قال ابن فارس: «الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما: يدل على مقارنة وخلاف انفراد، والآخر: يدل على امتداد واستقامة، فالأول: الشركة هو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، ويقال: شاركت فلانًا في الشيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلانًا، إذا جعلته شريكًا لك»[1]، وجمع الشَّريك شركاء، ويطلق الشرك على المعاني الآتية:
1 ـ المخالطة، والمشاركة[2].
2 ـ التسوية بين شيئين[3].
3 ـ النصيب والحظ[4].
[1] مقاييس اللغة (3/265).
[2] انظر: المفردات للراغب (451).
[3] انظر: النهاية في غريب الحديث (2/1144)، ولسان العرب (7/99).
[4] انظر: لسان العرب (7/99 ـ 100).
الشرك الأصغر: هو كل ما ورد في الشرع تسميته شركًا، مما هو ذريعة ووسيلة إلى الشرك الأكبر.
وهذا التعريف قد جمع شرطين؛ هما:
ـ وروده في النصوص بلفظ الشرك وتسميته بذلك.
ـ أن يكون ذريعة إلى الشرك الأكبر.
ومما يشهد لهذا التعريف:
ـ ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة، حيث عرفوا الشرك الأصغر، بأنه: «كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، ووسيلة للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركًا»[1].
وهناك من قال: لا يمكن تعريف الشرك الأصغر بتعريف جامع مانع، لكثرة أفراده وتنوعها، وإنما يوضح هذا النوع بذكر أمثلته، وهذا هو ظاهر كلام ابن القيِّم، حيث عرَّف الشرك الأكبر وأما الأصغر، فقد وضحه بأمثلته، فقال رحمه الله: «وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله»[2].
وقد رجح هذا القول بعض المتأخرين من الباحثين[3].
إلا أن كثيرًا من العلماء يرون أنه يمكن تعريف الشرك الأصغر ـ وإن تنوعت أفراده وتعددت صوره ـ، ثم اختلفت عباراتهم في تعريفه، وذلك كما يلي:
1 ـ الشرك الأصغر: هو كل وسيلة وذريعة منافية لكمال التوحيد، يتوصل بها إلى الشرك الأكبر.
قال الشوكاني في تعريفه: «كل ما ينافي كمال التوحيد ويقدح فيه مما لم يبلغ حدِّ الشرك الأكبر»[4].
وقال السعدي: «الشرك الأصغر: هو كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر، من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة»[5].
2 ـ الشرك الأصغر: هو ما ورد في النصوص أنه شرك ولم يصل إلى حدِّ الشرك الأكبر.
قال الشيخ ابن قاسم: «والأصغر: هو ما أتى في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حدَّ الشرك الأكبر»[6].
وقال ابن باز رحمه الله: «أما الشرك الأصغر فهو: ما ثبت بالنصوص من الكتاب أو السُّنَّة تسميته شركًا، ولكنه ليس من جنس الشرك الأكبر»[7].
[1] فتاوى اللجنة الدائمة (1/517).
[2] مدارج السالكين (1/373) [دار الكتب العلمية، ط1، 1403هـ].
[3] انظر: الشرك في القديم والحديث (1/167)، والعقيدة في الله للأشقر (239) [مكتبة الفلاح، ط4، 1983م].
[4] الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، للشوكاني (25) [دار الكتب العلمية، 1930م].
[5] القول السديد شرح كتاب التوحيد للسعدي (121) [دار الثبات، ط1، 1425هـ].
[6] حاشية كتاب التوحيد (50) [ط3، 1408هـ]، وانظر: الإخلاص والشرك الأصغر لعبد العزيز العبد اللطيف (30).
[7] مجموع فتاوى ابن باز (1/56) [دار الوطن، ط1، 1416هـ].
وردت تسمية هذا النوع من الشرك على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما في حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله؛ وما الشرك الأصغر؛ قال: الرياء»[1].
وهذا الحديث وإن كان ورد في تسمية الرياء بذلك، إلا أن العلماء أطلقوا هذا الاسم على غير الرياء؛ لورود ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، ولتمييز ذلك عن الشرك الأكبر.
[1] أخرجه أحمد (39/39) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وحسن إسناده ابن حجر في بلوغ المرام (رقم 1484) [دار أطلس، ط3]، وجوَّد إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 950).
حكم الشرك الأصغر:
الشرك الأصغر محرم؛ بل هو من أكبر الكبائر، فهو أكبر من الزنا ومن شرب الخمر، ونحوهما من الكبائر، إلا أنه لا يخرج من ملة الإسلام.
وقد وردت النصوص بالتحذير والتخويف منه؛ كقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا *} [الكهف] ، فالآية تشمل الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر[1].
حكم مرتكب الشرك الأصغر:
اختلف العلماء فيمن مات على الشرك الأصغر من غير توبة، هل يدخل تحت المشيئة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، على قولين للعلماء:
ـ القول الأول: أن الشرك بنوعيه لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، فلا يدخل تحت المشيئة، لظاهر قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}.
ـ القول الثاني: أن الشرك الأصغر داخل تحت المشيئة، بخلاف الأكبر، وإن كان قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} دالًّا على العموم، لكنه عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر دون الأصغر؛ لأنه غالبًا ما يرد في القرآن هذا لفظ ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ *} [المائدة] ، فهذه الآية لا يدخل فيها الشرك الأصغر بالإجماع؛ لأن تحريم الجنة، والخلود في النار، إنما هو لمن مات على الشرك الأكبر.
وقد رجح هذا القول العلامة ابن القيِّم[2]، وهو القول الثاني لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة، ومال إليه الشيخ عبد الرحمن السعدي.
ومما يؤيد هذا القول: أن الموازنة لا تقع في أنواع الشرك، وإنما هي واقعة بين الحسنات والسيئات[3].
[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (526، 162) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ].
[2] انظر: مدارج السالكين (1/59).
[3] انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (45 ـ 47) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ]، والقول المفيد على كتاب التوحيد (1/114) [دار ابن الجوزي، ط2، 1424هـ].
الشرك الأصغر فيه تعلق بالمخلوق، وإن كان هذا التعلق ليس تامًّا ولم يقصد صاحبه التسوية التامة بين الخالق والمخلوق من جميع الوجوه ـ وهذا الذي ميزه عن الشرك الأكبر ـ مع ذلك فقد خافه النبي صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه أن يقعوا فيه؛ لأنه يقود العبد إلى ما هو أعظم منه وهو الشرك الأكبر، لذا نجد النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فصل في ذكر أمثلته وعرض صوره لكي تحذر أمته من الوقوع فيها، ومن صور الشرك الأصغر:
1 ـ الشرك في الألفاظ: كالحلف بغير الله عزّ وجل، وقول: ما شاء الله وشئت، وقول: لولا الله وفلان.
2 ـ الشرك في الأفعال: كلبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، وتعليق التمائم خوفًا من العين وغيرها، إذا اعتقد أنها أسباب لرفع البلاء أو دفعه.
3 ـ الشرك في الإرادات والنيات كالرياء والسمعة.
قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا *} [الكهف] ، فالآية تشمل الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر، وقد احتج بها ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف على الشرك الأصغر[1]. وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ *} [الروم] .
ومن السُّنَّة: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله؛ وما الشرك الأصغر؛ قال: الرياء»[2].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [3]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك»[4].
[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (526، 162) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ]. وأثر ابن عباس: أخرجه الطبري في تفسيره (18/135) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] تقدم تخريجه.
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الأيمان والنذور، رقم 3251)، والترمذي (أبواب النذور والأيمان، رقم 1535) وقال: «هذا حديث حسن»، وأحمد (9/422) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب الأيمان، رقم 4358)، وصحَّحه الألباني في إرواء الغليل (رقم 2561).
[4] أخرجه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3883)، وابن ماجه (كتاب الطب، رقم 3530)، وأحمد (6/110) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب الرقى والتمائم، رقم 6090)، والحاكم (كتاب الطب، رقم 7505) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 331).
ـ قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقًا»[1].
ـ وقال ابن تيمية رحمه الله: «وأعظم الذنوب عند الله الشرك به، وهو سبحانه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، والشرك منه جليل ودقيق، وخفي وجلي»[2].
ـ وقال ابن القيِّم رحمه الله: «فأما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلظة، ونجاسة مخففة، فالمغلظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عزّ وجل، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، والمخففة: الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للمخلوق»[3].
[1] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (كتاب الأيمان والنذور، رقم 15929)، وابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الأيمان والنذور والكفارات، رقم 12281) [مكتبة الرشد، ط1].
[2] جامع الرسائل، لابن تيمية (2/254) [دار العطاء، الرياض ط1، 1422هـ].
[3] مدارج السالكين (1/59).
ـ كفارة الشرك الأصغر:
ورد النص على كفارة بعض أنواع الشرك الأصغر، فمن ذلك:
1 ـ ما ورد في كفارة الحلف بغير الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف فقال في حلفه: واللاَّت والعزى، فليقل: لا إله إلا الله»[1].
قال سليمان بن عبد الله: «وأما كونه أمر من حلف باللات والعزى أن يقول: لا إله إلا الله؛ فلأن هذا كفارة له مع استغفاره، كما قال في الحديث الصحيح: «من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله» ، وفي رواية: «فليستغفر» [2]، فهذا كفارة له في كونه تعاطى صورة تعظيم الصنم حيث حلف به، لا أنه لتجديد إسلامه، ولو قدر ذلك فهو تجديد لإسلامه لنقصه بذلك لا لكفره»[3].
2 ـ ما ورد في كفارة الطيرة:
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ردته الطيرة عن حاجة، فقد أشرك» ، قالوا: يا رسول الله! ما كفارة ذلك؟ قال: «أن يقول أحدهم: اللَّهُمَّ لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك»[4].
[1] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4860)، ومسلم (كتاب الأيمان، رقم 1647).
[2] لم نقف على هذه الرواية في شيء من كتب السُّنَّة.
[3] تيسير العزيز الحميد (593).
[4] أخرجه أحمد (11/623) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن السّني في عمل اليوم والليلة (254) [دار القبلة]، قال الهيثمي: «فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات». مجمع الزوائد (5/105) [مكتبة القدسي]، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/54).
الفرق بين الشرك الأصغر والأكبر:
ذكر العلماء فروقًا كثيرة بين هذين النوعين من الشرك، أهمها ما يلي:
1 ـ أن الشرك الأكبر لا يغفر الله لصاحبه إلا بالتوبة، وأما الأصغر فتحت المشيئة.
2 ـ أن الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال، وأما الأصغر فلا يحبط إلا العمل الذي قارنه.
3 ـ أن الشرك الأكبر مخرج لصاحبه من ملة الإسلام، وأما الشرك الأصغر فلا يخرجه منها.
4 ـ أن الشرك الأكبر صاحبه خالد في النار ومحرمة عليه الجنة، وأما الأصغر فكغيره من الذنوب[1].
[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (526، 162) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ]، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد (45 ـ 47) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ]، والقول المفيد على كتاب التوحيد (1/114) [دار ابن الجوزي، ط2، 1424هـ]، والشرك في القديم والحديث (176) [مكتبة الرشد، ط2، 1426هـ].
1 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
2 ـ «جامع الرسائل»، لابن تيمية.
3 ـ «حاشية كتاب التوحيد»، لابن قاسم.
4 ـ «الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد»، للشوكاني.
5 ـ «الشرك في القديم والحديث»، لأبي بكر زكريا.
6 ـ «العقيدة في الله»، لعمر الأشقر.
7 ـ «القول السديد شرح كتاب التوحيد»، للسعدي.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع ابن باز».
10 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.