الشَّكُور: اسم مشتق من الفعل: شَكَر يَشْكُر شُكْرًا وشَكرًا وهو شاكرٌ وشَكُور، ومعناه: الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف، ويطلق على الامتلاء والغُزْر في الشيء[1]، ويقال: إن أصل الشكر في الكلام: الظهور، ومنه يقال: شَكِير النبت. وشَكَر الضرع؛ إذا امتلأ، وامتلاؤه: ظهوره، ويقال: دابة شكور، وهو السريع السمن، فسرعة سمنه ظهور أثر صاحبه عليه[2].
ولهذا قال الليث: «الشُّكْرُ: عرفان الإحسان ونشره، وحمد موليه»[3]، ففيه إظهار أثر نعمة المنعم بالقول والفعل.
[1] انظر: مقاييس اللغة (3/207 ـ 208) [دار الجيل]، الصحاح (2/265) [دار العلم، ط4، 1990م].
[2] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (47) [دار الثقافة العربية، 1974هـ].
[3] تهذيب اللغة (3/314) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
ورد ثبوت اسمه تعالى (الشكور) في القرآن الكريم، وأجمعت الأمة على ثبوته.
فمما ورد في القرآن قوله : {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ *} [فاطر] ، وقوله تبارك وتعالى : {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ *} [فاطر] .
وأما الإجماع فقد ذكره القرطبي فقال: «وجاء شكور في عداد الأسماء، وأجمعت عليه الأمة»[1].
[1] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/321) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
قال الطبري في قوله تعالى: {وَاللَّهُ شَكُورٌ} [التغابن: 17] : «يقول: والله ذو شكر لأهل الإنفاق في سبيله، بحسن الجزاء لهم على ما أنفقوا في الدنيا في سبيله»[1].
وقال أبو القاسم الأصبهاني: «ومن أسماء الله تعالى: الشاكر والشكور: المخلوق يشكر من أحسن إليه، والله يشكر لنا إحساننا إلى أنفسنا»[2].
وقال ابن القيِّم: «وأما شكر الرب تعالى فله شأن آخر كشأن صبره، فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور؛ بل هو الشكور على الحقيقة، فإنه يعطي العبد ويوفقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء، فلا يستقله أن يشكره ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة، ويشكر عبده بقوله بأن يثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى ويلقي له الشكر بين عباده ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئًا رده عليه أضعافًا مضاعفة، وهو الذي وفقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك»[3].
وقال السعدي: «الشاكر والشكور، من أسماء الله تعالى، الذي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه، العظيم من الأجر، الذي إذا قام عبده بأوامره، وامتثل طاعته، أعانه على ذلك، وأثنى عليه ومدحه، وجازاه في قلبه نورًا وإيمانًا وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطًا، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق»[4].
[1] تفسير الطبري (23/428)
[2] الحجة في بيان المحجة (1/130) [دار الراية].
[3] عدة الصابرين لابن القيم (240) [دار الكتب العلمية].
[4] تفسير السعدي (76) [مؤسسة الرسالة، ط1].
المسألة الأولى: اسم الله الشاكر:
لقد ورد اسم الله (الشاكر) في القرآن في مثل قوله تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ *} [البقرة] ، وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا *} [النساء] .
قال أبو القاسم الأصبهاني: «ومن أسماء الله تعالى: الشاكر»[1].
وقال السعدي: «الشاكر والشكور، من أسماء الله تعالى»[2].
كما ذكره ابن عثيمين ضمن الأسماء الواردة في القرآن[3].
المسألة الثانية: يشتق من اسمه تعالى (الشكور):
الشكر صفة لله تعالى، فيوصف الله عزّ وجل بأنه شاكر وشكور وذو شكر، والشكر من صفاته الفعلية الدالة على سعة فضله وكرمه وجزيل عطائه وعظم ثوابه، وقد تقدمت الأدلة على ذلك، والله يجازي كل شكور.
[1] الحجة في بيان المحجة (1/130).
[2] تفسير السعدي (76).
[3] انظر: القواعد المثلى (79)، عليه شرح فتح العلي الأعلى.
الفرق بين الشاكر والشكور:
الشاكر اسم فاعل، والشكور فعول بمعنى فاعل إلا أنه صيغة مبالغة يفيد كثرة الشكر.
وقيل: الشاكر من وقع منه الشكر، والشكور المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته، ومع ذلك لا يوفي حقه؛ لأن توفيقه للشكر نعمة تستدعي شكًرا آخر لا إلى نهاية، وإليه يشير قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ *} [سبأ] [1].
الفرق بين الحمد والشكر:
قال ابن القيِّم: «الفرق بينهما: أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب، ومعنى هذا: أن الشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا، ومتعلقه: النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله. والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان»[2].
[1] انظر: الفروق اللغوية للعسكري (302) [مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1412هـ].
[2] مدارج السالكين لابن القيم (2/246).
1 ـ يجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه هو الشاكر والشكور على الإطلاق، وأن شكره تعالى واجب على كل مكلف من غير خلاف؛ لأنه الذي يقبل القليل ويعطي الكثير.
2 ـ ويجب الاجتهاد في شكره سبحانه والثناء عليه بالقلب واللسان وكل الجوارح، وذلك من خلال الامتثال بأوامره سبحانه واجتناب نواهيه، فشكر القلب أن لا يشغله بغير ذكره ومعرفته، وشكر اللسان أن لا يستعمل في غير ثنائه ومدحه، وشكر الجوارح أن لا تستعمل في غير طاعته.
3 ـ وعلى المسلم أن يشكر من أسدى إليه معروفًا من الناس، وقد ربط الله عزّ وجل شكره بشكر الوالدين فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *} [لقمان] . وصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»[1].
4 ـ التوجه إلى الله وسؤاله باسميه الشاكر والشكور، متوسلاً بهما إليه أن يتقبل صالح أعماله ويغفر زلاته، فإنه غفور شكور[2].
[1] أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، رقم 4811)، والترمذي (أبواب البر والصلة، رقم 1954) وصحَّحه، وأحمد (12/472) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/776) [مكتبة المعارف، ط1425هـ].
[2] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/326 ـ 328)، فقه الأسماء الحسنى للبدر (208) [ط1، 1429].
قد خالف في هذا الاسم الجهمية والمعتزلة، فالجهمية لا يثبتون لله أيُّ اسم لا شاكرًا ولا شكورًا ولا غيرهما، فالله عندهم لا يسمى بشيء؛ وذلك لظنهم أن إثبات الأسماء يلزم منه التشبيه، والمعتزلة أثبتوا الأسماء مجردة عن الصفات، فالله عندهم شاكر بلا شكر كما أنه عالم بلا علم، وقادر بلا قدرة وحيٌّ بلا حياة... إلخ[1].
[1] انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/235) [مكتبة التخصصية المصرية، ط3، 1389هـ]، ومجموع الفتاوى (6/34 ـ 35) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ]، ومنهاج السُّنَّة النبوية (2/526) [مؤسسة قرطبة، ط1].
الرد على المخالفين[1]:
1 ـ أن الله تعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، وأمرنا بدعائه بها، وهذا يقتضي أن تكون دالّة على معانٍ عظيمة تكون وسيلة لنا في دعائنا، فلو كانت أعلامًا محضة لكانت غير دالّة على معنى سوى تعيين المسمى، فضلاً عن أن تكون حسنى ووسيلة في الدعاء.
2 ـ قولهم هذا مخالف لمقتضى اللسان العربي وغير العربي؛ لأن من المعلوم أن المشتق دال على المعنى المشتق منه، وأنه لا يمكن أن يقال: عليم لمن لا علم له وشكور لمن لا شكر له.
3 ـ أن الله تعالى يسمي نفسه باسمين أو أكثر في موضع واحد؛ كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الحشر] ، فلو كانت الأسماء مترادفة ترادفًا محضًا لكان ذكرها مجتمعة لغوًا من القول لعدم الفائدة.
4 ـ أن الاتفاق في الاسم العام لا يقتضي تماثل المسميات في ذلك الاسم عند الإضافة والتقييد والتخصيص، فما سمى الله به نفسه اختص به عند الإضافة، وكذلك ما تسمى به العبد اختص به[2].
[1] انظر: تقريب التدمرية لابن عثيمين (29، 31) [دار الوطن، 1424هـ].
[2] انظر: التدمرية لابن تيمية (20 ـ 21) [مكتبة العبيكان، ط8، 1424هـ].
1 ـ «أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرزاق.
2 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
3 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
5 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ كتاب «التوحيد»، لابن منده.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.