الإسلام في اللغة: هو الانقياد والإذعان، يقال: أسلم لله؛ أي: انقاد له وصار مسلمًا. ومنه قوله جلّ جلاله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 54] ، وقوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ *} [الصافات] .
قال ابن فارس رحمه الله: «السين واللام والميم معظم بابه من الصحة والعافية... ومِن الباب أيضًا: الإسلام، وهو: الانقياد؛ لأنه يسلم من الإباء والامتناع»[1].
[1] مقاييس اللغة (3/90) [دار الجيل، ط2، 1420هـ].
الإسلام في نصوص الكتاب والسُّنَّة يطلق على أحد أمرين:
الأمر الأول: الإسلام الكوني ، ويسمى: الإسلام القدري.
ومعناه: الاستسلام لأمر الله وقدره الكوني، وهذا الإسلام يدخل فيه المؤمن والكافر، بل يدخل فيه سائر المخلوقات، من الشجر والحجر وغيرها.
الأمر الثاني: الإسلام الشرعي ، وهو على نوعين:
النوع الأول: الإسلام العام، وهو: الدين الذي بعث الله به جميع الرسل. وقد عرَّفه الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بأنه: «الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله»[1].
النوع الثاني: الإسلام الخاص، وهو: الدِّين الذي بعث به نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم على جهة الخصوص، وهو الذي لا يقبل الله من أحد غيره[2].
ويشار هنا إلى أن لفظ الإسلام وإن تعددت إطلاقاته ما بين إسلام كوني وشرعي عام وشرعي خاص، إلا أنه عند الإطلاق ينصرف إلى الإسلام الشرعي الخاص[3].
[1] ثلاثة الأصول وأدلتها، انظر: شرح الأصول الثلاثة للعثيمين (68) [دار الإيمان، 2001م]، وبنحو ذلك عرَّفه شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في: مجموع الفتاوى (7/636) [مكتبة ابن تيمية، ط2].
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/635 ـ 636).
[3] المصدر نفسه (3/94).
الإسلام في الشرع ـ سواء كان إسلامًا كونيًّا أو شرعيًّا ـ راجع إلى معنى الإسلام اللغوي، وهو الاستسلام والانقياد.
فإن الإسلام الكوني هو استسلام جميع الكائنات وانقيادها وإذعانها لمشيئة الله (قضاء الله الكوني)، فهو استسلام قهري من تلك الكائنات لربها.
أما الإسلام الشرعي (بنوعيه: العام والخاص) فإنه استسلام عباد الله المطيعين له لأمر ربهم، وإذعانهم وانقياد قلوبهم وجوارحهم له، فهو استسلام اختياري من عباد الله لله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الإسلام: هو الاستسلام وهو يتضمن الخضوع لله وحده والانقياد له والعبودية لله وحده»[1].
[1] المصدر السابق (7/426).
أما الإسلام العام: فإنما سمي بذلك لاشتراك جميع الأنبياء والرسل في الدعوة إليه، فهم قد اشتركوا في أصول الدين والعقيدة، وتنوعت شرائعهم في العبادات وصفاتها.
الأسماء الأخرى:
الإسلام العام يسمى بالإسلام المشترك، والحنيفية، وملة إبراهيم، ودين الله عزّ وجل[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (7/636)، وجواب الشيخ عبد الله أبا بطين في تعريف العبادة والإخلاص ضمن كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (2/293 ـ 294).
دين الإسلام الذي بعث الله به نبيّه محمدًا صلّى الله عليه وسلّم هو الدين الحق الذي لا يقبل الله من أحد سواه، ومن لم يدن الله به كان كافرًا تجب البراءة منه، وكان مستحقًّا للنار في الآخرة.
وقد أجمع العلماء على فرضية هذه الأركان الخمس، ووجوبها على جميع المكلفين، وكفر جاحد وجوبها، بل إن ذلك مما يعلم من الدين بالضرورة[1].
[1] انظر: الإيمان للعدني (67) [الدار السلفية، ط1، 1407هـ]، وروضة الناظر (1/131) [طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود، ط2، 1399هـ]، وأحكام أهل الذمة (3/1441) [دار ابن حزم، ط1، 1418هـ]، وحادي الأرواح (255) [دار الكتب العلمية]، وجامع العلوم والحكم (96، 127)، والثمر الداني (86) [المكتبة الثقافية]، وكشف الشبهات (176) [مطابع الرياض، ط1].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مبيِّنًا حقيقة الإسلام العام، الذي اشتركت الرسل في الدعوة إليه ـ: «الذي يحصل لأهل الإيمان عند تجريد توحيد قلوبهم إلى الله وإقبالهم عليه دون ما سواه، بحيث يكونون حنفاء له مخلصين له الدين، لا يحبون شيئًا إلا له، ولا يتوكلون إلا عليه، ولا يوالون إلا فيه، ولا يعادون إلا له، ولا يسألون إلا إياه، ولا يرجون إلا إياه، ولا يخافون إلا إياه. يعبدونه ويستعينون له وبه، بحيث يكونون عند الحق بلا خلق، وعند الخلق بلا هوى؛ قد فنيت عنهم إرادة ما سواه بإرادته، ومحبة ما سواه بمحبته، وخوف ما سواه بخوفه، ورجاء ما سواه برجائه، ودعاء ما سواه بدعائه، هو أمر لا يعرفه بالذوق والوجد إلا من له نصيب، وما من مؤمن إلا له منه نصيب. وهذا هو حقيقة الإسلام الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه. والله سبحانه أعلم»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «والله سبحانه خلق الخلق لعبادته وحده لا شريك له، التي هي أكمل أنواع المحبة مع أكمل أنواع الخضوع، وهذا هو حقيقة الإسلام وملة إبراهيم التي من رغب عنها فقد سفِه نفسه، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ *إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *} [البقرة] »[2].
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «إن أصل الإسلام وقاعدته: شهادة أن لا إلَه إلا الله، وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شُعب الإيمان، وهذا الأصل، لا بد فيه من العلم والعمل والإقرار، بإجماع المسلمين. ومدلوله: وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه، كائنًا من كان، وهذا هو الحكمة التي خُلقت لها الجن والإنس، وأُرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمّن كمال الذل والحب، وتتضمّن كمال الطاعة والتعظيم، وهذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينًا سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين... إن دين الإسلام هو الاستسلام لله وحده والخضوع له وحده وأن لا يُعبد بجميع أنواع العبادة سواه»[3].
[1] الفتاوى الكبرى (5/286) [دار المعرفة].
[2] الجواب الكافي (188) [دار المعرفة، المغرب، ط1، 1418هـ].
[3] الدرر السنية (1/518) [ط6، 1417هـ]، وانظر: (2/83).
«هذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله النافع لصاحبه، قال الله عزّ وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران] .
وهذا الإسلام هو الإسلام الذي امتنّ به على محمد صلّى الله عليه وسلّم وأمّته، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3] »[1].
[1] شرح الأصول الثلاثة لابن عثيمين (21) [دار الإيمان، 2001م].
أولاً: الإسلام الكوني ، ويدخل فيه جميع المخلوقات، ويدل عليه قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ *} [آل عمران] .
قال ابن كثير رحمه الله: «فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرهًا، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم، الذي لا يخالف ولا يمانع»[1].
ثانيًا: الإسلام الشرعي، وهو على قسمين:
أ ـ الإسلام العام المشترك ، الذي بُعِثَ به جميع الأنبياء، ويدل عليه ما يلي:
1 ـ قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} [آل عمران] .
2 ـ وقال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *} [البقرة] .
3 ـ وقال تعالى عن نوح عليه السلام: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *} [يونس] .
4 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلاّت؛، أمّهاتهم شتّى ودينهم واحد»[2].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والعَلاَّت ـ بفتح المهملة ـ: الضرائر، وأصله أن من تزوج امرأة، ثم تزوج أخرى؛ كأنه عَلَّ منها، والعلل: الشرب بعد الشرب، وأولاد العلات: الأخوة من الأب، وأمهاتهم شتى... ومعنى الحديث: أن أصل دينهم واحد، وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع»[3].
ب ـ الإسلام الشرعي الخاص ، الذي بعث به نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، والذي لا يقبل الله من أحد غيره، ويدل على ذلك ما يلي:
1 ـ قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران] .
2 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ـ يهودي ولا نصراني ـ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار»[4].
3 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»[5].
4 ـ حديث جبريل المشهور، وفيه قال جبريل عليه السلام: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً»[6].
[1] تفسير ابن كثير (2/69) [دار طيبة، ط2، 1420هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3443).
[3] فتح الباري لابن حجر (6/489) [دار المعرفة].
[4] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 153).
[5] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 8)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 16).
[6] أخرجه بهذا اللفظ مسلم (كتاب الإيمان، رقم 8)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأخرجه البخاري بنحوه (كتاب الإيمان، رقم 50)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 10)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال أبو العالية رحمه الله: «الإسلام: الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وسائر الفرائض لهذا تبع»[1].
وقال قتادة: «الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودل عليه أولياءه، لا يقبل غيره، ولا يجزى إلا به»[2].
وقال ابن تيمية ذاكرًا استعمالات لفظ (الإسلام) في الشرع: «لفظ: (الإسلام) يستعمل على وجهين:
1 ـ متعديًا، كقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125] .
2 ـ ويستعمل لازمًا؛ كقوله: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} [البقرة] .
وهو يجمع معنيين: أحدهما: الانقياد والاستسلام.
والثاني: إخلاص ذلك وإفراده، وعنوانه: قول: (لا إله إلا الله).
وله معنيان: أحدهما: الدين المشترك، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دلَّ على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسُّنَّة.
والثاني: ما اختص به محمد صلّى الله عليه وسلّم من الدين والشرعة والمنهاج وهو الشريعة والطريقة والحقيقة.
وله مرتبتان: إحداهما: الظاهر من القول والعمل، وهي المباني الخمس.
والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقًا للباطن»[3].
وقال أيضًا: «وهذا الدين هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينًا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، قال الله تعالى عن نوح: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *} [يونس] ... فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرًا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده. فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت»[4].
ثم قال رحمه الله: «وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى، هل هم مسلمون أم لا؟ وهو نزاع لفظي؛ فإن الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمدًا صلّى الله عليه وسلّم المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا، وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبيًّا فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء، ورأس الإسلام مطلقًا شهادة أن لا إله إلا الله، وبها بعث جميع الرسل»[5].
[1] تفسير الطبري (6/275 ـ 276) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
[2] تفسير الطبري (6/275) [مؤسسة الرسالة].
[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/635 ـ 636).
[4] مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/91 ـ 92).
[5] مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/94)، وانظر: المرجع السابق (1/14) و(15/159 ـ 160) و(27/370)، والإيمان الأوسط له (170) [دار طيبة، ط1، 1422هـ]، واقتضاء الصراط المستقيم (1/455) [مطبعة السُّنَّة المحمدية، ط2، 1369هـ].
أركان الإسلام خمسة، وهي:
1 ـ شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمّدًا رسول الله.
2 ـ إقام الصلاة.
3 ـ إيتاء الزكاة.
4 ـ صوم رمضان.
5 ـ حج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً.
وقد قيل لهذه الخمسة الأمور: (أركان ودعائم)؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «بني الإسلام على خمس؟» ، فشبهه بالبنيان المركب على خمس دعائم، فهذه الأركان دعائم الإسلام، فلا يثبت الإسلام بدونها[1].
وقد يطلق على أركان الإسلام: مباني الإسلام[2]، وهي تسمية مأخوذة من حديث: «بني الإسلام على خمس...».
كما قد يطلق عليها بعض العلماء: العبادات الخمس[3].
[1] انظر: جامع العلوم والحكم (43) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1417هـ]، ومعارج القبول (2/619).
[2] انظر: المغني لابن قدامه (9/21) [دار الفكر، ط1، 1405هـ]، وشرح العمدة لابن تيمية (2/76) [مكتبة العبيكان، ط1، 1413هـ]، مجموع الفتاوى له (32/82) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، ودقائق التفسير (1/336) [مؤسسة علوم القرآن، ط2، 1404هـ]، وجامع العلوم والحكم (25)، والمبدع (2/401) [المكتب الإسلامي، ط1400هـ]، كشاف القناع (2/257) [دار الفكر].
[3] انظر: مجموع الفتاوى (24/15)، والمبدع (9/172)، والإنصاف (10/327) [دار إحياء التراث العربي]، والفروع (1/257) [دار الكتب العلمية، ط1]. وهناك من صنف بهذا الاسم؛ كأبي الخطاب، وابن الجوزي، وأبي هبيرة، وغيرهم. انظر: المقصد الأرشد (2/505)، و (3/108)، ومعجم الكتب لابن عبد الهادي (1/70، 80، 90، 91)، والإنصاف للمرداوي (2/320)، والفروع (1/258).
ما يثبت به الإسلام الحكمي:
هناك أربعة طرق يكون بها الشخص مسلمًا حكمًا:
الطريق الأول: بالنص، ويكون بما يلي:
1 ـ النطق بالشهادتين، سواء كان ذلك الناطق صادقًا أو كاذبًا، لحديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله...» [1]. الحديث، وسيأتي، وفي حديث آخر: «... حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله»[2].
فيدخل في الإسلام الحكمي من أسلم صدقًا، ويدخل فيه المنافق الذي أظهر الدخول في الإسلام وأسر الكفر.
2 ـ النطق بما يقوم مقام الشهادتين؛ كقول الشخص: (أسلمت)، أو: (إني مسلم)، لحديث المقداد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، إني لقيت كافرًا فاقتتلنا، فضرب يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، وقال: أسلمت لله، آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» قال: يا رسول الله، فإنه طرح إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها، آقتله؟ قال: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»[3].
ولا بد من التلفظ بالشهادتين أو ما يقوم مقامهما عند التمكن والقدرة على ذلك.
أما غير القادر على النطق ـ كالأخرس ـ فيعذر بذلك، ويصدق عذره إن تمسك به بعد زوال المانع.
الطريق الثاني: التبعية، ومعناها: أن يأخذ التابع حكم المتبوع في الإسلام، وهي على نوعين:
1 ـ تبعية الابن الصغير لخير أبويه دينًا.
فقد اتفق الفقهاء على أنه إذا أسلم الأب وله أولاد صغار، أو من في حكمهم ـ كالمجنون إذا بلغ مجنونًا ـ فإن هؤلاء يحكم بإسلامهم تبعًا لأبيهم.
وذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى أن العبرة بإسلام أحد الأبوين، أبًا كان أو أمًّا، فيحكم بإسلام الصغار تبعًا لخير أبويهم دينًا؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
2 ـ التبعية لدار الإسلام.
فيدخل في ذلك:
ـ الصغير إذا سبي ولم يكن معه أحد من أبويه، إذا أدخله السابي إلى دار الإسلام.
ـ لقيط دار الإسلام، حتى لو كان ملتقطه ذميًّا.
ـ اليتيم إذا مات أبواه، وكفله أحد المسلمين، فإنه يتبع كافله وحاضنه في الدين[4].
الطريق الثالث: بالدلالة، والمقصود بها: أن يفعل فعلاً يستدل به على كون الشخص مسلمًا حكمًا، ومن الأفعال التي يستدل بها على ذلك:
1 ـ إقامة الصلاة؛ لحديث أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته»[5].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ في شرحه لهذا الحديث ـ: «وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعائر الدين أجريت عليه أحكام أهله، ما لم يظهر منه خلاف ذلك»[6].
قال ابن مفلح رحمه الله: «وإذا صلَّى الكافر على اختلاف أنواعه حكم بإسلامه نص عليه ـ أي: الإمام أحمد ـ وظاهره أن العصمة تثبت بالصلاة، وهي لا تكون بدون الإسلام؛ ولأنها عبادة تختص شرعنا، أشبهت الأذان... ولا فرق بين أن تكون صلاته في دار الإسلام أو الحرب جماعة أو فرادى»[7].
2 ـ الأذان والإقامة، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قومًا لم يغز حتى يصبح، فإن سمع أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أذانًا أغار بعدما يصبح»[8].
3 ـ الحج؛ لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة[9].
قال ابن أبي العز رحمه الله: «وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء؛ كمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين، أو أتى بغير ذلك من خصائص الإسلام ولم يتكلم بهما، هل يصير مسلمًا، أم لا؟ والصحيح: أنه يصير مسلمًا بكل ما هو من خصائص الإسلام»[10].
الطريق الرابع: شهادة رجل مسلم عدل له بالإسلام[11].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 25)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 22).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 392).
[3] أخرجه البخاري (كتاب الديات، رقم 6865)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 95).
[4] انظر: المغني لابن قدامة (8/140) [دار الفكر، ط1، 1405هـ]، وشفاء العليل لابن القيم (298) [دار الفكر، 1398هـ]، والفواكه الدواني للنفراوي (1/285) [دار الفكر، 1415هـ]، وحاشية العدوي (1/517) [دار الفكر، 1412هـ]، وشرح منتهى الإرادات (1/627) [دار عالم الكتب، ط2، 1996م]، والموسوعة الفقهية الكويتية (4/266 ـ 271) [دار السلاسل، ط2].
[5] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 391).
[6] فتح الباري (1/642).
[7] المبدع في شرح المقنع (1/302) [المكتب الإسلامي، 1400هـ]، وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين (2/20).
[8] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 2943)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم 382).
[9] انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/392) [دار المنهاج، ط1، 1421هـ]، وبدائع الصنائع (7/103) [دار الكتاب العربي، ط2، 1982هـ].
[10] شرح الطحاوية (75) [المكتب الإسلامي، ط4].
[11] انظر: شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني (5/2216) [تحقيق: عبد العزيز أحمد]، وانظر فيما سبق: قواعد في بيان حقيقة الإيمان للشيخاني (308 ـ 314)، والموسوعة الفقهية الكويتية (4/266 ـ 273).
تقدم ذكر تقسيم الإسلام إلى كوني وشرعي، والشرعي إلى عام وخاص في التعريف الشرعي، للحاجة إليه هناك.
والإسلام الشرعي الخاص ينقسم ـ باعتبار قيام المكلف به ـ إلى قسمين:
1 ـ الإسلام الحقيقي:
وهو الإسلام الذي تتوقف عليه الأحكام الدنيوية والأخروية، ويكون لمن أتى بشعائر الإسلام الظاهرة والباطنة معًا، وكان صادقًا في ذلك.
2 ـ الإسلام الحكمي:
هو الإسلام الذي تتوقف عليه الأحكام الدنيوية، ويكون لمن أتى بالشهادتين، أو بشعيرة من شعائر الإسلام الخاصة، صادقًا كان أو كاذبًا.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «أن الإسلام يطلق باعتبارين:
أحدهما: باعتبار الإسلام الحقيقي، وهو دين الإسلام الذي قال الله فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] .
والثاني: باعتبار الاستسلام ظاهرًا مع عدم إسلام الباطن، إذا وقع خوفًا، كإسلام المنافقين»[1].
وسمي الإسلام الحكمي بذلك؛ لأن صاحبه (والذي يسمى بمستور الحال) قد أتى بما يحكم عليه بإسلامه، فتجرى عليه أحكام الإسلام في الدنيا، سواء مسلمًا حقيقيًّا، وهو المسمى بالمسلم الحقيقي، أو لم يكن كذلك، وهو المنافق.
فالإسلام الحكمي يتعلق بأحكام الإسلام في الدنيا فقط، ولذا فإنه قد يسمى بـ(الإسلام الظاهري)[2].
[1] فتح الباري لابن رجب (1/117) [دار ابن الجوزي، ط2، 1422هـ].
[2] انظر: فيض الباري للكشميري (1/94).
المسألة الأولى: حكم من ثبت له الإسلام الحكمي:
من أقر بالإسلام ظاهرًا، أو أتى بشعيرة من شعائره الخاصة عصم ماله ودمه، وثبتت له أحكام الإسلام، وعومل معاملة المسلم في جميع الإحكام والمعاملات الدنيوية (كأحكام النكاح، والمواريث، والجنائز، والشهادات، والولاية، والذبائح والتغسيل عند الموت، ودفنه مع المسلمين، وغيرها)، ويسمى من كان هذه حاله بـ(المسلم المستور الحال).
قال الشافعي رحمه الله: «إن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر الآدميين، وإنه تولى سرائرهم، ولم يجعل لنبي مرسل ولا لأحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر، وتولى دونهم السرائر؛ لانفراده بعلمها»[1].
وسبب ذلك: أن الشارع قد رتَّب الأحكام على ما يظهر للعيان، وأما الباطن فموكول علمه إلى الله، فلا حاجة إلى تتبع حاله، أو التبين فيه.
فالكافر إذا أتى بالشهادتين، اعتبر مسلمًا، ثم ألزم بما بعدها من شعائر الإسلام؛ كالصلاة والزكاة، وهذا الالتزام شرط لصحة إسلامه، ولكننا لا نتوقف في الحكم له بالإسلام حتى يأتي وقت الصلاة والزكاة، بل نحكم بإسلامه ابتداء دون انتظار، فإذا جاء وقت الصلاة ألزم بها، فإن أبى حكم بردته واستتيب، ويكون قد أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ لأن الإقرار بالشهادتين يتضمن تصديق القلب والالتزام بالإتيان بالأحكام الشرعية، والخضوع والاستسلام لأمر الله، والانقياد لأمر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فإذا رجع عن ذلك كان قد نقض إقراره.
وأما من لم يظهر منه عدم الالتزام بذلك بعد إقراره، فإنه يبقى على الأصل، وتجري عليه أحكام المسلمين في الدنيا، ولم يمتحن في إسلامه، ولا يتوقف فيه الحكم له بالإسلام وإجراء أحكام المسلمين عليه[2].
ومما يدل على الإسلام الحكمي: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله»[3].
قال النووي في فوائد هذا الحديث: «وفيه صيانة مال من أتى بكلمة التوحيد ونفسه، ولو كان عند السيف، وفيه أن الأحكام تجرى على الظاهر، والله تعالى يتولى السرائر»[4].
وقال البغوي رحمه الله: «وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضًا إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها وأن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه»[5].
وحديث أنس مرفوعًا: «من صلى صلاتنا...» وقد تقدم.
المسألة الثانية: وسطية الإسلام بين الديانات:
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] . قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: «أي: عدلاً خيارًا، وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة وسطًا في كل أمور الدين:
ـ وسطًا في الأنبياء بين من غلا فيهم كالنصارى، وبين من جفاهم كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك.
ـ ووسطًا في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى.
ـ وفي باب الطهارة والمطاعم، لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، ولا يطهرهم الماء من النجاسات، وقد حرمت عليهم طيبات عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئًا، ولا يحرمون شيئًا، بل أباحوا ما دب ودرج.
بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرَّم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها، ووهبهم الله من العلم والحلم والعدل والإحسان ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا {أُمَّةً وَسَطًا} كاملين؛ ليكونوا: {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط، يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان، ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول فهو مقبول، وما شهدت له بالرد فهو مردود»[6].
المسألة الثالثة: لماذا خصت هذه العبادات الخمس بكونها أركانًا للإسلام:
من المعلوم أن ما أوجبه الله من الأعمال الظاهرة أكثر من هذه الأركان الخمسة، فلماذا خصَّ أركان الإسلام ومبانيه وحصرها بهذه الخمس؟
تعددت أقوال العلماء في بيان ذلك:
فقال بعضهم: إن هذه الخمس هي أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيام العبد بها يتم إسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده، ولأن فيها ما يكفي عن غيرها وليس في غيرها ما يكفي عنها[7].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والتحقيق: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مطلقًا، الذي يجب لله عبادة محضة على الأعيان، فيجب على كل من كان قادرًا عليه ليعبد الله بها مخلصًا له الدين، وهذه هي الخمس، وما سوى ذلك فإنما يجب بأسباب لمصالح، فلا يعم وجوبها جميع الناس.
بل إما أن يكون فرضًا على الكفاية؛ كالجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما يتبع ذلك من أمارة، وحكم، وفتيا، وإقراء، وتحديث، وغير ذلك. وإما أن يجب بسبب حق للآدميين يختص به من وجب له وعليه، وقد يسقط بإسقاطه... مثل: قضاء الديون، ورد الغصوب، والعواري، والودائع، والإنصاف من المظالم من الدماء والأموال والأعراض... وتجب على شخص دون شخص، في حال دون حال، لم تجب عبادة محضة لله على كل عبد قادر... وكذلك ما يجب من صلة الأرحام وحقوق الزوجة والأولاد والجيران والشركاء والفقراء، وما يجب من أداء الشهادة والفتيا والقضاء والإمارة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، كل ذلك يجب بأسباب عارضة على بعض الناس دون بعض لجلب منافع ودفع مضار لو حصلت بدون فعل الإنسان لم تجب، فما كان مشتركًا فهو واجب على الكفاية، وما كان مختصًّا فإنما يجب على زيد دون عمرو، لا يشترك الناس في وجوب عمل بعينه على كل أحد قادر سوى الخمس»[8].
[1] الأم للشافعي (6/165).
[2] انظر: جامع العلوم والحكم (84 ـ 85) [مؤسسة الرسالة]، والفواكه الدواني للنفراوي (2/668) [دار الفكر]، حاشية العدوي (1/517) [دار الفكر]، والشرح (2/20)، وقواعد في بيان حقيقة الإيمان للشيخاني (297 ـ 301) [دار أضواء السلف، ط1، 1426هـ].
[3] تقدم تخريجه قريبًا.
[4] شرح النووي على صحيح مسلم (1/212) [دار إحياء التراث العربي، ط2، 1392هـ].
[5] شرح السُّنَّة للبغوي (1/70) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ].
[6] تفسير السعدي (70) [مؤسسة الرسالة، 1421هـ].
[7] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/314)، وحجة الله البالغة (1/345) [دار الكتب الحديثة].
[8] مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/314 ـ 315).
الفرق بين الإسلام الحكمي والإسلام الحقيقي:
يظهر الفرق بينهما من ناحية الحقيقة، ومن ناحية الحكم.
1 ـ أما من ناحية الحقيقة، فإن المسلم الحكمي هو من أتى بالشهادتين أو شعائر الإسلام الظاهرة، سواء كان صادقًا في إسلامه (مسلم حقيقة) أو كاذبًا (وهو المنافق).
أما المسلم الحقيقي فهو الذي أتى بالشهادتين والتزم شعائر الإسلام ظاهرًا وباطنًا.
2 ـ أما من ناحية الحكم؛ فإن الإسلام الحكمي تتعلق به أحكام الدنيا، وأما الحقيقي تتعلق به أحكام الدنيا والآخرة.
فالحاصل: أن الإسلام الحكمي أعم من الإسلام الحقيقي.
من فوائد الإسلام[1]:
1 ـ عصمة المال والدم والعرض.
2 ـ إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
3 ـ تحقيق العدالة الاجتماعية والرحمة والمساواة.
4 ـ القضاء على النظم الوضعية والمناهج الإلحادية.
5 ـ حفظ كرامة الإنسان وحقوقه ومكتسباته.
6 ـ يورث هداية القلب.
7 ـ الفوز بالجنة والنجاة من النار.
8 ـ حصول الألفة والمحبة والتآخي بين الناس.
9 ـ مصدر العزة والسعادة في الدارين.
10 ـ يخرج الناس من الظلمات إلى النور، فيعز الناس بالذل إلى الله سبحانه فيحصلون على شرف العبودية له.
11 ـ يحصل صاحبه ومتبعه على كمال الأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة.
12 ـ الإسلام يحقق الأمان في المجتمع فيعيش كل فرد آمنًا من أذى أخيه قولاً وفعلاً.
13 ـ الإسلام يحقق التكافل بين الناس؛ فيأخذ غنيهم بيد فقيرهم وقويهم بيد ضعيفهم ويصبح الجميع إخوة متحابين.
14 ـ الإسلام يورث التواضع ويكسو المسلم ثوب العزة.
[1] نقلاً عن موسوعة: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (2/348) [دار الوسيلة، ط4].
خالف في حكم الإسلام الحكمي: فرقة الأخنسية من الخوارج، أصحاب أخنس بن قيس، حيث قالوا بالتوقف عن جميع من في دار التقية من منتحلي الإسلام وأهل القبلة إلا من قد عرفوا منه إيمانًا فيوالونه، أو كفرًا فيتبرؤون منه لأجله[1].
كما خالف فيه من الفرق المعاصرة جماعة التكفير والهجرة، حيث أتوا ببدعة: التوقف والتبيين، وهي أنهم لا يحكمون بإسلام أحد، بل يتوقفون في الحكم عليه حتى يتبينوا في حاله[2].
[1] انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (97) [دار إحياء التراث العربي، ط3]، والتبصير في الدين للاسفراييني (57) [دار عالم الكتب، ط1، 1403هـ]، والفرق بين الفرق للبغدادي (81) [دار الآفاق الجديدة، ط2، 1977م]، والملل والنحل للشهرستاني (1/132) [دار المعرفة، 1404هـ]، وشرح المواقف للإيجي (695) [دار الجيل، ط1، 1417هـ].
[2] انظر: التوقف والتبيين لمحمد سرور.
1 ـ «الإيمان الأوسط»، لابن تيمية.
2 ـ «تفسير ابن كثير».
3 ـ «تفسير الطبري».
4 ـ «ثلاثة الأصول وأدلتها»، لمحمد بن عبد الوهاب.
5 ـ «جامع العلوم والحكم»، لابن رجب.
6 ـ «الجواب الكافي»، لابن القيم.
7 ـ «حد الإسلام وحقيقة الإيمان»، لعبد المجيد الشاذلي.
10 ـ «الدرر السَّنية من الفتاوى النجدية».
11 ـ «شرح الأصول الثلاثة»، لابن عثيمين.
12 ـ «الفتاوى الكبرى»، لابن تيمية.
13 ـ «فتح الباري»، لابن رجب.
14 ـ «فضل الإسلام»، لمحمد بن عبد الوهاب.
15 ـ «قواعد في بيان حقيقة الإيمان»، لعادل الشيخاني.
16 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
17 ـ «معارج القبول»، لحافظ الحكمي.
18 ـ «الموسوعة الفقهية الكويتية».
19 ـ «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم».