منهج أهل السُّنَّة والجماعة في باب الأسماء والصفات أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وهذا رد على الممثلة، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] رد على المعطلة.
وهذا إنما يستقيم بالأسس التي يقوم عليه منهجهم، وهي موجزة في الأمور الآتية:
1 ـ الإيمان بما وردت به نصوص الكتاب والسُّنَّة الصحيحة من الصفات إثباتًا ونفيًا.
2 ـ تنزيه الله عن أن يشبه شيء من صفاته شيئًا من صفات المخلوقين.
3 ـ قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ وهو يذكر طريقة السلف في هذا الباب ـ: «فمن سبيلهم في الاعتقاد الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه، وسمَّى بها نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، من غير زيادة عليها ولا نقص منها، ولا تجاوز لها، ولا تفسير لها، ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها، ولا تشبيه لها بصفات المخلوقين، ولا سمات المحدَثين؛ بل أمروها كما جاءت»[1].
فمعاني صفات الله عزّ وجل الثابتة بالكتاب أو السُّنَّة معلومة، وتُفسر على الحقيقة، لا مجاز ولا استعارة فيها البتة، أمَّا الكيفية فمجهولة[2].
[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (4/2).
[2] انظر: التدمرية (4 ـ 44)، ومجموع الفتاوى (5/36 ـ 42).
الإيمان بأسماء الله وصفاته له أهمية عظيمة، فإنه لا يمكن لأحد أن يعبد الله عزّ وجل على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى وصفاته، ليعبده على بصيرة، قال الله عزّ وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الأعراف] [1].
[1] انظر: القواعد المثلى (7) [مكتبة السُّنَّة، ط2، 1414هـ].
دلَّت نصوص الكتاب والسُّنَّة على صفات الله تعالى، وذلك من ثلاثة وجوه:
أولاً: دلالة الأسماء عليها:
وهو كل اسم دال على صفة أو أكثر، سواء كان ذلك بدلالة التضمن أو المطابقة أو الالتزام.
ثانيًا: التنصيص على الصفة:
مثل: الوجه واليدين والعينين والكلام والإرادة والمشيئة، وما أشبه ذلك، فهذه بنص من الله عزّ وجل هي صفات. ومن ذلك قول الله تعالى: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] ، وقوله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [البقرة: 165] ، وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: 133] ، وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] .
ثالثًا: التصريح بفعل أو وصف دال عليها:
وهي كل صفة دلَّ عليها فعل من أفعاله كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، ونحو ذلك من أفعاله التي لا تحصى أنواعها، فضلاً عن أفرادها: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ *} [إبراهيم] . ومن ذلك: قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] ، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] ، وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر] [1].
[1] انظر: القواعد المثلى (68، 71)، والصفات الإلهية (15).
قال ابن منده: «إن الأخبار في صفات الله عزّ وجل جاءت متواترة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم موافقة لكتاب الله عزّ وجل، نقلها الخلف عن السلف قرنًا بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات لله والمعرفة والإيمان به، والتسليم لما أخبر الله عزّ وجل به في تنزيله، وبيّنه الرسول عن كتابه مع اجتناب التأويل والجحود وترك التمثيل والتكييف، وأنه عزّ وجل أزلي بصفاته التي وصف بها نفسه، ووصفه الرسول غير زائلة عنه ولا كائنة دونه؛ وذلك أن الله عزّ وجل امتدح نفسه بصفاته تعالى، ودعا عباده إلى مدحه بذلك، وصدّق به المصطفى وبيّن مراد الله عزّ وجل فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته وكان ذلك مفهومًا عند العرب غير محتاج إلى تأويلها»[1].
وقال الصابوني: «أصحاب الحديث ـ حفظ الله أحياءهم ورحم الله أمواتهم ـ يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلّى الله عليه وسلّم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عزّ وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جلّ جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يعتقدون تشبيهًا لصفاته بصفات خلقه... بل ينتهون إلى ما قاله الله وقاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عمّا تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله»[2].
وقال ابن عبد البر: «ولا خبر في صفات الله عزّ وجل إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه، أو قياس، أو تمثيل، أو تنظير؛ فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، أهل السُّنَّة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسُّنَّة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة»[3].
وقال ابن تيمية: «الأصل في هذا الباب أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ نفيًا وإثباتًا، فيُثبَت لله ما أثبته لنفسه، ويُنفى عنه ما نفاه عن نفسه. وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها، إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه ـ مع ما أثبته من الصفات ـ من غير إلحاد، لا في أسمائه ولا في آياته، فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات، مع نفي مماثلة المخلوقات، إثباتًا بلا تشبيه، وتنزيهًا بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] . ففي قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد للتشبيه والتمثيل، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} رد للإلحاد والتعطيل»[4].
[1] كتاب التوحيد لابن منده (3/7) [الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، ط1، 1413هـ].
[2] عقيدة السلف وأصحاب الحديث (26 ـ 28).
[3] التمهيد (7/145).
[4] العقيدة التدمرية (6 ـ 8).
لما خاض المتكلمون في تقسيم الصفات اقتضى أن يكون لأهل السُّنَّة منهج في ذلك للرد على أهل البدع، وبيان ما عندهم من الخلل.
ومن هنا تنوعت تقسيمات أهل العلم للصفات، مع إثباتها لله تعالى وتنزيهها عن مماثلة المخلوقات.
أولاً: أقسام الصفات باعتبار ورودها في النصوص: تنقسم الصفات باعتبار ورودها في النصوص إلى صفات ثبوتية، وصفات سلبية.
القسم الأول: الصفات الثبوتية:
وهي ما أثبته الله لنفسه فوصف به نفسه أو أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم فوصفه به، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه؛ كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والعلو والربوبية والألوهية، والاستواء على العرش والنزول، والوجه واليدين ونحوها.
القسم الثاني: الصفات السلبية:
وهي التي نفاها الله سبحانه وتعالى عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنها صفات نقص وعيب، لثبوت الكمال المطلق، المنافي لها فإن النفي المجرد المحض لا مدح فيه، نحو: نفي الولد، ونفي اتخاذ الصاحبة ونفي الشريك، ونفي الموت، ونفي النوم ونحوها.
ثانيًا: أقسام الصفات باعتبار تعلقها بمشيئة الله تعالى: إن الله تعالى متصف بالصفات الثبوتية، سواء كانت ذاتية لا تنفك عن الذات أو فعلية متعلقة بالمشيئة. فالصفات الثبوتية باعتبار تعلقها بمشيئة الله إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
القسم الأول: الصفات الذاتية:
وهي التي لا تنفك عن الله أزلاً وأبدًا، وذلك كحياته تعالى، وعلمه، وقدرته، وعلوه على خلقه، وحكمته، وعظمته ووجهه ويديه ونحوها.
القسم الثاني: الصفات الفعلية:
وهي التي تتعلق بمشيئته سبحانه وتعالى إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها كاستوائه تعالى على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة، وغيرها.
القسم الثالث: كونها من الصفات الذاتية باعتبار، والفعلية باعتبار آخر:
كصفة الكلام، فإنه باعتبار أصله، ونوعه صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبار آحاد الكلام وأفراده صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته تعالى فالله سبحانه يتكلم متى شاء، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *} [يس] .
ثالثًا: أقسام الصفات باعتبار طريق إثباتها: تنقسم الصفات باعتبار طرق إثباتها إلى قسمين:
القسم الأول: الصفات الخبرية العقلية:
وهي التي يشترك في إثباتها الدليل الشرعي، والعقلي، والفطري؛ كالحياة والقدرة، والعلو، والعلم، والسمع، والبصر، والربوبية، والألوهية، وغيرها.
القسم الثاني: الصفات الخبرية:
وهي التي لا سبيل إلى إثباتها، إلا الخبر عن الله تعالى، أو عن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، إلا أن العقل الصحيح الصريح لا يعارضها بل يؤيدها نحو: وجه الله الكريم، وصفة اليدين، والعينين، والساق، والرجل، والأصابع، ونحوها[1].
[1] انظر: التدمرية (57 ـ 58، 146، 149 ـ 150)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (6/219، 518 فما بعدها) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف]، ودعوة التوحيد لهراس (16 ـ 17)، وشرح الواسطية له (98 ـ 99)، ومنهج ودراسات في الأسماء والصفات (5)، والصفات الإلهية للجامي (199 ـ 209)، والكواشف الجلية (429 ـ 430)، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (1/124 ـ 125، 4/145 ـ 148)، والقواعد المثلى (59، 63)، الصفات الإلهية للتميمي (65).
المسألة الأولى: صفات الله تعالى وأسماؤه الحسنى توقيفية:
إن الواجب في باب الأسماء والصفات الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسُّنَّة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات على وجه التفصيل، فوجب الوقوف في ذلك على النص. قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً *} [الإسراء] ، وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] .
فأسماء الله تعالى أحسن الأسماء، كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا يعدل عمَّا سمَّى به نفسه إلى غيره، كما لا يتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون[1].
المسألة الثانية: منهج أهل السُّنَّة والجماعة إثبات الألفاظ والمعاني في نصوص الأسماء والصفات:
إن طريقة أهل السُّنَّة والجماعة في باب الأسماء والصفات: إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، وهم مع ذلك يثبتون حقائق الأسماء والصفات، مع نفي مشابهة المخلوقات، فلا يعطلون، ولا يؤوِّلون، ولا يمثلون، ولا يجهلون.
وقالوا: له ذات حقيقة ليست كذوات المخلوقين، وله صفات حقيقة لا مجازًا، ليست كصفات المخلوقين، ولا يمنع ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفات وحقائقها، كما لم يمنع ذلك مَن أثبت لله شيئًا من صفات الكمال من فهم معنى الصفة وتحقيقها[2].
ولهذا؛ فإن اعتقاد أن طريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ النصوص بغير إثبات معناها، اعتقاد باطل كذب على السلف، فإن السلف أعلم الأمة بنصوص الصفات لفظًا ومعنًى، وأبلغهم في إثبات معانيها اللائقة بالله تعالى على حسب مراد الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم[3].
يقول ابن تيمية مبينًا مسلك أهل السُّنَّة والجماعة في نصوص الأسماء والصفات: «والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني»[4].
وقال ابن القيِّم: «وهدى أصحاب سواء السبيل للطريقة المثلى، فأثبتوا حقائق الأسماء والصفات ونفوا عنها مماثلة المخلوقات، فكان مذهبهم مذهبًا بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين، يُثبتون له الأسماء الحسنى والصفات العليا بحقائقها ولا يكيِّفون شيئًا منها، فإن الله تعالى أثبتها لنفسه وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها، فإن الله تعالى لم يكلف عباده بذلك ولا أراده منهم، ولا جعل لهم إليه سبيلاً»[5].
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: «إن مذهب أهل السُّنَّة والجماعة هو الإيمان بما ثبت في الكتاب والسُّنَّة من أسماء الله وصفاته لفظًا ومعنى، واعتقاد أن هذه الأسماء والصفات على الحقيقة لا على المجاز، وأن لها معاني حقيقة تليق بجلال الله وعظمته، وأدلة ذلك أكثر من أن تحصر، ومعاني هذه الأسماء ظاهرة معروفة من القرآن كغيرها لا لبس فيها ولا إشكال ولا غموض... وأما كنه الصفة وكيفيتها فلا يعلمه إلا الله سبحانه»[6].
المسألة الثالثة: ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر:
بيَّن أهل العلم أن ظواهر نصوص الكتاب والسُّنَّة الواردة في الصفات معلومة لنا باعتبار المعنى المتبادر إلى الذهن، ومفهومة، وهي أيضًا مجهول لنا باعتبار الكيفية.
فالعلم والجهل يختلفان بحسب الاعتبار:
ـ أما على الاعتبار الأول (المعنى) فإن السلف رضي الله عنهم أثبتوا الصفات كما أثبتها الله لنفسه وأثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والسلف بهذا الإثبات قد خالفوا أهل التعطيل. فهم إنما فوضوا العلم بكيفياتها لا العلم بمعانيها.
ـ وأما على الاعتبار الثاني (الكيفية) فإن السلف رضي الله عنهم قد أثبتوا الصفات مع نفي المشابهة للمخلوقات. وبهذا الاعتبار خالف السلفُ مذهبَ الممثلة والمشبهة[7].
ومن الآثار الواردة عن السلف في إثباتهم لألفاظ نصوص الأسماء والصفات ومعانيها، وتفويض الكيفية إلى علم الله ما يلي:
ـ قول الأوزاعي: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث، فقالا: أمروها كما جاءت[8].
ـ وقال الوليد بن مسلم: سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات؟ فقالوا: أمروها كما جاءت. وفي رواية: أمروها كما جاءت بلا كيف[9].
ففي هذه العبارة رد على المعطِّلة والمشبِّهة: ففي قولهم رضي الله عنهم: «أمروها كما جاءت» رد على المعطلة.
وفي قولهم: «بلا كيف» رد على المشبهة.
كما أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله، وذلك من وجهين:
الأول: قولهم: «أمروها كما جاءت» فإن معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى، ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا: أمروا لفظها، ولا تتعرضوا لمعناها، ونحو ذلك.
الثاني: قولهم: «بلا كيف» فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى؛ لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه، فنفي كيفيته لغو من القول[10].
ـ ودخل رجل على مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه] فكيف استوى؟ قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا، فأمر به أن يخرج[11].
قال ابن تيمية: «فقول ربيعة ومالك: «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول» موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة»[12].
المسألة الرابعة: صفات الله تعالى لها كيفية:
صفات الله عزّ وجل لها كيفية تليق بجلاله سبحانه، وعدم العلم بها لا يعني نفيها، ولم تأت النصوص ببيان حقيقتها أو وصفها، فيتعين الإيمان بها وإن كنّا نجهل حقيقتها، فأهل السُّنَّة يعلمون معنى نزول الله عزّ وجل واستوائه على عرشه، لكن لا يعلمون كيفية نزوله أو استوائه، قال الإمام أبو بكر ابن خزيمة رحمه الله: «نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية لأن نبيِّنا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل. والله لم يترك ـ ولا نبيّه عليه السلام ـ بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية إذ النبي لم يصف لنا كيفية النزول»[13].
وهذا هو مراد أهل السُّنَّة بقولهم بلا كيف، ليس مرادهم نفي الكيفية أصلاً، قال ابن القيِّم: «العقل قد يئس من تعرف كنه الصفة وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف بلا كيف؛ أي: بلا كيف يعقله البشر، فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته، ولا يقدح ذلك في الإيمان بها ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر ولا نعرف حقيقة كيفيته مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم»[14].
المسألة الخامسة: منهج أهل السُّنَّة والجماعة في الإثبات والتنزيه في باب الأسماء والصفات:
القول الشامل لأهل السُّنَّة والجماعة: إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلا لله عزّ وجل، وتنزيهه تعالى من كل نقص وعيب، وعن مماثلة المخلوقات؛ فإن الله تعالى جمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] ، وإنما جمع الله تعالى لنفسه بين النفي والإثبات؛ لأنه لا يتم كمال الموصوف إلا بنفي صفات النقص، وإثبات صفات الكمال، وكل الصفات التي نفاها الله عن نفسه صفات نقص كالإعياء واللغوب، والعجز والظلم، ومماثلة المخلوقين، وكل ما أثبته الله لنفسه فهو صفات كمال، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل] [15].
ـ أما ضابط الإثبات فهو أن يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من صفات الكمال على وجه لا نقص فيه بأي حال من الأحوال، لقول الله : {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [النحل] ، والمثل الأعلى هو الوصف الأكمل الذي لا يماثله شيء.
ـ وأما ضابط التنزيه، فهو: نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وكلها صفات نقص في حقه، مع اعتقاد ثبوت كمال ضدها لله تعالى.
والمراد بالنفي هنا:
1 ـ تنزيه الله عن النقص المضاد لكماله.
2 ـ تنزيهه سبحانه عن أن يكون له مثل في شيء من صفاته.
وقد دلَّت عليهما سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن بقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *} [الإخلاص] ، فاسمه الصمد يجمع معاني صفات الكمال، واسمه الأحد يقتضي أنه لا مثل له ولا نظير[16].
المسألة السادسة: منهج أهل السُّنَّة والجماعة في باب الأسماء والصفات: الإثبات المفصل والنفي المجمل:
الأصل في معرفة الله الصفات الثبوتية، وأما الصفات المنفية فهي مكلمة للإثبات، وتابعة له، وقد أوضح أهل العلم أن طريقة السلف في باب الأسماء والصفات: الإثبات المفصل والنفي المجمل، وذلك أنهم يثبتون لله تعالى الأسماء والصفات على وجه التفصيل، وأما الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه فكلها صفات نقص ولا تليق به كالعجز والتعب والظلم ومماثلة المخلوقين، والغالب فيها الإجمال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «طريقة الرسل وأتباعهم من سلف الأمة وأئمتها: إثبات مفصل ونفي مجمل، إثبات صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفي النقص والتمثيل، كما دلَّ على ذلك سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *} [الإخلاص] »[17].
كما دلَّت الآيات الكثيرة والأحاديث الثابتة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم على إثبات أسماء الرب وصفاته على وجه التفصيل[18].
ـ أسباب ورود التفصيل في النفي في باب الأسماء والصفات:
بيَّن بعض أهل العلم أن التفصيل في الصفات المنفية قد يأتي لأسباب؛ منها:
أولاً: نفي ما ادَّعاه الكاذبون المفترون؛ كقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون: 91] .
ثانيًا: دفع توهم نقص في كماله؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ *} [ق] .
ثالثًا: قصد التهديد، كما في قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ *}[19] [البقرة] .
المسألة السابعة: المحاذير التي يجب تجنبها في باب الأسماء والصفات:
من المحاذير التي يجب تجنبها في باب الأسماء والصفات: التحريف والتعطيل، والتأويل، والإلحاد، والتكييف، والتمثيل.
وقد علم مما سبق أن طريقة السلف في باب الأسماء والصفات: أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفيًا وإثباتًا، فيُثبت لله ما أثبته لنفسه، ويُنفى عنه ما نفاه عن نفسه، ولا يتحقق ذلك جليًّا إلا بالتخلي عن محاذير يقع فيها كثير من الناس، ولهذا تجد أهل العلم يجمعون بين تقرير مذهب السلف في الإثبات والنفي في باب الأسماء والصفات، وبين التحذير من التعطيل والتأويل الفاسد، والتمثيل وغيرها[20].
يقول أبو عثمان الصابوني: «إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسُّنَّة ـ حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم ـ يشهدون لله تعالى بالوحدانية وللرسول صلّى الله عليه وسلّم بالرسالة، والنبوة، ويعرفون ربهم عزّ وجل بصفاته التي نطق بها وحيه، وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدولُ الثقاتُ عنه، ويثبتون له جلّ جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يعتقدون تشبيهًا لصفاته بصفات خلقه، ... ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله، ولا يكيّفونهما بكيف، ولا يشبِّهونهما بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة خذلهم الله، وقد أعاذ الله تعالى أهل السُّنَّة من التحريف والتكييف والتشبيه، ومنّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه»[21].
ويقول ابن تيمية: «طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه ـ مع ما أثبته من الصفات ـ من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته»[22].
المسألة الثامنة: باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات:
الواجب على المؤمن في باب الأسماء والصفات مراعاة ما أطلقه الله تعالى على نفسه من الأسماء والصفات والوقوف معها، وعدم إطلاق ما لم يطلقه على نفسه ما لم يكن مطابقًا لمعنى أسمائه وصفاته، وحينئذ فيطلق المعنى لمطابقته له دون اللفظ[23].
ولأجل هذا فإن أهل العلم قد بيَّنوا نوع العلاقة التي تربط بين أبواب ثلاث، وهي: باب الأسماء وباب الصفات، وباب الإخبار.
وذلك أن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، وأن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، فصار باب الأسماء أخص من البابين الآخرين[24].
فيتبين مما تقدم أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة، ومن الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها. ومن الأمثلة عليه: أن من صفات الله تعالى المجيء والنزول، والاستواء على العرش، والإتيان، والأخذ، والإمساك والبطش إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى، فيوصف الله بهذا الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه: الجائي، والآتي، والآخذ، والممسك، والباطش، والمريد، والنازل، ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به[25].
يقول ابن القيِّم: «إن الفعل أوسع من الاسم، ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالاً لم يتسم منها بأسماء الفاعل؛ كأراد، وشاء، وأحدث، ولم يسمَّ بالمريد والشائي والمحدث، كما لم يتسم بالصانع والفاعل والمتقن، وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه، فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء»[26].
ويقول ابن عثيمين: «الصفات أوسع من الأسماء؛ لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة تكون اسمًا، وهناك صفات كثيرة تطلق على الله وليست من أسمائه، فيوصف الله بالكلام والإرادة، ولا يسمى بالمتكلم أو المريد»[27].
ـ كما أن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، ولا يشترط أن يكون باب الإخبار توقيفيًّا، وإنما يكون باسم حسن أو غير سيء مما هو ثابت وحق، بحيث يكون معناه صحيحًا، ومثّل أهل العلم لذلك: بالشيء والموجود والقائم بنفسه، وغير ذلك[28].
يقول ابن القيِّم: «إن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه، فإنه يخبر به عنه، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا»[29].
المسألة التاسعة: الفرق بين دعاء الله تعالى بأسمائه وصفاته وبين دعاء صفة من صفات الله:
فرَّق أهل العلم بين دعاء الله بأسمائه وصفاته، وبين دعاء الصفة نفسها، فالأول مشروع كما نصت عليه السُّنَّة.
وأما دعاء الصفة كمن يقول: يا كلام الله اغفر لي وارحمني، ونحو ذلك، فهذا كفر؛ وذلك لأن الصفة غير الموصوف بلا شك، فقدرة الله عزّ وجل ليس هي الله؛ بل هي صفة من صفاته، فلو تعبَّد الإنسان لصفة من صفات الله لم يكن متعبِّدًا لله تعالى، وإنما تعبَّد لهذه الصفة لا لله، والمسلم إنما يتعبَّد لله تعالى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث، وأما دعاءُ صفاتِه وكلماتِه، فكفر باتفاق المسلمين، فهل يقول مسلم: يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغثني أو أعني، أو يا علم الله، أو يا قدرة الله، أو يا عزة الله، أو يا عظمة الله ونحو ذلك»[30].
[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/26)، وبدائع الفوائد (1/168)، القواعد المثلى (34، 68)، معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (43 ـ 45).
[2] انظر: الصواعق المرسلة (2/426 ـ 427).
[3] انظر: القواعد المثلى (77).
[4] منهاج السُّنَّة (2/554).
[5] انظر: مختصر الصواعق (1/83)، والصواعق المرسلة (2/425 ـ 427).
[6] فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم (1/175).
[7] انظر: الفتوى الحموية الكبرى (197 ـ 200)، والقواعد المثلى (64، 76 ـ 77)، والقول المفيد (2/189).
[8] أخرجه اللالكائي في شرح الاعتقاد برقم (735)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/377)، وانظر: مختصر العلو للذهبي (138).
[9] أخرجه اللالكائي في شرح الاعتقاد برقم (930)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/377)، وابن عبد البر في التمهيد (7/149)، وغيرهم.
[10] انظر: الفتوى الحموية الكبرى (304)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/32).
[11] أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (104)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد برقم (664)، وابن عبد البر في التمهيد (7/151) وغيرهم. وانظر: مختصر العلو (141 ـ 142)، وفتح الباري (13/406)، والأثر المشهور عن مالك رحمه الله في صفة الاستواء للبدر (38 ـ 50).
[12] الفتوى الحموية الكبرى (309)، وراجع: الرد على الجهمية للدارمي (67).
[13] التوحيد لابن خزيمة (1/289).
[14] مدارج السالكين (3/376).
[15] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/145)، والقول المفيد (2/313).
[16] انظر: التدمرية (124)، ومنهاج السُّنَّة (2/186 ـ 187، 2/523)، والجواب الصحيح (2/261)، والقواعد المثلى (59، 60)، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (4/19، 201).
[17] منهاج السُّنَّة (2/185).
[18] انظر: التدمرية (8 ـ 12)، ودرء التعارض (5/163، 6/348)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (2/478، 6/37)، التسعينية (1/171)، والصواعق المرسلة (3/1009)، وشرح العقيدة الطحاوية (69)، والقواعد المثلى (71)، وشرح العقيدة الواسطية (117)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/114، 7/214).
[19] انظر: القواعد المثلى (62)، ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (4/115)، وراجع: شرح العقيدة الواسطية لهراس (82)، والصفات الإلهية للتميمي 58ـ 59).
[20] انظر: العقيدة الواسطية مع شرح ابن عثيمين (56) فما بعدها، ودرء التعارض (1/284)، واجتماع الجيوش الإسلامية (94)، والقواعد المثلى (64)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/230).
[21] عقيدة السلف أصحاب الحديث (26).
[22] التدمرية (6 ـ 7).
[23] انظر: طريق الهجرتين (596).
[24] انظر: معتقد أهل السُّنَّة في الأسماء الحسنى للتميمي (34 ـ 35)، وأسماء الله الحسنى للغصن (141 ـ 142).
[25] انظر: القواعد المثلى (57 ـ 58).
[26] مدارج السالكين (3/433).
[27] القول المفيد (2/188).
[28] انظر: درء التعارض (1/298، 4/140)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (6/142)، والجواب الصحيح (5/8)، وبدائع الفوائد (1/162)، ومدارك السالكين (3/433)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (7/245)، والصفات الإلهية للتميمي (39).
[29] بدائع الفوائد (1/161).
[30] تلخيص كتاب الاستغاثة (1/181). وانظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/164 ـ 166).
من ثمرات الإيمان بصفات الله عزّ وجل:
1 ـ أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به؛ لأنه من المعلوم عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبه؛ كما أن المحبوب يحب أن يتحلَّى مُحِبُّهُ بصفاته؛ فهذا يدعو العبد المحب لأن يتصف بصفات محبوبه ومعبوده كلٌّ على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفق، فإذا علم العبد ذلك؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بذات العبد.
2 ـ ومنها: أنه إذا آمن العبد بصفات (العلم، والإحاطة، والمعية)؛ أورثه ذلك الخوف من الله عزّ وجل المطَّلع عليه الرقيب الشهيد، فإذا آمن بصفة (السمع)؛ علم أن الله يسمعه؛ فلا يقول إلا خيرًا، فإذا آمن بصفات (البصر، والرؤية، والنظر، والعين)؛ علم أن الله يراه؛ فلا يفعل إلا خيرًا؛ فما بالك بعبد يعلم أن الله عزّ وجل يسمعه، ويراه، ويعلم ما هو قائله وعامله، أليس حريٌّ بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره؟! فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله (يحبُّ، ويرضى)؛ عمل ما يحبُّه معبوده ومحبوبه وما يرضيه، فإذا آمن أن من صفاته (الغضب، والكره، والسخط، والمقت، والأسف، واللعن)؛ عمل بما لا يُغْضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط عليه ويمقته ثم يلعنه ويطرده من رحمته، فإذا آمن بصفات (الفرح، والبشبشة، والضحك)؛ أنس لهذا الرب الذي يفرح لعباده ويتبشبش لهم ويضحك لهم؛ ما عدمنا خيرًا من ربٍّ يضحك.
3 ـ ومنها: أنه إذا علم العبد وآمن بصفات الله عزّ وجل من (الرحمة، والرأفة، والتَّوْب، واللطف، والعفو، والمغفرة، والستر، وإجابة الدعاء)؛ فإنه كلما وقع في ذنب؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه، وطمع فيما عند الله من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب، ولا يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً، كيف ييأس من يؤمن بصفات (الصبر، والحلم)؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أن الله يتصف بصفة (الكرم، والجود، والعطاء)؟!.
4 ـ ومنها: أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفات (القهر، والغلبة، والسلطان، والقدرة، والهيمنة، والجبروت)؛ يعلم أن الله لا يعجزه شيء؛ فهو قادر على أن يخسف به الأرض، وأن يعذبه في الدنيا قبل الآخرة؛ فهو القاهر فوق عباده، وهو الغالب من غالبه، وهو المهيمن على عباده، ذو الملكوت والجبروت والسلطان القديم؛ فسبحان ربي العظيم.
5 ـ ومنها: أن العبد إذا تدبر صفات الله من (العظمة، والجلال، والقوة، والجبروت، والهيمنة)؛ استصغر نفسه، وعلم حقارتها، وإذا علم أن الله مختص بصفة (الكبرياء)؛ لم يتكبَّر على أحد، ولم ينازع الله فيما خصَّ نفسه من الصفات، وإذا علم أن الله متصف بصفة (الغنى، والملك، والعطاء)؛ استشعر افتقاره إلى مولاه الغني، مالك الملك، الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
6 ـ ومنها: أنه إذا علم أن الله يتصف بصفة (القوة، والعزة، والغلبة)، وآمن بها؛ علم أنه إنما يكتسب قوته من قوة الله، وعزته من عزة الله؛ فلا يذل ولا يخنع لكافر، وعلم أنه إن كان مع الله؛ كان الله معه، ولا غالب لأمر الله عزّ وجل[1].
[1] انظر: صفات الله عزّ وجل لعلوي السقاف (30 ـ 36).
خالف أهل السُّنَّة طوائف من أهل التعطيل والتشبيه في باب الأسماء والصفات؛ فالفلاسفة يثبتون وجودًا مطلقًا وهو واجب الوجود، فلا صفة له، ولا فعل يقوم به، ولا قدرة له على فعل، ولا يعلم شيئًا. وهم في حقيقة الحال ينفون جميع الأسماء والصفات.
وهم على مراتب: فمنهم من يصف الله تعالى بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون إلا وجودًا مطلقًا، يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان، وهذا ابن سينا وأمثاله.
ومنهم من يقول: لا نثبت ولا ننفي، فيقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، وهكذا بسلب النقيضين، وهذا ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية المتفلسفة.
ومنهم من يقول: نحن لا نقول: ليس بموجود ولا بمعدوم، ولا حي ولا ميت، فيمتنعون عن كل من المتناقضين، ويحكى هذا عن الحلاج.
ومنهم أهل وحدة الوجود الذين يقولون: إن وجود الخالق هو وجود المخلوق[1].
وأما أهل الكلام: فمنهم من ينفي جميع الأسماء والصفات، وهذا مذهب الجهمية.
ومنهم من أثبت الأسماء ونفى الصفات، فيقول: إن الله عالم بذاته لا بعلم، أو يقول: إن الله عالم بعلم هو ذاته، وهكذا بقية الصفات، فهم ينكرون قيام الصفات بالله تعالى حقيقة، وهذا مذهب المعتزلة ومن وافقهم.
ومنهم من يثبت الأسماء وبعض الصفات، إلا أنهم لم يثبتوا لله صفات تقوم به تتعلق بمشيئته وقدرته، ونفوا الصفات الاختيارية، وهذا مذهب ابن كلاب، والأشعري في طوره الثاني، وقدماء الأشاعرة؛ كالباقلاني وابن فورك، وغيرهما.
فصفة الكلام والرضا والغضب والمجيء والنزول، وغيرها يؤوِّلونها على أحد الوجوه الآتية:
1 ـ إرجاعها إلى الصفات الذاتية، وأنها أزلية لا تتعلق بمشيئته.
2 ـ أن يجعلوها من باب النسب والإضافة المحضة، بمعنى أن الله خلق العرش بصفة تحت فصار مستويًا عليه، وأنه يكشف الحجب التي بينه وبين خلقه، فيصير جائيًا إليهم ونحو ذلك. فهذه صفات الفعل منفصلة عن الله بائنة عنه.
3 ـ أن يجعلوها أفعالاً محضة في المخلوقات، مثل قولهم في الاستواء: إنه فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قربًا فيصير مستويًا عليه من غير أن يقوم بالله فعل اختياري.
وأما الصفات الخبرية فالوارد منها في القرآن يثبتونه، وأما ما ورد في السُّنَّة فمنهم من يثبتها، ومنهم من لا يثبتها.
ومن المتكلمين من يثبت الأسماء ولا يثبت من الصفات إلا سبعَ صفات أو ثمانيَ، وينفي ما عداها، وهذا قول المتأخرين من الأشاعرة والماتريدية.
فالصفات الثبوتية عند متأخري الأشاعرة هي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة، والسمع والبصر، والكلام. وزاد بعضهم: الإدراك.
وعند الماتريدية: الحياة والعلم والقدرة والإرادة، والسمع والبصر، والتكوين[2].
وأما المشبهة؛ فهم الذين شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، وقالوا: يد كيدي، وبصر كبصري[3].
وقد أنكر علماء السُّنَّة مقالة المشبِّهة والمعطِّلة، وبيَّنوا أن نصوص الكتاب والسُّنَّة الكثيرة جاءت بإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم، من الأسماء الحسنى والصفات العليا، وعليه إجماع أهل السُّنَّة والجماعة.
[1] انظر: مجموع الفتاوى (3/7 ـ 8)، وشرح العقيدة الأصفهانية (51، 52، 76)، والصفدية (1/96)، وبغية المرتاد (349، 397)، ومواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات للتميمي (74).
[2] انظر: مجموع الفتاوى (3/7، 4/147ـ 148، 5/410 ـ 412، 437، 6/51 ـ 53، 68ـ 69، 144 ـ 149، 358، 520 ـ 525، 12/311، 13/131)، ومنهاج السُّنَّة (2/526)، وشرح العقيدة الأصفهانية (51، 52، 78)، والمعتزلة وأصولهم الخمسة (100)، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/1034)، ومواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات للتميمي (101).
[3] انظر: درء التعارض (4/145)، وبيان تلبيس الجهمية (1/54)،، ومنهاج السُّنَّة (2/103، 217)، ومواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات (117).
1 ـ «الشريعة»، للآجري.
2 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
3 ـ «العقيدة الواسطية مع شرحها»، لابن عثيمين.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
5 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
6 ـ «التوحيد»، لابن خزيمة.
7 ـ «اجتماع الجيوش الاسلامية»، لابن القيِّم.
8 ـ «عقيدة السلف أصحاب الحديث»، للصابوني.
9 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
10 ـ «شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة»، للالكائي.
11 ـ «شرح الأصبهانية»، لابن تيمية.