حرف الصاد / صالح عليه السلام

           

هو: صالح بن عبيد بن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود بن جاثم بن إرم بن سام بن نوح[1].
وقد ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه المشهور أن صالحًا عليه السلام من جملة الأنبياء العرب، ففي الحديث أنه قال رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذر، أربعة ـ يعني: من الرسل ـ سريانيون: آدم وشيث ونوح وأخنوخ، وهو أول من خط بالقلم، وأنزل الله تعالى على أخنوخ ثلاثين صحيفة، وأربعة من العرب: هود وشعيب وصالح ونبيِّك محمد صلّى الله عليه وسلّم»[2].


[1] انظر: تاريخ الطبري (1/226) [دار المعارف بمصر، ط2]، والمنتظم في التاريخ لابن الجوزي (1/255) [دار الكتب العلمية، ط1، 1412هـ]، والبداية والنهاية لابن كثير (1/304) [دار هجر، ط1، 1417هـ].
[2] أخرجه ابن جرير في تاريخه (1/171) [دار التراث، ط2]، وابن حبان في صحيحه (كتاب البر والإحسان، رقم 361)، وأشار إلى ضعفه ابن كثير في التفسير (2/470) [دار طيبة، ط2]، وقال الألباني: «ضعيف جدًّا». التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/387) [دار باوزير، ط1، 1424هـ].


أرسل الله تعالى صالحًا عليه السلام إلى ثمود؛ وهم عاد الثانية، وقد ذُكر في القرآن في سياق بيان إرسال الرسل ودعوتهم؛ فقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73] ، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ *إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *} [الشعراء] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ *} [النمل] ، وغيرها من الآيات التي دلَّت على نبوة صالح عليه السلام ورسالته.



من دلائل نبوة صالح عليه السلام الناقة العظيمة، التي أخرجها الله تعالى لقومه، التي لا يشبهها شيء من النوق، وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه المقدسة؛ لشرفها وفضيلتها. قال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ *وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ *} [الشعراء] ، وقال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: 59] .
قال السعدي رحمه الله: «ثم أقام لهم بيِّنة عظيمة، وآية وبرهانًا ونعمة على جميع القبيلة بأسرها، وقال: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} [الأعراف: 73] ، التي لا يشبهها شيء من النُّوق في ذاتها وشرفها ومنافعها: {لَكُمْ آيَةً} على صدقي، وعلى سعة رحمة ربكم»[1].


[1] قصص الأنبياء (41) [دار ابن حزم، ط1، 1424هـ].


دعا صالح عليه السلام قومه إلى توحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وترك ما كانوا يعبدون من دونه، وذكّرهم بنعم الله عليهم، وما آتاهم من الجنات والعيون والزروع والبيوت العظيمة، وذكرهم بأيام الأمم المجاورة لهم، فقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَال ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ *} [هود] ، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ *إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ *وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ *أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ *فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ *وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ *فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ *وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ *الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ *} [الشعراء] ، وغيرها من الآيات.
قومه وموقفهم منه:
قوم صالح عليه السلام هم ثمود نسبةً إلى جدهم ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وكانوا يسكنون الحجر، بين الحجاز والشام، وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام، فلما بعث الله إليهم صالحًا عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، وترك عبادة الأصنام، كفروا به وكذبوه، وهم جمهور قومه، ونالوا منه بالمقال والفعال، وهمّوا بقتله، وعقروا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم، وما آمن معه إلا طائفة قليلة، وقد ذكر الله موقفه منهم في غير ما آية من كتابه العزيز؛ منها قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ *وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ *} [الحجر] ، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ *قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ *وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ *قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ *وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ *} [النمل] ، وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ *مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ *وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ *فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ *فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ *} [الشعراء] .



ذكر ابن جرير الطبري رحمه الله أن بعض أهل العلم زعم أن صالحًا عليه السلام توفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وأنه أقام في قومه عشرين سنة[1]، والله أعلم بذلك، وقد تقرر أن قبور الأنبياء غير معلومة أماكنها، اللَّهُمَّ إلا قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقبر الخليل إبراهيم عليه السلام على خلاف فيه.


[1] تاريخ الطبري (1/232).


ـ إحياء ديار ثمود وزيارتها:
لا يجوز إحياؤها، أو استثمار أراضيها ومساكنها، ولا يجوز زيارتها للسياحة، أو التنزه، ونحو ذلك، وإنما الذي ينبغي لمن مر بها أن لا يدخلها، أو يقيم بها، وإن دخلها فلا يدخلها إلا وهو باكٍ متّعظ بحالهم، وما أصابهم من العذاب؛ لورود السُّنَّة بالنهي عن دخولها، فضلاً عن الإقامة فيها، أو إحيائها.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما مر بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم» . ثم تقنَّع بردائه وهو على الرحل، وفي رواية: ثم زجر فأسرع حتى خلَّفها[1].
وعنه أيضًا: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحاب الحجر: «لا تدخلوا على هؤلاء القوم، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم؛ أن يصيبكم مثل ما أصابهم»[2].
وهذا هو الذي يؤيده القرآن، وأن المطلوب هو الاتعاظ والاعتبار بمواضع الهلاك والعذاب؛ قال تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ *أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ *} [الحج] .
قال العلامة ابن القيِّم رحمه الله في ذكر الفوائد المستنبطة من غزوة تبوك: «ومنها: أن من مر بديار المغضوب عليهم والمعذبين، لم ينبغ له أن يدخلها، ولا يقيم بها؛ بل يسرع السير، ويتقنَّع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يدخل عليهم إلا باكيًا معتبرًا»[3].
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: «فنحن لا ننظر إليها نظر إعجاب، ونفتخر بها، أو ننظر إليها اقتصاديًّا، كما تفعل الدول غير المسلمة، أو المسلمة المقلدة لها؛ لأن هذا يخالف ما جاء به ديننا نحوها؛ من عدم العناية بها وحمايتها، فضلاً عن استثمارها. ولا تجوز الإقامة فيها، ولا فتح مشاريع استثمارية فيها، من مطاعم ومقاهٍ وفنادق، مما يرغّب في زيارتها، ويجلب الكفار السياح إلى بلاد المسلمين»[4].


[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3380)، ومسلم (كتاب الزهد والرقائق، رقم 2980).
[2] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4702)، ومسلم (كتاب الزهد والرقائق، رقم 2980).
[3] زاد المعاد (3/560) [مؤسسة الرسالة، ط27].
[4] حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياتها، الموقع الرسمي للشيخ صالح الفوزان.


1 ـ «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (ج1)، للقاضي عياض.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «تحفة النبلاء من قصص الأنبياء»، لابن كثير، انتخب كتابه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
4 ـ «دعوة التوحيد: أصولها، الأدوار التي مرت بها، مشاهير دعاتها»، لمحمد خليل هراس.
5 ـ «قصص الأنبياء المعروف بالعرائس»، للثعلبي.
6 ـ «قصص الأنبياء»، للسعدي.
7 ـ «قصص الأنبياء القصص الحق»، لشيبة الحمد.
8 ـ كتاب «تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين من كتاب المستدرك على الصحيحين» (ج2)، للحاكم النيسابوري.
9 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
10 ـ «معارج القبول» (ج2)، لحافظ حكمي.