حرف الشين / الشَّيء

           

الشَّيء: عبارة عن كل موجود، إما حسًّا كالأجسام، إمّا معنىً كالأقوال، وقيل: إنه يختص بالموجود، وقيل هو أعم العام[1].


[1] انظر: تاج العروس (1/293) [طبع وزارة الإرشاد والأنباء، الكويت، 1385هـ].


الشيء: اسم لما يوجد في الأعيان ولما يتصور في الأذهان[1].
وقيل: هو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيشمل الموجود والمعدوم، ممكنًا أو محالاً[2].


[1] مجموع الفتاوى (8/10).
[2] انظر: الكليات للكفوي (525) [مؤسسة الرسالة، 1419هـ].


يجوز إطلاق لفظة (شيء) على الله عزّ وجل أو على صفة من صفاته من باب الإخبار، لا من باب الأسماء، فلا يجوز أن تقول: (الشيء) اسم من أسماء الله تعالى، ويجوز أن تخبر فتقول: الله شيء، لكنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[1].
قال ابن تيمية رحمه الله: «فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل، وبه يظهر الفرق بين ما يدعى الله به من أسمائه الحسنى، وبين ما يخبر به عنه قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] . مع قوله: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] . ولا يقال في الدعاء: يا شيء»[2]


[1] انظر: صفات الله عزّ وجل للسقاف (217).
[2] درء التعارض (1/298) [طبعة جامعة الإمام، ط2، 1411هـ].


من الأدلة التي تدل على جواز إطلاق لفظ: (الشيء) على الله تعالى من القرآن الكريم قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] .
وقوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] .
وقوله تعالى: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93] .
فوجه الله صفة ذات لله تعالى، والقرآن كلام الله، وهو صفةٌ من صفاته، والقول في الصفة كالقول في الذات.
وأما الأدلة من السُّنَّة؛ فمنها: حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لرجل: «أمعك من القرآن شيء؟» قال: نعم؛ سورة كذا وسورة كذا، لسور سماها[1].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في خبر عمران بن الحصين رضي الله عنه: «كان الله ولم يكن شيء قبله»[2].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا شيء أغير من الله»[3].
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل»[4].
وأخيرًا: إن العقل يدل على ذلك؛ فمن المعلوم أن الشيء عبارة عما يصح أن يعلم ويخبر عنه وذات الله تعالى كذلك فيكون شيئًا.


[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7417).
[2] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7418).
[3] أخرجه البخاري (كتاب النكاح، رقم 5222)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2762).
[4] أخرجه البخاري (كتاب الأدب، رقم 6147)، ومسلم (كتاب الشعر، رقم 2256).


وردت أقوال كثيرة لأهل العلم في جواز إطلاق الشيء على الله؛ بل يكاد يكون إجماع من أهل السُّنَّة على ذلك[1]، ومن ذلك:
أن البخاري بوّب في «صحيحه»[2] بابًا فقال: «باب: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19] . فَسَمَّى الله تعالى نفسه شيئًا وسمَّى النبي صلّى الله عليه وسلّم القرآن شيئًا وهو صفة من صفات الله وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] ».
وقال الإمام الدارمي: «لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة، وأن لا شيء ليس له حد ولا صفة، فلذلك قلتم: لا حد له، وقد أكذبكم الله تعالى فسمى نفسه أكبر الأشياء وأعظم الأشياء وخلاق الأشياء، قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] ، وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] ، فهو سمى نفسه أكبر الأشياء وأعظم الأشياء وخلاق الأشياء، وله حد وهو يعلمه لا غيره»[3].
وقال ابن القيِّم: «إن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا»[4].


[1] انظر: شرح السُّنَّة للبغوي (1/172)، وشعب الإيمان للبيهقي (1/138)، والانتصار للعمراني (1/246)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (6/142)، و(9/300 ـ 301)، وبدائع الفوائد (1/162) [مكتبة مصطفى الباز، ط1]، وفتح الباري لابن حجر (13/402 ـ 403).
[2] صحيح البخاري (6/2698) (كتاب التوحيد).
[3] الرد على الجهمية للدارمي (98).
[4] بدائع الفوائد (1/169).


الفرق بين الشيء والموجود:
قيل: هما بمعنى واحد؛ وذلك أن الموجودين لا بد أن يتفقا في اسم الشيء، فإذا لم يكن هناك قدر اتفقا فيه أصلاً لزم أن لا يكونا جميعًا موجودين[1]، وعليه؛ فمعنى شيء هو معنى موجود.


[1] انظرا: الدرء لابن تيمية (2/415).


المخالفون لأهل السُّنَّة في هذا اللفظ قسمان؛ الأول: الجهم بن صفوان وعبد الله الناشئ ومن اتبعهما، ينكرون أن يطلق على الله لفظ (الشيء)، ونُقل عن جهم أيضًا قوله: لا أقول إن الله شيء، ولا أنه لا شيء، وربما قالت الجهمية: هو شيء لا كالأشياء، فإذا نفى القدر المشترك مطلقًا لزم التعطيل العام[1]. ويحكى عن الجهم أنه كان يقول: لا أقول إن الله سبحانه شيء؛ لأن ذلك تشبيه له بالأشياء، ولأنه تعالى خالق كل شيء فلا شيء إلا مخلوق.
القسم الثاني: الأشاعرة والماتريدية[2]، حيث جعلوا (الشيء) اسمًا من أسماء الله، فجعلوه من باب الأسماء لا من باب الإخبار.
الردّ على القسمين:
أما قول الجهم وأتباعه فباطل؛ لأن الله نفى عن نفسه المثيل والند والسمي والكفؤ في كتابه في أكثر من آية، وكذلك ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك ولو في أصل الوجود، ولكن بينهما تميز كبير وواضح، يقول شيخ الإسلام في رده على الجهم في نفيه إطلاق الشيء على الله بزعمه نفي التشبيه: «وقوله باطل؛ فإنه سبحانه وإن كان لا يماثله شيء من الأشياء في شيء من الأشياء فمن المعلوم بالعقل أن كل شيئين فهما متفقان في مسمى الشيء، وكل موجودين فيها متفقان في مسمى الوجود، وكل ذاتين فهما متفقان في مسمى الذات»[3]. فبما أن وجود الله يليق به، وهو لا يشبه وجود المخلوق، فكذلك يقال في جميع الصفات والأخبار، فالقول فيها من باب واحد.
ويجاب أيضًا: بأن الله تعالى قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] والمستثنى داخل في المستثنى منه، فوجب أن يكون شيئًا[4].
أما الجواب على كلام الأشاعرة والماتردية: فهو أن يقال: إن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء، وباب الأسماء توقيفي، وأما باب الإخبار فغير توقيفي كما تقرر قريبًا من كلام ابن تيمية وابن القيِّم رحمهما الله .
وكذلك أسماؤه سبحانه وتعالى كلها حسنى، دالّة على أوصاف الكمال التي يمدح بها، ويثنى عليه بها[5]، والشيء ليس فيه ما يدل على صفة كمال، ولا مما يمدح ويثنى به على الرب جلّ جلاله؛ إذ غاية ما فيه إثبات الموجود.
كما أن الله تعالى شرع لعباده دعاءه بأسمائه الحسنى فقال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] ، والشيء قد لا تظهر فيه مشروعية الدعاء به.


[1] انظر مقولة الجهم هذه في: مقالات الإسلاميين للأشعري (280) [دار إحياء التراث العربي، ط3]، والملل والنحل للبغدادي (1/86 ـ 87)، والفصل في الملل لابن حزم (4/155) [مكتبة الخانجي، القاهرة]، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي (96) [المكتبة الأزهرية للتراث، ط2، 1977م]، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (68) [دار الكتب العلمية، ط. 1402هـ]، ودرء التعارض (5/178)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (3/75) (8/460) (12/311)، وفتح الباري لابن حجر (13/403) [دار المعرفة، ط. 1379هـ]، ومقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية (1/385) لياسر القاضي [مكتبة أضواء السلف].
[2] انظر: لوامع البينات للرازي (359) [دار الكتاب العربي، ط1، 1404هـ]، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود (3/1041) [مكتبة الرشد، ط1، 1415هـ]، والماتريدية دراسة وتقويمًا لأحمد الحربي (220) [دار العاصمة، ط1، 1413هـ]، وأحال إلى كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (42، 94)، وانظر أيضًا: التفسير الكبير للرازي (1/26 ـ 28) [دار إحياء التراث العربي].
[3] درء التعارض (2/415)، وانظر أوجه الرد على هذه المقالة والتفصيل فيها: مقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية لياسر القاضي (1/440 ـ 448).
[4] انظر: الحيدة والاعتذار للكناني (48)، والانتصار في الرد على المعتزلة للعمراني (2/581).
[5] انظر: الحجة لقوام السُّنَّة (1/178)، وشرح النونية للهراس (2/503).


1 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيِّم.
2 ـ «التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع»، للملطي.
3 ـ «الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن»، لعبد العزيز بن يحيى الكناني.
4 ـ «الرد على الجهمية»، للدارمي.
5 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري»، للغنيمان.
6 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج6)، لابن تيمية.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد خليفة التميمي.
9 ـ «مقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية» (ج1)، لياسر القاضي.
10 ـ «نقض الإمام عثمان بن سعيد الدارمي على المريسي الجهمي العنيد»، للدارمي.