حرف الصاد / الصَّعْقة

           

الصعق: الصوت الشديد[1]، والصعقة: الصَّيحة يُغْشى منها على من يسمعها أو يموت[2].
قال ابن الأثير: الصعق أن يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه، وربما مات منه، ثم استعمل في الموت كثيرًا، والصعقة المرة الواحدة منه[3].


[1] انظر: مقاييس اللغة (3/285) [دار الفكر، 1399هـ].
[2] تهذيب اللغة (1/122) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، وانظر: الصحاح (5/193) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م].
[3] النهاية في غريب الحديث والأثر (3/58) [المكتبة العلمية، 1399هـ].


هي نفخة الصور الأولى، وبعدها يصعق من في السماوات ومن في الأرض ويموتون إلاَّ من شاء الله، ثم بعد النفخة الثانية يفيق الخلق أجمعون؛ قيامًا للحساب[1].


[1] انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (15/130)، فتح الباري لابن حجر (6/430، 444).


الصعق في التعريف الاصطلاحي مأخوذ من المعنى اللغوي، إلا أنه صعق مخصوص يكون ذلك إذا أمر الله به صاحب القرن.



سُمِّيت بذلك؛ لأن الخلق يصعقون عند سماع الصيحة.



تسمى الراجفة والصيحة[1]، قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ *} [النازعات] ، قال ابن عباس: «الراجفة: النفخة الأولى»[2]، وقال تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ *} [يس] ، قال عكرمة: «هي النفخة الأولى في الصور»[3].


[1] رواه البخاري معلقًا (كتاب التفسير، رقم 1881)، ووصله ابن جرير (12/424) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وانظر: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (387) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1404هـ]، والنهاية في غريب الحديث (2/493) [المكتبة العلمية، 1399هـ].
[2] أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا (كتاب الرقاق، باب نفخ الصور)، ووصله الطبري في تفسيره (24/190) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[3] تفسيرالقرطبي (15/38) [دار إحياء التراث العربي].


الإيمان بالصعقة واجب، لدلالة النصوص على ذلك؛ إذ هي إحدى مفردات اليوم الآخر التي تسبق الحشر والنشر.



إذا نفخ في الصور النفخة الأولى فإن الخلق يصعقون ويموتون إلاَّ من شاء الله تعالى، وهو غشي يلحق من سمع صوتًا شديدًا، ثم إذا نفخ النفخة الثانية قام الناس لرب العالمين.



هي إحدى مفردات يوم القيامة.



من أدلتها قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ *} [الزمر] .
وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ ـ يعني: وقد بليت ـ قال: «إن الله عزّ وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»[1].


[1] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1047)، والنسائي (كتاب الجمعة، رقم 1374)، وابن ماجه (كتاب إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها، رقم 1085)، وأحمد (26/84) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب الصلاة، رقم 1613)، وصحَّحه النووي في الأذكار (115) [دار الفكر، 1414هـ]، والألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1527).


قال ابن أبي زيد القرواني: «وأنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون»[1].
قال القرطبي: «باب في قول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] ، وهم الملائكة أو الشهداء أو حملة العرش، صعق: مات»[2].


[1] انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم (85).
[2] التذكرة للقرطبي (188).


المسألة الأولى: المستثنى من الصعق:
اختلف العلماء في تعيين الذين عناهم الله تعالى بالاستثناء في قوله عزّ وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] ، حتى عدَّ منها عشرة أقوال: فمنهم من قال: الأنبياء، ومنهم من قال الشهداء، وقيل: موسى وحده، وقيل: الوِلْدان في الجنة، والحور العين، وقيل غير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما الاستثناء فهو متناول لمن في الجنة من الحور العين، فإن الجنة ليس فيها موت، ومتناول لغيرهم، ولا يمكن الجزم بكل ما استثناه الله، فإن الله أطلق في كتابه...والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد توقف في موسى؛ هل هو داخل في الاستثناء فيمن استثناه الله أم لا؟ فإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يخبر بكل من استثنى الله، لم يمكننا نحن أن نجزم بذلك، وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة وأعيان الأنبياء وأمثال ذلك مما لم يخبر الله به، وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر والله أعلم»[1].
المسألة الثانية: عدد الصعقات وبيان المراد بحديث: «فلا أدري؛ أكان فيمن صعق فأفاق قبلي...»:
قال القرطبي: «باب في قول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] ، وهم الملائكة أو الشهداء أو حملة العرش، صعق: مات»[2].
وذكر بعض أهل العلم أن الصعقة تكون بعد النفخة الأولى[3].
وهذه الصعقة تختلف عن الصعقة الواردة في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله»[4].
وفي رواية: «فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور»[5].
فالذي يظهر أن هذه الصعقة تكون بعد البعث، وهي التي استثني منها موسى عليه السلام، وقد أشار القاضي عياض إلى ذلك، إذ قال: «يحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماوات والأرض، يدل عليه قوله: «فأفاق قبلي» ؛ لأنه إنما يقال أفاق من الغشي، وأما الموت فيقال: بعث منه، وصعقة الطور لم تكن موتًا»[6]، وقال ابن كثير: «الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، يحصل أمر يصعقون منه والله أعلم به، وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء وتجلَّى للخلائق الملك الدَّيان، كما صعق موسى من تجلي الرب تبارك وتعالى ، ولهذا قال عليه السلام: «فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور»»[7].
وهو ما ذهب إليه ابن القيِّم؛ إذ قال: «هذا صعق في موقف القيامة إذا جاء الله تعالى لفصل القضاء وأشرقت الأرض بنوره، فحينئذ تصعق الخلائق كلهم، قال تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ *} [الطور] ، ولو كان هذا الصعق موتًا لكانت موتة أخرى، وقد تنبه لهذا جماعة من الفضلاء»[8].


[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (4/261). وانظر: التذكرة للقرطبي (188).
[2] التذكرة (188).
[3] انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (15/130)، وفتح الباري لابن حجر (6/430، 444)، وراجع: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/30)، وعون المعبود شرح سنن أبي داود (3/260) [دار الكتب العلمية، ط2].
[4] أخرجه البخاري (كتاب الخصومات، رقم 2411)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2373).
[5] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3398).
[6] شرح صحيح مسلم للنووي (15/130) [دار الكتب العلمية].
[7] تفسير ابن كثير (2/300) [دار طيبة، ط2].
[8] الروح (33) [دار الكتاب العربي، ط4، 1410هـ]، وانظر: فتح الباري (10/250) [دار الفكر].


الفرق بين الصعق والنفخة:
أما النفخ، فهو النفخ في الصور، فإذا أمر الملك بالنفخ في الصور، فإنه يفزع من ذلك الخلق، فزعًا شديدًا، ثم يصعقون، ويموتون، إلاَّ من شاء الله تعالى.



1 ـ «اجتماع الجيوش الإسلامية»، لابن القيِّم.
2 ـ «التذكرة»، للقرطبي.
3 ـ «شرح صحيح مسلم» (ج15)، للنووي.
4 ـ «فتح الباري» (ج10)، لابن حجر.
5 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
6 ـ «أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور»، لابن رجب.
7 ـ «شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور»، للسيوطي.
8 ـ «البحور الزاخرة في أمور الآخرة»، للسفاريني.
9 ـ «الروح»، لابن القيِّم.