الصُّنع مصدر الفعل صنع يصنع صُنعًا؛ إذا عمل شيئًا ما. قال ابن فارس: «الصاد والنون والعين أصلٌ صحيح واحد، وهو عملُ الشيء صُنْعًا. وامرأة صَنَاعٌ ورجلٌ صَنَعٌ؛ إِذا كانا حاذقَين فيما يصنعانه. والصَّنِيعة: ما اصطنعتَه مِنْ خير. والتصنُّع: حُسن السَّمْت. وفرسٌ صَنِيعٌ: صَنَعَه أهلُه بحُسْن القِيام عليه. والمَصانع: ما يُصنَعُ من بئرٍ وغيْرِها للسَّقي. ومن الباب: المُصانَعة، وهي كالرِّشْوة»[1].
وقال الجوهري: «الصُّنع بالضم: مصدر قولك: صنَع إليه معروفًا. وصنع به صنيعًا قبيحًا؛ أي: فعل. والصِّناعة: حرفة الصانع، وعمله الصَّنْعة. وصنعة الفرس أيضًا: حسن القيام عليه، تقول منه: صنعت فرسي صَنْعًا وصَنْعة، فهو فرس صنيع»[2].
[1] مقاييس اللغة (3/313) [دار الجيل، ط2].
[2] الصحاح (603) [دار المعرفة،، ط1، 1426هـ].
قال العلاَّمة ابن القيِّم: «وقد أطلق سبحانه على فعله اسم الصنع، فقال: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] ، وهو منصوب على المصدر؛ لأن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] يدل على الصنعة، وقيل: هو نصب على المفعولية؛ أي: انظروا صنع الله، فعلى الأول يكون (صنع الله) مصدرًا بمعنى الفعل، وعلى الثاني يكون بمعنى المصنوع المفعول؛ فإنه الذي يمكن وقوع النظر والرؤية عليه»[1].
[1] شفاء العليل (132 ـ 133) [دار المعرفة، 1398هـ].
يوصف الله عزّ وجل بأنه صانع كل شيء، كما في قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] . وكما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: «إن الله يصنع كل صانع وصنعته»[1].
[1] أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (2/66) [دار أطلس الخضراء، ط1، 1425هـ]، وابن منده في التوحيد (1/267) [الجامعة الإسلامية، ط1، 1409هـ]، والحاكم في المستدرك (كتاب الإيمان، رقم 86) وصحَّحه، والبيهقي في القضاء والقدر (1/344) [مكتبة الرشد، ط1، 1426هـ]، وصحَّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم 1637).
قال أبو موسى المديني: «قوله تبارك وتعالى : {صُنْعَ اللَّهِ}؛ أي: قوله وفعله»[1].
وقال أبو بكر السجستاني في قول الله تعالى: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: 88] : «أي: فعل الله عزّ وجل»[2].
قال ابن كثير: «وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] ؛ أي: يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي قد أتقن كل ما خلق، وأودع فيه من الحكمة ما أودع»[3].
[1] المجموع المغيث في الغريب (2/295) [ط1، 1408هـ].
[2] غريب القرآن للسجستاني (310) [دار قتيبة].
[3] تفسير ابن كثير (6/217) [دار طيبة، ط2].
يتعلق بهذا الوصف لفظ: (الصانع) الذي أخذه بعض أهل العلم بالاشتقاق، من مثل قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] ، وعدُّوه من الأسماء الحسنى[1]، وهذا غير صحيح؛ لأن أسماء الله توقيفية فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولذا اشتد نكير بعض العلماء المحققين على هذا الصنيع. قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله: «إن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه؛ بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإن هذه الألفاط لا تدخل في أسمائه، ولهذا غلَط من سماه الصَّانع عند الإطلاق؛ بل هو الفعّال لما يريد؛ فإن الإرادة والفعلَ والصُّنعَ منقسمة، ولهذا إنَّما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلاً وخبرًا»[2].
[1] انظر على سبيل المثال: الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (1/172) [دار الراية، ط2، 1419هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/74) [مكتبة السوادي، ط1].
[2] بدائع الفوائد لابن القيم (1/169) [مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1، 1416هـ].
الفرق بين الخالق وبين الصانع:
ـ أن الخالق اسم من أسماء الله الحسنى الثابتة بالكتاب والسُّنَّة، فمن الكتاب قول الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الحشر] ، ومن السُّنَّة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «غلا السعر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله لو سعَّرْت، فقال: إن الله هو الخالق القابض الباسط الرّزّاق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال»[1].
وأما الصانع فليس من أسماء الله الحسنى؛ لعدم وروده بصيغة الاسم، وإنما ورد صفة لله تعالى، والله لا يُسمَّى إلا بما سمَّى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فيوصف الله بالصنع، ويخبر عنه بأنه الصانع، ولكن لا يسمى به.
ـ إن اسم الخالق يدل على الكمال المطلق، بخلاف الصانع؛ فإنه منقسم إلى كمال ونقص، لذا فلا يوصف الله به بإطلاق، ولا ينفى عنه بإطلاق، وإنما يطلق عليه منه كماله كما تقدم بيانه.
[1] أخرجه بهذا اللفظ: أحمد (20/46) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب البيوع، رقم 2587)، وابن حبان (كتاب البيوع، رقم 4935)، والضياء في المختارة (6/337) [دار خضر، ط3]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1846). وأصل الحديث عند أبي داود (كتاب البيوع، رقم 3451) وغيره، دون ذكر لفظة (الخالق) في متنه.
تقدم بيان اتصاف الله بالصنع، وتفرده بإيجاد هذا الكون بما يحويه من بديع الصنع، وعجيب الخلق، ويطلق الصنع ويراد به الصفة؛ أي: الفعل، ويطلق أيضًا ويراد به المصنوع[1].
وقد تقدم بيان موقف المخالفين من أفعال الله والرد عليهم في مصطلح أفعال الله، وخلاصته: أن المخالفين من الجهمية وسائر المتكلمين لا يفرقون بين الصنع والمصنوع، لذا يجعلون الصنع عين المصنوع، وعليه فهم لا يثبتون لله الصفات الفعلية، وهذا في غاية البطلان لمخالفته الكتاب والسُّنَّة ومأثور سلف الأمة.
[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/121)، وشفاء العليل (132 ـ 133).
1 ـ «الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية»، لآمال العمرو.
2 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيِّم.
3 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
4 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج3)، لابن تيمية.
5 ـ «شفاء العليل»، لابن القيِّم.
6 ـ «طريق الهجرتين»، لابن القيِّم.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج8)، لابن تيمية.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد التميمي.
9 ـ «نهاية الإقدام»، في علم الكلام.