفى: طلب الشفاء. وأشفيتك الشيء؛ أي: أعطيتكه تستشفى به. ويقال: أشفاه الله عسلاً، إذا جعله له شفاء[2].
[1] مقاييس اللغة (3/199) [دار الجيل].
[2] الصحاح للجوهري (7/243 ـ 244) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م].
حقيقة اسمه تعالى الشافي يدل على العلمية والوصفية، وأنه من كمال ربوبيته ورحمته على عباده بالشفاء، وأنه المختص بذلك وحده، فلا شفاء إلا شفاؤه. وشفاء الله عزّ وجل نوعان:
الأول: الشفاء المعنوي الروحي وهو الشفاء من علل القلوب، ومن أمراض الشبه والشكوك والشهوات.
والنوع الثاني: الشفاء المادي وهو الشفاء من علل الأبدان، ومن آلامها وأسقامها[1].
[1] انظر: زاد المعاد (4/177) [مؤسسة الرسالة، ط27]، وشرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة للقحطاني (115).
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أتى مريضًا أو أتي به، قال: «أذهب الباس ربّ النّاس، اشف وأنت الشَّافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا»[1].
وعن عبد العزيز بن صهيب قال: دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك رضي الله عنه فقال ثابت: يا أبا حمزة، اشتكيتُ، فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: بلى، قال: «اللَّهُمَّ ربّ الناس مُذهب الباس اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاءً لا يغادر سقمًا»[2].
هذه الأحاديث صريحة في أن الله عزّ وجل هو الشافي، حيث ورد على سبيل الإطلاق معرّفًا بالألف واللام محمولاً عليه المعنى مسندًا إليه، مرادًا به العلمية ودالًّا على كمال الوصفية[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب المرضى، رقم 5675)، ومسلم (كتاب الطب، رقم 2191).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5742).
[3] انظر: أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة لمحمود عبد الرزاق (3/16) [ط1، 1426هـ].
قال ابن منده: «ومن أسماء الله عزّ وجل الشافي»[1].
وقال ابن تيمية ـ بعد سرده لأسماء الله الحسنى التي أوردها الترمذي ـ: «ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين: هو اسمه الشافي كما ثبت في الصحيح»[2].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «لا أعلم أن (الطبيب) من أسماء الله، لكن (الشافي) من أسماء الله، وهو أبلغ من (الطبيب)؛ لأن الطب قد يحصل به الشفاء، وقد لا يحصل»[3].
[1] التوحيد لابن منده (2/139) [مكتبة العلوم والحكم ط1، 1423هـ].
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (22/485) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ].
[3] مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/15) [دار الوطن، دار الثريا، 1413هـ]. وانظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (11/33).
يوصف الله عزّ وجل بالشفاء؛ لأن اسمه تعالى (الشافي) علم ووصف للدلالة على أن الله عزّ وجل هو الذي يرفع البأس والعلل عن الأبدان والصدور كما تقدم. ويدل على اتصاف الله عزّ وجل بالشفاء الكتاب والسُّنَّة.
فمن الكتاب: قوله تعالى ـ حاكيًا عن خليله إبراهيم عليه السلام ـ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ *} [الشعراء] ، وقوله تعالى: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ *} [التوبة] .
وفي «صحيح مسلم» في قصة أصحاب الأخدود، أن الغلام كان يداوي الناس، ويبرئ الأكمه والأبرص فسمع عنه جليس للملك، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: «ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله»[1].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الزهد والرقائق، رقم 3005).
1 ـ يجب على كل مكلف أن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن لا شافي على الإطلاق إلا الله وحده، وأن الشفاء له، وبه ومنه، وأن الأدوية المستعملة لا توجب شفاء، وإنما هي أسباب قد يحصل التأثير بها وقد لا يحصل[1].
2 ـ وينبغي على كل العباد التوجه إليه وسؤاله الشفاء متوسلين إليه باسمه الشافي الدال على تمام ربوبيته وتصرفه في خلقه.
3 ـ ويجب العلم بأن كون الشفاء بيده لا يمنع اتخاذ الأسباب النافعة بالتداوي، وطلب العلاج وتناول الأدوية المفيدة؛ إذ ذلك لا ينافي التوكل على الله واعتقاد أنه هو الشافي[2].
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/533) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
[2] انظر: فقه الأسماء الحسنى للبدر (288، 289) [ط1، 1429هـ].
قد خالف في هذا الاسم الجهمية والمعتزلة، فالجهمية لا يثبتون لله أيُّ اسم لا شافي ولا غيره، فالله عندهم لا يسمى بشيء، وذلك لظنهم أن إثبات الأسماء يلزم منه التشبيه، والمعتزلة أثبتوا الأسماء مجردة عن الصفات، فالله عندهم شافٍ بلا شفاء، كما أنه عالم بلا علم، وقادر بلا قدرة، وحيٌّ بلا حياة... إلخ[1].
[1] انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/235) [مكتبة التخصصية المصرية، ط3، 1389هـ]، ومجموع الفتاوى (6/34 ـ 35) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ]، ومنهاج السُّنَّة النبوية (2/526) [مؤسسة قرطبة ط1].
الرد على المخالفين[1]:
1 ـ أن الله تعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، وأمرنا بدعائه بها، وهذا يقتضي أن تكون دالة على معاني عظيمة تكون وسيلة لنا في دعائنا، فلو كانت أعلامًا محضة لكانت غير دالة على معنى سوى تعيين المسمى، فضلاً عن أن تكون حسنى ووسيلة في الدعاء.
2 ـ قولهم هذا قول باطل مخالف لمقتضى اللسان العربي وغير العربي؛ لأن من المعلوم أن المشتق دال على المعنى المشتق منه، وأنه لا يمكن أن يقال عليم لمن لا علم له، وشافٍ لمن لا شفاء بيده.
3 ـ أن الله تعالى يسمي نفسه باسمين أو أكثر في موضع واحد كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الحشر] ، فلو كانت الأسماء مترادفة ترادفًا محضًا لكان ذكرها مجتمعة لغوًا من القول لعدم الفائدة.
4 ـ أن الاتفاق في الاسم العام لا يقتضي تماثل المسميات في ذلك الاسم عند الإضافة والتقييد والتخصيص، فما سمى الله به نفسه اختص به عند الإضافة، وكذلك ما تسمى به العبد اختص به[2].
[1] انظر: تقريب التدمرية لابن عثيمين (29، 31) [دار الوطن، 1424هـ].
[2] النقطة (4)، انظر: التدمرية لابن تيمية (20 ـ 21) [مكتبة العبيكان، ط8، 1424هـ].
1 ـ «أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرزاق.
2 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
3 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
4 ـ «الجامع لأسماء الحسنى»، لحامد أحمد الطاهر.
5 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، للقحطاني.
6 ـ «شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لحصة بنت عبد العزيز.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
10 ـ «تقريب التدمرية»، لابن عثيمين.