الشريعة في اللغة: يدور معناها على الوضوح، والانفتاح بامتداد واتساع، يقول ابن فارس: «الشين والراء والعين أصلٌ واحد، وهو شيء يَفتح في امتداد يكون فيه، من ذلك الشَّريعة، وهي مَوِرد الشاربة الماء. واشتق من ذلك الشِّرْعة في الدين، والشريعة»[1].
ويقول الأزهري: «شَرَع: بَيّن وأوضح، والشَّريعة في كلام العرب: المَشْرعة التي يَشْرعها الناس، فيشربون منها ويستقون، والعرب لا تسميها شَريعة حتى يكون الماء عِدًّا لا انقطاع له، ويكون ظاهرًا معينًا لا يُستقى منه بالرِّشاء وبها سمي ما شرع الله للعباد شَرِيعة»[2].
[1] مقاييس اللغة (3/262) [دار الجيل، ط1، 1411هـ].
[2] تهذيب اللغة (1/425) [الدار المصرية للتأليف].
لفظ الشريعة يراد به عدة معان:
الأول: أن الشريعة لفظ يشمل العقائد والأعمال، قال ابن تيمية: «وكذلك اسم الشريعة والشرع والشرعة، فإنه ينتظم كل ما شرعه الله من العقائد والأعمال»[1]. وقال ابن الأثير عن الشريعة: «وهو ما شرع الله لعباده من الدين؛ أي: سنَّه لهم وافترضه عليهم»[2].
الثاني: أن الشريعة يراد بها فقه الأحكام، يقول شيخ الإسلام: «الشريعة هي الأمر والنهي، والحلال والحرام، والفرائض والحدود، والسُّنن والأحكام»[3]. وقال الجرجاني: «الشريعة هي الائتمار بالتزام العبودية، وقيل: الشريعة هي الطريق في الدين»[4].
الثالث: أن الشريعة هي: «العقائد التي يعتقدها أهل السُّنَّة من الإيمان»[5]، وعلى هذا المعنى سمّى الآجري كتابه الشريعة، وكذا ابن بطة في كتابه الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية.
فالشريعة تشمل العقائد والأعمال، وقد تطلق على العمل وحده، أو على الاعتقاد وحده. أما تخصيص الشريعة بمعنى الأعمال التي يسمى علمها علم الفقه، وأنه لا يطلق إلا عليه فهو غير صحيح.
[1] مجموع الفتاوى (19/306) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ].
[2] النهاية في غريب الحديث (2/460) [دار إحياء التراث العربي].
[3] مجموع الفتاوى (3/362).
[4] التعريفات (167) [عالم الكتب، ط1، 1407هـ].
[5] مجموع الفتاوى (19/306).
قول الصوفية في التفريق بين الشريعة والحقيقة:
يفرِّق الصوفية بين الشريعة والحقيقة، ويجعلون الغاية هي الحقيقة المغايرة للشريعة! والشريعة هي علم الظاهر، والحقيقة علم الباطن الذي هو للخواص! والحقيقة عندهم ترك الأمر والنهي، والاكتفاء بشهود القدر، وشهود الربوبية، يقول القشيري: «الشريعة أمر بالتزام العبودية، والحقيقة مشاهدة الربوبية، فالشريعة أن تعبده، والحقيقة أن تشهده، والشريعة قيام بما أمر، والحقيقة شهود لما قضى وقدر، وأخفى وأظهر»[1].
وحقيقة قولهم كما قال ابن الجوزي: «إنه على الحقيقة طيٌّ لبساط الشريعة»[2].
[1] الرسالة القشيرية (168) [دار الشعب، 1409هـ].
[2] تلبيس إبليس (324).
خالف الصوفية الالتزام بالشريعة، فأسقطوها عن الخواص واكتفوا بالحقيقة، فأبطلوا التكاليف، وقعدوا عن العبادات، وجعلها دين العوام، أما الخواص فلهم الحقيقة والتي عنوا بها شهود الربوبية والقضاء والقدر؛ بل يصل الأمر بهم هنا إلى القول بوحدة الوجود، وكل هذا كفر أكبر، وخروج عن الدين، ومخالفة لما جاء به الرسل من الشرائع، قال ابن القيِّم: «قالوا: لكم العلم الظاهر ولنا الكشف الباطن، ولكم ظاهر الشريعة وعندنا باطن الحقيقة، ولكم القشور ولنا اللباب، فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسُّنَّة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار، ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات، وأوهمهم أنها من الآيات البينات»[1].
[1] إغاثة اللهفان (1/119).
1 ـ «الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية»، لابن بطة.
2 ـ «تاريخ التشريع الإسلامي»، لمناع القطان.
3 ـ «تلبيس إبليس»، لابن الجوزي.
4 ـ «الشريعة»، للآجري.
5 ـ «مجموع الفتاوى» (ج19)، لابن تيمية.
6 ـ «مصادر التشريع ومنهج الاستدلال والتلقي عند أهل السُّنَّة ومخالفيهم»، لحمدي عبد الله.
7 ـ «مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية»، لإدريس محمود إدريس.