يدور معنى كلمة (الشهيد) في اللغة حول الحضور والعلم والرؤية والسمع والإدراك.
فحرف «الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور وعلم وإعلام، لا يخرُج شيءٌ من فروعه عن الذي ذكرناه. من ذلك الشَّهادة، يجمع الأصولَ التي ذكرناها من الحضور، والعلم، والإعلام والشهيد: القتيل في سبيل الله، يقال: شهد فلان عند القاضي، إذا بيّن وأعلم لمن الحق وعلى من هو»[1].
وقال الأزهري: «والشهيد في أسماء الله وصفاته، قال أبو إسحاق: هو الأمين في شهادته، قال: وقيل: الشهيد: الذي لا يغيب عن علمه شيء وشهد فلان بحق فهو شاهد وشهيد»[2].
[1] مقاييس اللغة (3/221) [دار الجيل، ط2]، وانظر: القاموس المحيط (372) [مؤسسة الرسالة].
[2] تهذيب اللغة (6/48) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2001م].
الشهيد صيغة مبالغة لاسم الفاعل (شاهِد) جاء على وزن (فعيل)؛ للمبالغة التي تدل على الإحاطة التامة بالشيء علمًا وسمعًا وبصرًا، وهذا المعنى وهو الذي دلَّت النصوص على إثباته لله والله أعلم[1].
[1] انظر: شأن الدعاء (75)، وتفسير السعدي (948، الحق الواضح المبين للسعدي (58) [دار ابن القيم، ط2]، ومدارج السالكين (3/466).
قال الخطابي: «الشهيد: هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهد وشهيد كعالم وعليم؛ أي: كأنه الحاضر الشاهد الذي لا يعزب عنه شيء»[1].
وقال ابن القيِّم في قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *} [فصلت] : «فشهد سبحانه لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بقوله أن ما جاء به حق، ووعده أن يرى العباد من آياته الفعلية الخلقية ما يشهد بذلك أيضًا، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك وأجلّ، وهو شهادته سبحانه على كل شيء، فإن من أسمائه الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء؛ بل هو مطلع على كل شيء، مشاهد له، عليم بتفاصيله»[2].
وقال السعدي: «الشهيد؛ أي: المطلع على جميع الأشياء. سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه»[3].
[1] شأن الدعاء (75).
[2] مدارج السالكين (3/466).
[3] تفسير السعدي (948).
ـ الشهادة صفة من صفات الله دلَّ عليها اسمه الشهيد:
كمـا فـي قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *} [فصلت] .
و«أصل الشهادة: الرؤية، وقد شاهدت الشيء: رأيته، والشهد: العسل على ما شوهد في موضعه، وقال بعضهم: الشهادة في الأصل إدراك الشيء من جهة سمع أو رؤية فالشهادة تقتضي العلم بالمشهود»[1].
[1] الفروق اللغوية للعسكري (96) [دار العلم والثقافة].
الفرق بين الرقيب والشهيد:
يدور معنى كل من الرقيب والشهيد حول معنى الإحاطة العلمية التامة الكاملة بجميع المخلوقات. لكن الرقيب فيه زيادة حفظ[1].
فالشهيد هو المحيط بالأمور علمًا وسمعًا وبصرًا، والرقيب هو الحفيظ الذي لا يغيب عن حفظه شيء من شؤون خلقه، فما من كبيرة ولا صغيرة، ولا ظاهرة ولا خفية، في السماوات والأرض وما بينهما، إلا هو مطلع عليها. قال الزجاج: «الرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه. يقال: رقبت الشيء أرقبه رَقَبَة، وقال الله تعالى ذكره: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ *} [ق] وهو تعالى الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء»[2].
وذكر السعدي أن هذين الاسمين مترادفان، فقال: «(الرقيب) و(الشهيد) مترادفان، وكلاهما يدلُّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *} [النساء] ، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *} [المجادلة] ، ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد»[3].
[1] المنهاج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (2/507) لزين محمد شحاته [مكتبة العواصم].
[2] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (51) [دار المأمون للتراث، ط5، 1406هـ].
[3] الحق الواضح للسعدي (58).
من الآثار العظيمة المترتبة على الإيمان باسم الله الشهيد: مراقبة الله في السر والعلن، والاجتهاد في طلب محابه تبارك وتعالى والسعي إلى تحقيق مراضيه، والبعد عن مساخطه، واجتناب مناهيه قال السعدي رحمه الله في معرض حديثه عن اسمي الرقيب والشهيد: «(الرقيب) و(الشهيد) مترادفان، وكلاهما يدلُّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *} [النساء] ، وقال تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *} [المجادلة ] ، فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة، والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر، وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه»[1].
[1] الحق الواضح المبين للسعدي (58 ـ 59).
1 ـ «أسماء الله الحسنى»، لعبد الله الغصن.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «تفسير السعدي».
4 ـ «الحق الواضح المبين»، السعدي.
5 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
6 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لسعيد القحطاني.
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.