حرف الصاد / الصَّلاة على النبيِّ

           

الصَّلاة: مصدر الفعل الثلاثي المعتلّ الآخر (صلَّى)؛ ومعناها: الدُّعاء، والرحمة، والثَّناء. ومنه الحديث: «إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصلِّ، وإن كان مفطرًا فليطعم» [1]، ومعنى (فليصلِّ): فليدع لهم بالخير والبركة؛ كما جاء مفسَّرًا بمعناه من أحد رواة الحديث[2].
النبيّ (والنبيء): المُخبِر عن الله عزّ وجل؛ مأخوذ من (النَّبأ)؛ أي: الخبر؛ لأنه أنبأ عن الله سبحانه وتعالى. وقيل: بل مأخوذ من (النَّبْوة)؛ أي: الارتفاع؛ كأنه مُفضَّل على الناس برفع منزلته. والجمع: أنبياء، ونُبآء، وأنباء، ونبيئون. والاسم: النُّبُوَّة[3].


[1] أخرجه مسلم (كتاب النكاح، رقم 1431)، وأبو داود (كتاب الصوم، رقم 2460)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال هشام بن حسان ـ أحد رواة الحديث ـ في رواية أبي داود: «والصلاة: الدُّعاء».
[2] انظر: الصحاح (6/2402) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومقاييس اللغة (3/300) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والقاموس المحيط (1681) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ].
[3] انظر: الصحاح (1/74، 6/2500)، ومقاييس اللغة (5/384)، والقاموس المحيط (67).


الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم: هي من الله تعالى: ثناؤه عليه عند الملائكة وتعظيمه وتكريمه، والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته ودعوته، وإعلاء ذكره، وإبقاء شريعته. وصلاة الملائكة وغيرهم عليه: طلب ذلك له من الله تعالى. والمراد: طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة[1].
وهذا هو التعريف الصحيح للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، خلافًا للقول المشهور عند المتأخرين بأن الصلاة من الله هي: الرحمة، ومن العبد: الدعاء[2]، وقصره على ذلك.
والصحيح ما ذكرناه، وهذا الثناء والتعظيم مستلزم للرحمة والمغفرة ولا بد، لكن لا يصح قصر تفسير الصلاة على الرحمة وحدها.


[1] انظر: المنهاج في شُعَب الإيمان للحليمي (2/134) [دار الفكر، ط1، 1399هـ]، والنهاية في غريب الحديث والأثر (3/50) [مطبعة عيسى البابي الحلبي]، وجلاء الأفهام لابن القيم (168، 178) [دار عالم الفوائد، ط1، 1425هـ]، وتفسير ابن كثير (6/457) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، وفتح الباري لابن حجر (8/533، 11/156) [دار المعرفة، 1379هـ]، والقول البديع للسخاوي (50، 52) [دار المنهاج، جدة، ط2، 1428هـ]، وفتح المغيث له (1/10) [دار المنهاج، الرياض، ط1، 1426هـ].
[2] انظر للرَّد على هذا القول: جلاء الأفهام (164 ـ 179).


الصلاة لغة هي الدعاء والتبريك والثناء، ولا بد فيها من كلام؛ فهي نوع من الكلام الطلبي والخبري والإرادة؛ فحقيقتها: ثناء من المصلي على من يصلِّي عليه، وتنويه به، وإشارة لمحاسنه ومناقبه وذكره، وإرادة لإكرامه وتقريبه وإعلاء منزلته[1]. وهذه المعاني هي الحقيقة الشرعية والتعريف المختار للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ويقال أيضًا: إنّه قيل: إنَّ أصل الصلاة في اللّغة: التعظيم والتكريم، ومنه سمّيت الصلاة المخصوصة صلاة؛ لما فيها من تعظيم الرّبِّ سبحانه وتعالى[2]. وهذا التعظيم والتكريم هو من لوازم الثناء وتوابعه، الذي هو المعنى الشرعي المختار للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ويمكن أن يقال أيضًا: «إنَّ الصلاة من (الصِّلة)، ولا شكَّ أن الثناء على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات؛ لأنَّ الثناء قد يكون أحيانًا عند الإنسان أهمّ من كُلِّ حال، فالذِّكرى الحسنة صلة عظيمة»[3].
فيظهر من هذه الأوجه كلِّها أنَّ بين المعنى اللُّغوي والشرعيّ تناسبًا وتوافقًا واضحًا.


[1] انظر: جلاء الأفهام لابن القيم (166، 168، 169، 171، 172، 175).
[2] انظر: النهاية في غريب الحديث (3/50).
[3] الشرح الممتِع على زاد المستقنِع (3/164) [دار ابن الجوزي، ط1، 1422هـ]. وانظر: الصحاح (5/1842)، والقاموس المحيط (1380)، والصِّلات والبُشَر (20) [دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ].


الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم من أعظم القربات، وأجلِّ الطاعات، وأوجب شعب الإيمان، وأنفع أدعية العبد له في دنياه وآخرته؛ محبة له صلّى الله عليه وسلّم، وأداء لحقه، وتوقيرًا له وتعظيمًا، فهي من لوازم وتمام محبته وتعظيمه وتوقيره صلّى الله عليه وسلّم.
فحقيقتها: التقرب إلى الله تعالى بامتثال أمره، وقضاء حق النبي صلّى الله عليه وسلّم علينا.
والمواظبة عليها من باب أداء شكره صلّى الله عليه وسلّم، وشكره واجب؛ لما عظم منه من الإنعام؛ فإنه ـ بفضل الله ومنته علينا ـ سبب نجاتنا من الجحيم، ودخولنا في دار النعيم، وإدراكنا الفوز بأيسر الأسباب، ونيلنا السعادة من كل الأبواب، ووصولنا إلى المراتب السنية والمناقب العلية بلا حجاب.
فليست صلاتنا على النبي صلّى الله عليه وسلّم شفاعة منا له؛ فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عن ذلك كافأناه بالدعاء؛ فأرشدنا الله عزّ وجل ـ لما علم عجزنا عن مكافأة نبيِّنا صلّى الله عليه وسلّم ـ إلى الصلاة عليه؛ لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا وإفضاله علينا، وإحسانه مستمر لا ينقطع.
فالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها دلالة على نصوع العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة، والاحترام للواسطة الكريمة.
وفضائلها أكثر من أن تُحصى، وتاركها متعرض للعقوبات الكثيرة.
والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم واجبة في الجملة على كل مكلف، بإجماع العلماء ـ واختلف في وقت وجوبها وموضعها على أقوال كثيرة[1] ـ، وهي واجبة في كل حين وجوب السُّنن المؤكدة التي لا يسع تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه[2].


[1] انظر: التمهيد لابن عبد البر (16/191) [مؤسسة قرطبة، مصر (مصوَّرة عن الطبعة المغربية)]، والشفا للقاضي عياض (2/627) [طبعة عيسى البابي الحلبي]، وجلاء الأفهام (453)، وفتح الباري لابن حجر (11/152)، والقول البديع للسخاوي (58)، والمواهب اللَّدنيَّة للقسطلاني (3/322) [المكتب الإسلامي، ط2، 1425هـ]، وروح المعاني للآلوسي (22/81) [إدارة الطبعة المنيرية].
[2] انظر: المنهاج في شُعَب الإيمان للحليمي (2/134)، وعارضة الأحوذي لابن العربي (2/269) [دار الكتب العلمية]، والمحرر الوجيز لابن عطيَّة (7/145) [وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر، ط2، 1428هـ]، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/231) [دار إحياء التراث العربي، 1405هـ]، وبدائع الفوائد لابن القيم (2/688) [دار عالم الفوائد، ط1، 1425هـ]، وجلاء الأفهام (521) وما بعدها، والقول البديع (83).


دلَّ على فضل الصَّلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلوِّ منزلتها: الكتاب، والسُّنَّة المتواترة، وإجماع الأمَّة:
قال الله جلّ جلاله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *} [الأحزاب] ، وهي ظاهرة الدلالة على فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ووجوبها في الجملة على كل مكلف، وفيها إخبار من الله تعالى لعباده «بمنزلة عبده ونبيه صلّى الله عليه وسلّم عنده في الملأ الأعلى؛ بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا!»[1]، ففي هذه الآية من تعظيمه صلّى الله عليه وسلّم والتنويه به ما ليس في غيرها إجماعًا[2].
وثبت في «صحيح مسلم» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلَّى عليَّ واحدة؛ صلَّى الله عليه عشرًا» [3]، وثبت في حديث أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: «قلت: يا رسول الله؛ إني أُكثر الصلاة عليك؛ فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت؛ قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك؛ قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك؛ قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك؛ قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تُكفى همَّك ويُغفر لك ذنبك» [4]. وثبت في حديث أبي بردة بن نيار عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من صلّى علي من أمتي صلاة مخلصًا من قلبه؛ صلّى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات» [5]. والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وأجمعت الأمة على فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلو منزلتها، وعظيم درجتها، وأنها واجبة في الجملة على كل مؤمن.


[1] تفسير ابن كثير (6/457).
[2] انظر: فتح الباري (11/156)، والقول البديع (53).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أيضًا بنحوه (كتاب الصلاة، رقم 384) ضمن حديث سؤال الوسيلة، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
[4] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرَّقائق والوَرع، رقم 2457) وحسَّنه، وأحمد في مسنده (35/166) [مؤسسة الرسالة، ط1] مختصرًا بنحوه، والحاكم في مستدركه (كتاب التفسير، رقم 3578) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 1670) [مكتبة المعارف، ط5].
[5] أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (167) [مؤسسة الرسالة، ط2]، والطبراني في الكبير (22/195) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/167) [دار المعرفة]: «رواته ثقات»، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 3360).


قال أبو العالية في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] : «صلاة الله عليه: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدُّعاء»[1].
قال ابن القيِّم: «طلب الصَّلاة من الله تعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم هو من أجلِّ أدعية العبد، وأنفعها له في دنياه وآخرته»[2].
وقال أيضًا: «الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم متضمنة لذكر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله؛ فالمصلِّي عليه صلّى الله عليه وسلّم قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله؛ كما عرفنا ربنا وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرَّفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم عليه، فهي متضمِّنة لكلِّ الإيمان؛ بل هي متضمِّنة للإقرار بوجود الرّب المدعو، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا ريب أنَّ هذه هي أصول الإيمان؛ فالصَّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم متضمِّنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبَّته له؛ فكانت من أفضل الأعمال»[3].


[1] علَّقه البخاري في صحيحه (3/280) [المكتبة السلفية بالقاهرة، ط1، 1400هـ]، ووصلَه: ابنُ أبي حاتم في تفسيره ـ كما في فتح الباري (8/533)، والدُّرّ المنثور للسيوطي (12/72) [دار هجر، ط1، 1424هـ] ـ، وإسماعيلُ القاضي في فضل الصَّلاة برقم (95) [المكتب الإسلامي، ط3، 1977م]، وصحَّحه الألباني في تحقيقه لفضل الصَّلاة.
[2] بدائع الفوائد (2/688)، بتصرُّفٍ يسيرٍ.
[3] جلاء الأفهام (534).


المسألة الأولى: المواضع والأوقات التي يشرع فيها الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم استحبابًا أو وجوبًا:
هذه المواضع كثيرة ـ وكثير منها لا يثبت بدليل صحيح ـ[1]؛ ومنها: في آخر التشهد الأخير، وآخر التشهُّد الأوَّل، وآخر القنوت، وكلَّما ذكر اسمه صلّى الله عليه وسلّم، وفي صلاة الجنازة، وبعد إجابة المؤذن، وغير ذلك.
المسألة الثانية: الصِّيغ المأثورة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في كيفيَّة الصلاة عليه، في الصلاة وغيرها:
قد وردت في ذلك عدَّة صِيَغ صحيحة[2]؛ أصحها وأشهرها: الصيغتان اللتان علَّمهما النبي صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه رضي الله عنهم، وقد اتفق على إخراجهما البخاريّ ومسلم في صحيحيهما؛ وهما:
الأولى: من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ وهي: «اللَّهُمَّ صل على محمد وعلى آل محمَّد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميد مجيد. اللَّهُمَّ بارك على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميد مجيد»[3].
والأخرى: من حديث أبي حميد السَّاعدي رضي الله عنه؛ وهي: «اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد وأزواجه وذريَّته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمَّد وأزواجه وذريَّته، كما باركت على آل إبراهيم؛ إنَّك حميد مجيد»[4].
والأولى التنويع بين هذه الصِّيغ الواردة؛ بأن يأتي بهذه تارة، وبغيرها أخرى؛ لئلاَّ يؤدي لزوم إحدى الصيغ إلى هجر الصيغ الأخرى الثابتة، لما في ذلك من الفوائد الكثيرة التي لا يتطلَّب تحصيلها[5].
ولا يشرع الجمع والتلفيق بين هذه الألفاظ لتخرج في صيغة واحدة مجموعة منها؛ بل هو بدعة مخالف للسُّنَّة، كما هي القاعدة المتقرّرة في العبادات الواردة على وجوه متنوّعة[6].
المسألة الثالثة: ما ذكره العلماء في كتب المصطلح وآداب طالب الحديث من أنَّه[7]:
ينبغي على طالب العلم والنَّاسخ ونحوهما المحافظة على كتابة الصَّلاة والتَّسليم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلَّما كتبه، ولا يسأم من تكراره، وإن لم يكن في الأصل، ويُستحب التلفّظ بهما بلسانه مع ذلك أيضًا؛ فإنَّ ذلك من أكثر الفوائد التي يتعجَّلها طالب الحديث، ومن أغفل ذلك فقد حرم حظًّا عظيمًا! وأنَّه يكره الاقتصار على الصَّلاة دون التَّسليم، ويكره أيضًا اختصار الصَّلاة والسَّلام والرَّمز لهما ـ بحرف أو حرفين ـ بنحو: (صلعم)، أو: (ص)، ونحوهما، كما يفعل الكسالى وعوام الطَّلبة؛ بل يكتب الصِّيغة بكمالها. وكرهوا أيضًا فصل المضافين في سطرين، خصوصًا نحو: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعبد الرحمن بن محمد، وما أشبهه.


[1] انظر: جلاء الأفهام (380 ـ 520)، والقول البديع للسخاوي (356 ـ 495).
[2] جمعَها الألبانيُّ رحمه الله في كتابه: صِفة صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم من التكبير إلى التسليم كأنَّك تراها (165) [مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1416هـ].
[3] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3370)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم 406)، وعندَه: «كما صليتَ على آل إبراهيم... كما باركتَ على آل إبراهيم».
[4] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3369)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم 407)، وعندَه: «وعلى أزواجه» بزيادة: (على) في الموضِعَين.
[5] انظر هذه الفوائد في: مجموع الفتاوى (24/247).
[6] انظر الكلام على هذه القاعدة في: مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/335، 458، 24/242)، والفتاوى الكبرى له (5/332) [دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ]، ومنهاج السُّنَّة النبويَّة له (6/126) [طبعة جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]، وجلاء الأفهام (373)، وقواعد ابن رجب (14) [مكتبة الكليات الأزهرية، ط1، 1391هـ]، والشرح الممتِع (2/56، 65، 3/29، 98).
[7] انظر مثلاً: شرح صحيح مسلم للنووي (1/39) [دار إحياء التراث العربي، ط2، 1392هـ]، ورسوم التحديث في علوم الحديث للجعبري (122) [دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1421هـ]، وفتح المغيث للسخاوي (3/43، 47)، وتدريب الرَّاوي للسيوطي (1/503) [مكتبة الكوثر بالرياض، ط2، 1415هـ].


الفرق بين الصَّلاة على النبيِّ، والسَّلام عليه، والتبريك عليه صلّى الله عليه وسلّم:
تقدم أنَّ معنى صلاة الله تعالى على نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم: ثناؤه عليه عند الملائكة وتعظيمه وتكريمه.
ومعنى السَّلام عليه: دعاء الدَّاعي له بأن يسلِّمه الله عزّ وجل ويحصِّنه من جميع النقائص والآفات والمكاره، في حياته وبعد موته.
ومعنى البركة والتبريك عليه[1]: الزِّيادة من الخير والكرامة، وقيل: الثبات على ذلك، من قولهم: بركت الإبل؛ أي: ثبتت على الأرض، ومنه: بركة الماء. وقيل: التزكية والتَّطهير من العيوب كلِّها.
فالتبريك يجمع بين: الزّيادة والدّوام والثّبات؛ فمعنى «وبارك على محمد وعلى آل محمد»: اللَّهُمَّ أثبت وأدم ذكر محمد ودعوته وشريعته، وما أعطيته من التشريف والكرامة، وضاعفه وزده، وكثِّر أتباعه وأشياعه.
فحاصله: أن يعطوا من الخير أوفاه، وأن يثبت ذلك لهم ويستمر دائمًا.


[1] انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (4/125، 126)، والنهاية في الغريب (1/120)، وجلاء الأفهام (354)، وفتح الباري (11/162)، والقول البديع (211).


ثمرات وفضائل الصَّلاة على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر من أن تحصى ـ وكثير منها لا يثبت بدليل صحيحٍ ـ[1]؛ ومنها: رفع الدّرجات، ومحو السّيّئات، وصلاة الله تعالى على العبد، وأنَّها سبب لغفران الذّنوب، ونيل الرَّحمات والبركات، وكفاية الله العبد ما أهمَّه، وأنَّها سبب لقضاء الحوائج، وغير ذلك.
وتاركها متعرِّض للعقوبات الكثيرة[2]؛ ومنها: الدُّعاء بالإبعاد وحصول الشَّقاء، ووصفه بأنَّه أبخل النَّاس، وأنَّه يتحسَّر يوم القيامة، إلى غير ذلك من العقوبات والخسارات!


[1] انظر: جلاء الأفهام (521 ـ 536)، والقول البديع للسخاوي (235 ـ 301).
[2] انظر: القول البديع للسخاوي (302 ـ 322).


تقدّم أن التفسير المشهور للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم عند المتأخرين هو: الرحمة، وقد ردَّ طائفة من النَّاس هذا التفسير ـ وهو مردود لكن بغير هذا ـ بحجة أن الرحمة معناها: رقَّة القلب أو الطَّبع، وهذا المعنى مستحيل في حق الله تعالى! كما أنَّ الدعاء منه سبحانه وتعالى مستحيل[1] و«غير معقول في حقِّ الله تعالى؛ فإنه لا يدعو له ـ يعني: لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم ـ؛ لأن الدعاء للغير طلب نفعه من ثالث!»[2].
وهذا القول حقيقته: إنكار رحمة الله تعالى جملة؛ بل إنكار جميع صفاته سبحانه وتعالى! وهذه الشبهة ـ وهي خوف تمثيل وتشبيه الخالق بالمخلوقين ـ هي أصل ضلال الجهمية المعطلة، ومن تبعهم من المعتزلة، والكلاَّبية، والأشاعرة، والماتريديَّة، وغيرهم. وهم يتأوَّلون الرَّحمة بإرادة لوازمها؛ كالرِّضا، وإيصال الخير والنَّفع للعبد، والمعونة، ونحو ذلك.
وهم بذلك قد وقعوا في نظير ما فرُّوا منه! فهذه اللوازم هي مما يتصف به المخلوق أيضًا، فإن كان إثباتها لله تعالى لا يقتضي تمثيلاً ولا تشبيهًا فكذلك الرَّحمة ونحوها من صفاته تعالى، وإلا لزم المحظور ووقعوا في التناقض لا محالة!
فالواجب ـ وهو المذهب الحقِّ، مذهب أهل السُّنَّة والجماعة وسلف الأمَّة ـ إثبات صفات الله تعالى حقيقة، من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل.
أما قولهم بأنَّ الدُّعاء من الله تعالى مستحيل وغير معقول؛ فيقال[3]: الدُّعاء طلب، والطَّلب يتضمَّن أمورًا ثلاثة: طالبًا، ومطلوبًا، ومطلوبًا منه، ولا تتقوَّم حقيقته إلا بهذه الأركان الثلاثة، وتغاير هذه ظاهر إذا كان الطالب يطلب شيئًا من غيره؛ كمن يأمر غيره أو ينهاه ويستفهمه، أما إذا كان طالبًا من نفسه؛ فهنا يكون الطالب هو المطلوب منه، ولم يكن هنا إلا ركنان: طالب ومطلوب، والمطلوب منه هو الطالب نفسه. وطلب الإنسان من نفسه غير مشكل؛ لأنَّ الطلب من باب الإرادات، والمريد كما يريد من غيره أن يفعل شيئًا؛ فكذلك يريد من نفسه هو أن يفعله؛ فكذلك يطلب من نفسه، والإنسان قد يأمر نفسه وينهاها. فإذا كان معقولاً أنَّ الإنسان يأمر نفسه وينهاها ـ والأمر والنهي طلب، مع أنَّ فوقه آمرًا وناهيًا ـ؛ فكيف يستحيل ممَّن لا آمر فوقه ولا ناهي أن يطلب من نفسه فعل ما يحبُّه وترك ما يبغضه!؟ كما كتب ربُّنا سبحانه وتعالى على نفسه الرَّحمة ونصر المؤمنين وغير ذلك، وحرَّم عليها الظُّلم وتعذيب المؤمنين وغير ذلك.
فالصَّلاة من الله تعالى على نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم طلب من نفسه له بالثناء عليه وتعظيمه وتكريمه؛ فلا يشكل عليها بما ذكر. والحمد لله ربِّ العالمين.


[1] انظر: جلاء الأفهام (179).
[2] تفسير الرازي (25/183) [دار إحياء التراث العربي، بيروت].
[3] انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (2/642).


1 ـ «المنهاج في شُعَب الإيمان» (ج2)، للحليمي.
2 ـ «التمهيد» (ج16)، لابن عبد البر.
3 ـ «الشفا» (ج2)، للقاضي عياض.
4 ـ «المحرر الوجيز» (ج7)، لابن عطية.
5 ـ «الجامع لأحكام القرآن» (ج14)، للقرطبي.
6 ـ «جلاء الأفهام»، لابن القيِّم.
7 ـ «تفسير ابن كثير» (ج6).
8 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر.
9 ـ «القول البديع»، للسخاوي.
10 ـ «تفسير السعدي».