حرف الصاد / الصفات الذاتية

           

الصفات: جمع صفة، وهي مشتقة من الفعل وَصَفَ، فالواو والصاد والفاء: أصل واحد وهو تحلية الشيء. ووصفته أصِفُه وصفًا؛ إذا حلَّيتُه ونَعتُه. والصفة: الأمارة اللازمة للشيء. والهاء في الصفة عوض عن الواو، وقيل: الوصف المصدر، والصفة الحلية[1]. «والصفة والوصف تارة يراد به الكلام الذي يوصف به الموصوف؛ كقول الصحابي في: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} [الإخلاص] أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، وتارة يراد به المعاني التي دلَّ عليها الكلام: كالعلم والقدرة»[2].
الذاتية: اسم مؤنَّث منسوب إلى ذات. والذات: تأنيث ذو، «قال الليث: (ذو): اسم ناقص، وتفسيره: صاحب ذلك؛ كقولك: فلان ذو مال؛ أي: صاحب مال، وتقول في تأنيث (ذو): ذات، تقول: هي ذات مال. قال الأزهري: وذات الشيء: حقيقته وخاصته»[3].


[1] انظر: مقاييس اللغة (6/115) [دار الفكر، ط1399هـ]، ولسان العرب (9/356) [دار صادر، ط3].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (3/335) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1416هـ].
[3] تهذيب اللغة (15/33) [دار إحياء التراث العربي، ط1].


الصفات الذاتية: هي الصفات التي لا تنفك عن الذات الإلهية؛ بل هي ملازمة لها أزلاً وأبدًا؛ كالوجه واليدين والحياة والعلم والقدرة والحكمة والسمع والبصر[1].


[1] انظر: الكواشف الجلية عن معاني الواسطية للسلمان (429) [18،1413هـ]، وأسماء الله وصفاته لابن عثيمين [دار الشريعة، ط1]، والصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية لمحمد أمان الجامي (203) [الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط1، 1408هـ].


سميت بالصفات الذاتية؛ لأنها لا تنفك عن الذات، فهي لازمة لها أزلاً وأبدًا لا تتجدد تجدد صفات الأفعال[1].


[1] انظر: الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية لمحمد أمان الجامي (203).


ـ الصفات اللازمة: لملازمتها للذات لا تنفك عنها.
ـ الصفات الثبوتية: لدلالتها على معنى ثبوتي وجودي[1].


[1] انظر: المصدر السابق (204).


وجوب الإيمان بالصفات الذاتية التي جاءت في الكتاب والسُّنَّة الصحيحة على الوجه اللائق به تعالى، من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وأنها معلومة المعنى مجهولة الكيف.



حقيقة صفات الله الذاتية من الأمور الغيبية التي استأثر الله تعالى بعلمها، ولا مجال للعقل البشري القاصر للخوض فيها لكونها لم ترد في الكتاب والسُّنَّة الصحيحة.



إن قدر صفات الرب الذاتية عظيم، ومنزلتها رفيعة، أخذت ذلك من عظمة الله جلّ جلاله؛ لأنه المتصف بها سبحانه، المحيط بكل شيء، المتصف بالكمال المطلق في كل شيء، وكمال عبودية العبد لربه ترجع إلى مقتضى صفاته، فهو إنما تعرف على عباده بصفاته.



النصوص متواترة على إثبات الصفات الذاتية تواترًا يتعذر حصره، كما أنها صريحة في الدلالة على المراد، وهو الإثبات اللائق بالله تعالى.
ومن هذه النصوص قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل: 60] ؛ أي: الصفة العليا[1]. وقوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] . وقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] . وقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [طه] . وغير هذه الآيات كثير.
ومن السُّنَّة: حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟» ، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروه أن الله يحبه» [2]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن أورد هذا الحديث: «تضمنت هذه السورة من وصف الله سبحانه وتعالى الذي ينفى قول أهل التعطيل وقول أهل التمثيل ما صارت به هي الأصل المعتمد في مسائل الذات»[3]. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية»[4].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن؛ كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء» [5]. وغيرها من الأحاديث.


[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (9/324) [دار الكتب المصرية، ط2، 1384هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7375)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 813).
[3] أمراض القلوب وشفاؤها (62) [المطبعة السلفية، ط2، 1399هـ].
[4] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7407)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 169).
[5] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2654).


قال أبو حنيفة: «لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء؛ بل يصفه بما وصف به نفسه»[1].
وقال أبو نصر السجزي: «ولا يجوز أن يوصف الله سبحانه إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وذاك إذا ثبت الحديث ولم يبق شبهة في صحته»[2].
ـ وقال ابن عبد البر: «أهل السُّنَّة مجموعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسُّنَّة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقرَّ بها مشبه»[3].
وقال ابن قدامة المقدسي: «ومذهب السلف ـ رحمة الله عليهم ـ الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها ولا نقص منها»[4].
وقال ابن تيمية ـ معلقًا على قول الإمام أحمد في رواية حنبل: (لم يزل الله عالمًا متكلمًا غفورًا) ـ: «فبين اتصافه بالعلم، وهو صفة ذاتية محضة»[5].


[1] شرح الطحاوية لابن أبي العز (293) [وزارة شؤون الأوقاف السعودية، ط1، 1418هـ].
[2] الرد على من أنكر الحرف والصوت (178 ـ 179) [الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط2، 1423هـ].
[3] التمهيد (7/145) [وزارة عموم الأوقاف بالمغرب].
[4] ذم التأويل (11) [الدار السلفية، ط1، 1406هـ]. وانظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث (160 ـ 164).
[5] مجموع الفتاوى (12/438).


تنقسم الصفات الذاتية إلى قسمين:
ـ صفات ذاتية معنوية: كالحياة، والعلم، القدرة، والحكمة وما أشبه ذلك.
ـ صفات ذاتية خبرية: كاليدين، والوجه، والعينين وما أشبه ذلك[1].
وتنقسم باعتبار أدلة ثبوتها إلى:
1 ـ صفات شرعية عقلية: وهي التي يشترك في إثباتها الدليل الشرعي السمعي، والدليل العقلي، والفطرة السليمة؛ كالعلم والسمع، والبصر، والقدرة ونحوها.
2 ـ صفات خبرية سمعية: وهي التي لا سبيل إلى إثباتها إلا بطريق السمع؛ كاليد، والوجه، والإصبع ونحوها[2].


[1] انظر: شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/78) [دار ابن الجوزي، ط6، 1421هـ]، والقواعد المثلى (25) [الجامعة الإسلامية، ط3، 1421هـ].
[2] انظر: الصفات الإلهية للجامي (207).


ذهبت الجهمية: إلى إثبات الذات مجردة عن الصفات، تحت دعوى نفي التشبيه عن الله تعالى، فقالوا: إن كل صفة تطلق على المخلوق لا يصح أن تطلق على الله؛ لأن ذلك يؤدي إلى تشبيه الخالق بالمخلوق. وتبعهم المعتزلة معلِّلين ذلك بأن الصفات أعراض، وأن قيام العرَض بالذات يقتضي حدوثها، وجعلوا إضافة الصفات إلى الله تعالى إما من باب إضافة الملك والتشريف[1]. أما موقف متأخري الأشاعرة ومعهم الماتريدية: فكان نفي جميع الصفات الذاتية ما عدا الصفات السبع التي يسمونها صفات المعاني، وهي: «العلم، الحياة، القدرة، الإرادة، السمع، البصر، الكلام». وزاد الباقلاني وإمام الحرمين من الأشاعرة صفة ثامنة هي: «الإدراك». وزاد الماتريدية صفة «التكوين» وإنما أثبتوا الصفات السبع لدلالة العقل عليها دون غيرها[2].


[1] انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (151، 277) [مكتبة وهبة، ط3، 1416هـ]، والمحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار (107) [المؤسسة المصرية العامة للتأليف]، والمقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى (161) [مكتبة الجفان والجابي، ط1، 1407هـ]، والملل والنحل للشهرستاني (1/46) [مؤسسة الحلبي]، والمواقف للإيجي (3/67) [دار الجيل، ط1، 1997م]، والمعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السُّنَّة منها (100 ـ 101) [دار العاصمة، ط1، 1420هـ].
[2] انظر: تحفة المريد بشرح جوهرة التوحيد للقاني (75 ـ 76) [دار الكتب العلمية]، وإشارات المرام من عبارات الإمام لأحمد الماتريدي (107، 114) [مطبعة البابي الحلبي، ط1368هـ]، ونظم الفرائد وجمع الفوائد لعبد الرحيم شيخ زاده (24) [المطبعة الأدبية، ط1، 1317هـ].


إن كل ما قالوه ليس عليه دليل من الشرع ولم يستدل به أحد من السلف. ثم إن الله تبارك وتعالى قد نفى في كتابه أن تكون صفاته تماثل صفات شيء من المخلوقين فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] ، فإن لوازم صفات المخلوقين التي ذكروها لا تلزم صفات الخالق؛ إذ لا مناسبة بين صفات الخالق وصفات المخلوق حتى تقاس صفاته سبحانه على صفاتهم، وكما أنهم أثبتوا ذات البارئ دون تفكير في لوازم ذوات المخلوقين، يلزمهم إثبات صفاته ذاتية أو فعلية دون تفكير في لوازم صفات المخلوقين. وأيضًا يقال لهم: إن مجرد الاشتراك في الأسماء لا يستلزم الاشتراك في الحقائق، وهذا واقع بين المخلوقات نفسها، فوقوعها فيما بين الخالق والمخلوق من باب أولى[1].


[1] وانظر لابن تيمية: مجموع الفتاوى (6/147، 148، 345، 520، 521)، ودرء تعارض العقل والنقل (1/283) [جامعة الإمام محمد بن سعود، ط2، 1411هـ]، والصفدية (1/127) [مكتبة ابن تيمية، ط2، 1406هـ]، والتدمرية (40 ـ 41) [مكتبة العبيكان، ط6، 1421هـ]، والصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة للجامي (301).


1 ـ «أسماء الله وصفاته وموقف أهل السُّنَّة منها»، لابن عثيمين.
2 ـ «التدمرية»، لابن تيمية.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج1)، لابن تيمية.
4 ـ «الصفات الإلهية تعريفها، أقسامها»، لمحمد خليفة التميمي.
5 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه»، لمحمد أمان الجامي.
6 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج5، 6)، لابن تيمية.
8 ـ «مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات»، لمحمد خليفة التميمي.
9 ـ «النفي في باب صفات الله عزّ وجل بين أهل السُّنَّة والجماعة والمعطلة»، لأرزقي بن محمد سعيداني.