قال ابن فارس: «الصاد والميم والدال أصلان: أحدهما: القَصْد، والآخَر: الصَّلابة في الشَّيء. فالأوَّل: الصَّمْد: القصد. يقال صَمَدْتُه صَمْدًا. وفلان مُصَمَّدٌ، إِذا كان سيِّدًا يُقصَدُ إليه في الأمور. وصَمَدٌ أيضًا. والله جلَّ ثناؤه الصَّمَد؛ لأنه يَصْمِد إليه عبادُهُ بالدُّعاء والطَّلَب»[1].
وذكر الأزهري أن الصمد من أسماء الله، ثم نقل طائفة مما ذكر في معناه وخلاصته: أن (الصَّمَد) يكون بمعنى السيد الذي ينتهي إليه السؤدد في كل شيء، والمقصود الذي تتجه إليه الخلائق لقضاء حوائجها، والذي يسند إليه الأمر فلا يقضى دونه، والمُصْمَت الذي لا جوف له، والدائم الباقي بعد فناء الخلق[2].
[1] مقاييس اللغة (3/309) [دار الفكر، 1399هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (12/150 ـ 151) [دار الكتاب العربي، 1967م].
اسم الله (الصمد) يدل على اتصاف الله بجملة أوصاف الكمال، ونفي النقائص عنه فالصمد هو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، والسيد الذي قد كمل في سؤدده، والذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، والباقي الذي لا يفنى، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبّار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد[1].
[1] جاء هذا في أثر عن ابن عباس، أخرجه الطبري في تفسيره (30/344 ـ 347) [دار الفكر، 1405هـ]، وحسّن إسناده حكمت بشير في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (4/681) [دار المآثر، المدينة المنورة، ط1، 1420هـ]. وانظر: شأن الدعاء للخطابي (1/85) [دار الثقافة، ط1، 1404هـ]، والتوحيد لابن منده (2/62)، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية (123) [مكتبة دار البيان، 1405هـ].
دلت الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على ثبوت اسم (الصمد) لله تعالى، فمنها قول الله تعالى: {اللَّهُ الصَمَدُ *} [الإخلاص] .
وثبت في السُّنَّة الحديث القدسي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: «كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي: أن يقول: إني لن أعيده كما بدأته، وأما شتمه إياي؛ أن يقول: اتخذ الله ولدًا، وأنا الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفؤًا أحد»[1].
وجاء أيضًا من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: «سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يدعو وهو يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك، بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، قال: فقال: والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4975).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1493)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3475) وحسَّنه، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3857)، وأحمد (38/45) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (5/229) [مؤسسة غراس، ط1].
قال ابن منده: «ومن أسماء الله عزّ وجل: الصمد»[1].
وقال ابن تيمية: «والاسم (الصمد) فيه للسلف أقوال متعددة قد يُظن أنها مختلفة؛ وليس كذلك؛ بل كلها صواب. والمشهور منها قولان؛ أحدهما: أن الصمد هو الذي لا جوف له. والثاني: أنه السيد الذي يُصمد إليه في الحوائج، والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة. والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين والآثار المنقولة عن السلف بأسانيدها في كتب التفسير المسندة وفي كتب السُّنَّة وغير ذلك»[2].
وقال ابن كثير: «وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السُّنَّة له[3]، بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسير (الصمد): وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا عزّ وجل وهو الذي يُصمَد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه»[4].
[1] التوحيد لابن منده (2/62).
[2] تفسير سورة الإخلاص (35) [الدار السلفية، ط1].
[3] هو كتاب مفقود.
[4] تفسير ابن كثير (4/571) [دار الفكر، يروت، 1401هـ]، وانظر: تفسير السعدي (1/937)، وفتح الرحيم الملك العلام للسعدي (51) [دار ابن الجوزي، ط2].
يتعلق بهذا الاسم صفة الصمدية التي يدل عليها اسمه الصمد، وهي تدل على كماله التام في جميع صفاته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «واسمه الصمد ينفي أن يجوز عليه التفرق والانقسام وما في ذلك من التركيب والتجسيد، وذلك لأنه سبحانه وصف نفسه بالصمدية كما وصف بالأحدية، وهو سبحانه ليس كمثله شيء في جميع صفاته؛ بل هو كامل في جميع نعوته كمالاً لا يشبهه فيها شيء فهو كامل الصمدية كما أنه كامل الأحدية»[1].
وقال أيضًا: «فإنّ الصمد هو الذي لا يدخل فيه شيء، ولا يخرج منه شيء، فخروج الخارج ولو كان كرشح المسك ينافي الصمدية التي هي من لوازم البارئ، فيكون لزوم الحدث للآكل دالاً على نفي إلهيته منْ هذه الجهة أيضًا. والصمدية هي المنافية للأكل والشرب وسائر ما يدخل ويخرج»[2].
[1] بيان تلبيس الجهمية (3/487) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1، 1426هـ].
[2] جامع المسائل (1/117) [دار عالم الفوائد، ط1].
ذهب المخالفون في هذا الباب إلى وجوب تأويل اسم الله الصمد، لاستدلال المشبهة به ـ كما زعم الرازي ـ على أن الله جسم، وذكر أن الصمد فعل بمعنى مفعول فقط؛ أي: أنه المصمود إليه في الحوائج، وأنكر تفسير الصمد بأنه الذي لا جوف له وحمل هذا التفسير على المجاز[1].
[1] انظر: أساس التقديس للرازي (125 ـ 126) [مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1406هـ].
لا شك أن هذا التأويل فاسد من وجوه عديدة يمكن اختصارها كما يلي:
ـ تناقض الرازي في كلامه على اسم الله الصمد يدل على فساد دعواه، فقد ذكر أولاً أن سورة الإخلاص بكاملها من أدلته على نفي ما سماه بالجسمية والحيز والجهة عن الله، وذكر أن السورة محكمة، وأن كل مذهب يخالفها باطل[1].
ولكن لما أراد إبطال تفسير اسم الله الصمد بأنه الذي لا جوف له، ذكر السورة ضمن المتشابه من الآيات والأخبار[2] الذي لا يحتج به في مذهبهم على الصفات، وإنما يؤول أو يفوض.
ـ إن تفسير اسم الله الصمد بأنه الذي لا جوف له ثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة والتابعين، وردّ ما كان كذلك باطل لا محالة.
ـ إن جعْل (الصمد) بوزن (فَعَل) بمعنى (مفعول) فقط غير صحيح؛ فقد يكون أيضًا (فَعَل) بمعنى (فاعل).
ـ صيغة (فَعَل) في الصفات قد لا تكون بمعنى المفعول بل تكون بمعنى الفاعل؛ كقولهم: أحَد وبطَل، فلم قلت: إن (فعَلا) هنا بمعنى (مفعول)؟ وهلا تكون بمعنى الفاعل، وهو الصامد المتصمد في نفسه، وإن كان ذلك يستلزم أن يكون مقصودًا لغيره، وهذا أرجح.
ـ إن تفسير الصمد بأنه الذي لا جوف له مع كونه هو أشهر التفاسير في هذا الاسم الحسن العظيم عن الصحابة والتابعين، وقد روي تفسيره مرفوعًا، وإن كان لا منافاة بين هذا المعنى وبين سائر المعاني التي ذكرها الصحابة والتابعون في معنى هذا الاسم، فإن الاسم ينتظم ذلك كله، فاللفظ يدل عليه دلالة ظاهرة باللغة العربية الفصيحة التي نزل بها القرآن[3].
[1] انظر: أساس التقديس للرازي (30 ـ 32).
[2] انظر: المرجع السابق (103).
[3] انظر لهذا الوجوه: بيان تلبيس الجهمية (7/489 ـ 553).
1 ـ «أسماء الله الحسنى»، لعبد الله الغصن.
3 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج3، و7)، لابن تيمية.
4 ـ «تفسير الطبري» (ج30).
5 ـ «تفسير سورة الإخلاص»، لابن تيمية.
6 ـ «الرسالة الأكملية فيما يجب لله من صفات الكمال»، لابن تيمية.
7 ـ «شأن الدعاء» (ج1)، للخطابي.
8 ـ «فتح الرحيم الملك العلام»، للسعدي.
9 ـ «المناهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج1)، لزين محمد شحاتة.
10 ـ «النهج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن الحمود النجدي.