الشخص: هو كل ما له ارتفاع وظهور، من شَخَصَ الشيء يَشْخَصُ، وهو شاخص إذا ارتفع وبان[1].
قال ابن فارس: «الشين والخاء والصاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ارتفاع في شيء»[2].
ويطلق الشخص (المصدر) على سواد الإنسان إذا ظهر من بعيد، وجمعه أشخاص[3].
[1] انظر: النهاية في غريب الحديث (2/450) [دار إحياء التراث بيروت]، والصحاح (3/179) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م].
[2] مقاييس اللغة (3/254) [دار الجيل].
[3] تهذيب اللغة (2/419) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي؛ لضربته بالسيف؛ غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنة»[1].
والحديث صريح في إطلاق الشخص على الله عزّ وجل، ووجه ذلك كما بينه القاضي أبو يعلى هو أن قوله: «لا شخص» نفي من إثبات، وذلك يقتضي الجنس؛ كقولك: لا رجل أكرم من زيد يقتضي أن زيدًا يقع عليه اسم رجل، كذلك قوله: «لا شخص أغير من الله» يقتضي أنه سبحانه وتعالى يقع عليه هذا الاسم[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7416)، ومسلم (كتاب اللعان، رقم 1499)، واللفظ له.
[2] إبطال التأويلات للقاضي أبي يعلى (1/166).
بوَّب البخاري في «صحيحه» قال: «باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا شخص أغير من الله»»[1].
قال الغنيمان: «ومقصد البخاري أن هذين الاسمين ـ أي: الشخص والغيرة ـ يخبر بهما عن الله تعالى وصفًا له؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أثبتهما لله، وهو أعلم الخلق بالله والله تعالى أظهر من كل شيء، وأعظم، وأكبر، وليس في إطلاق الشخص عليه محذور على أصل أهل السُّنَّة الذين يتقيدون بما قاله الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم»[2].
وقال ابن القيِّم: «وفي قوله في حديث آخر: «لا شخص أغير من الله» والمخاطبون بهذا قوم عرب يعلمون المراد منه ولا يقع في قلوبهم تشبيهه سبحانه بالأشخاص؛ بل هم أشرف عقولاً وأصح أذهانًا وأسلم قلوبًا»[3].
[1] صحيح البخاري مع الفتح (13/399) [دار المعرفة، 1379).
[2] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/286، 289) [ط1، 1402هـ].
[3] زاد المعاد لابن القيم (3/594) [مؤسسة الرسالة، ط27، 1415هـ].
ـ حكم إطلاق الذات على الله تعالى:
ورد إطلاق لفظ الذات على الله مضافًا إليه في كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة، كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله»[1] وكما في قول خبيب:
«وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شِلوٍ ممزّع»[2]
وفي قول بعضهم: «أصبنا في ذات الله» والمعنى في طاعة الله وتحقيق مرضاته، وذلك من خلال ما أمر به وأحبه، فإطلاق السلف لهذا اللفظ كان على هذا المعنى. وأما إطلاق المتكلمين وغيرهم من المتأخرين، ليس على هذا المعنى، وإنما كانوا يطلقونه على النفس باعتبار أن الصفات قائمة عليها، فإذا قالوا: (الذات) فقد قالوا التي لها الصفات، فعُلم بذلك الفرق بين إطلاق السلف للفظ (الذات) في حق الله تعالى، وإطلاق المتكلمين[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3358)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2371).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 3045).
[3] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (3/334، 6/342) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ].
أنكرت المعطلة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة إطلاق صفة الشخص على الله عزّ وجل، وزعموا أن مصطلح الشخص يطلق على الأجسام وهو محال على الله تعالى[1].
والصحيح الذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة إثبات صفة الشخص لله عزّ وجل؛ لورودها على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو أعلم بالله من هؤلاء المعطلة، والحديث صحيح في الدلالة على إطلاق الشخص على الله عزّ وجل فيجب إثباته له كما يليق بجلاله من غير تكييف ولا تشبيه.
[1] انظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لبدر الدين بن جماعة (193) [دار السلام، ط1، 1990م]، وأساس التقديس للرازي (121) [مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، 1406هـ]، شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/442) [مكتبة الرشد، ط2، 1423هـ].
1 ـ «إبطال التأويلات»، للقاضي أبي يعلى ابن الفراء.
2 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
3 ـ «أقاويل الثقات»، للمقدسي.
4 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري»، للغنيمان.
5 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
6 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
7 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج7)، لابن تيمية.
8 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
9 ـ «إيضاح الدليل»، لبدر الدين بن جماعة.