حرف الصاد / صحف إبراهيم عليه السلام

           

الصُّحُف: جمع صحيفة، (فَعيلة) جُمِعَت على (فُعُل)؛ كسَفينة وسُفُن، وتُجمَع أيضًا على: صحائِف. وهي: الكتاب، أو: التي يُكتَب فيها. وسُمِّي المُصْحَف مُصْحَفًا؛ لأنه أُصْحِف؛ أي: جُعِل جامعًا للصُّحُف المكتوبة بين الدَّفتَين[1].


[1] انظر: الصحاح (4/1384) [دار العلم للملايين، ط4]، وتهذيب اللغة (4/254) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، ومقاييس اللغة (3/334) [دار الفكر، ط2].


صحف إبراهيم: هي الكتب التي أنزلها الله عزّ وجل على نبيّه وخليله إبراهيم عليه السلام بوحي منه سبحانه وتعالى[1].


[1] انظر: تهذيب اللغة (4/254)، وتفسير ابن عطية (8/125) [طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ط2، 1428هـ]، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (20/24) [دار إحياء التراث العربي، 1405هـ]، والتحرير والتنوير (27/129) [دار سحنون، 1997م].


ليس بين المعنى اللغوي والشرعي لصحف إبراهيم تباين واختلاف؛ فالصحف لغة هي الكتب التي يكتب فيها، وصحف إبراهيم عليه السلام هي: كتبه التي أنزلها الله عليه عزّ وجل.
وهذا المعنى ـ وإن كان مشتركًا بين جميع الكتب السماوية ـ فلا مانع من تخصيص صحف إبراهيم به وصحف موسى أيضًا؛ فالتسمية تكون لأدنى ملابسة ولا يراعى فيها الاشتقاق والمعنى كما هو معروف.



حقيقة الإيمان بصحف إبراهيم عليه السلام: أنه يجب على المسلم أن يعتقد أن الله عزّ وجل أنزل على نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام صحفًا مكتوبة؛ فهي كلام الله تعالى غير مخلوقة. وأنَّ الله تعالى أنزلها عليه جملة واحدة في شهر رمضان كباقي الكتب السماوية، في أوَّل ليلة منه.



ذكر الله تعالى بعض ما أنزله على إبراهيم عليه السلام في هذه الصُّحف، في موضعين من القرآن الكريم:
الأول: قول الله جلّ جلاله: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى *وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى *أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى *وأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى *} إلى قوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى *} [النجم] . فكلُّ هذا في صحف إبراهيم وموسى[1].
والثاني: قول الله سبحانه وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى *وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى *بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى *}؛ أي: مضمون ومعنى هذا الكلام {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى *صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى *} [الأعلى] . وقيل: بل سورة الأعلى كلّها في هذه الصحف. والأول قول قتادة وابن زيد، واختيار الطبري، وحسَّنه وقوَّاه ابن كثير[2].
ويعتقد المسلم أيضًا: أنَّنا لا نعلم عن وجود صحف إبراهيم عليه السلام شيئًا، ويتعذَّر الحصول عليها الآن، والظاهر أنَّها فقدت واندثرت من زمن مبكِّر؛ بل هي أولى بالضَّياع والاندثار من الكتب المتأخِّرة عنها كالتوراة والزَّبور والإنجيل، والله أعلم.
وهل كانت صحف إبراهيم كثيرة، ولهذا جمعت؟ أم أنَّها جمعت لكونها مضافةً إلى اثنين[3] في قوله تعالى: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى *} [الأعلى] ، وقوله عزّ وجل: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى *وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى *} [النجم] ؛ كما في قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ؟ الظاهر أنَّها كثيرة، ويدلُّ على هذا حديث أبي ذر رضي الله عنه الطويل، وفيه: «وأنزل على إبراهيم عشر صحائف»[4]، لكن إسناده ضعيف جدًّا؛ بل فيه كذاب.


[1] انظر: تفسير الطبري (22/79، 93) [دار هجر، مصر، ط1، 1422هـ]، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/113، 121)
[2] انظر: تفسير الطبري (24/323)، وتفسير البغوي (8/403) [دار طيبة، ط4، 1417هـ]، وتفسير القرطبي (20/24)، وتفسير ابن كثير (8/383) [دار طيبة، ط2].
[3] انظر: تفسير الرازي (29/279) [دار إحياء التراث العربي، بيروت]، والتحرير والتنوير (30/291).
[4] أخرجه ابن حبان في صحيحه (كتاب البر والإحسان، رقم 361) [الإحسان، مؤسسة الرسالة، ط2، 1414هـ]. قال الهيثمي في موارد الظمآن (1/54) [دار الكتب العلمية، بيروت]: «فيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني؛ قال أبو حاتم وغيره: كذَّاب»، وحكم عليه الألباني بالضعف الشديد في ضعيف الترغيب والترهيب (رقم 1352) [مكتبة المعارف بالرياض، ط1، 1421هـ].


الكتب السماوية ذات منزلة عظيمة، فالإيمان بها يعد أصل من أصول العقيدة، وركن من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان أحد إلا إذا آمن بالكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله عليهم السلام.
ومن هذه الكتب: صحف إبراهيم عليه السلام، فالله أنزلها على إبراهيم عليه السلام هدى ورحمة، ومما يدل على منزلة هذه الصحف أن الله أمر المؤمنين بأن يؤمنوا بها فقال سبحانه: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *} [البقرة] . ومما يدل على منزلتها أيضًا أن من أنكر شيئًا مما أنزل الله فهو كافر كما قال عزّ وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا *} [النساء] .



قال الله جلّ جلاله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} الآية [البقرة: 136] ، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى *صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى *} [الأعلى] .
وثبت في حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان» الحديث[1]، وفيه دليل على إنزال صحف إبراهيم في شهر رمضان.


[1] أخرجه أحمد في مسنده (4/107) [مؤسسة قرطبة بمصر]، والطبراني في المعجم الكبير (22/75) [مكتبة العلوم والحكم بالموصل، ط2]، وقال الهيثمي في المجمع (1/197) [مكتبة القدسي]: «فيه عمران بن داور القطان، ضعفه يحيى، ووثقه ابن حبان، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات»، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1575).


قال ابن باز: «نؤمن بكتب الله جميعًا على الإجمال والتفصيل، نؤمن بجميع الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنها التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الذي هو أعظمها المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم، صحف موسى وصحف إبراهيم، نؤمن بكل الكتب التي أنزلها الله على رسله»[1].
وقال ابن عثيمين: «صحف إبراهيم صحف أنزلها الله تعالى على إبراهيم فيها المواعظ والأحكام»[2].


[1] لقاءات الباب المفتوح (لقاء رقم 176).
[2] لقاءات الباب المفتوح (لقاء رقم 176).


1 ـ «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لنخبة من العلماء.
2 ـ «أضواء البيان» (ج1)، للشنقيطي.
3 ـ «تفسير الطبري» (ج22، 24).
4 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج8)، لابن كثير.
5 ـ «الجامع لأحكام القرآن» (ج17، 20)، للقرطبي.
6 ـ «الرسل والرسالات»، لعمر سليمان الأشقر.
7 ـ «روح المعاني» (ج27، 30)، للآلوسي.
8 ـ «فتح القدير» (ج5)، للشوكاني.
9 ـ «معارج القبول» (ج2)، للحكمي.
10 ـ «هداية الحيارى»، لابن القيِّم.